المحاضرة 8: سِيَادَةُ اللهِ

مَرْحَبًا، نَحْنُ الْآنَ بَلَغْنَا الْمُحَاضَرَةَ ٨، وَسَنَتَنَاوَلُ فِيهَا الْأَصْحَاحَاتِ مِنَ ٣٢ إِلَى ٣٧ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. وَفِيهَا سَنَتَعَرَّفُ عَلَى شَخْصِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، هُوَ أَلِيهُو [أَ-لِي-هُوَ]. الْبَعْضُ يَنْطِقُونَ اسْمَهُ إِيلَايْهُو (إِي-لَايْ-هُوَ). فَطَالَمَا نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ الشَخْصِ عَيْنِهِ، فَأَنَا سَأُنْطِقُ اسْمَهُ "أَلِيهُو [أَ-لِي-هُوَ]". فَالْأَصْدِقَاءُ الثَلَاثَةُ، صُوفَرُ وَبِلْدَدُ وَالثَالِثُ الَذِينَ لَمْ تُجْدِ مُوَاسَاتُهُمْ نَفْعًا. فَقَدْ تَرَكَ الْأَصْدِقَاءُ الثَلَاثَةُ، أَلِيفَازُ وَبِلْدَدُ وَصُوفَرُ الْمَشْهَدَ، وَظَهَرَ صَدِيقٌ جَدِيدٌ شَابٌّ فِي الْمَشْهَدِ. لَقَدْ كَانَ جَالِسًا مَعَهُمْ. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَمِعُ إِلَى مُوَاسَاةِ هَؤُلَاءِ الثَلَاثَةِ. نَعْرِفُ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٢ أَنَّ الرِجَالَ الثَلَاثَةَ أَوِ الْأَصْدِقَاءَ الثَلَاثَةَ:

كَفَّوْا عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارًّا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ الْبُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ غَضَبُهُ لِأنَّهُ حَسِبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ اللهِ. وَعَلَى أَصْحَابِهِ الثَّلَاثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَابًا وَاسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ.

يَا لَهُ مِنْ غَضَبٍ شَدِيدٍ هُنَا. كَمَا أَنَّ الْغَضَبَ فِي الْغَالِبِ لَيْسَ الشُعُورَ اللائِقَ لِتَعْزِيَةِ شَخْصٍ مِثْلِ أَيُّوبَ. لِذَا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَنْبَغِي وَضْعُهَا فِي الْحُسْبَانِ. الْآنَ، مَا الَذِي يَنْبَغِي لِأَلِيهُو التَفَوُّهُ بِهِ؟ لَطَالَمَا اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وانْقَسَمُوا حَوْلَ أَلِيهُو. فَبَعْضُهُمْ أَزَاحُوهُ مِنَ الْمَشْهَدِ كُلِّيًّا. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ قَالُوا إِنَّ الْأَمْرَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ. إِذْ يَحْمِلُ الْكَثِيرَ مِنَ الصَخَبِ. فَقَدْ دَخَلَ الْمَشْهَدَ مُتَّهِمًا الْأَصْدِقَاءَ الثَلَاثَةَ بِإِخْفَاقِهِمْ فِي قَوْلِ أَيِّ شَيْءٍ صَالِحٍ، وَلامَ نَفْسَهُ لأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ هُوَ أَيْضًا. فَحَدِيثُ أَلِيَهُو مُجَرَّدُ تَكْرَارٍ لِوُجْهَةِ النَظَرِ عَيْنِهَا الَتِي تَقُولُ إِنَّ الْأَلَمَ عِقَابٌ؛ وَبِأَنَّ هَذَا الْعِقَابَ هُوَ حَصَادُ مَا قَدْ زَرَعْتَهُ، لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ. إِنَّمَا مُفَسِّرُونَ آخَرُونَ قَالُوا إِنَّ أَلِيهُو، فِي الْوَاقِعِ، يَقُولُ شَيْئًا جَدِيدًا تَمَامًا. وَهُنَاكَ آخَرُونَ، وأَعْتَقِدُ أَنَّ جُونْ كَالْفِنْ مِثَالٌ عَنْهُمْ، فَقَدْ رَأَى جُونْ كَالْفِنْ فِي أَلِيهُو الْجَوَابَ عَنْ مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ. دَعُونَا نُصِيغُهَا عَلَى النَحْوِ التَالِي: إِنَّ جُونْ كَالْفِنْ هُوَ أَلِيهُو. مِنْ حَيْثُ الْمَنْظُورُ الَذِي فَهِمَ بِهِ سِفْرَ أَيُّوبَ؛ لَقَدْ فَهِمَهُ مِنْ خِلَالِ مَنْظُورِ أَلِيهُو. وَمُفَسِّرُونَ آخَرُونَ وَقَفُوا فِي الْوَسَطِ قَائِلِينَ بِأَنَّ أَلِيهُو بَدَأَ حَدِيثَهُ جَيِّدًا، لَكِنَّهُ أَنْهَاهُ عَلَى نَحْوٍ سَيِّئٍ؛ وَأَعْتَقِدُ أَنَّنِي أَمِيلُ لِهَذَا الرَأْيِ. أَعْتَقِدُ أَنَّ أَلِيهُو بَدَأَ بِدَايَةً حَسَنَةً، لَكِنَّهُ أَنْهَى حَدِيثَهُ عَلَى نَحْوٍ سَيِّئٍ. إِذْ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى تَكْرَارِ وُجْهَةِ نَظَرِ أَصْدِقَاءِ أَيُّوبَ الثَلَاثَةِ فِي الْأَصْحَاحَاتِ السَابِقَةِ.

