المحاضرة 6: وَلِيِّي حَيٌّ
هَذِهِ هِيَ الْمُحَاضَرَةُ ٦، وَنَحْنُ الآنَ فِي الأَصْحَاحَيْنِ ١٨ و١٩ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. فَإِذَا نَظَرْتُمْ إِلَى الآيَةِ ٢٥ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الأَصْحَاحِ ١٩، وَيُرَجَّحُ أَنَّهَا أَحَدُ أَكْثَرِ الْمَقَاطِعِ شُهْرَةً فِي سِفْرِ أَيُّوبَ، أَوْ رُبَّمَا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَكْمَلِهِ.
أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالْآخِرَ عَلَى الْأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي.
الآنَ، نَحْنُ نَأْلَفُ هَذَا الْمَقْطَعَ، بِالطَبْعِ، مِنْ أُنْشُودَةِ الْمَسِيحِ (Messiah) لِلْمُوسِيقَارِ جُورْج فْرِيدِرِيك هَانْدِل. وَمِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّ مُوسِيقَى لَحْنِ "وَلِيِّي حَيٌّ" (My Redeemer Lives) سَتَتَبَادَرُ الآنَ إِلَى أَذْهَانِكُمْ لِبِضْعِ دَقَائِقَ، كَمَا هِيَ الآنَ فِي ذَهْنِي. دَعُونَا نُذَكِّرُ أَنْفُسَنَا بِمَوْقِفَيْنِ سَابِقَيْنِ: الأَوَّلُ فِي الأَصْحَاحِ ٩، فِي دِرَاسَةٍ سَابِقَةٍ لَنَا، انْتَقَلْنَا إِلَى الْمَقْطَعِ الأَوَّلِ مِنَ الآيَةِ ٣٣ الَتِي تَقُولُ: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ". الَذِي رُبَّمَا كَانَ أُمْنِيَةً أَيْضًا بِمَعْنَى: "أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ". ثُمَّ، إِذَا عُدْتُمْ إِلَى الأَصْحَاحِ ١٦ وَعِنْدَ الآيَتَيْنِ ١٨ و١٩ حَيْثُ نَقْرَأُ: "يَا أَرْضُ لَا تُغَطِّي دَمِي، وَلَا يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي"، هُنَا هُوَ يَصْرُخُ طَلَبًا للْعَدْلِ. فَهُوَ يُرِيدُ لحُجَّتِهِ، أَوْ دَعْوَاهُ التي سَيَرْفَعُهَا أَمَامَ اللهِ، أَنْ تَلْقَى آذَانًا صَاغِيَةً. حَتَّى وَإِنْ طَالَهُ الْمَوْتُ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ تَصِلَ دَعْواهُ. كَمَا يَرْغَبُ فِي الْحُصُولِ عَلَى الْعَدْلِ، وَأَيْضًا أَنْ يَغْمُرَ هَذَا الْعَدْلُ الْكَوْنَ الَذِي يَعِيشُ أَيُّوبُ فِيهِ. "أَيْضًا الْآنَ" الآيَةُ ١٩ مِنَ الأَصْحَاحِ ١٦:
أَيْضًا الْآنَ هُوَذَا فِي السَّمَاوَاتِ شَهِيدِي، وَشَاهِدِي فِي الْأَعَالِي. الْمُسْتَهْزِئُونَ بِي هُمْ أَصْحَابِي. لِلهِ تَقْطُرُ عَيْنِي لِكَيْ يُحَاكِمَ الْإِنْسَانَ عِنْدَ اللهِ كَابْنِ آدَمَ لَدَى صَاحِبِهِ.
وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. لِذَا، أَمَامَكُمْ احْتِيَاجٌ إِلَى مُصَالِحٍ فِي الأَصْحَاحِ ٩. وَهُنَا فِي الأَصْحَاحِ ١٦ لَدَيْكُمْ شَاهِدٌ. وَالآنَ، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الأَصْحَاحِ ١٩، إِذْ تَجِدُونَ وَلِيًّا. مُصَالِحًا وَشَاهِدًا وَوَلِيًّا. فَدَعُونَا نَنْتَقِلُ أَوَّلًا إِلَى مُنَاجَاةِ أَيُّوبَ إِلَى اللهِ. فَأَيُّوبُ يَرْفَعُ دَعْوَاهُ إِلَى اللهِ. لَقَدْ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ الْعَشَرَةَ، وَفَقَدَ كُلَّ ثَرْوَتِهِ، وَقَدْ فَقَدَ صِحَّتَهُ، إِنَّهُ يَحتَضِرُ؛ فَهُوَ عَظْمٌ عَلَى لَحْمٍ، لَكِنَّهُ يَتَحَاجَجُ بِدَعْوَاهُ مَعَ اللهِ حِيَالَ بَرَاءَتِهِ، "كَيْفَ يَكُونُ هذَا عَدْلًا؟ كَيْفَ للهِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا؟" إِنَّهُ يُرِيدُ جَوَابًا. فَهُوَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَتَحَدَّثَ اللهُ إِلَيْهِ. فَأَحَدُ الأُمُورِ الْبَارِزَةِ بِالطَبْعِ وَنَحْنُ فِي الأَصْحَاحِ ١٩ الآنَ، هُوَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَفَوَّهْ بِكَلِمَةٍ. نَعَمْ، لَقَدْ تَحَدَّثَ فِي الأَصْحَاحَيْنِ ١ وَ٢، لَكِنْ كَانَ هَذَا لَكُمْ وَلِي. فَأَيُّوبُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ الْحِوَارَ الَذِي جَرَى فِي بِدَايَةِ سِفْرِ أَيُّوبَ بَيْنَ اللهِ وَالشَيْطَانِ. إِنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيثٍ سَمِعَهُ أَيُّوبُ نَفْسُهُ، بِالنِسْبَةِ إِلَى أَيُّوبَ اللهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدُ. فَاللهُ حَتَّى الآنَ صَامِتٌ. سُكُوتُ اللهِ. فَالفِكْرُ الَذِي يَبْدَأُ بالاسْتِحْوَاذِ على ذِهْنِكَ وَنَفْسِكَ وَرُوحِكَ هُوَ أَنَّ اللهَ لا يَسْمَعُ، أَوْ مَا هُوَ أَسْوَأُ، أنَّ اللهَ يَسْمَعُ، لَكِنَّهُ لا يَكْتَرِثُ. فَهُوَ لا يُجِيبُ. لِذَا، إِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرَ الْمُتَوَقَّعَةِ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ"، مُدْهِشَةٌ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ أَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَمَلُ الرُوحِ الْقُدُسِ فِي حَيَاةِ أَيُّوبَ. إِذْ فِي وَسَطِ دُجَى حَيَاتِهِ، تَشُعُّ وَمَضَاتٌ مِنْ نُورٍ. فِي الأَصْحَاحِ ٩ وَفِي الأَصْحَاحِ ١٦ وَفِي الأَصْحَاحِ ١٩.
