ذاتيّة الوجود والتبسيط  - خدمات ليجونير
 وحدة العرق البشري
۲٦ أكتوبر ۲۰۲۳
عدم التغيّر
۳۰ أكتوبر ۲۰۲۳
 وحدة العرق البشري
۲٦ أكتوبر ۲۰۲۳
عدم التغيّر
۳۰ أكتوبر ۲۰۲۳

 ذاتيّة الوجود والتبسيط 

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الاول] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].

يعبدُ المسيحيّون الإله الحقيقيّ، واسمه الأساسيّ هو "أَهْيَهْ" (خروج 3: 14). قد يعتبره البعضُ اسمًا خفيف الوزن وغير مناسب لله. ألا يمكننا استخدام ضمير الغائب "هي أو هو كذلك" عن كلّ ما هو حقيقيّ، من الفيلة الضخمة إلى الإلكترونات الصغيرة؟ فكيف يكون الاسم "أهيه" اسمًا مُميّزًا ذات معنى للإله الذي نعبده والذي عليه نعتمد في الحياة والتنفّس وكلّ شيء آخر (أعمال الرسل ١٧: ٢٥)؟ إنّ سياق إعلان الله الاستثنائيّ عن اسمه لموسى في سفر الخروج 3، هو وعده بتحرير بني إسرائيل من عبوديّتهم في مصر. يعترف موسى بعدم كفايته الذاتيّة في هذا العمل الفدائي (خروج 3: 11). ولكي يُطمئن الله موسى وبني إسرائيل أنّه كافٍ بالكامل لهذا الخلاص الذي لا يمكن تخيّله، يُعرّف الله نفسَه بهذا اللقب غير الاعتياديّ. يشير اسمه هذا إلى السبب الكامن وراء الثقة الكاملة بالله.

لقد فهم اللاهوتيّون منذ زمن بعيد أنّ هذا الاسم يشير إلى الاكتفاء الذاتيّ غير المشروط لله، ووفرة وجوده غير المحدود. لم يقل الله لموسى "أنا هذا" أو "أنا ذاك"، بل قال له ببساطة: "أهيه الذي أهيه." إنّه لا يُحدّد ولا يَحصُر فعلَ وجوده في أيّ شيء، وبالتالي يكشف لنا الحقيقة غير المُدركة وهي أنّه هو سبب وجوده الذاتيّ. لهذا السبب بالذات، يمكننا أنْ نعتمدَ عليه بشكل كامل وبدون تحفّظ – لأنّه لا يعتمد على أيّ شيء، ولا حتّى على فعل وجوديّ خارج عنه. لو كان الله بأيّ حال من الأحوال كائنًا معتمدًا على شيء آخر، فيجب في الواقع على كلّ ثقتنا به أن ترتكز على شيء جوهريّ أكثر من الله. ومع ذلك، فإنّ الكتاب المقدّس واضح تمامًا أنّه لا يوجد أيّ شيء أساسيّ ومُطلَق في الوجود غير الله. هو الذي منه، وبه، وله كلّ الأشياء (رومية 11: 36). في نهاية المطاف، يمكننا تتبّع سبب وجود جميع الكائنات غير الإلهيّة والأحداث إلى الله نفسه. وإنْ سألْنا: "لماذا الله؟" ستكون الإجابة بكلّ بساطة هو "الله." كونه "أهيه"، فإن الله موجود بذاته. بمعنى أصحّ، الله ليس له وجود، بل هو الوجود نفسه، كما أكّد اللاهوتيّون المسيحيّون مستقيمو الرأي عبر القرون. يحتوي وجوده في داخله على كلّ الحقّ الذي ننسبه إليه – حكمته، وجبروته، وصلاحه، وعدله، ومحبّته، وحقّه، وما إلى ذلك. يجب أن يُنظر إلى وجود الله على أنّه الامتلاء اللامتناهي للوجود، وليس كما لو أنّه فكرة مُجرّدة عن شيء "موجود هناك."

