الرجاءُ المسيانيّ اليهوديّ
۲۸ نوفمبر ۲۰۲۳مسيحُنا الفائق المجد
۳۰ نوفمبر ۲۰۲۳قبول المسيّا اليهوديّ
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [السادس] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ الحياة اليهودية في أيام يسوع].
كيف قَبِلَ أو رفَضَ اليهودُ يسوعَ في السنوات الأولى للكنيسة؟ كيف تفاعلَ الشعبُ اليهوديّ مع دمار هيكلهم بطريقة مأساويّة في أورشليم عام 70 ب. م.؟ كيف ساهم هذا الحدث في تشكيل هُوّيّتَهم في العقود التي تلت ذلك؟
الإيمان اليهوديّ في الكنيسة الأولى
الاتّجاه السائد والمؤسف هو تجاهل أو تهميش الإيمان اليهوديّ بيسوع في الكنيسة المولودة حديثًا. وقد كان يسوع نفسه، وهو يهوديّ من الناصرة، من نسل يهوذا (متّى 1: 1-17؛ لوقا 3: 23-38؛ رومية 1: 3). والتلاميذ الاثنا عشر كانوا أيضًا يهودًا. كما نرى في خدمة يسوع أنّه كان يركّز بشكل ملحوظ خلال تنقّله على الوصول إلى الشعب اليهوديّ. تُقدّم لنا الأناجيل الأربعة يسوع على أنّه كان يولي الأولويّة لنشر رسالته بين اليهود. حتّى أنّ يسوع قال لتلاميذه: "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لَا تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لَا تَدْخُلُوا. بَلِ ٱذْهَبُوا بِٱلْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ" (متّى 10: 5-6). لا بل إنّ سفر أعمال الرسل يُسجّل خلاص بقيّة باقية من اليهود في أورشليم، ثمّ خلاصَ الأمم. يقول الرسول بولس إنّ "الخلاص" هو "لليهود أوّلًا" (رومية 1: 16). ومع ذلك، هذا لا يعني أنّ الأمم هم مواطنون من الدرجة الثانية، لأنّ اليهود والأمم يشكّلون إسرائيل الحقيقيّة، ويُتمّمون في نهاية الزمان وعود الاسترداد في العهد القديم (انظر مثلًا، أفسس 3: 1-13؛ 1بطرس 2: 9-11).
عدم إيمان اليهود في القرنَيْن الأوّل والثاني
منذ البداية، بقي أغلب اليهود يُظهرون عداوة ليسوع. "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ" (يوحنّا 1: 11). لقد فشلوا في الإيمان به لأسباب كثيرة منها: القراءة غير الصحيحة للعهد القديم (لوقا 24: 25-27؛ يوحنّا 5: 38-47)؛ عبادة الأوثان، أو عبادة التقاليد البشريّة بدلًا من عبادة الله (مَرْقس 4: 10-12؛ 7: 13؛ يوحنّا 12: 37-42)؛ واضطهادهم المستمرّ لأنبياء الله الأبرار (مَرْقس 12: 1-12). وبسبب تسمير أمّة إسرائيل مسيحِها، ابن الله، على الصليب، سكب الله جام غضبه عليهم بشكل نهائيّ من خلال تدمير هيكل أورشليم في عام 70 ب. م.
دمار الهيكل
تمّ تدمير الهيكل، وهو أمر كان يسوع قد تنبّأ به (مَرْقس 13: 24-31)، في عام 70 ب. م. ولم يأتِ تخريب أورشليم وتدمير البناء المركزيّ لإسرائيل بين ليلة وضحاها. امتدّت الثورة اليهوديّة الأولى في الفترة الممتدّة بين الأعوام 66 إلى 70 ب. م.، وبلغت ذروتها بتدمير أورشليم. وفي خريف عام 66 ب. م.، استولى مفوّض روما، فلوروس، على ذهب الهيكل، الأمر الذي أدّى إلى إشعال صراع مع اليهود. من المحتمل أنْ المسيحيّين في أورشليم فرّوا شمالاً إلى بيلا، وهي مدينة تقع على بعد عشرين ميلًا جنوب الجليل. وفي السنوات القليلة التالية، استمرّ تدهور علاقة روما بالشعب اليهوديّ. في صيف من عام 69 ب. م.، أصبح فيسباسيان إمبراطورًا لروما، وعَيّن ابنَه تيطس لقيادة الجيش الروماني في نهب أورشليم. وبعد مرور عامٍ واحد، اخترق تيطس أحد أسوار أورشليم. وفي أغسطس من عام 70 ب. م.، سقطت مدينة أورشليم، فنهب الجنود الرومان المدينة، ودنّسوا الهيكل، وذبحوا الآلاف من اليهود، ورحّلوا كثيرين إلى روما.
