الوعظ بهدف الإقناع
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۳ذاتيّة الوجود والتبسيط
۲۷ أكتوبر ۲۰۲۳وحدة العرق البشري
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثالث عشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ عقيدة الإنسان].
في عام 2020، أخطَرَت مُعلّمةٌ في ولاية نيفادا تلاميذَ صفِّها ضرورةَ الإعلانِ عن هُوّيّاتهم وأوصافِهم المُختلفة، والتي تمّ إدخالها بعد ذلك تحت لائحة "امتيازات" أو "مضايقات". يُعتبر تعريف الإنسان نفسَه بأنّه أبيض أو مسيحيّ في لائحة المضايقات. طُلب من الطلّاب التخلّص من "معتقداتهم ومواقفهم وسلوكيّاتهم التي تقع تحت لائحة المضايقات." لم يَرُقْ لأحدِ الطلّاب، واسمه ويليام كلارك، أنْ يُطلبَ منه "التخلّص من" إيمانِه المسيحيّ. لكن تمّ تهديدُه تحت طائلةِ الرسوبِ وعدم التخرّج إذا فشل في الامتثال.
كان هذا النشاط الذي أُجري في الصفّ أحدَ التطبيقات العمليّة لنظريّة التحيّز العنصريّ، والتي تُعدّ واحدة من أكثر القضايا الجدليّة في المجتمع وفي الكنيسة اليوم. تحت مُسمّى "مُكافحة العنصريّة"، يتمّ تشجيع تلاميذ المدارس على تحديد كلّ شيء ضمن فئات عنصريّة. إنّ الطلبَ من الأولاد أن يعتبروا أنفسَهم والآخرين إمّا مذنبين بتمييز أنفسهم، أو أن يكونوا ضحايا المضايقات، هو بحدّ ذاته أمر مثير للخلاف إلى أقصى الحدود.
يتكلّم الكتاب المقدّس بوضوح ساطع عن هذه الأيديولوجيّة المثيرة للخلاف، فهو يعلّم وحدة الجنس البشريّ (تكوين 1: 26؛ 7: 21؛ 10: 32؛ متى 19: 4؛ أعمال الرسل 17: 26؛ رومية 5: 12-21؛ 1 كورنثوس 15: 21-28، 45-49). كلّنا مرتبطون بعضنا بالآخر أكثر ممّا يتخيل معظم الناس. لا توجد هُويّات مُطلَقة لـما يُسمّى بالعرق "الأسود" أو "الأبيض". ومع ذلك، فإنّ الاعتراف بوحدتنا الأساسيّة كبشر لا يعني عدم احترام التنوّع العرقي والحضاري. فالله يتمجّد عندما تجتمع الشعوب المتنوّعة معًا لتمجيده (رؤيا ٥: ٩).
في عالم ساقط، يُعتبر الظلم والإساءَة والاستغلال حقائقَ بشعة (الجامعة 4: 1؛ رومية 3: 9-19). إنّ الشعورَ بأنَها خطأ هو شعور من الله. لقد وَضعَ خالقنا العادل والبارّ ناموسَه الأخلاقيّ في قلوبنا (رومية ١: ١٨-٣٢؛ ٢: ١٤-١٦). إنّ رغبتنا في تحقيق العدالة تشهد أنّنا مخلوقون على صورة الله ومثاله.
غالبًا ما كان المسيحيّون هم المدافعون في الجبهة الأماميّة عن ضرورة تعليم الجميع، لكي يتمكّنوا من قراءة كلمة الله. تكمن القناعة الكتابيّة بوجوب معاملة كلّ إنسان باحترام في الجهود التي بُذلت للقضاء على العبوديّة. ترتكز الحرّيّات والحقوق التي نقدّرها في المجتمعات الحرّة على القناعة بأنّ جميع البشر مخلوقون على صورة الله، وبأنّهم متساوون في الكرامة.
