عدم التغيّر
۳۰ أكتوبر ۲۰۲۳محبّة وعدالة وغضب
۱ نوفمبر ۲۰۲۳عدم التأثّر
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثالث] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].
من التقاليد القديمة والمُحبّبة في حياة الكنيسة، تناول وجبة طعام معًا أو شَرِكة الطعام. الطعام وفير، والجميع يستمتعون عند وجود وليمة كبيرة. عندما تمرّ قرب المأكولات والحلويات حاملًا طبقك، تختار أصنافًا معيّنة منها وتعبر عن البعض الآخر. لماذا يحدثُ هذا؟ لماذا تختارُ أنواعًا دون أخرى؟ الحقيقةُ هي أنّ كلّ نوع من الأطعمة أو الحلويات التي تراها أمامك تؤثّر عليك. كيف ذلك؟ أنتَ تنظر إلى كلّ نوع أمامَك، وتحكم أنّه لذيذ أو غير لذيذ، فتنجذب إلى اللذيذ وتنفر من غير اللذيذ. وعندما تقترب لأخذ المأكولات اللذيذة، وتبتعد عن غير اللذيذة، يحدث تغيير فيك، وتتأثّر بتلك المأكولات وبإدراكِك لها. هذه هي حياة مخلوق يتأثّر.
أنْ تكونَ مخلوقًا يتأثّر، فهذا يعني أنّك عِرضةً للتأثّر بعامل خارج عنك. أنت قابل لأنْ تُصبحpatient (مريضًا) لعامل خارجيّ. إنّ كلمتي patient و passible باللغة الإنجليزيّة تأتيان من نفس الجذر، "pati"، وهي بادئة تعني "يتألّم أو يتأثّر بـ." في اللغة الإنجليزيّة، كلمة patient تُشير إلى الشخص الذي يتألّم أو يتأثّر بعامل خارجيّ. إذًا، لكي تكون كائنًا متأثّرًا، فهذا يعني أنّك قادر على أن تُصبح متأثّرًا بتأثيرٍ خارج عنك.
عندما تمرّ عبر خطّ الطعام وتضع أشياء مُعيّنة على طبقك وتتجنّب أطعمةً أخرى، فإنّك تمرّ بتغييرات وتقلّبات تجاه ما تعتبره لذيذًا، وتبتعد عمّا تعتبره غير لذيذ. الأطعمة هي عوامل تُحرّكك وتؤثّر بك، كونك مريضًا لها، من خلال كونها لذيذة أو غير لذيذة (بحسب نظرتك إليها).
هذا التحرّك نحو ما هو لذيذ والابتعاد عمّا هو غير لذيذ، هذه "المكابدة" هي عواطف. نُطلق على هذه المشاعر أسماء كالحبّ والكراهية، الفرح والحزن، الثقة والخوف، الرحمة والانتقام. وكما قال بولس في أفسس 2: 3، "ٱلَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلًا بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ ٱلْجَسَدِ وَٱلْأَفْكَارِ."
العواطف هي تحقيقٌ لرغبات جسد الإنسان وروحه. إنّها تحرّكٌ نحو ما نعتبره جيّدًا أو ابتعادٌ عمّا نعتبره سيّئًا. أوصى بولس المسيحيّين في كولوسي 3: 2 قائلا لهم: " ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى ٱلْأَرْضِ." وتقول ترجمات قديمة: "ركّزوا وجدانكم [أي عواطفكم] على ما هو فوق،" أي "انجذبوا إلى الخير كما حدّده الله، وابتعدوا عن السيّئ كما حدّده الله، وليس كما حدّده الإنسان الساقط وطبيعته الفاسدة."
إنّ حياةَ المخلوقات القابلة للتأثّر، واختبار المشاعر والعواطف، هي تدفق دائم ومتغيّر من الحركات والتقلّبات صعودًا وهبوطًا، وهي تغييرات ناتجة عن أنواع مُختلفة من القوى الخارجيّة. الضوء الأخضر يجعلنا نشعر بالسعادة للحظة واحدة؛ ثمّ يغيّر الضوءُ الأحمرَ مزاجَنا بالكامل. الهدف الذي يسجّله فريقُنا الرياضيّ المُفضّل يمنحنا شعورًا كبيرًا بالرضا والثقة؛ بعد ذلك، يثيرُ بنا الهدفُ الذي يُحرزه الفريقُ المنافس مشاعرَ الخيبةِ والخوفِ.
الآن، بعد أنْ أدركنا معنى أنْ نكونَ متأثّرين، يمكننا أنْ نبتهجَ ونعبدَ إلهَنا غير المتأثّر. عدم التأثّر هي عبارة بالنفي. لذلك عندما نقول إنّ الله "بلا عواطف" أو أنّ الله غير متأثّر، فإنّنا ننكر وجودَ العواطف التي وصفناها أعلاه في الله. لا يتأثّر الله أبدًا بعامل خارجيّ. الله لا يُحرّكه شيء أبدًا من شأنه أنْ يؤدّيَ إلى تغيير فيه. ليس للمخلوق قوّة على الخالق تجعله يتغيّر أو يتحرّك نحو ما نعتبره خيرًا أو شرًّا.