إِنَّ الْأَصْحَاحَاتِ السِتَّةَ، مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٢ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٣٧، تَضُمُّ ٤ خُطَبٍ أَلْقَاهَا أَلِيهُو. وَهِيَ خُطَبٌ فِي مُجْمَلِهَا تَلْخِيصٌ لِمُوَاسَاةِ أَيُّوبَ عَنْ مُشْكِلَتِهِ، مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ. فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ نُفَكِّرَ فِيمَا يَنْبَغِي لِأَلِيهُو أَنْ يَقُولَهُ. تَحْمِلُ مُشَارَكَتُهُ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ جَوْهَرِيَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ اخْتِيَارُ آيَةٍ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ مُشَارَكَةِ أَلِيهُو، سَتَكُونُ الْآيَةَ ١٢ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٤ الَتِي فِيهَا يَقُولُ: "فَحَقًّا إِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ سُوءًا، وَالْقَدِيرَ لَا يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ". فَمَهْمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْ مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَلَى حِسَابِ شَخْصِ اللَّهِ. يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حِسَابِ عَدْلِ اللَّهِ أَوْ نَزَاهَةِ اللَّهِ أَوْ عَلَى حِسَابِ بِرِّ اللَّهِ. فَهُوَ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْغَرَضِ عَيْنِهِ، لَنْ يُعَوِّجَ اللَّهُ الْكَوْنَ وَيُعِيدَ تَشْكِيلَهُ لِمُجَرَّدِ أَنْ يَتَأَقْلَمَ مَعَ دَعْوَى أَيُّوبَ هَذِهِ. بَلْ يَجِبُ عَلَى أَيُّوبَ نَفْسِهِ أَنْ يَخْضَعَ لِشَخْصِ اللَّهِ. لِذَا، فَهَذَا حَقٌّ. إِنَّهُ حَقٌّ لَا يَقْبَلُ النِقَاشَ. إِنَّهُ حَقٌّ لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فِي سَبِيلِ فَهْمِ مَا يَحْدُثُ مَعَ أَيُّوبَ. "فَحَقًّا إِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ سُوءًا". إِنَّهَا شَخْصِيَّةُ اللَّهِ، وَهِيَ ذَاتُ الشَخْصِيَّةِ الَتِي تَحْمِلُ مَحَبَّةَ اللَّهِ. اللَّهُ لَا يَفْعَلُ الشَرَّ. إِنَّ الْإِجَابَةَ عَنْ مُشْكِلَةِ الْأَلَمِ لَيْسَتِ الْإِجَابَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ الَتِي تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ ذُو سِيَادَةٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ صَالِحًا؛ لَيْسَ بِالضَرُورَةِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا. هَذَا هُوَ جَوْهَرُ الْإِسْلَامِ. اللَّهُ مُتَسَيِّدٌ، مَشِيئَةُ اللَّهِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ الصَلَاحَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ ثَانَوِيَّةٌ ضِمْنَ هَذِهِ السِيَادَةِ. فَاَللَّهُ مُتَسَلِّطٌ، لَكِنْ لَيْسَ بِالضَرُورَةِ صَالِحٌ. كَلَّا، اللَّهُ لَا يَفْعَلُ شَرًّا. اللَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَقْتَرِفَ إِثْمًا. كُلُّ شَيْءٍ يَصْنَعُهُ اللَّهُ، هُوَ يَصْنَعُهُ مِنْ مُنْطَلَقِ صِفَةِ الصَلَاحِ الَتِي فِي شَخْصِيَّتِهِ. لَكِنَّهُ أَيْضًا يَصْنَعُ بِعَدْلٍ. فَاَللَّهُ الْقَدِيرُ لَنْ يُعَوِّجَ الْقَضَاءَ. كُلُّ مَا يَقُومُ بِهِ، عَدْلٌ.

