الطبيعة المتنوّعة للرِعاية
۹ نوفمبر ۲۰۲۳صلِّ في أوقاتٍ مُحدّدة لكي تصلِّ في كلّ حين
۱٤ نوفمبر ۲۰۲۳الحياة بُخارٌ
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [العاشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].
الطقسُ الباردُ يجعلُ أنفاسَنا تَظهرُ بطريقة ظريفة، ففي كلّ مرة نُخرِج نَفَسًا، نرى بخارًا يظهرُ بُرهةً ثمّ يتلاشى. وبوصف سليمان الحياةَ الحاضرة في سفر الجامعة، استخدمَ كلمةَ "بُخار" (1: 2). هذه الكلمة لا تعني "الباطل"، وهي الكلمة التي تعني أنّ شيئًا ما "بلا معنى"، بل تعني أنّ كلّ شيء زائل، وأنّه يصعب فهم كلّ الأشياء. البخارُ موجود للحظة ثمّ يضمحلّ في اللحظة التالية، ولا يمكنك أن تُمسكه بيدك. إنّه يختفي قبل أنْ تتاحَ لك فرصةَ التأمّل فيه لتُدركَ ما هو.
يُشير سليمان في سفر الجامعة إلى أنّ الحياةَ تُشبه البُخارَ بطُرق مُختلفة، ولكنّها تبرز بثلاثة طُرق في بداية السفر. أوّلًا، يُعلّق سليمان على الحكمةِ نفسها مُقترحًا أنّه قد يُفكّر أحدهم بأنّ للحكمة حلول لكلّ المواقف، لكنّه يذكّرنا أنّ للحكمةِ حدود في هذه الحياة (وهذا كلام صادر مِن أحد أحكمِ الرجال على الإطلاق). أمور كثيرة لا يُمكن إصلاحُها أو تصحيحها، وأمور كثيرة لا يمكن اكتشافها أو تحليلها (1: 15، 18). بهذه الطريقة، تكون الحكمة عابرة وغير شاملة، أي أنّها مفيدة إلى أنْ تُصبحَ غير مفيدة، وبأنّ هذا هو فقط مجالها. الحكمة الحقيقيّة تشمل الاعتراف بمحدوديّتها.
ثانيًا، يُعلّق سليمان على الملذّات الماديّة واصفًا كيف يُطلق العنان في شُربِ الخمر وبناء المنازل والحدائق والبِرَك ورعاية الخراف والمواشي والبشر في حياته (2: 1-8). ومع ذلك، فإنّ هذه الأشياء لم تجعلْه يشعر بالإنجاز. لقد أدركَ أنّ اللذّة الماديّة، مع أنّها ليست باطلة، كانت شعورًا زائلًا، وبأنّ هذا الشعور لم يكن حقيقيًّا. المُتعة المُستمرّة التي لا نهاية لها– والفرح الحقيقيّ المُطلق– لا يتوفّران من خلال السعي وراء الأشياء الماديّة في هذا العالم، لأنّ ملذّات هذه الحياة ما هي إلّا بخار.
ثالثًا، يُعلّق سليمان على مسألة العمل، مُشيرًا إلى أنَّ العملَ يُشبه البخارَ، لأنّ الحياةَ تنتهي بالموت. لن نعرفَ أبدًا من سيستفيدُ من أرباحنا عند نهاية حياتنا. وفوق هذا، غالبًا ما يوكل العامل بمهام صعبة تجعله يشعر بالإرهاق والغمّ (2: 23). ومن أجل تحقيق ماذا؟ من أجل مكافآت لا نقدرُ أنْ نستمتعَ بها بعد موتِنا الأكيد. هذا ما تسمّيه ثقافتنا بـ "سباق الفئران". العمل أيضًا بُخار.
في هذه المرحلة، ربّما نتوقّع من سليمان أنْ يعلّقَ بطريقة ساخرة بأنّ الحياةَ لا تستحقّ العيشَ، لكنّ سليمان لا يفعل ذلك. إنّه واقعيّ. لا يجعل سليمان الأمورَ أبدًا تبدو أسوأ مِمّا هي عليه – بل يساعدنا بكلّ بساطة لنفهمَ معنى العيش في هذا العالم الساقط. يوجد في هذه الحياة فرح ومعنى بإمكاننا العثور عليهما، ولكن يجب أنْ نرى هذه الحياة على حقيقتها: إنّها بخار. إذن، بماذا ينصحُنا سليمان؟ إنّه يُشجّعنا على التمتّع بالحياة اليوميّة مع الذين نكنّ لهم مشاعر المحبّة، وأنْ نعيشَ برضى الله، ونثقَ في عنايتِه (2: 24-26؛ 9: 7-10). بكلمات أخرى، إنّه يدعونا إلى الإيمان. هذا الجانب من تاريخ الفداء حيث أصبحَ الإيمانُ أكثرَ وضوحًا لأنّنا نعلمُ أنّ ربَّنا يسوع المسيح افتدانا من هذا الوجود الذي يُشبه البخار. في نهاية المطاف، سنعيش مع الذي يهبنا الحياة الأبديّة والفرح الذي لا ينتهي إلى الأبد.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.