عدم التغيّر - خدمات ليجونير
 ذاتيّة الوجود والتبسيط 
۲۷ أكتوبر ۲۰۲۳
عدم التأثّر
۳۱ أكتوبر ۲۰۲۳
 ذاتيّة الوجود والتبسيط 
۲۷ أكتوبر ۲۰۲۳
عدم التأثّر
۳۱ أكتوبر ۲۰۲۳

عدم التغيّر

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثاني] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].

إنّ عبارة "the immutability of God" تعني أنّ الله لا يتغيّر ولا يتبدّل (سفر العدد 23: 19؛ 1صموئيل 15: 29؛ مزمور 102: 26-27؛ ملاخي 3: 6؛ عبرانيّين 6: 13-20)؛ اعتراف إيمان وستمنستر 2.1؛ أصول إيمان وستمنستر المطوّل 7، دليل أسئلة وأجوبة وستمنستر الموجز 4). وهذا ينطبق أيضًا على الأقانيم الثلاثة – الآب والابن والروح القدس – لأنّ الله واحد لا يتجزّأ، وهو متطابق مع صفاته. وهذا أمر ضروريّ، ولا يمكن أنْ يكونَ غير ذلك، بحكم الطبيعة.

ترتبط عقيدة عدم التغيّر بعقيدة التبسيط (العقيدة التي تقول إنّ الله لا يتجزّأ إلى أجزاء) وعقيدة عدم التأثّر (أي أنّه لا يتأثّر بأي قوى خارجيّة). وبما أنّه لا تستطيع أي قوّة أو كيانٍ مخلوق أنْ يُحدثَ تأثيرًا أو أثَرًا بالله، يبقى الله كما هو منذ الأزل. لو كان الله يتغيّر، لاستلزم ذلك أن ينتقل إلى أو من شيء أفضل، ممّا يعني ضمنًا أنّه سيكون في مرحلة ما في حالة أقلّ من حالة الأفضل. وبدلًا من ذلك، قد يكون لقوّة أو كيان خارجيّ سلطة عليه. لا يمكن لأيّ اقتراح من هذه الاقتراحات أنْ يكونَ صحيحًا.

انتقادات

  1. يرى البعض أنّ عدم تغيّر الله يحتملُ فكرةَ أنّ الله جامدٌ كالحجر. منذ زمن ج. و. ف. هيجل (1770-1831)، ادّعت مجموعة متنامية أنّ الله في حالة الانتقال إلى الديناميكيّة وهو عِرضة للتغيير. إنّ الله والخليقة يعتمدان بشكل فعّال على بعضهما، ويتحرّكان معًا في عمليّة كونيّة. هذا الرأي غريب عن الكتاب المقدّس، ويضع غشاوة، أو بالأحرى يمحو التميّز القائم بين الخالق والمخلوق.

إضافةً إلى هذا، لا تتضمّن أو لا تحتاج فكرة عدم تغيّر الله وجودَ مفهوم السكون أو الجماد. في الثالوث، تُظهر ولادة الابن الأزليّة وانبثاق الروح القدس أنّ الله هو الحياة نفسها، وديناميكيّته لا تتغيّر. تؤكّد عقيدة عدم تغيّر الله ببساطة أنّ الله صادق مع نفسه منذ الأزل وإلى الأبد. هو الحياة نفسُها ويبقى كذلك إلى الأبد. لقد عبّر هيرمان بافينك عن ذلك بشكل جيّد حين قال: "إنّ من طبيعةَ الله أنْ تكونَ مُنتِجة ومثمرة."

  1. تمّ التعبير عن انزعاج فيما يختصّ استخدام توما الأكويني لفكرة أرسطو عن المحرِّك الذي لا يتحرّك. ومع هذا، يشير الأكويني إلى هذا الأمر ليؤكّدَ أنّ جميعَ الكيانات المخلوقة تتحرّك بواسطة عمل قام به كيان آخر. ومع هذا، يعمل الله في جميع الكائنات كخالق وحافظ لها، ولكن هو نفسه ليس خاضعًا لقوى أو قيود خارجيّة مخلوقة. هو لا يُحرَّك. ويرتبط هذا بقدرته المطلقة وسيادته وأيضًا بالخلق ex nihilo (من العدم)، نظرًا لأنّ جميع الكيانات الأخرى مخلوقة وعرضيّة (ربّما لم تكن كذلك؛ وهي تعتمد كليًّا على مشيئته؛ وهو قادر على إنهاء وجودها). لاحظَ أحدُهم أنّ هذا الاعتراض يفترضُ أنّ الله يُحرَّك ولا يُحرِّك.
  2. يُشير عدد من العبارات الكتابيّة عن تغيير الله لفكره، أو تعبيره عن مشاعرَ كالنَدَم (مثلًا، تكوين 6: 6؛ 1 صموئيل 15: 11، 35؛ يونان 3: 10؛ 4: 2). ولكن في كلّ هذه الأمثلة، وكما يقول ستيفن ج. دوبي: "من المناسب أنْ نقولَ إنّ الله لا يتغيّر فيما يتعلّق بمخلوقاته، بل مخلوقاتُه هي التي تتغيّر فيما يتعلّق به"، ويتمّ التعبير عن هذا الأمر بمُصطلحات بشريّة تتناسب مع فهمنا وإدراكنا.
  3. جادل "الإنجيليّون" المؤمنون بشكل علنيّ بالله، أنّ الإله المتغيّر ينتج عنه علاقة متبادلة مثيرة في الصلاة، والتي من خلالها نُصبح قادرين أن يكون لنا يد في قرارات الله. ومع ذلك، فإنّ مثل هذه الادعاءَات تنطوي على إمكانيّة تعطيل مقاصد الله الأبديّة من خلال كيانات أتى بها إلى الوجود، وكان الله مُجرّد متفرّج ضعيف وعاجز. مرّة أخرى، هذا أمر يناقض الكتاب المقدّس.

