
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن إنجيل متى
۱۲ فبراير ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر المزامير
۱۹ فبراير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة فيلبّي

1. تعطينا رسالة فيلبّي إطاراً لاهوتيًّا نافعًا للشركة المسيحيّة.
الكلمة اليونانيّة "كوينونيا" (koinonia)، التي غالبًا ما تُترجَم إلى "شركة" أو "شراكة" أو "تضامن"، تمثِّل طرفَي رسالة فيلبّي. فلدى بولس والمؤمنين "كوينونيا" في تقدُّم "الإنجيل (فيلبّي 1: 5-7)، وفي "الألم" (فيلبّي 4: 14)، وفي "العطاء والأخذ" (فيلبّي 4: 15). ولكنّ هذه "الكوينونيا" الأفقيّة متجذّرة في "كوينونيا" عموديّة في تقدُّم بشارة الإنجيل مع الآب (فيلبّي 1: 3، 5)، وهي "كوينونيا" في الروح (فيلبّي 2: 1)، و"كوينونيا" في آلام المسيح (فيلبّي 3: 10). فهذه الكوينونيا ثالوثيّة بصورة شاملة وتامّة. فالله، الآب والابن والروح القدس، هو من يكمِّل العمل الذي بدأه (فيلبّي 1: 6)، وهو يريد ويعمل في شعبه ومن خلالهم (فيلبّي 2: 12-13).
كان الله يعمل على امتداد بشارة الإنجيل من خلال بولس وهو في السجن، ولذا يؤكِّد بولس على دوره الأساسي باستخدام صيغة فعلٍ مبني للمجهول في وصفه "ما حدث" من خلال حبسه (فيلبّي 1: 12). فالله هو الذي يعمل على امتداد الإنجيل الذي ينادي به بولس (فيلبّي 1: 12، 25). كما أنّ الله هو المُعطي الأساسي في عملية العطاء والأخذ، ولذا يفرح بولس في الربّ بسبب الهِبة التي أرسلها مؤمني فيلبّي إليه في السجن، وقد كانت هبة جعلته يتمتَّع بالكثير: "وَلكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ (كثرَ ما لديّ وزاد)" (فيلبّي 4: 18). الهِبة المُرسَلة إلى بولس هي هِبة مُرسَلة لله، "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (روميّة 11: 36).
وأخيرًا، يمنح اللهُ الآلامَ لجعلهم أكثر اعتمادًا عليه وعلى المؤمنين الآخرين، أو يمكننا القول: ليكونوا معتمدين عليهِ من خلال المؤمنين الآخرين، مثل أبفرودتس. فقد شارف أبفرودتس على الموت ليخفِّف ألم بولس من خلال وجوده في السجن وهبة الله التي أعطاها من خلال كنيسة فيلبّي (فيلبّي 1: 29؛ 2: 25-30؛ 4: 14). في المرّة القادمة التي تفكِّر فيها بالخدمة الإرساليّة والوعظ والألم وكلِّ علاقاتك، تذكَّر دورَ اللهِ السامي والقدرةَ التي يمنحُها في هذه الظّروف. إنَّ انخراطه الإلهي في أمورنا يغيِّر كلَّ شيءٍ، خاصّة فهمَنا للشّركة المسيحيّة.
2. لا تقدِّم لنا رسالة فيلبّي الطريقة التي ينبغي أن نفكِّر بها فحسب، بل والطريقة التي ينبغي أن نحيا بها أيضًا.
"ترتيلة" المسيح الواردة في فيلبّي 2: 5-11، والتي تمثِّل مركز الرسالة المُتّقد، ليسَتْ لاهوتًا للعقل فقط، بل هي لاهوت للحياة أيضًا. فالخبر السارّ عن تواضع المسيح وتمجُّده لأجلنا ولأجل خلاصنا هو رسالة الإنجيل التي علينا أن نؤمن بها بقلوبنا، ونُعلِنها بأفواهنا، ونُظهِرها في حياتنا. ويصير هذا الأمر واضحًا من استخدام بولس للكلمة "فِكر"، أي "ذهن"، في فيلبّي 2: 1-11. يُشجَّع المؤمنون في الآيات الأربعة الأولى على أن يكون لهم "فِكْرٌ وِاحِدٌ (الذهن نفسه)" (فيلبّي 2: 2). وبعد ذلك، يُؤمَر المؤمنون في الآية 5 بالكلمات: "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا".
