محبّة وعدالة وغضب
۱ نوفمبر ۲۰۲۳العِلْمُ الكُلّيّ
٦ نوفمبر ۲۰۲۳القدرة الكليّة
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الخامس] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].
يعلن الكتاب المقدس أنّ الله هو "إِلَهُ ٱلْآلِهَةِ ٱلرَّبُّ" (يشوع 22: 22). إنّه الله الذي يتمتّع بقدرة لا حدودَ لها، تُعرف بين صفاته الأخرى بالقدرة الكليّة، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية omni (الكلّ) و potentia (القوّة). هذه الصفة مطابقة لكيان الله المجيد كما هي مُعلنة في ظروف مُعيّنة. إنّها الصفة النابضة بين أسمائه، مثل "الربّ" (مزمور 2: 7)، و"ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ" (1 تيموثاوس 6: 15). ويتردّد صداها في الكتاب المقدّس بوصفها بكلمات بشريّة مثل "يَمِينُكَ" (خروج 15: 6) و"ذِرَاعُ ٱلْقُدْرَةِ" (مزمور 89: 13). وهي مُعلنة في عمله في الخليقة (إرميا 51: 15)، وعنايته الإلهيّة (أعمال الرسل 17: 25)، والفداء (2بطرس 1: 3)، والدينونة (رومية 9: 17)، وإخضاع كلّ شيء (فيلبي3: 21). ببساطة، لأنّ الله هو الله، هو دائمًا وبلا تغيير كلّي القدرة.
على الرغم من بساطة هذه الحقيقة الكتابيّة، يُمكن لسوء الفهم أنْ ينسلّ داخلنا. سوف نتأمّل في سؤالَيْن ينالان أحيانًا إجابات مُضلِّلَة. أوّلًا، هل قدرة الله الكليّة تعني أنّ الله قادر على فعل أيّ شيء يريد؟ أو بتعبير آخر، هل يوجد أيّ شيء لا يستطيع الله أنْ يفعلَه؟ ثانيًا، كيف يوفّقُ الكتاب المقدّس بينَ قدرةِ الله الكليّة وواقع وجود الشرّ؟
نطاق قدرة الله الكليّة
ردًّا على السؤال الأوّل، يؤكد الكتاب المقدّس أنّ اللهَ قادرٌ أنْ يفعلَ أكثر بكثير ممّا حدّد أنْ يفعلَه في العالم. كما أعلنَ يسوع، "أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ ٱلْآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ ٱلْمَلَائِكَةِ؟" (متى 26: 53). الله قادر أنْ يُقِيمَ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ أَوْلَادًا لِإِبْراهِيمَ (3: 9). في الواقع، هو قادرٌ أنْ يفعل أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ (أفسس 3: 20). لذلك، عندما سألَ الله إرميا: "هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَّا" (إرميا 32: 27)، الإجابة الصحيحة هي لا، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللهِ (راجع لوقا 1: 37). لهذا السبب، ينبغي علينا أنْ نشكرَ اللهَ على ما حدّده ليفعله، ليس لأنّه غير قادر على فعلِ أيّ شيء آخر، بل لأنّ ما شاءَ الله أنْ يفعلَه هو الأفضل، لأنّه بالضبط شاءَ ذلك.
ولكن هل قدرةُ الله المطلقة تعني أنّه يستطيع حرفيًّا أنْ يفعلَ أيّ شيء؟ قالَ البعضُ إنّه لو كان الأمر كذلك، فستشكّل صفة قدرة الله الكليّة مُعضلة. وتابَعوا قائلين، إنْ كان الله قادرًا على فعل أيّ شيء، فهذا يعني أنّه قادر أنْ يخلقَ صخرةً ثقيلةً جدًّا لدرجة أنّه لن يكون قادرًا على رَفعها، وإلّا، فهو غير قادر أنْ يخلقَ شيئًا كبيرًا جدًّا يفوق قدرتَه – وفي الحالتَيْن، هذا سيقضي على صفة قدرته المطلقة. المشكلة في تخمينات مثل مثل هذه، هي أنّ قدرة الله الكليّة تستلزم عدم قدرته على فعل إلّا ما هو ممكنٌ من الناحية المنطقيّة. ولكن الآن يُطرحُ سؤالٌ آخر: هل قوانين المنطق أعلى من الله، لدرجة أنّها قادرة على تقييده بمجموعة محدودة من الخيارات التي تُلزمه أنْ يختارَ منها لإظهار قدرته التي أصبحتْ الآن أقلّ من قدرة غير محدودة؟ لا على الإطلاق، لأنّه ليس نحن من يُحدّد ما هو منطقيّ، بل شخصُ الله ومشيئتُه المُقدَّسة. وهكذا، من المستحيل أن يكذب الله (عبرانيين 6: 18) أو أنْ يتغيّرَ (يعقوب 1: 17) أو أن يُنكِر نفسَه (2 تيموثاوس 2: 13) أو أنْ يُجرِّبَ أحدًا بالشرور (يعقوب 1: 13). باختصار، عندما يمارسُ الله قدرتَه الكليّة، الله نفسه هو الذي يحدّد ما هو مُمكن، وبإرادته يفعل كلَّ ما يشاء بالتوافق مع طبيعته المُقدّسة، بحريّة تامّة وبشكل كامل، وكلّ ذلك لمجده.