على الرغم من كلّ هذا، كثيرون اليوم يضعون المسيحيّة في خانة "المضايقات". وبدلًا من ذلك، يتمّ غرس نظريّة التحيّز العنصريّ عن طريق التدريب على الشعور بالحساسيّة، والتدريب على التحيّز اللاواعي، وبرامج التنوّع والمساواة والشموليّة. لكنّ البحث عن العدالة على أساس وجهة نظر العالم التي ترفض الله لا يؤدّي إلّا إلى أنْ تُصبح الأمور أسوأ. نظريّة التحيّز العنصريّ هي فرع من نظريّة النقد، وهي مدرسة فكريّة تهدف إلى القضاء على كلّ الادّعاءات بوجود حقيقة مُطلقة. لقد كان العداء للمسيحية الكتابيّة، ولا يزال، جزءًا من حمضها النووي. لقد سعت التهذيبات التقليديّة (كالعلم والتاريخ وغيرها) إلى فهم العالم كما هو عليه. لكنّ نظرية التحيّز العنصريّ تتعلّق في كيفيّة تغيير العالم لتحقيق العدالة (أي الوصول إلى نتائج متساوية وليس إلى تكافؤ الفرص). تركّز نظريّة التحيّز العنصريّ على زعزعة استقرار المجتمع من خلال إقناع الناس بالنظر إلى كلّ السلطات على أنّها قمعيّة، وبأنّ كلّ ادّعاءات الحقيقة مشبوهة، وبأنّه لا معنى لكلّ ما يُقال. ترى نظريّة التحيّز العنصريّ أنّ التفسيرات العالميّة والقواعد الأخلاقيّة والدين وحتّى القواعد القانونيّة والعقل والمنطق والعلم، ما هي إلّا مجرّد وسائل يحمي بها المتميّزون مواقعهم، وفي الوقت نفسه يحافظون على إبقاء المُضطَهَدين في الدرك السُفليّ.
بدأ هذا المشروع المدمّر في الجامعات، لكنّه انتقل إلى جميع المؤسّسات الكبرى في الغرب. ينقسم المجتمع إلى مجموعات تُحرّض الناس ضدَّ بعضهم البعض في سباق تسلّح ليشعروا أنّهم ضحايا. يتمّ التقليل من شأن مسؤوليّة الفرد الأخلاقيّة بحيث يُعبَّر عن الشعور بالذنب بمصطلحات جماعيّة. يُعتبر التمتّع بالامتياز خطيئة لا يمكن القضاء عليها أبدًا. تنقسم الإنسانيّة بين مَن لديهم إمكانيّة الوصول إلى اختبارات معيّنة، وآخرين غير قادرين على ذلك، وبالتالي، هم غير قادرين على فهم اختبارات المجموعة الأخرى. هذا يقضي على قدرتنا بالتفاعل مع الآخرين. إنّه يقضي على القدرة التي أنعم بها الله علينا للتواصل مع البشر الآخرين ووضع الثقة بهم. هذا تقييد بائس للعلاقات الاجتماعيّة. إنّه أيضًا نتيجة إنكارِ لله كمصدرٍ للحقيقة الخارجيّة والمتاحة عالميًّا.
يعلّمنا الكتاب المقدّس أنّ اللهَ هو واهبُ الحياة، وأنّ كلَّ البشر مخلوقون على صورته ومثاله، وأنّه عندما نُهمل أو نحتقر إخوتَنا البشر، فإنّنا بذلك نهين خالقَهم (أمثال 14: 31؛ 17: 5). إنّ الضمان الأكيد والوحيد لحريّة الإنسان وكرامته، هو الإيمان بأنّ الله هو الذي خلقنا. وتكمن أفكار الارتقاء والتطوّر بشكل مباشر وراء "عِلْمِ" تحسين الأنساب، الذي غذّى بدوره فكرة التفوّق العنصريّ الشرّيرة.
إنّ النظرَ إلى الأشخاص بشكل أساسيّ وفقًا للمجموعات التي ينتمون إليها، يُقلّل من احتماليّة احترامهم لمن هم عليه. لقد فقدنا الاحترام العالمي الذي يستحقّه جميع البشر. كما أنّنا فقدنا الاحترام الخاصّ المتوجّب نحو الأفراد بسبب شخصيّاتهم أو فضائلهم أو إنجازاتهم. تشير الحقائق الكتابيّة عن الخلق والفداء إلى الوحدة الأساسيّة للجنس البشريّ، وإلى الاحترام الواجب تقديمه لكلّ إنسان.
يعلّمنا الكتاب المقدس أنّنا كلّنا خطاة؛ وبأنّنا كلّنا مسؤولون أخلاقيًّا، وبأنّنا نستطيع كلّنا الحصول على الغفران. عندما نُقرّ بأنّنا خطأة ونختبر غفران الله، سنمتلك القوّة لنغفر للآخرين. وفي عصر الانقسام الاجتماعيّ، تُصبح القدرة على إظهار التواضع والتسامح أمرًا جميلًا معاكسًا للثقافة التي نحيا فيها.
يحقّ لنا السعيَ لتحقيق العدالة ومقاومة العنصريّة، لكنّ النظرة الكتابيّة هي الأساس الثابت الوحيد للدفاع عن الكرامة الإنسانيّة والانسجام في المجتمع. إنّ المساومة مع أيديولوجيّة تهدف إلى تدمير وجود حقيقة سامية هو أمر كارثيّ. نحن نفرح عندما نُعلن أنّ إلهنا المثلّث الأقانيم هو أساس الحقّ والعدل والأخلاق. هو يستحقّ تسبيحَ الجميع له من كلّ أمة وفي كلّ العصور (مزمور 72: 8-11).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.