اللقب الذي أطلق على عقيدة الاكتفاء الذاتي المستقلّ لله هو aseity، أي ذاتي الوجود. وهذا مقتبس من اللغة اللاتينية a se، والتي تعني "من ذاته" أو "بذاته." وقد يكون من المفيد أنْ نفكّر في هذا باعتباره عقيدة ذات الله. يقول اللاهوتي المصلح الهولندي هيرمان بافينك: "عندما يَنسِب الله الوجود الذاتي إلى نفسه في الكتاب المقدّس، فإنّه يجعل نفسَه معروفًا بالكائن المطلق، باعتباره الكائن المطلق." ويضيف بافينك: "بهذا الكمال، هو متميّز بشكل أساسيّ ومُطلق عن كلّ المخلوقات في آن واحد." فالمخلوقات، كونها مخلوقات، تعتمد على مُسبّبات وجودها لكي تكون موجودة، ولتتمتّع بالصفات المميّزة التي تمتلكها، ولتعمل كما هي تعمل بالفعل، وما إلى ذلك. لكنّ الله ليس موجودًا ولا يعمل بالاعتماد على أيّ أسباب. هو يعطي الجميع لكنّه لا يأخذ من أحد. كما سأل الله أيّوب في سفر أيوب 41: 11: "مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟ مَا تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ لِي."

قد ينشأ سوء فهم أحيانًا حول وحدانية الله واستقلاله. أولاً: ينبغي ملاحظة أنّ ذاتيّة الوجود لا تعني أنّ الله هو علّة ذاته. فهو من ذاته أو بذاته، لأنّه المسبّب الملائم تمامًا لوجوده وجوهره وعمله. وهذا لا يُشبه قولنا إنّه سبّب وجودَ نفسه. باعتباره العلّة الأولى المطلقة لكلّ ما هو مخلوق، لا ينبغي أن يُحسب الله من بين الأشياء التي خُلقت. لو كان هذا صحيحًا، لما كان هو العلّة الأولى المطلقة؛ لأنّ هذا يستدعي أنّ شيئًا ما سيسبق وجودَه. وينبغي ملاحظة أنّ لا شيء يمكن أنْ يكون مسبّبًا لوجود ذاته بالمعنى الدقيق للكلمة، ما دام المسبّب هو عمليّة تقتضي وجود الفاعل كشرط ضروريّ. لا يمكن للمرء أنْ يفعل شيئًا إنْ لم يكن موجودًا قبل أنْ يفعل.

ثانيًا، ذاتيّة الوجود لا تعني أنّ الله مستقلّ عن المسبّبات الخارجيّة، على الرغم من أنّه موجود بطريقة أو بأخرى بالاعتماد على مسبّبات داخليّة. يؤكد بعضُ اللاهوتيّين المعاصرين أنّ الجوهر يعني فقط أنّ الله لا يعتمد على أسبابٍ خارجةٍ عن نفسه، بينما يترك الباب مفتوحًا لاحتمال أن يكون مكوّنًا من أجزاء، وبالتالي يعتمد بطريقة ما على الأجزاء التي يتكوّن منها. ويكفي أنْ نقول، لو كان الله مكوّنًا من أجزاء داخليّة، فسيبقى بحاجة إلى عامل خارجيّ لتشكيل وحدة لتلك الأجزاء، وبالتالي لن يكون بالإمكان تجنّب مشكلة الاعتماد الخارجيّ. ذاتيّة الوجود تعني أنّ الله مستقلّ عن جميع المسبّبات، سواء كانت مسبّبات من داخله (كأجزاء) أو من خارجه (كعلّة فعّالة).

أخيرًا، قد ينشغلُ أحدهم بفكرة أنّ ذاتيّة وجود الله تُبعده بطريقة ما عن بناء علاقة ذات معنى وقريبة مع مخلوقاته. إنْ كانَ الله مستقلًّا حقًّا في كلّ جانب من كيانه وحياتِه، فكيف لا يؤدّي ذلك إلى إله بعيد عن مخلوقاته؟ لا شكّ أنّه لا ينبغي للمسيحيّين أنْ يفكّروا في الله كما لو أنّه بعيد ومُنفصل عن مخلوقاته. به نحيا ونتحرّك ونوجد (أعمال الرسل 17: 28). ذاتيّة الوجود تعني أنّ نقيض ذلك لن يكون هكذا. فالله لا يعيش ولا يتحرّك ولا يجعل كيانَه في المخلوق أو نابع منه. إنّه قريب من كلّ واحد منّا مثل فعل الوجود الذي به نحن موجودون، لأنّه المسبّب المباشر لهذا العمل. لكنّه ليس قريبًا منّا بحيث يستمدّ منّا أيّ شيء. ولأنّه "أهيه،" وبالتالي هو a se، فهو قادر أنْ يهبَنا كلّ شيء: الوجود والجوهر والنشاط. نحصل عليها من كمال كيان ملء الله. بعيدًا عن إزالة الله منّا، فإنّ ذاتيّة وجوده هي السبب نفسه الذي يجعله قريبًا جدًا منّا بمثل هذه الوفرة والعناية الرائعة. إنّه قريب منّا كمن يُعطي وليس كمن يأخذ.