عند النظر إلى قدرة الله الكليّة بهذا المفهوم، ستتألّق كونها أمجد أنواع القدرة غير المحدودة. وكما علّم رئيس الأساقفة أنسلم كانتربري، فإنّ القدرة على الغشّ أو الخداع أو مناقضة الذات، ليست قوى على الإطلاق، إنّها هي نوع من الضعف. بما أنّه لا يوجد ضعف في الله، فإنّ حقيقةَ أنّ الله لا يقدر أنْ يُنتجَ تناقضات وأنْ يغيّرَ مَنْ هو، هذه الحقيقة لا تقلّل من قدرته الكليّة، بل تُبرزها. وكما قال تشارلز هودج: "بالتأكيد، قولُنا عن الكمال إنّه لا يستطيع أنْ يكون غير كاملٍ، لا ينتقص شيئًا من كماله." وهكذا، إنّ قُدرة الله الكليّة هي التعبير المجيد عن كماله التامّ وسيادته المطلقة. يجسّد التعليمُ المسيحيّ للأولاد روعة هذه الحقيقة بطرحه هذا السؤال: "هل يستطيع الله أنْ يفعلَ كلّ شيء؟" الإجابة: "نعم؛ إنّ الله قادر أنْ يفعلَ كلّ مشيئته المقدّسة."
قدرة الله الكليّة على الشرّ
هذا يقودُنا إلى طرحِ السؤال الثاني: هل بإمكاننا مُصالحة قدرةِ الله مع حقيقةِ وجودِ الشرّ؟ إنْ كان الله، بقدرته الكليّة، قادر فقط على إظهار شخصه القدّوس والصالح، فكيف يمكن أنْ يكونَ الشرّ موجودًا في العالم؟ أحيانًا، تقودُ صرخاتُ قلوبِ المؤمنين وغيرَ المؤمنين الشخصيّة التي تقطع القلب ("كيف سمح الله بحدوث هذا؟" أو "أين كان الله عندما حدثَ هذا؟") إلى الشكّ بقدرة الله الكليّة أو حتّى إلى إنكار وجودها. يطرحُ هذا أمامنا نسخةً واحدة ممّا يسمّى بمُعضلة الشرّ: إنْ كان الله كليّ الصلاح، والشرّ موجود، فلا يُمكن أنْ يكونَ اللهُ كلّيّ القدرة.
مرّة أخرى، يوجد افتراض خفيّ وراءَ هذا التحدّي الموجّه ضدّ القدرة الإلهيّة الكليّة. تفترضُ هذه الحُجّة أنّ الله الصالح والقدير سيتدخّل دائمًا ليحولَ حالًا دونَ الشرّ. لكنّ الكتابَ المقدّس يُعلّمنا أنّ الله أمرَ بالشرّ (على الرغم من أنّ الإنسان يبقى مسؤولًا عن الشرّ وليس الله. سفر الجامعة 7: 29)، وأحدُ الأسباب وراء ذلك هو ليُظهرَ سلطانه على الشرّ، وليتمّمَ مقاصدَه الصالحة من خلال الشرّ (مثلًا، تكوين 50: 20). وما أقولُه ليس كلامًا مبتذلًا، بل هذه هي الثقة التامّة والتعزية الكبيرة لكلّ مسيحيّ متواضع في وجه مصاعب هذه الحياة وخيبات أملِها ومآسيها. إنّ الله كليّ القدرة، وهو صالح بكليّته. ونحن كلّنا ثقة بأنّ كليهما أساس حقيقيّ للرجاء والتشجيع لكلّ قلب مؤمن.
القدرة الكليّة والإنجيل
إنّ الوحيَ المركزيَّ والأكثرَ دهشةً عن شخصِ الله الكليّ القداسة من خلال قدرته الكليّة على الشرّ، موجود في إنجيل يسوع المسيح. عندما شفى يسوع الأعرج، وهدّأ الرياح، وفتحَ عيونَ العُمي، وقام ظافرًا على الموت، أظهرَ نفسَه أنّه "قُوَّة ٱللهِ وَحِكْمَة ٱللهِ" (1 كورنثوس 1: 24). هو مُستمرّ بعمله القدير في إحياء قلوب الذين يجذبهم الآب إليه بطريقة لا يُمكنهم مقاومتها، وسوف يتمّم الله عملَ خلاصِه فيهم في اليوم الذي يُقيم فيه شعبه إلى المجد الذي لا يفنى (يوحنا 6: 44). وعندما يدين العالم، ويُعيد خلق الكون، ويأتي بالسماء إلى الأرض، فإنّ جوقة القدّيسين المجتمعة سوف تترنّم بجبروته قائلةً: "هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلَهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (رؤيا يوحنّا 19: 6).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.