بالأحرى، الله "مُبَارَكٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ" (رومية 1: 25؛ 2 كورنثوس 11: 31)، وبرُّنا أو شرُّنا لا يغيّران الله (أيوب 35: 5-8). هذه أخبار رائعة، لأنّها تعني أنّ محبّةَ الله ورحمتَه مثلًا، ليستا عاطفتَين كما هي العاطفة الموجودة في المخلوقات، بل هما من كماله. ما نقصده هو أنّ الله لا يتأثّر فيتحرّك ليحبّ أو ليرحم، بل هو يحبّ ويُظهر رحمتَه من خلال كمال صلاحِه الشخصيّ الأزليّ. الله لا يتأثّر فيتحرّك ليُحبّ؛ "اللهُ مَحَبّة" (1يوحنا 4: 8). وبما أنّ محبّة الله ليست عاطفة أو مشاعر، فهو لا يستطيع أنْ يتوقّفَ عن أنْ يكونَ محبّة، تمامًا كما أنّه لا يستطيع أنْ يتوقّفَ عن أنْ يكونَ موجودًا.
لو كانت محبّةُ اللهِ عاطفةً تُشبهُ عاطفتَنا، لكانت عرضةً للتغيير المستمرّ استنادًا إلى صلاحِنا وشرّنا. تغييراتنا ستُحدث تغييرات في الله. في الواقع، كلّ الخليقة ستتسبّب دائمًا في إحداث تغيير في الله الذي هو كلّيّ المعرفة وكلّي الوجود. لكنّ الله يرتبطُ بالخليقةِ ويحبّ شعبَه محبّة أبديّة، لأنّ اللهَ يحبّنا حرفيًّا من كماله الأزليّ، وليس على أساس الخير الموجودِ فينا. في الواقع، "نَحْنُ نُحِبُّهُ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (1يوحنا 4: 19). فليعلن شعبُ الله: "اِحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لِأَنَّهُ صَالِحٌ، لِأَنَّ إِلَى ٱلْأَبَدِ رَحْمَتَهُ" (مزمور 136: 1).
وبالمثل، لا يتأثّر الله ويتحرّك ليُظهر رحمتَه لشيء يراه فينا. تعتمد رحمتنا كبشر عندما تشعر قلوبنا بانجذاب نحو شخص ما أو شيء ما. إنّ قدرًا كبيرًا من العطاء الخيريّ يعتمد على جعل الناس يتأثّرون ليتحرّكوا نحو أعمال الرحمة. قد يكون الفسادُ موجودًا في مثلِ هذه الأنظمة، إلّا أنّه ينبغي علينا أنْ نعترفَ بعارِنا لأنّنا نتجاهلُ الآلام الحقيقيّة لأشخاص كثيرين. نحن نفعل هذا لأنّه يجب أنْ نتأثّرَ لنتحرّك نحو إظهار الرحمة. لكنّ رحمةَ الله ليست عاطفة أو مشاعر. إنّ الله يُعين من لا معين لهم من كمال صلاحه الأزليّ، وليس نتيجة تأثّر أو تلاعب عاطفيّ. لهذا السبب، يستطيع البائسُ أنْ يطلبَ الله دائمًا، عالمًا أنّه ليس رحيمًا فحسب، بل هو الرحمة بحدّ ذاتها. الله لا يتأثّر فيتحرّك ليرحم؛ بل هو الرحمة نفسها. فلنعبدْ إلهَنا بإجلال قائلين: "إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ ٱلرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لِأَنَّ مَرَاحِمَهُ لَا تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ" (مراثي ارميا 3: 22-23).
نظرًا لأنّ عدم التأثّر هي عبارة بالنفي، فمن الأسهل أنْ نفهمَها بمقابلتها مع التأثّر البشريّ. عواطفُنا هي تعبير عن حركات الجسد والعقل، وهي تغييرات تحدث لنا عندما نصبح مرضى، أو عرضة للعوامل من جميع الأنواع. لكنّ محبّةَ الله ورحمتَه، وغيرها من الصفات، ليست مشاعر أو عواطف أو حركات أو تغيّرات أو حالة، بل هي الله نفسه الكامل وغير المحدود والأبديّ والذي لا يتغيّر والذي يسكب صلاحه على مخلوقاته. نشكر لله لأنّ "ٱلرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ. يَحْمَدُكَ يَارَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ، وَيُبَارِكُكَ أَتْقِيَاؤُكَ" (مزمور 145: 9-10).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.