هل التعيين المُسبَق المزدوج كتابي؟ - خدمات ليجونير
لماذا أسس يسوع العشاء الرباني في عيد الفصح؟
۱۱ ديسمبر ۲۰۱۹
ماذا يعني الحرف X في كلمة Xmas؟
۱٦ ديسمبر ۲۰۱۹
لماذا أسس يسوع العشاء الرباني في عيد الفصح؟
۱۱ ديسمبر ۲۰۱۹
ماذا يعني الحرف X في كلمة Xmas؟
۱٦ ديسمبر ۲۰۱۹

هل التعيين المُسبَق المزدوج كتابي؟

"عقيدة مُريعة..."، "من أكثر البيانات الإيمانيَّة قسوة..."، "نظريَّة لاهوتيَّة مُفزعة..."، "استنتاج منطقي مخالف...". تُطلق هذه الصفات وغيرها للتعبير عن الاستياء والاشمئزاز من عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج المُصلَحة. فما يمقته الكثيرون بالتحديد هو فكرة أن الله عيَّن مُسبقًا (بأي شكل من الأشكال) هلاك الشرير.

التعيين المُسبَق "المزدوج":

لا يستهدف هذا المقال تقديم تحليل شامل لعقيدة الاختيار أو التعيين المُسبَق أو تفسيرهما أو الدفاع عنهما. بل يقتصر اهتمامه على الجانب "المزدوج" للتعيين المُسبَق مع إشارة خاصة إلى مسألة علاقة سيادة الله بالهالكين أو غير المعيَّنيين للخلاص.

إن استخدام المصطلح النعتي "مزدوج" مربكًا إلى حدٍ ما في المناقشات حول التعيين المُسبَق. يبدو أن المصطلح يعني شيئًا داخل ميدان اللاهوت المُصلَح، ومعنى آخر خارجه، كما على المستوى العامي من الوعظ اللاهوتي. وُضع مصطلح "مزدوج" نقيضًا لفكرة التعيين المُسبَق "الأُحادي". كما استُخدم مرادفًا لوجهة نظر متناظرة للتعيين المُسبَق التي ترى أن تعيين الاختيار وتعيين الهلاك متوازيان في العمل الإلهي. ينطوي الاستخدامان على تحريف خطير لوجهة النظر المُصلَحة حول التعيين المُسبَق المزدوج.

إن اعتبار التعيين المُسبَق المزدوج مختلف بشدة عن التعيين المُسبَق الأُحادي، نقرأه في أعمال إميل برونر (Emil Brunner) الذي يجادل باستحالة استنتاج عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج من الكتاب المقدس. فيقول:

لا يحتوي الكتاب المقدس على عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج، على الرغم من أنه في بعض النصوص القليلة المنزوعة من سياقها يبدو أنه يُلمِّح إليها. يُعلِّم الكتاب المقدس أن الخلاص برمته مبني على أساس اختيار الله الأزلي في يسوع المسيح، وأن هذا الاختيار الأزلي نابع كليًّا وتمامًا من حرية سيادة الله. لكن أينما حدث هذا، ما من ذكر لقضاء الرفض. كما يُعلِّم أيضًا أنه إلى جانب المختارين، هناك غير المُختارين "الهالكين"، وحقًا إن المجموعة الأولى هي الأقليَّة والأخيرة هي الأغلبيَّة؛ لكن في هذه النصوص، إن النقطة التي هي محل جدال ليست الاختيار الأزلي، بل "الفصل" أو "الانتقاء" في القضاء. وهكذا يُعلِّم الكتاب المقدس أنه ستقع عاقبة مزدوجة على تاريخ العالم، تنحصر بين الخلاص والهلاك، والسماء والجحيم. لكن في حين أن الخلاص يُنادَى به صراحة على أنه نتيجة الاختيار الأزلي، لم يُؤتىَ باستنتاج يقول إن الهلاك مبني أيضًا على قضاء للعذاب نظيرًا لقضاء الخلاص.