غالبًا ما تقترنُ عقيدة تبسيط الله بذاتيّة وجوده. من جهة، عقيدة التبسيط هي مُجرّد آليّة للمحافظة على حقيقة وحدانيّة الله واستقلاليّته. تقول هذه العقيدة إنّ الله ليس مُركّبًا من أجزاء. يمكن العثور على هذا التعليم في كتابات آباء الكنيسة، ومُعلّمي العصور الوسطى، والأجيال الأولى من علماء اللاهوت البروتستانت. وهو مذكور أيضًا في العديد من اقرارات الإيمان المُصلحة. الأشياء المُركّبة من أجزاء، تعتمد على أجزائها في بعض جوانب وجودِها. إضافةً إلى ذلك، فإنّ الأجزاء تختلفُ بالفعل عن الكلّ الذي يتكوّن منها. عجلةُ القيادة ليست بسيّارة. تاجُ الزهرة ليس بزهرة. ناب الكلب ليس كلبًا. الجسم المادّيّ ليس إنسانًا. والخ... وكلّ جزء من هذه الأجزاء ضروريّ لكينونة الكلّ الذي يشملها. ومع أنّ الكلّ المركّب أعظم في كينونته من أيّ جزء من أجزائه، إلّا أنّه مع ذلك يعتمد في وجوده على أجزائه التي يتكوّن منها. إنْ كان الله هو العلّة الأولى المُطلقة للوجود، الذي هو "أهيه" مع كلّ الغنى الوجوديّ في ذلك الاسم، إلّا أنّه لا يقدر أنْ يكونَ موجودًا كباقي الكائنات التي تعتمد في وجودها على أجزاء تتكوّن منها.

لعقيدة التبسيط الإلهي آثار لاهوتيّة عميقة. هي تعني أنّ وجودَ الله أو جوهرَه أو صفاتِه هي مكوّنات يستمدّ منها وحدةَ وجوده. بل إنّ الله ببساطة هو وجوده وجوهره وصفاته. إنّ وحدةَ وجوده ليست نتيجةً لشيء جوهريّ أكثر منه. ويعني أيضًا أنّ صفات الله، على الرغم من اختلافها في مفاهيمنا وفي حديثنا عن الله، هي غير موجودة في الله كمجموعة من الصفات المتميّزة حقًا. كتب جون أوين البيوريتاني: "إنّ صفات الله، التي تبدو وحدها وكأنّها أشياء متميّزة في جوهره، هي كلّها نفسها بشكل أساسيّ مع بعضها البعض، وكلّ واحدة منها هي نفسها مع جوهر الله نفسه" (تمّ إضافة التشديد باستخدام الخطّ الأسود). هذا يعني أنّ الله هو المحبّة التي يحبّ من خلالها، والحكمة التي من خلالها هو حكيم، والجبروت الذي من خلاله هو جبّار، وما إلى ذلك. وكلّ واحدة من هذه الفضائل الإلهيّة ما هي إلّا ألوهيّة بحدّ ذاتها، هي ألوهيّة الله ذاتها. لا تؤكّد عقيدة التبسيط الإلهيّة فقط على الانسجام بين صفات الله – وهو ما يمكن قوله عن صفات الملائكة القدّيسين – بل تدّعي أنّ كلّ صفة من صفات الله، على الرغم من أنّنا نكشف عنها ونفهمهما بطريقة مُختلفة، ليست في الحقيقة سوى الله غير المركّب نفسه.

على الرغم من كلّ الغموض الذي يُحيط بعقيدة ذاتيّة وجود الله وتبسيط الله، يجب أنْ يكونَ واضحًا أنّ الله لن يكونَ هو الله ما لم يكن مكتفيًا بذاته بالكامل وما لم يكن غير مُرَكّب. وبما أنّه ليس مكوّنًا من أجزاء، فلا يمكنه أنْ يتجزأ. ليس هناك أجزاء في الله لكي يتجزأ. ولأنّه a se، وغير مُركّب، يمكننا أنْ نطرحَ أنفسنا عليه وعلى كلمته بشكلٍ كامل وبدون تحفّظ.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جيمس إي. دوليزال
جيمس إي. دوليزال
الدكتور جيمس إي. دوليزال هو مدير وبروفيسور علم اللاهوت في كليّة راديوس اللاهوتيّة في بيكرسفيلد، كاليفورنيا، وهو يُعلّم أيضًا في كلية اللاهوت في جامعة كيرن في لانجهورن، بنسلفانيا. وهو مؤلّف كتاب: All That Is in God and God without Parts