في وسْطكم
۲ يناير ۲۰۲٤برٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الروحِ القدس
۹ يناير ۲۰۲٤لستم من هذا العالم
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [التاسع] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ مملكة الله].
إنّ الحملاتِ الصليبيّة والاضطهاد والثورة والتعليم والمفاهيم العلمانيّة للعدالة الاجتماعيّة، هي بعض الوسائل التي تمّ اللجوءُ إليها كمحاولات فاشلة لبناء الملكوت. إنْ كانتِ الأفعالُ الخاطئة تنبع من مفاهيمَ خاطئة، فقد سبق أن أوضحَ يسوع أنّ حُكمَه هو على النفوس قبلَ أنْ يكونَ على الأرض. لو قام إنجيلُ الله بعكس سقوط آدم، فلا يمكن استعادة الحياة البشريّة والسيادة عليها إلّا من خلال حلّ روحيّ لمشكلة الخطيّة. أظهَرَ دانيال قادة العالم كأشخاص خاضعين لشخصيّة سماويّة مجيدة (دانيال 7: 13-14). وتوضح المزامير والأنبياء أنّه لا يُمكن للزمان والمكان أنْ يَحُدّا من سيادة داود المستقبلية (مزمور 8: 1-9؛ 72: 17؛ إشعياء 9: 6-7).
إنَّ القصدَ من كلّ إنجيل يوحنّا هو قصد روحيّ بالكامل. فهو يُقدّم الكلمة الذي صار جسدًا من خلال جمعه لآيات وأقوال، بهدف أنْ يؤمنَ القُرّاء وينالوا الحياة الأبديّة (يوحنا 20: 30-31). إنّ المُصطلحات الصريحة عن الملكوت غائبة إلى حدّ كبير عن إنجيله. وهو يُفضّل استخدام مصطلحات مثل "الحياة الأبديّة" التي تتجنّب أيّ دلالات سياسيّة بشريّة. إنّ الولادة الجديدة التي يهبها الروح القدس ضروريّة لدخول الملكوت (يوحنّا 3: 3-8). إنّ العبادة الروحيّة التي يطالب بها الله تجعل الجغرافيا أمرًا غير مُهمّ (4: 19-24). الذي سيُتوّج ملكًا يُهدّئ الحشودَ المضلَّلة الذين وصلت فيهم الحماسة القوميّة إلى درجة الغليان (6: 14-15). هذا الراعي الملكيّ يُخلّصُ الخرافَ ليس عن طريق طرد روما، بل عن طريق التضحية بحياته (10: 10-18). صليبُه هو تاجُه الذي سيُتوّج به بعد أنْ يُعلّق فوق الأرض (12: 32-34). وعندما يجلس في المجد بعد قيامته، سوف ينشّط انسكابُ الروح القدس إرساليّة الإنجيل (16: 7-14). وسوف تكون الحاجة إلى الآب لتحقيق وِحدة الإيمان الروحيّ لقطيعه (17: 16-23). سيُثبتُ بطرس محبّتَه بإطعامه الحقّ للخراف (21: 15-18).
إنّ القاءَ القبض على ربّنا ومحاكمتِه قضى على كلّ رجاءٍ أرضي. وعندما لوّح بطرس بسيفه، كان لا بدّ من إعادته إلى غمده سريعًا، بينما يتمّ استبدال أذن ملخس بأذن أخرى (18: 10-12). يستسلم المسيحُ بلا مقاومة للمحاكم البشريّة الظالمة (18: 13-19: 16). يريد بيلاطس أنْ يعرفَ ما إذا كان يسوع بالفعل مُذنبًا بالتحريض على الفتنة، وإنْ لم يكن كذلك، فما هي طبيعة سيادته (18: 33-37). تُقدّم الكلمات والأعمال السابقة دليلًا كافيًا على أنّ العالمَ الذي يسود عليه ليس اليهوديّة أو أورشليم (18: 36)، وبالتالي "ليس من هذا العالم" أو "من هذا المكان." لو كان يُفترض أنْ ترنَّ عبارة "يسوع هو الملك" في كلّ أذن، فهذا فقط لكي يُخلّص المؤمنينَ من هذا النظام العالميّ الشرّير الهالك. يتمّ إنكار جميع مفاهيم الملكوت العالميّة بشكل منهجيّ– فملكوتُ المسيح في أصلِه ومصيره، هو ملكوت متعال، من عالم آخر، من عالم روحيّ وأبديّ.
لذلك، يجب على المسيحيّين، وبصورة شخصيّة، أنْ يَعمَلوا بالتأكيد على نشر وتقدّم الحقيقة. يتمّ تلبية الاحتياجات الجسديّة خدمة للحقيقة. ومع ذلك، فإنّ المَهمّة المركزيّة الجماعيّة هي خدمة الكلمة على الأرض. يجبُ تخصيص الوقت الرئيس للكنيسة في الكرازة بالمسيح مصلوبًا، مختومًا بالأسرار، وبشكل مستعجل (إذا لزم الأمر) من خلال الانضباط. إنّ العملَ المرسليّ المشبع بالصلاة، والبثّ الإعلامي بالإنجيل، والترجمة باللغات المتداولة، وتعليم العقائد المسيحيّة، وتوزيع الكُتب، كلّها بعمل الروح القدس لإدانة الخطاة والقّديسين وإقناعهم وتجديدهم وجعلهم مشابهين للمسيح. كلمةُ الحياة هذه ما هي إلّا أداة ينشرُ يسوع من خلالها حُكمَه؛ ومن خلالها يدعو ابن الإنسان النفوسَ من القبور، ويُطعم خرافَه، ويُخضِع القلوبَ المتمرّدة، التي تستسلم بكلّ سرور للتوبة والإيمان. وإنْ كان ربّنا قد علّم على البحيرات والجبال أثناء وجوده على الأرض، فسنصرخ من فوق أسطح المنازل للتأكيد على مطالبه الملكيّة.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.