هنا يدافع برونر بقوة، وإن لم تكن حجته متماسكة، عن التعيين المُسبَق "الأُحادي". فهناك قضاء بالاختيار، لكن ليس بالهلاك. والتعيين المُسبَق ليس له سوى وجه واحد وهو الاختيار. وفق هذا المنظور، ومن خلال الأسلوب الجدلي يتم "تجاهُل" (أو التهرُّب من) التعيين المُسبَق المزدوج. يتمتع الأسلوب الجدلي، الذي يتحاشى الاتساق المنطقي، بتأثير شديد يتخلَّل المناقشات المعاصرة حول التعيين المُسبَق المزدوج. يظهر تفشِّي البغضة لتطبيق المنطق داخل اللاهوت على نطاق واسع؛ حتى أن جي. سي. بيركوفر (G. C. Berkouwer) يبدو شديد الحساسيَّة تجاه فكرة ضرورة اتخاذ المنطق دورًا في تعميق فهمنا عن الاختيار.

إن بناء لاهوت عقيدة الاختيار (أو أي عقيدة لاهوتيَّة أخرى) برمته على أساس الافتراضات المنطقيَّة شيء، وتطبيق المنطق في البحث عن فهم متماسك للإعلان الكتابي أمر مختلف تمامًا. يبدو أن برونر يكره الأمرين.

دعونا نُحلل "منطق" موقف برونر. يؤكد على (1) وجود قضاء إلهي بالاختيار الأزلي؛ (2) أن هذا القضاء الإلهي مُحدد في نطاقه ("هناك غير المُختارين")؛ (3) ومع ذلك لا يوجد قضاء إلهي بالهلاك. لنتتبع استنتاجات ذلك. إذا كان الله قد عيَّن مُسبقًا البعض وليس الجميع للاختيار، ألا يتبع ذلك ما أطلق عليه لوثر "منطق حتمي" أي أن البعض غير معينين مُسبقًا للاختيار؟ إذا كان كل الخلاص، كما يؤكد برونر، مبني على اختيار الله الأزلي وليس جميع البشر مختارين منذ الأزل، ألا يعني ذلك أنه، منذ الأزل، هناك غير المختارين ومن المؤكد أنهم لن يخلصوا؟ ألم يقرر الله منذ الأزل عدم اختيار بعض البشر؟ إذا كان الأمر كذلك، فحينئذٍ لدينا قرار أزلي بعدم الاختيار الذي نطلق عليه الهلاك. إن الاستدلال واضح وحتمي، لكن البعض ينفرون من قبوله.

سمعت لشرح قضية التعيين المُسبَق "الأُحادي" على لسان عالم لاهوت لوثري بارز متتبعًا الاستنتاج المذكور أعلاه. وقد أقر لي أن استنتاج قضاء الهلاك أمر لا مفر منه منطقيًّا، لكنه رفض قبول الاستدلال، متمسِّكًا بنظرية التعيين المُسبَق "الأُحادي". إن هذا الفكر عن التعيين المُسبَق مجرد تفاهات واضحة.

نظريًّا، هناك أربعة أنواع من التعيين المسبق الأحادي المتسق. (1) تعيين الاختيار المُسبَق الشامل للجميع (لا يؤمن به برونر)؛ (2) تعيين الهلاك المُسبَق الشامل للجميع (لا يؤمن به أي شخص)؛ (3) تعيين الاختيار المُسبَق المُحدد لمجموعة من البشر مع فرصة الخلاص بالمبادرة الذاتيَّة من غير المختارين (أرمينيَّة مشروطة)، يرفضها برونر بشدة؛ (4) تعيين الهلاك المُسبَق المُحدد لمجموعة من البشر مع فرصة الخلاص بالمبادرة الذاتيَّة ممن ليسوا بهالكين (لا يؤمن بها أي شخص). يبقى نوع آخر وهو النوع الجدلي، الذي لا معنى له. شاهدت قبلًا نقاشًا لاهوتيًّا مغلقًا بين كايتيرت (Kuitert) من هولندا وكِرنيليوس فان تيل (Cornelius Van Til) من كلية وستمنستر. وقد دخل كايتيرت في خطاب مطول عن اللاهوت، مستفيدًا من منهج الجدليَّة كما يفعل دومًا. وحين انتهى من خطابه، أجابه كِرنيليوس بهدوء: "الآن أخبرني بلاهوتك بدون جدال حتى أتمكن من فهمه!" لم يستطع كايتيرت فعل ذلك. واتساقًا مع وجهة نظر برونر عن التعيين المُسبَق، تتمثَّل الطريقة الوحيدة لتجنُّب نظرية التعيين المُسبَق "المزدوج" في استخدام "الحديث المزدوج".