عوامل كتابيّة ولاهوتيّة

الله هو الإله الحيّ، لا بل هو الحياة نفسها. إنّ الحياة الزائلة والعرضيّة التي وهبها لمخلوقاته هي قرار حرّ وسياديّ يرتكز على طبيعته غير المتغيّرة. كما كتب بافينك: لو لم يكن الآب قادرًا على أن يجعلَ الابنَ يولد، ومعه يجعل الروح القدس ينبثق، لما كان قادرًا بحريّة أن يأتي بالخليقة إلى الوجود. هذان الانبثاقان الأبديّان لا يعنيان أنّ الله يتغيّر. كيف هو منذ الأزل، وكيف ليس هو منذ الأزل لا يرتبطان بأيّ قوى خارجيّة والتي بدونها لما انبثقا أبدًا.

عدم التغيّر يعني أنّ الله صادق مع نفسِه بشكل لا يتغيّر، وبالتالي أيضًا لا يتغيّر بمقاصده ووعوده (ملاخي 3: 6). إنّه سيّد ولا يخضع لعوامل أو قوى خارجيّة. لهذا السبب، صفاتُه لا تتغيّر ولا يمكن أنْ تتغيّر. هذا هو الأساس لكلّ أعماله الخارجيّة في الخلق والعناية والنعمة. إنّه الأساس لإيماننا ويقيننا (عبرانيين ٦: ١٣-٢٠).

اقترحَ بعضهم أنّ التجسّد كان شيئًا طارئًا بالنسبة على لله، وقد كان للابن، أحد الأقانيم الثلاثة، علاقة بذلك، إذ اتّخذ لنفسه في اتّحاد شخصيّ دائم وأبديّ طبيعةً بشريّة، ومن خلال الفعل، تحدّدت طبيعته البشريّة. من الزاوية التاريخيّة، كان هذا حدثًا حقيقيًّا وقع في عالمنا منذ ما يزيد قليلًا عن ألفي عام. لم يحدث هذا قبل ذلك التاريخ؛ لكنّه حدث بعد ذلك.

ولكن كان هذا قرار الله الأساسيّ أنْ يتجسّدَ في يسوع المسيح منذ ذلك الحين وإلى الأبد، كأساس لاختيارنا والاتّحاد به (أفسس ١: ٤). إضافة إلى ذلك، في التجسّد، لم يتغيّر الله نفسه. فالابن لم يُصبح إنسانًا بمعنى أنّه تحوّل ليُصبح إنسانًا. هو لم يُعزّز نفسه أو يضيف إلى ما كان عليه وما هو عليه دائمًا. ما حدث لا يُعتبر تجسّدًا، بل تحوّلًا. لكنّ الابن، حين أتّخذَ الطبيعةَ البشريّة باتّحاد دائم معها، أصبحت طبيعتُه البشريّة له (فيلبي 2: 6-7) وصار جسدًا بطريقة استمرّ أنْ يكونَ الابن أو اللوغوس، لكي يكون موضوع كلّ اختبارات يسوع الناصري، وبقي كما كان وكما هو دائمًا (يوحنا 1: 1-4، 14-18؛ عبرانيين 13: 8)، واختبر هذه الأشياء كإنسان. ومن ذلك، ما حدث معه في حياته البشريّة في هذا العالم، بما في ذلك المعاناة والموت والدفن والقيامة، كانت معروفة لدى الله من المنظور البشريّ. إنّ عدمَ تغيّر الله يضمن هذا.

آثار ومُستلزَمات

إنّ عقيدةَ عدم التغيّر (مع عقيدتَي التبسيط وعدم التأثّر) هي عقيدة أساسيّة لعلم اللاهوت بأكمله. إنّها توفّر الأساس لعمل الفداء، لأنّ الله أمين إلى الأبد لعهده والوعود المتعلّقة به. إنّها سدّ منيع ليقيننا (عبرانيّين 6: 13-20)، لأنّ "رَحْمَةُ ٱلرَّبِّ فَإِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلْأَبَدِ عَلَى خَائِفِيهِ، وَعَدْلُهُ عَلَى بَنِي ٱلْبَنِينَ" (مزمور 103: 17).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت ليثام
روبرت ليثام
الدكتور روبرت ليثام هو بروفيسور علم اللاهوت النظاميّ والتاريخيّ في كليّة يونيون سكول للاهوت في ويلز. ألّف العديد من الكتب، بما في ذلك: The Holy Trinity و The Work of Christ و Union with Christ.