لستم من هذا العالم
۳ يناير ۲۰۲٤لا بالكلام بل بالعمل
۱۰ يناير ۲۰۲٤برٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الروحِ القدس
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [العاشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ مملكة الله].
استخدمَ بولس كلمةَ "الملكوت" أربع عشرة مرّة فقط في كلِّ رسائله، وهي تصفُ في أغلبِ هذه الأماكن الملكوتَ بأنّه واقع سيُختبر في المستقبل. فقط في رومية 14: 17 يقوم بولس بوصف الملكوت كواقع حاضر: "لِأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ ٱللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلَامٌ وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ."
قد يبدو للوهلةِ الأولى أنَّ بولسَ يقولُ إنَّ ملكوتَ الله لا علاقة له بالأكل والشرب. إلّا أنَّ بولس في الواقع يقول في هذا السياق إنّ الأكلَ والشرب أمران لا أهميّة لهما. وفي المسائل غير المهمّة، كتناول اللحوم وشُرب الخمر، ينبغي على المؤمن القويّ أنْ يراعي المؤمن الأضعف بدلًا من التبجّح بحريّته في أنْ يأكلَ ويشرب ما طابَ له.
في الوقتِ نفسِه، لا شكَّ أنّ بولس لا يُنكرُ العلاقةَ الوثيقةَ الموجودةَ في الكتاب المقدّس بين ملكوتِ الله والأكلِ والشرب. لقد أدركَ بولس أنّ ملكوتَ الله يرتبط في كلّ مراحلِه بشكلٍ متشابك بالأكل والشرب.
في الواقع، كانت الكنائسُ البيتيّة التي وجّه بولس إليها رسائلَه تتمحور حول وجبة الشركة. كانت هذه الوجبة أكثرَ من مُجرّد طعام وشراب. لقد كانت بمثابة نموذج لتنظيمٍ اجتماعيّ مبنيّ على مجموعةٍ من القيم المشتركة كتلك التي ذكرَها بولس في رومية الإصحاح 17. كان الأكلُ والشربُ الجزئَيْن الثانويَّيْن اللذين يُشكّلان في الواقع وجبةً بكلّ ما للكلمة من معنى. كان البرُّ والسلامُ والفرحُ العناصرَ الرئيسيّة لأنّها كانت مُثُلًا للجسد المجتمع، وكانت وجبةُ الشركة رمزًا لها. إنّ إظهارَ هذه المُثُل بالروح القدس يشكّل حضورَ الملكوت في الكنيسة البيتيّة. وهكذا، كانت الكنيسة البيتيّة نموذجًا أو رمزًا للملكوت.
لاحظ المعاني المتضمَّنة للإفخارستيا (الشكرُ في العشاء الربّاني) في رومية 14. نقرأ أنَّ الذي يأكلُ والذي يمتنعُ عن تناول بعض الأطعمة، إنّما يفعلان ذلك "للربّ ويشكران [إفخارستيا] الربّ" (انظر رومية 14 :6). كانت مائدةُ الطعام العاديّة للعائلة تُعتبر امتدادًا لمائدة الربّ. لذلك، لا بدّ لنا أنْ نسمعَ في كلام بولس صدى لصوت المسيح: "وأنا أَجْعَلُ لَكُم ... مَلَكُوتًا... لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي" (لوقا 22: 29-30).
أخيرًا، لاحظوا كيف أنَّ الملكوتَ والروحَ القدس يرتبطان ارتباطًا وثيقًا لدرجة أنَّه يُمكن للواحد أنْ يحلَّ مكانَ الآخر تقريبًا. بمعنى ما، نستطيعُ أنْ نقولَ إنّ ملكوتَ الله هو ملكوتُ الروح. إنّ البرَّ والسلامَ والفرحَ هي في حدّ ذاتها غير قادرة أن تُشكّل الملكوت. الروحُ القدس وحدُه يستطيع أنْ يُشكّلَ الملكوت. فالروح هو الذي يجعلُ الملكوتَ موجودًا في البرّ والسلام والفرح.
يُمكننا أنْ نرى من خلالِ هذه الآية أنّ الأكلَ والشربَ ليسا أبدًا من الناحية العمليّة أمرَيْن جسديَّيْن. حتّى في يومنا هذا، تُحاط وجبةُ الطعام العاديّة بهالة طقسيّة. فقط بالروح تصبحُ وجبةُ الطعام كما كان يُفترض بها أنْ تكونَ دومًا– مَذاقًا مُسبقًا للملكوت في البرّ والسلام والفرح.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.