الْآنَ، إِنْ كَانَ عَلَيْنَا طَرْحُ السُؤَالِ التَالِي عَلَى أَنْفُسِنَا: "مَا الَذِي يَقُولُهُ أَلِيهُو عَنْ مُعْضِلَةِ الْمُعَانَاةِ وَمُعْضِلَةِ الْأَلَمِ؟" فَأَنَا أَفْتَرِضُ أَنَّ أَلِيهُو يَصْنَعُ أَمْرَيْنِ، وَكِلَاهُمَا يَنْدَرِجَانَ تَحْتَ أَمْرٍ أَسَاسِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ أَلِيهُو يَرَى أَنَّ الْأَلَمَ عَامِلٌ تَعْلِيمِيٌّ وَتَأْدِيبِيٌّ. إِنَّ أَحَدَ الْجَوَانِبِ وَرَاءَ مَنْطِقِ الْأَلَمِ، أَحَدَ جَوَانِبِ مَنْطِقِ سَبَبِ سَمَاحِ اللَّهِ بِالْأَلَمِ فِي حَيَاتِنَا، يَعُودُ إِلَى أَنَّهُ يَرْغَبُ فِي تَعْلِيمِنَا شَيْئًا. الْآنَ، عَنْ أَيُّوبَ، لَقَدْ زَوَّدَنَا اللَّهُ مُسْبَقًا بِتَقْيِيمٍ عَنْ شَخْصِيَّةِ أَيُّوبَ. كَانَ رَجُلًا يَتَّقِي اللَّهَ. كَانَ يَحِيدُ عَنِ الشَرِّ. كَانَ مِثَالًا لِلْمُؤْمِنِ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ. فَاَللَّهُ هُوَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، لِذَا نَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ. لِذَا لَيْسَ بِإِمْكَانِنَا وَنَحْنُ فِي مُنْتَصَفِ الْقِصَّةِ أَنْ نَقُولَ، إِنْ جَازَ التَعْبِيرُ، نَسْتَخْلِصُ بَعْدَ الرُضُوخِ لِحُجَّةِ أَصْدِقَاءِ أَيُّوبَ الثَلَاثَةِ بِأَنَّ سَبَبَ مُعَانَاةِ أَيُّوبَ يَتَمَثَّلُ، بِكُلِّ صَرَاحَةٍ، فِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ. أَيْ أَنَّهُ يَحْصُدُ مَا قَدْ زَرَعَهُ. إِنَّهُ أحَدُ تَعْبِيرَاتِ عَدْلِ اللَّهِ وَدَيْنُونَتِهِ وَغَضَبِهِ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ. لِذَا نَحْنُ لَا يُمْكِنُنَا الِاسْتِسْلَامُ لِهَذِهِ الْحُجَّةِ. لَقَدْ ظَلَلْنَا حَامِلِينَ اعْتِرَافَ اللَّهِ طَوَالَ دِرَاسَتِنَا لِلْأَصْحَاحَاتِ السَابِقَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ مَنْ قَالَ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ السِفْرِ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ بِلَا خَطِيَّةٍ طَوَالَ سَرْدِ السِفْرِ. نَحْنُ نَتَعَاطَفُ مَعَ أَيُّوبَ حِينَ نَقْرَأُ عَنْهُ فِي الْأَصْحَاحَاتِ الْأُولَى مِنَ السِفْرِ، لَكِنْ فِي مُنْتَصَفِهِ، قَدْ نَفْقِدُ هَذَا التَعَاطُفَ مَعَهُ. تَقُولُ أُوفِيلْيَا (Ophelia) فِي مَسْرَحِيَّةِ هَامْلِتْ (Hamlet) الَتِي لِشِكْسْبِيرْ (Shakespeare)-: "إِنَّكَ لَا تَكُفُّ عَنِ الِاحْتِجَاجِ". كَمَا تَعْلَمُونَ، يَحْتَجُّ الْبَشَرُ وَيَعْتَرِضُونَ. ثُمَّ يُبَرِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَبَعْدَ فَتْرَةٍ: "كَفَى بَعْدُ! أَنْتُمْ كَثِيرُو الِاحْتِجَاجِ". وَمِنَ الْمُحْتَمَلِ، رُبَّمَا يَحْمِلُ أَيُّوبُ ثِقَلًا يَدْفَعُهُ إِلَى الاعْتِراضِ، وَإِلَى التَمَادِي فِي الاحْتِجَاجِ بَعْضَ الشَيْءِ. فِي الْوَاقِعِ، لَيْسَتِ الدَعْوَى هِيَ الخَاطِئَةُ، بَلْ طَرِيقَةُ عَرْضِهِ لَهَا. إِذْ قَدْ بَدَأَ أَيُّوبُ بِطَرْحِ أَسْئِلَتِهِ، وَشَرَعَ يُؤَكِّدُ عَلَى حُقُوقِهِ. فَقَدْ تَوَقَّعَ أَنَّ اللَّهَ مُلْزَمٌ أَنْ يُجِيبَهُ عَنْ كُلِّ سُؤَالٍ يَطْرَحُهُ. بَلْ كَانَتْ تَوَقُّعَاتُهُ تَفُوقُ الحُدُودَ الَتِي عَلَى تِلْمِيذِ الْمَسِيحِ تُوَقُّعُهَا. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ رُبَّمَا أَيُّوبُ بِلَا خَطِيَّةٍ بِمَفْهُومِ أَنَّهُ يَمْتَلِكُ دَعْوَى بَرَاءَةٍ مَرْفُوعَةً. وَهُوَ كَذَلِكَ حَقًّا. لَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ. لَكِنْ فِي أَثْنَاءِ فَتْرَةِ الْأَلَمِ ذَاتِهَا، ظَهَرَ شَيْءٌ جَدِيدٌ؛ لَقَدْ ظَهَرَ شَيْءٌ عَنْ شَخْصِيَّةِ أَيُّوبَ الْخَاطِئَةِ. لَقَدْ تَخَطَّى الْحُدُودَ وَتَفَوَّهَ بِأُمُورٍ، رُبَّمَا مَا كانَ فِي بِدَايَةِ السِفْرِ لِيَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ يَتَفَوَّهُ بِهَا. لَقَدْ تَخَطَّى الْحَدَّ وَفَكَّرَ فِي أُمُورٍ، وبَالَغَ فِي رُدُودِ أَفْعَالِهِ، وَإِجَابَاتِهِ عَنِ الْأَلَمِ الَذِي كَشَفَ شَخْصِيَّةَ أَيُّوبَ عَلَى نَحْوٍ لَا يُسِرُّهُ أَوْ يُرْضِيهِ. فَالْأَلَمُ كَثِيرًا مَا يَقُودُنَا إِلَى رُؤْيَةِ أُمُورٍ فِي ذَوَاتِنَا.