تأسيس الحاخاميّة اليهوديّة
أثّر سقوط الهيكل على الثقافة والقيادة اليهوديّة بشكل عميق. نتيجةً لذلك، من الطبيعيّ أنْ ينتهيَ دور السنهدرين، وهو الهيئة الحاكمة القويّة في أورشليم التي حكمت الأمّة. جميع الطوائف اليهوديّة المختلفة، باستثناء الفرّيسيّين، لم تعد موجودة، كالصدّوقيّين والأسينيّين والغيورين والهيروديّين. الفرّيسيّون هم المجموعة اليهوديّة الوحيدة التي بقيت قائمة. يُلخّص اللاهوتي ديفيد إنستون بروير الوضع بشكل جيّد: "فَقَدَ الصدّوقيّون مركزَ نشاطهم (الهيكل)، وفَقَدَ الأسينيّون سبب تمرّدهم، وأصبحت محاولة الفرّيسيّين بنسخ أنشطة الهيكل والقيام بها في البيوت والمجامع والمدارس الطريقة الوحيدة للتعبير عن الطقوس اليهودية." كان تدمير الهيكل حافزًا للعودة للتأمّل من جديد في كُتب إسرائيل المقدّسة. خلافًا للرسل، الذين اعتبروا أنّ حياة المسيح وموته وقيامته هي محور الكتاب المقدّس، نظر هؤلاء المفسّرون اليهود إلى أمّة إسرائيل باعتبارها المركز.
وفقًا لبعض التقاليد اليهوديّة، تمّ تهريب الحاخام اليهودي يوحنان بن زكاي من أورشليم في تابوت، وهو أحد قادة مدرسة هليل للشريعة اليهوديّة، قبل تدمير أورشليم. ثمّ قام بزيارة فيسباسيان وتنبّأ بأنّه سيصبح قريبًا إمبراطورًا لروما. نتيجةً لذلك، سمح له فيسباسيان بإنشاءِ مدرسةٍ في يافنيه أو جامنيا على ساحل البحر الأبيض المتوسط في إسرائيل. ومن هناك سينمو نوع جديد من اليهوديّة. اجتمع الهلاليّون في يافنيه، ونتج عن اِتّباع معلّمي اليهود لهم كميّة هائلة من الكتابات.
تتألّف الكتابات الحاخاميّة إلى حدّ كبير من نوعين أدبيّين: halakhic (تشريعيّة) و aggadic (غير تشريعيّة). يحتل الميشنا والتوسفتا الصدارة ضمن المواد التشريعيّة. أخيرًا، تمّ تجميع الميشنا حوالي عام 200 ب. م. وهو الأقدم من الاثنين، ويحتوي على مناظرات وأحكام يهوديّة مُصنّفة تحت ستّة مواضيع. تمّ تقسيم كلّ موضوع إلى عدّة أبحاث، يبلغ مجموعها ثلاثة وستين بحثًا. قد يعود التقليد الشفهي للميشنا إلى أوائل القرن الأوّل الميلاديّ، وقد تظهر بعض المناظرات في الأناجيل (مثلًا في متّى 19: 1-12 ). يعلّق تلمود بابل وتلمود أورشليم اللذان تمّ تجميعهما حوالي عام 400-600 ب. م. على وصايا الميشنا الستّة ويشرحانها. يُسمّى هذا التفسير gemara، وهو يُشبه إلى حدّ بعيد الكتاب المقدس وقصص الحاخامات اليهوديّة الشخصيّة. ومن بين الكتابات الحاخامية الأخرى على صعيد المثال لا الحصر، midrashim و targumim.
الثورة اليهودية الثانية
في حين أنّ العلماء غير متأكّدين من السبب الدقيق وراء ثورة بار كوخبا (132-135 ب. م.)، إلّا أنّه يبدو على الأقلّ أنّ روما هي التي حرّضت عليها. استخدم سمعان بن كوسيبا (الذي يُطلق عليه مُعجبوه اسم بار كوخبا أو "ابن النجم"؛ انظر سفر العدد 24: 17) صحراء يهودا كقاعدة لعمليّاته، مستغلًا الكهوف والأنفاق التي تمّ حفرها في الأرض. وبسبب عدم وجود روايات تاريخيّة مُفصّلة، لا نعرف إلّا القليل عن الثورة نفسها. وعلى الرغم من أنّ الجيش الرومانيّ تكبّد خسائر فادحة، إلّا أنّه في النهاية قضى على المقاتلين اليهود. حوّل الرومان أورشليم رسميًّا إلى مدينة رومانيّة وأطلقوا عليها اسم Aelia Capitolina، تيمّنًا بالإمبراطور، تاركين اليهود بلا وطن.
الخُلاصة
بدأ شعب الله في جنّة عدن وهم مُستمرّون حتّى وصولهم إلى سماء وأرض جديدة. إنّ المؤمنين بالمسيح، سواء كانوا من العرق اليهوديّ أو من الأمم، يُشكّلون إسرائيل الله الحقيقيّة. رفضَ أغلب اليهود يسوع كابن لله، الأمر الذي أدّى إلى ولادة اليهوديّة الحاخاميّة، وهي شكل من أشكال اليهوديّة المستمرّة حتّى يومنا هذا. ومع ذلك، في مجتمع العهد الحقيقيّ، كان الله يحافظ دائمًا على بقيّة باقية من اليهود المؤمنين، وهي لا تزال موجودة حتّى هذا اليوم (رومية 9-11). على المسيحيّين أن يكونوا عازمين على مشاركة الأخبار السارّة عن حياة المسيح وموته وقيامته البدليّة لليهود غير المؤمنين، لأنّه، على حدّ تعبير بولس، كان الشعب اليهودي قد "ٱسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ ٱللهِ" (رومية 3: 2).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.