الصلاة من خلال المزمور 51
۱۸ مايو ۲۰۲۳سياقات مهمّة لفهم اللاهوت المُصلَح
٦ يونيو ۲۰۲۳هل يُعاقبنا الله على خطايا آبائنا؟
يبدو أحيانًا أنّ الكتاب المقدّس يناقض نفسه في مسألة ما إنْ كنّا سنُعاقب على خطايا آبائنا- ويبدو لنا أحيانًا هذا التناقض حتّى في السِفْر نفسه. مثلًا، تُحرّم الوصيّة الثانية من الوصايا العشر عبادة الله باستخدام الصور، لأنّ الربّ "إِلَهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلْآبَاءِ فِي ٱلْأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ (خروج 20: 5-6؛ تثنية 5: 9-10). نقرأ أيضًا في سفر العدد أنّ الربّ "لَا يُبْرِئُ، بَلْ يَجْعَلُ ذَنْبَ ٱلْآبَاءِ عَلَى ٱلْأَبْنَاءِ إِلَى ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ" (سفر العدد 14: 18). أمّا في سفر التثنية فنقرأ: "لَا يُقْتَلُ ٱلْآبَاءُ عَنِ ٱلْأَوْلَادِ، وَلَا يُقْتَلُ ٱلْأَوْلَادُ عَنِ ٱلْآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ" (تثنية 24: 16).
وبعد مرور قرون، يحذّر حزقيال قائلًا: "اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلِٱبْنُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلْأَبِ، وَٱلْأَبُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلِٱبْنِ. بِرُّ ٱلْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ ٱلشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ" (حزقيال 18: 20). ويتنبأ إرميا بالمِثْلِ بيوم "لَا يَقُولُونَ بَعْدُ: ٱلْآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ ٱلْأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ" (إرميا 31: 29). اذن ما هو الصحيح؟ هل يعاقبُ اللهُ الأبناءَ على خطايا آبائِهم؟ الإجابة هي نعم، ولا. فلنتكلّم عن "لماذا نعم" أوّلًا.
آدم، الرأس الفدراليّ، والخطيئة الأصليّة
الله يعاقبنا بالفعل على خطايا أبوَيْنا الأوّلَيْن (راجع رومية 5: 12-14؛ 1 كورنثوس 15: 22). هذا يعود لدور آدم الذي لعبه في العهد كرأس ممثّل للبشريّة في عهد الأعمال، قبل السقوط وطرده من الجنة. كان آدم يُمثّل بشكل فريد كلّ ذريّته، فعندما سقط أبوانا الأوّلان، لم تكن العقوبة عليهما فقط، بل على كلّ نسلهما من بعدهما- أي جميع البشر الذين سيولدون في هذا العالم بالتوالد الطبيعيّ (انظر دليل أسئلة وأجوبة وستمنستر الموجز 13-17). يشرح إقرار إيمان وستمنستر فيما يختصّ بأبوَيْنا الأوّلَيْن والخطيئة الأصليّة التالي: "لكونهما أصل كلّ الجنس البشريّ، فقد احتُسب ذنبُ هذه الخطيئة على كلّ نسلهما المتحدّر منهما بالتوالد الطبيعيّ، وانتقل إليهم الموتُ ذاتُه في الخطيئة، والطبيعة الفاسدة ذاتها" (6.3). إذن، الطريقة الوحيدة لنُحرّر من الخطيئة والبؤس اللذَيْن حلّا علينا بواسطة أبوَيْنا الأوّلَيْن، هي عبر الاتّحاد بالإيمان بالرأس الأمين: الربّ يسوع المسيح. إذن، فيما يتعلّق بنَسَبِنا الفدرالي من والدَينا الأوّلَيْن، فإنّ الله يتعامل معنا بحسب خطاياهما أو طاعتهما. لهذا السبب، تعتمد إجابتنا على السؤال المطروح أمامنا على كيفيّة تعريفنا لكلمة "الأبوين" بحسب السياق التي ترد فيه.
إن النسب الذي يهم حقَا، هو ما إذا كنا ننتمي إلى آدم أو إلى المسيح.
بعد أنْ تحدّثنا عن آدم، وعن دوره الفريد كالرأس الفدرالي في عهد الأعمال، يمكننا التحدّث عن أبيك وعن أبي، وهكذا هي بالعادة طريقة صياغة السؤال.