دَعُونَا نَنْظُرُ إِلَى أَلِيهُو لِدَقِيقَةٍ. الْأَلَمُ قَدْ يَقُودُنَا إِلَى تَقْدِيرِ رَحْمَةِ اللَّهِ. إِذَنْ دَعُونَا نَنْتَقِلُ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٣٣. إِنَّ الْأَصْحَاحَ ٣٢ عِبَارَةٌ عَنْ مُقَدِّمَةٍ طَوِيلَةٍ مُنَمَّقَةٍ عَنْ أَلِيهُو، وَعِبَارَةٌ عَنْ تَبْرِيرٍ عَنْ سَبَبِ قَوْلِهِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الَتِي يَقُولُهَا، وَانْتِقَادٍ أَوِ انْتِقَادَيْنِ مُوَجَّهَيْنِ إِلَى الْأَصْدِقَاءِ الثَلَاثَةِ. لِذَا، دَعُونَا نَبْدَأُ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٣:

وَلَكِنِ اسْمَعِ الْآنَ يَا أَيُّوبُ أَقْوَالِي، وَاصْغَ إِلَى كُلِّ كَلَامِي. هَأَنَذَا قَدْ فَتَحْتُ فَمِي. لِسَانِي نَطَقَ فِي حَنَكِي. اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي كَلَامِي، وَمَعْرِفَةُ شَفَتَيَّ هُمَا تَنْطِقَانِ بِهَا خَالِصَةً. رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي.

كَمَا تُلاحِظُونَ، يُطِيلُ أَلِيهُو أَيْضًا الْحَدِيثَ الْمُنَمَّقَ.

إِنِ اسْتَطَعْتَ فَأَجِبْنِي. أَحْسِنِ الدَّعْوَى أَمَامِي. اِنْتَصِبْ. هَأَنَذَا حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضًا عَنِ اللهِ. أَنَا أَيْضًا مِنَ الطِّينِ تَقَرَّصْتُ. هُوَذَا هَيْبَتِي لَا تُرْهِبُكَ وَجَلَالِي لَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ. إِنَّكَ قد قُلْتَ في مَسَامِعِي، وَصَوْتَ أَقْوَالِكَ سَمِعْتُ. قُلْتَ: أَنَا بَرِيءٌ بِلَا ذَنْبٍ. زَكِيٌّ أَنَا وَلَا إِثْمَ لِي. هُوَذَا يَطْلُبُ عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ. يَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَهُ. وَضَعَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ. يُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِي.

هَا إِنَّكَ فِي هَذَا لَمْ تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ، لِأَنَّ اللهَ أَعْظَمُ مِنَ الْإِنْسَانِ. لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لِأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لَا يُجَاوِبُ عَنْهَا. لَكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لَا يُلَاحِظُ الْإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سُبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الْإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ.

وَإِلَى بَقِيَّةِ النَّصِّ.