بالتالي، لا يمكن التمسك دائمًا بالتعيين المُسبَق "الأُحادي" إلا في إطار من الشموليَّة، أو نوع من الأرمينيَّة المشروطة. فإن كان لا بد من التمسُّك بالاختيار المُحدد لمجموعة من البشر، وإن كان لابد من التمسُّك بفكرة أن كل الخلاص مبني في الأساس على الاختيار المُحدد لمجموعة من البشر، فلا بد من الحديث عن التعيين المُسبَق المزدوج.

من أضخم معضلات التعيين المُسبَق "المزدوج" معضلة العلاقة بين الاختيار والهلاك فيما يتعلَّق بطبيعة أحكام الله وطبيعة التطبيق الإلهي لهذه الأحكام. إذا كان التعيين المُسبَق "المزدوج" يعني رؤية متماثلة للتعيين المُسبَق، فلا بد أن نرفض هذه الفكرة. فهذه الرؤية عن التعيين المُسبَق "المزدوج" ستغدو صورة هزليَّة وتشويهًا خطيرًا لعقيدة التعيين المُسبَق المُصلَحة.

تشويه عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج:

يظهر تشويه عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج في صورة مثل: وجود تماثل بين الاختيار والهلاك. يعمل الله بالطريقة ذاتها والأسلوب ذاته فيما يتعلَّق بالمختارين والهالكين. أي منذ الأزل، عيَّن الله البعض للاختيار وبمبادرة إلهيَّة يخلق الإيمان داخل قلوبهم ويقودهم على نحو فعَّال إلى الخلاص. على نفس المنوال، عيَّن الله منذ الأزل البعض للخطية وللهلاك (destinare ad peccatum)، وهو يتدخَّل بشكل فعَّال في حياتهم ليجعلهم يخطؤون، وبمبادرة إلهيَّة منه يقودهم للهلاك. في حالة المختارين، عمل الميلاد الثاني من الله وحده. في حالة الهالكين، ارتكاب الخطية والهلاك أيضًا من عمل الله وحده. بعبارة أخرى، يمكننا اعتبار وجود تواز بين التعيين المُسبَق والاختيار المُسبَق من خلال التناظر الإيجابي.  ويمكننا تسمية هذا الاعتبار نظرة إيجابيَّة مزدوجة للتعيين المُسبَق. أي أن الله يتدخَّل على نحو إيجابي وبشكل فعَّال في حياة المختارين ليقودهم للخلاص. وبالطريقة عينها يتدخَّل الله على نحو إيجابي وبشكل فعَّال في حياة الهالكين ليقودهم للخطية.

من الواضح أن النظرة الإيجابيَّة المزدوجة للتعيين المُسبَق تجعل الله خالق الخطية الذي يعاقب الشخص على فعل ما أجبره الله، بإرادته وإكراهه وحده، على اقترافه. في الحقيقة تعد هذه النظرة بهتان جسيم على استقامة الله. فهي ليست وجهة النظر المُصلَحة عن التعيين المُسبَق، بل صورة هزليَّة فاحشة لا يمكن تبرريها عن العقيدة. يمكن وصف مثل هذه الرؤية بما تُعرف كثيرًا وبشكل عام بالكالفينيَّة المتطرفة، وتنطوي على صيغة متطرِّفة من عقيدة سبق التعيين قبل الخطية الأولى (supralapsarianism). وفعليًّا رفض المفكرون المُصلحون بالإجماع وبشكل تام هذه الرؤية عن التعيين المُسبَق.

تعد النظرة الكلاسيكيَّة للاهوت المُصلَح عن التعين المُسبَق في تناقض حاد مع الرؤية الهزليَّة التي تظهر في النظرة الإيجابيَّة المزدوجة للتعيين المُسبَق. بحسب نظرة اللاهوت المُصلَح، يعتبر التعيين المُسبَق مزدوجًا لاحتوائه على كل من الاختيار والهلاك، لكنه ليس متماثل فيما يتعلَّق بطريقة العمل الإلهي. وترفض هذه النظرة التوازي الصارم في العمل. بدلاً من ذلك، ننظر إلى التعيين المُسبَق على إنه علاقة إيجابيَّة-سلبيَّة.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.