وبعدَ ذلك يُظهِر بولس للكنيسة كيف يظهر هذا "الفكر" أو "الذهن": في عدم تمسُّك المسيح بحقوقه، وفي تنازله من أجل أن يرتفع الآخرون (فيلبّي 2: 6-8). ليكُن فيكم هذا الذهن الذي يتّخذ شكل ذهن المسيح، الذي هو ليس طريقة في التفكير فقط (برغم أهمّيّة هذا الأمر)، بل هو أيضًا شعورٌ وعمل بعضنا نحو بعض ولبعض. وبكلمات أخرى، يريد بولس أنْ يُسمَع يسوع ويُرى فينا. فحين نحسب الآخرين أفضلَ من أنفسنا، يرى الناسُ المسيحَ الذي تواضع في تفضيله الآخرين على نفسه (فيلبّي 2: 3، 8). أو حين نشابه أبفرودتس، الذي "مِنْ أَجْلِ عَمَلِ الْمَسِيحِ قَارَبَ الْمَوْتَ، مُخَاطِرًا بِنَفْسِهِ،" يرى الآخرون المسيح الذي "وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبّي 2: 8، 30). ويستخدم بولس قاصدًا كلماتٍ مهمّة ترد في الإصحاح الثاني لوصف الأمثلة والنماذج التي تشكلَّت على صورة المسيح في فيلبّي. كلّ هذا يوضِّح وينير مقطع فيلبّي 1: 21، الذي كثيرًا ما يتعرَّض للتجاهل، "لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ،" مع أنّ الإنسان لا يستطيع أن يحيا مثل المسيح إلّا إنْ عاش في المسيح. ولذا، علينا أن نقبل المسيح هبةً قبل أن نقبله مثالًا، بحسب قول مارتن لوثر.
3. تُعزِّر رسالة فيلبّي الفائدة المشتركة والالتزام المشترك بوصفهما فضيلتَين مسيحيّتَين.
هل تجعلك هذه النقطة غير مرتاح؟ قد تستثير الكلمتان "فائدة" و"التزام" في ذهنك ذكريات قديمة من عالم الأعمال القاسي، حيث الجميع يأكلون بعضهم بعضًا. ولكنّ بولس يستشهد هنا ببشارة الإنجيل. فيقول في فيلبّي 2: 3-4: "لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا". العلاقة "لا ... بل" هي المفتاح هنا. فالمسيحيّة لا تهتمّ بذاتها بصورةٍ حصريّة، ولا بالآخرين بصورة حصريّة. فالمسيحيّة تهتمّ بما هو للذات وما هو للآخر. فالفائدة المشتركة أمر كتابي إن فُهِمَت بصورة صحيحة.
والالتزام المشترك أمرٌ مشترك أيضاً، وهو ما يُرى في الشركة المسيحيّة من "العَطَاءِ وَالأَخْذِ" (فيلبّي 4: 15). كرز بولس ببشارة الإنجيل لأهل فيلبّي. منحهم هذه الهبة المجيدة. من ناحيةٍ ثقافيّة، يمكن أن يصيروا ملتزمين نحوه بعد نوال هذه الهبة. ولهذا يصف مُخاطرة أبفرودتس بحياته بأنّها "لِكَيْ يَجْبُرَ نُقْصَانَ خِدْمَتِكُمْ (lietourgias) لِي (بولس)" (فيلبّي 2: 30). تصف الكلمة "ليتورچيا" الواجبات المُلزِمة ("الخدمة العامّة" تجاه الشعب) الخاصّة بالكهنوت اليهودي (2أخبار 31: 2). وفي إنجيل المسيح، الفرق هو أنَّ إله النعمة يمكِّننا من تتميم الالتزامات التي علينا (فيلبّي 1: 6؛ 2: 12-13).
وعلاوةً على ذلك، فإنَّ الفائدة المشتركة والالتزام المُشترك مرتبطان بمؤمني فيلبّي في عقدةٍ ثلاثيّة. فتُعرَّف الفائدة المُشترَكة والالتزام المُشترَك بأنَّهما "فوائد المسيح" أو "بركات المسيح"، والالتزام المشترك هو في النهاية التزامٌ نحو الله، كما أن التزام أهل فيلبّي نحو بولس هو التزام نحو الله ينطوي على تضحية (فيلبّي 2: 21، 30؛ 4: 18).
قد يساعدك تذكُّر هذه الأمور الثلاثة وأنت تقرأ رسالة فيلبّي في أنْ تُولَد فيك طريقةِ تفكير وشعور وعمل تكون كطريقة المسيح، وذلك فيما نتمتَّع بالشركة المسيحيّة مع الله، وبعضنا مع بعضه، إن سمح الربّ.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.