الآنَ، إِذَا انْتَقَلْتُمْ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٣٦ وَتَحْدِيدًا إِلَى الْآيَةِ ١٥، سَتَجِدُونَ أَنَّهُ يُكَرِّرُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ إِذْ يَتَكَلَّمُ عَنْ "يُنَجِّي الْبَائِسَ فِي ذِلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ". أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِذْ فِي الْآيَةِ ١٦ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٣ يَقُولُ: "حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ". وَفِي الْآيَةِ ١٥ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٦ يَقُولُ: "وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي الضِّيقِ". هُنَا، مَاذَا يُرِيدُ أَلِيهُو أَنْ يَقُولَ؟ تَأَكَّدُوا، لَقَدْ صُرِفَ الْكَثِيرُ مِنَ الْوَقْتِ لِيُوَضِّحَ أَفْكَارَهُ. فَهُوَ يَتَّسِمُ بِالتَطْوِيلِ الْمُنَمَّقِ. فَهُوَ إِنْسَانٌ يَتَّسِمُ بِالثِقَةِ الْكَبِيرَةِ فِي نَفْسِهِ. فَأَنَا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِي أَنَّهُ إِنْسَانٌ مُتَوَاضِعٌ. إِنَّهُ إِنْسَانٌ مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ. فَهُوَ شَابٌّ وَمُتَهَوِّرٌ. شَابٌّ هُجُومِيٌّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ. لَكِنْ، نَضَعُ كُلَّ هَذَا جَانِبًا لِلَحْظَةٍ، فَمَاذَا يَقُولُ أَلِيهُو؟ يَقُولُ أَلِيهُو إِنَّ الْأَلَمَ قَدْ يَفْتَحُ آذَانَكَ؛ قَدْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا عَنْ نَفْسِكَ؛ قَدْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا، يُعَلِّمُكَ أُمُورًا عَمَّنْ أَنْتَ حَقًّا، قَدْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا عَمَّا أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ. رُبَّمَا لَا نَرَى أَيَّ رَابِطٍ مُبَاشِرٍ بَيْنَ الْخَطِيَّةِ وَالْأَلَمِ، عَلَى أَنَّهَا مُسَبِّبُ هَذَا الْأَلَمِ فِي حَالَةِ أَيُّوبَ. قَدْ تَكُونُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ الَتِي يَرْفَعُهَا أَيُّوبُ، دَعْوًى مَقْبُولَةً. فَأَنَا لَا أَعْرِفُ مَا إِذَا كَانَ أَلِيهُو يُؤْمِنُ بِذَلِكَ، لَكِنْ دَعُونَا لِلَحْظَةٍ نَعْتَبِرُهُ أَمْرًا مُسَلَّمًا بِهِ. فَمَا يَقُولُهُ أَلِيهُو، فِي سِيَاقِ تَجْرِبَةِ الْأَلَمِ، إِنَّ رُدُّ فِعْلِكَ عَلَى الْمُعَانَاةِ يَكْشِفُ أُمُورًا عَنْكَ، يَكْشِفُ أُمُورًا عَنْكَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهَا وَلَمْ تَكُنْ تَظُنُّ أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ. فَأَنْتَ تَجْرُؤُ عَلَى التَفَوُّهِ بِكَلَامٍ رُبَّمَا كُنْتَ تَسْتَنْكِرُهُ قَبْلَ اجْتِيَازِ التَجْرِبَةِ. أَنْتَ تَجْرُؤُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ اسْتِنْتَاجَاتٍ مُعَيَّنَةٍ رُبَّمَا قَدْ أَنْكَرَتْهَا قَبْلَ اجْتِيَازِ التَجْرِبَةِ. فَالْخَطِيَّةُ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْكَشِفَ فِي خِضَمِّ التَجْرِبَةِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُسَبِّبَ لِلتَجْرِبَةِ.

نَعَمْ، نَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِكَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ حِينَ تَحِلُّ الضِيقَةُ وَعِنْدَمَا تَقَعُ الْمَشَقَّةُ لَا يَكُونُ جَوَابُنَا دَائِمًا الْجَوَابَ الصَائِبَ. فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ نُجِيبُ بِغَضَبٍ غَيْرِ عَادِلٍ. وَقَدْ نُجِيبُ بِإِلْقَاءِ التُّهَمِ. وَقَدْ نُشَكِّكُ فِي صَلَاحِ اللَّهِ. وَقَدْ نُشَكِّكُ فِي الْحَقِّ الْإِلَهِيِّ. فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِأَنَّ لَنَا حُقُوقًا. وَنَنْتَظِرُ مُتَوَقِّعِينَ مُعَامَلَتَنَا بِطَرِيقَةٍ خَاصَّةٍ. وَنَنْسَى أَنَّنَا مَخْلُوقَاتُهُ لِيُكَوِّنَهَا وَيُشَكِّلَهَا وَيَفْعَلَ بِهَا حَسَبَ مَا يُرْضِي شَخْصَهُ. نَنْسَى أَنَّنَا عَلَيْنَا حَمْلُ الصَلِيبِ وَاتِّبَاعُ الرَبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ. أَلَيْسَ هَذَا مَا قَالَهُ حِينَ كَانَ فِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ؟ احْمِلْ صَلِيبَكَ وَاتْبَعْنِي. احْمِلْ أَدَاةَ مَوْتِكَ وَاتْبَعْنِي. مَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ؟ مَاذَا يَعْنِي أَنْ أَحْمِلَ صَلِيبِي؟ يَعْنِي أَنْ تُنْكِرَ نَفْسَكَ. يَعْنِي أَنْ تُنْكِرَ حُقُوقَكَ. يَعْنِي أَنْ تُنْكِرَ امْتِيَازَاتِكَ؟ يَعْنِي أَنْ تُنْكِرَ مَكَانَتَكَ، إِنْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللَّهِ، وَتَتْبَعَ الرَبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، تَتْبَعَهُ هُوَ.

فَلِذَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ أَلِيهُو هُنَا، إِلَى هَذِهِ التَجَارِبِ؛ فَالتَجَارِبُ تُعَلِّمُكُمْ. وَالتَجَارِبُ تُسَلِّطُ الضَوْءَ عَلَى دُرُوسٍ لَمْ تَكُونُوا لِتَتَعَلَّمُوهَا بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى. كَمَا تَتَذَكَّرُونَ، فِي الْأَصْحَاحِ ١٢ مِنْ رِسَالَةِ الْعِبْرَانِيِّينَ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَتَحَدَّثُ الْكَاتِبُ عَنْ أَنَّ التَأْدِيبَ مِنْ ثِمَارِ التَجَارِبِ. "فَتَفَكَّرُوا" الْآيَةَ ٣ مِنَ الْأَصْحَاحِ ١٢:

فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلَّا تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ. لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ، وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ.

ثُمَّ نَقْرَأُ اقْتِبَاسًا مِنَ الْآيَةِ ٧: "إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللَّهُ كَالْبَنِينَ". فَاللَّهُ لَا يُعَاقِبُكُمْ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ؛ أَوْ كَمَا لَوْ كُنْتُمْ إِحْدَى قِطَعِ شَطَرَنْجِ الْكَوْنِ الشَاسِعِ حَيْثُ لَا سَبَبَ وَلَا مَنْطِقَ، وَحَيْثُ لَا مَعْنَى لِحُدُوثِ أَيِّ أَمْرٍ. فَاللَّهُ يُعَامِلُكُمْ كَبَنِينَ. نَعَمْ، إِنَّ الْمُعَانَاةَ مُؤْلِمَةٌ. نَعَمْ، الْأَلَمُ يَجْرَحُ وَيُؤْذِي. لَكِنَّ اللَّهَ يُؤَدِّبُنَا، يُؤَدِّبُنَا لِأَنَّنَا أَبْنَاؤُهُ، أَنْتُمْ أَبْنَاؤُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحِبُّكُمْ.

الْآنَ، أَعْتَقِدُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا قَدْ بَرَزَ هُنَا فيمَا يَقُولُهُ أَلِيهُو. رُبَّمَا يَدْفَعُنَا اللَّهُ إِلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ مَا مِنْ رَحْمَتِهِ. فَفِي الْآيَةِ ١٦ مِنْ الْأَصْحَاحِ ٣٤ نَقْرَأُ:

فَإِنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ فَاسْمَعْ هَذَا، وَاصْغَ إِلَى صَوْتِ كَلِمَاتِي. أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ الْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ الْبَارَّ الْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ؟ أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ، وَلِلْنُدَبَاءِ: يَا أَشْرَارُ؟ الَّذِي لَا يُحَابِي بِوُجُوهِ الرُّؤَسَاءِ، وَلَا يَعْتَبِرُ مُوسَعًا دُونَ فَقِيرٍ. لِأَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ. بَغْتَةً يَمُوتُونَ وَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ. يَرْتَجُّ الشَّعْبُ وَيَزُولُونَ، وَيُنْزَعُ الْأَعِزَّاءُ لَا بِيَدٍ.

لِأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ يَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِ. لَا ظَلَامَ وَلَا ظِلَّ مَوْتٍ حَيْثُ تَخْتَفِي عُمَّالُ الْإِثْمِ. لِأَنَّهُ لَا يُلَاحِظُ الْإِنْسَانَ زَمَانًا لِلدُّخُولِ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ اللهِ. يُحَطِّمُ الْأَعِزَّاءَ مِنْ دُونِ فَحْصٍ، وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. لَكِنَّهُ يَعْرِفُ أَعْمَالَهُمْ، وَيُقَلِّبُهُمْ لَيْلًا فَيَنْسَحِقُونَ.

وَإِلَى بَقِيَّةِ النَّصِّ. فَقَدْ اسْتَرْسَلَ فِي حَدِيثِهِ. فَمَاذَا قَالَ؟ اسْتَرْسِلْ فِي الْمَزِيدِ مِنَ التَعْلِيمِ عَنْ سِيَادَةِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ. فَمَا الَذِي يَفْتَرِضُهُ أَلِيهُو هُنَا؟ يَفْتَرِضُ أَلِيهُو هُنَا أَنَّ أَيُّوبَ كَثِيرُ الِاعْتِرَاضِ. إِلامَ كَانَتْ أُذُنُهُ مُصْغِيَةً؟ هَلْ إِلَى الْبِرِّ الذَاتِيِّ؟ فَنَحْنُ، أَنْتُمْ وَأَنَا، مُتَشَدِّدُونَ وَنَمِيلُ إِلَى تَبْرِيرِ النَفْسِ؛ أَوْ تَبْرِيرِ الذَاتِ. إِنَّهَا فِطْرَةٌ فِينَا. إِنَّهَا بِذْرَةٌ آدَمِيَّةٌ سَاكِنَةٌ دَاخِلَ كُلِّ إِنْسَانٍ فِينَا. فَأَلِيهُو يَقُولُ رُبَّمَا إِنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذِهِ التَجْرِبَةِ هُوَ تَعْلِيمُكَ مِنْ جَدِيدٍ مَنْ هُوَ اللَّهُ، وَمَا هِيَ صِفَاتُهُ، وَتَعْلِيمُكَ مِنْ جَدِيدٍ عمَّا قَلْبُكَ الْبَشَرِيُّ قَادِرٌ عَلَيْهِ. هَلْ حَقًّا التَجَارِبُ تُعَلِّمُ ذَلِكَ؟ هَلْ الْأَلَمُ يُعَلِّمُ ذَلِكَ؟ إِنَّهُ يَكْشِفُ. كَمَا تَعْلَمُونَ، التَجَارِبُ تَكْسِرُنَا وَتُحَطِّمُنَا. تُحَطِّمُنَا تَمَامًا، كَمَا تُشْعِرُنَا بِالْعَجْزِ التَامِّ، إِذْ لَيْسَتْ لَنَا أَيُّ حُقُوقٍ وَلَا أَيَّةُ امْتِيَازَاتٍ؛ فَنَحْنُ تُرَابٌ فِي يَدَيِ اللَّهِ الْقَدِيرِ وَصَاحِبِ السِيَادَةِ وَكَلِّي الْقُوَّةِ.