المسؤوليّة الفرديّة، مقابل العواقب الجماعيّة
على عكس آدم، إنّ والدَيْنا ليسا في موقع "الرئاسة الفيدراليّة" في عهد الأعمال، لكي تُحدّد طاعتهما أو عصيانهما ما سيحلّ بأولادهما. لذلك، يمكننا القول بكلّ أمانة إنّ الله لا يعاقب الأبناء بشكل مباشر على خطايا والديهم. لكن في الوقت نفسه، غالبًا ما يكون هنالك آثار وعواقب على الأجيال القادمة. بهذه الطريقة، يُمكن القول إنّه يوجد عقاب غير مباشر. مثلًا، تُصبح خطيّة عبادة الأصنام والعبادة الباطلة مغروسة بعمق في الحياة الدينيّة لأيّ مجتمع أو عائلة. لهذا السبب، كثيرًا ما نقرأ مثلًا في قصص الملوك المتعاقبين في إسرائيل عن ملوك ساروا في طُرق آبائِهم - سواء كان الطريق صالحًا أم طالحًا. الملك أحزيا، مثلًا: "وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، وَسَارَ فِي طَرِيقِ أَبِيهِ وَطَرِيقِ أُمِّهِ، وَطَرِيقِ يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ ٱلَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ" (1 ملوك 22: 52). لا يُمكن بسهولة إبطال عبادة الأوثان والعبادات الباطلة بعد أن يتمّ توارثها من الأجيال السابقة. يتطلّب الأمر إصلاحًا متعمّدًا بقوّة الروح القدس، مثل ذلك الإصلاح الذي قام به الملك يوشيا، الذي: "وَعَمِلَ ٱلْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، وَسَارَ فِي جَمِيعِ طَرِيقِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا" (2 ملوك 22: 2) فقضى على المرتفعات التي كانت تُعبد عليها الأوثان (الملوك الثاني 23).
ولكن، على الرغم من هذا، لا يوجد ما يضمن أنّ الآباء الصالحين سيُنجبون أبناءً صالحين، وأنّ الآباء الأشرار سينجبون أبناءً أشرار، فقد عمل يهوآحاز، ابن يوشيّا "ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ آبَاؤُهُ" (2 ملوك 23: 32). من جهة أخرى، كان لحزقيا أبٌ شرّير هو آحاز (ملوك الثاني 16)، لكنّه "عَمِلَ ٱلْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ" (2 ملوك 18: 3). لاحظ أنّ كاتب سفري الملوك يذكر داود على أنّه والد حزقيا، وهذا يعني أنّ حزقيا اتّبع طُرق داود الصالحة وليس طرق آحاز الشرّيرة.
نرى من خلال هذه الأمثلة من العهد القديم، أنّ خطيئة عبادة الأصنام تنتقل بسهولة من جيل إلى آخر، وغالبًا ما كان الله يعاقب بني إسرائيل عليها. على الرغم من أنّ الربّ لا يعاقب الناس مباشرة على الخطايا التي يرتكبها آباؤهم (الربّ يعاقب الذين يسيرون في طريق خطايا آبائهم)، غالبًا ما نجد صدى لخطايا آبائهم في حياتهم، ويمكن الشعور بعواقب هذه الخطايا لأجيال طويلة. أيضًا، على الرغم من أنّ الابن الصالح لن يعاني بشكل مباشر من خطيئة أبيه الشرّير، إلّا أنّه سيكون عرضة لأنْ يسيرَ في طريقه الشرّير. غالبًا ما سيعاني بشكل غير مباشر من عواقب بعض السلوكيّات الشرّيرة لوالده. مثلًا، إنْ كانَ الأب سكّيرًا، فعلى الأرجح أنْ يتأذى الابن ويتبع خطى والده. ومع ذلك، سيتحمّل كلّ إنسان عقوبة أفعاله الشرّيرة الخاصّة. قال ماثيو هنري: "لا يعاقب الله الأبناء على خطايا آبائهم، إلّا إذا ساروا في خُطاهِم." إذن، تعتمد إجابتنا على السؤال المطروح على كيفيّة تعريفنا لكلمة "العقاب" بحسب السياق التي ترد فيه.
ماذا إذًا؟
ماذا يعني هذا بالنسبة إلينا؟ يمكننا استنتاج العديد من التطبيقات العمليّة، ولكن سأذكر القليل منها فقط. أوّلًا، يجب أنْ نلتجئ بأسرع ما يُمكن إلى التوبة، وأنْ نحرصَ بشكل خاصّ على التوبة عن الخطايا التي سقط في أشراكها بسهولة أفرادٌ من عائلتنا في الماضي. إنْ لم نكبح خطايانا، فستؤثّر حتمًا على أولادنا. ثانيًا، يذكّرنا هذا بأهميّة تأديب الآباء المسيحيّين لأولادهم بشكل صحيح، والصلاة من أجلهم. بالعادة، تنتقل بركات الله أيضًا عبر السلالة العائليّة. ثالثًا، للخطيئة عواقب مباشرة على مرتكبيها، ولكن، يُمكن أنْ يكون لها أيضًا عواقب غير مباشرة على الذين هم حولنا وعلى الأجيال القادمة. أخيرًا، نحن لسنا عبيدًا لذنوب آبائنا، فإما أن نكون عبيدًا للخطيئة، أو عبيدًا للبرّ (رومية 6: 12-23). لقد وضعنا الله بتدبيره الإلهي في عائلاتنا وثقافاتنا ومجتمعاتنا، مع كلّ الامتيازات والتجارب والمساوئ التي تأتي معها (انظر أعمال الرسل 17: 26). إنّ النسب الأهم حقًا، هو ما إذا كان تحت رئاسة آدم أو المسيح (رومية 5: 12-21).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.