انْظُرُوا إِلَى الْأَصْحَاحِ ٣٦ وَتَحْدِيدًا الْمَقْطَعِ مِنَ الْآيَةِ ٢٦ إِلَى الْآيَةِ ٣٠ الَذِي يَقُولُ:

هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلَا نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لَا يُفْحَصُ. لِأَنَّهُ يَجْذُبُ قِطَارَ الْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَرًا مِنْ ضَبَابِهَا الَّذِي تَهْطِلُهُ السُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. فَهَلْ يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ الْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مِظَلَّتِهِ؟ هُوَذَا بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ الْيَمِّ.

مَا الَذِي يَقُولُهُ هُنَا؟ يُوَاصِلُ حَدِيثَهُ فِي الْأَصْحَاحِ ٣٧ إِذْ يَتَحَدَّثُ فِيهِ عَنِ الْعَوَاصِفِ الرَعْدِيَّةِ وَالثَلْجِ؛ فَإِنَّهُ يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّهُ دَرَسَ فِي عِلْمِ الْمُنَاخِ.

أَتَذَكَّرُ ذَاتَ مَرَّةٍ فِي بِلْفَاسْتْ، كُنَّا نُعِدُّ لِحَفْلِ مَدَارِسِ الأحَدِ، لِأَطْفَالٍ عَلَى الشَاطِئِ فِي فَصْلِ الصَيْفِ. وَبِمَا أَنَّهُ فَصْلُ الصَيْفِ فِي إيرْلَنْدَا الشَمَالِيَّةِ. فَدَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّعُهَا. كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي أَيِّ أُسْبُوعٍ مِنْ فَصْلِ الصَيْفِ رُبَّمَا يَكُونُ الطَقْسُ مُشْمِسًا يَوْمَيْنِ، وَمُمْطِرًا فِي ٥ الأَيَّامِ الْمُتَبَقِّيَةِ، وَفِي أَحْيَانٍ أُخْرَى تُمْطِرُ لِمُدَّةٍ قَدْ تَصِلُ إِلَى ٧ أَيَّامٍ. لِذَا، حِينَمَا تَرْغَبُونَ فِي الذَهَابِ فِي نُزْهَةٍ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ فِي إِيرْلَنْدَا الشَمَالِيَّةِ، عَلَيْكُمْ بِوَضْعِ خُطَّتَيْنِ: الْأُولَى إِنْ كَانَ الطَقْسُ صَحْوًا، وَالثَانِيَةُ إِنْ كَانَ مُمْطِرًا. لِذَا، سَيَتَعَيَّنُ عَلَيْكُمْ حَجْزُ قَاعَةٍ تَحَسُّبًا لِلْمَطَرِ، إذْ مَاذَا سَتَفْعَلُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ الْأَطْفَالِ إِنْ أمْطَرَتْ؟ لِذَا عَلَيْكُمْ حَجْزُ قَاعَةٍ كَبِيرَةٍ فِي مَكَانٍ مَا، وَهَذِهِ هِيَ الْخِطَّةُ الثَانِيَةُ. كُنَّا في اجْتِمَاعِ مُنْتَصَفِ الْأُسْبُوعِ، ورُحْنَا نُصَلِّي مِنْ أَجْلِ نُزْهَةٍ لِخِدْمَةِ مَدَارِسِ الْأحَدِ خُطِّطَ لَهَا أَنْ تُقَامَ فِي نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ، يَوْمَ السَبْتِ. وَكَانَتْ نَشْرَةُ الْأَرْصَادِ الْجَوِّيَّةِ قَدْ تَنَبَّأَتْ بِسُقُوطِ أَمْطَارٍ. وَكَانَ فِي الِاجْتِمَاعِ خَادِمٌ مُتَقَاعِدٌ، مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ غَرِيبُ الْأَطْوَارِ بَعْضَ الشَيْءِ، وَفِي أَثْنَاءِ الصَلَاةِ بَدَأَ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِ نُزْهَةِ خِدْمَةِ مَدَارِسِ الْأحَدِ، بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الطَقْسَ صَحْوًا وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَمِنْ ثَمَّ فَجْأَةً تَذَكَّرَ نَشْرَةَ الْأَرْصَادِ الْجَوِّيَّةِ. وَانْدَفَعَ يَقُولُ فِي أَثْنَاءِ الصَلَاةِ: "مَنْ يَظُنُّ مُذِيعُو نَشَرَاتِ الْأَرْصَادِ الْجَوِّيَّةِ أَنْفُسَهُمْ!؟ نَعَمْ، بِالطَبْعِ إِنَّهُمْ مُنْخَرِطُونَ فِي عَالَمِ الْعِلْمِ. "فَنَحْنُ نُتَمِّمُ خَلَاصَنَا بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَامِلُ فِينَا أَنْ نُرِيدَ وَأَنْ نَعْمَلَ مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ". نَعَمْ قَدْ أُنْشِئَ عِلْمٌ عَظِيمٌ لِلتَنَبُّؤِ بِالطَقْسِ. كَمَا أَنَّ أَرْصَادَهُمْ الْجَوِّيَّةَ تَزْدَادُ دِقَّتُهَا مِنْ يَوْمٍ لِآخَرَ. لَكِنَّ هَذَا الْخَادِمَ قَدْ فَقَدَ عَقْلَهُ كُلِّيًا وَقَرَّرَ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الطَقْسَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ مُذِيعُو نَشَرَاتِ الْأَرْصَادِ الْجَوِّيَّةِ لِيَتَنَبَّأُوا بِأَيِّ شَيْءٍ سِوَى الطَقْسِ الرَائِعِ الَذِي تَمَنَّاهُ هَذَا الْخَادِمُ؟

بِالطَبْعِ، اللَّهُ ذُو سِيَادَةٍ. اللَّهُ مُتَسَيِّدٌ. اللَّهُ قَدِيرٌ. الْآنَ، هَلْ أَيُّوبُ كَانَ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ؟ بِالطَبْعِ أَيُّوبُ كَانَ مُؤْمِنًا بِذَلِكَ. لَكِنْ مَا هِيَ تَطْبِيقَاتُ السِيَادَةِ؟ إِنَّهَا تَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكَ أَيُّ حَقٍّ فِي الرَدِّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. فَهُوَ لَهُ السِيَادَةُ فِي تَرْتِيبِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَهُ السِيَادَةُ فِي وَهْبِهَا لَكُمْ. فَهُنَاكَ أُمُورٌ تَحْدُثُ، وَأَنْتُمْ فِي الْغَالِبِ لَا تَفْهَمُونَها، أُمُورٌ لَنْ تُدْرِكُوهَا. أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ بِدَايَةَ حَدِيثِ أَلِيهُو كَانَتْ حَسَنَةً. وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِهِ كَانَ مُتَبَجِّحًا. فَأَنَا أَرَاهُ مُتَهَوِّرًا. أَنَا أَرَاهُ مُبَالِغًا قَلِيلًا. لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ لَنَا تَعْلِيمًا؛ تَعْلِيمًا جَدِيدًا، كَمَا أَعْتَقِدُ، بِأَنَّ الْأَلَمَ قَدْ يَكُونُ تَأْدِيبِيًّا؛ بِأَنَّ الْأَلَمَ قَدْ يَكُونُ تَعْلِيمِيًّا؛ بِأَنَّ الْأَلَمَ يُدْخِلُنَا إِلَى إِدْرَاكٍ جَدِيدٍ لِمَنْ هُوَ اللَّهُ؛ وَإِدْرَاكٍ جَدِيدٍ لِمَا هِيَ الْحَيَاةُ.

فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ فِي الْأَصْحَاحِ ٢٨ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ، أتَذْكُرُونَ السُؤَالَ الَذِي طَرَحَهُ أَيُّوبُ؟ أَمَّا الْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ؟ تُوجَدُ الْحِكْمَةُ حَيْثُمَا اللَّهُ؛ تُوجَدُ الْحِكْمَةُ بِالْخُضُوعِ لِلَّهِ؛ تُوجَدُ الْحِكْمَةُ بِالْخُضُوعِ لِطُرُقِهِ. إِذَنْ، مَاذَا تُعَلِّمُنَا التَجَارِبُ؟ تَعَلِّمُنَا بِأَنَّ أَفْكَارَهُ لَيْسَتْ أَفْكَارَنَا، وَلَا طُرُقَهُ طُرُقُنَا. لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ أَعْمَقَ دُرُوسِ سِفْرِ أَيُّوبَ، فَأَلِيهُو لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ، كَمَا أَعْتَقِدُ، بِالطَّرِيقِ الْمُثْلَى الَتِي تُنَاسَبُ عُمْقَهُ. لَكِنَّهُ يَضَعُنَا، إِنْ جَازَ التَّعْبِيرُ، فِي مُنْعَطَفٍ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ عِنْدَ الْأَصْحَاحِ ٣٨، الْأَصْحَاحِ الَذِي سَيَكُونُ مَوْضُوعَ دِرَاسَتِنَا مَعًا فِي الْمُحَاضَرَةِ الْقَادِمَةِ.