كَلِمَةُ "وَلِيٌّ" تَعْنِي "فَادِي أَوْ مُخَلِّصٌ". فَإِنَّهَا كَلِمَةٌ خَاصَّةٌ لِلْغَايَةِ. إِنَّهَا الْكَلِمَةُ عَيْنُهَا المُسْتَخْدَمَةُ فِي قِصَّةِ رَاعُوثَ وَبُوعَزَ وَنُعْمِي. حِينَ ارْتَحَلَتْ نُعْمِي، كَمَا تَذْكُرُونَ، إِلَى مُوآبَ بِسَبَبِ الْمَجَاعَةِ الَتِي ضَرَبَتْ بَيْتَ لَحْمٍ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. ثُمَّ تَزَوَّجَ ابْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَا، وَكَذَلِكَ أَيْضًا زَوْجُهَا مَاتَ، وَمِنْ ثَمَّ صَارَتْ أَرْمَلَةً. وَحِينَمَا عَادَتْ إِلَى أَرْضِهَا، وَلَمْ تَرْجِعْ إِحْدَى كَنَّتَيْهَا إِلَى شَعْبِهَا، وَعِنْدَ مُفْتَرَقِ الطَرِيقِ عِنْدَ بَيْتِ لَحْمٍ وَحِينَ قَالَتْ رَاعُوثُ: "لِأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ" وَمَا إِلَى ذَلِكَ، أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ، نَعَمْ، أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ الرَائِعَةِ الَتِي لِرَاعُوثَ. فَفِي مُنْتَصَفِ الْقِصَّةِ، تَجِدُونَ مَسْأَلَةَ الْوَلِيِّ، الَذِي هُوَ رَأْسُ الْعَشِيرَةِ الَذِي لَهُ الْفِكَاكُ الْمَفْرُوضُ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ فَرْضًا قَانُونِيًّا مِنْ نَحْوِ نُعْمِي وَمِنْ نَحْوِ زَوْجِهَا الْمُتَوَفَّى وَمِنْ نَحْوِ أُسْرَتِهَا. فَكَانَ شَقِيقُ زَوْجِ نُعْمِي، أَلِيمَالِكُ، هُوَ رَأْسُ الْعَشِيرَةِ مَنْ لَهُ الْفِكَاكُ بِطَرِيقَةٍ مَا. فَكَانَ تَحْتَ الْتِزَامٍ، الْتِزَامِ رِعَايَةِ أَرْمَلَةِ أُسْرَتِهِ وَالْعِنَايَةِ بِهَا، فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. إِنَّهُ شَخْصٌ عَلَيْهِ فَرْضٌ قَانُونِيٌّ بِالرِعَايَةِ وَبِمُطَالَبَةِ الْعَدْلِ وَبِالْعَمَلِ عَلَى أَنْ تَكُونَ حُقُوقُكَ وَامْتِيَازَاتُكَ مُحْتَرَمَةً وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
فَلا يَنْبَغِي لَنَا قِرَاءَةُ هَذَا النَصِّ عَلَى أَنَّهُ يَفْتَرِضُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ أَيُّوبُ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ" بِمَعْنَى أَنَّهُ "شَخْصٌ يَغْفِرُ خَطَايَايَ". هَذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدَ أَيُّوبَ. وَهَذِهِ لَيْسَتْ دَعْوَاهُ. فَهُوَ لَا يُطَالِبُ بِشَخْصٍ يَغْفِرُ لَهُ خَطَايَاهُ؛ بَلْ يُحَاجِجُ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ. مَا يَحْتَاجُ أَيُّوبُ إِلَيْهِ هُوَ شَخْصٌ يَرْفَعُ دَعْوَى مِنْ أَجْلِهِ، وَيُدَافِعُ عَنْهُ.
الآنَ، نَجِدُ أَنَّ لِلأَصْحَاحِ ١٩ سِيَاقًا مُحَدَّدًا لِلْغَايَةِ، وَهَذا السِيَاقُ بِالطَبْعِ نَجِدُهُ فِي الأَصْحَاحِ ١٨. فَفِي الأَصْحَاحِ ١٨، نَجِدُ حَدِيثًا لِبِلْدَدَ. إِنَّهُ بِلْدَدُ الشُوحِيُّ مَرَّةً أُخْرَى. فَبِلْدَدُ الشُوحِيُّ يُلْقِي بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ. مَوْعِظَةٍ تَحْتَلُّ الأَصْحاحَ ١٨ بِرُمَّتِهِ وَإِنَّهَا عَلَى شَاكِلَةِ، يَرُوقُ لِي عُنْوَانُها وَهْيَ مَوْعِظَةُ "مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَرِّ". نَعَمْ "مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَرِّ". فَدَعُونَا نُلْقِي نَظْرَةً عَلَى الأَصْحَاحِ. فَهُوَ يُصَوِّرُ رَجُلًا مُسِنًّا دَائِمَ الْمُرَاوَغَةِ. الآنَ، دَعُونَا نَنْتَقِلُ إِلَى الآيَةِ ٢:
إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكًا لِلْكَلَامِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. لِمَاذَا حُسِبْنَا كَالْبَهِيمَةِ، وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟ يَا أَيُّهَا الْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ، هَلْ لِأَجْلِكَ تُخْلَى الْأَرْضُ، أَوْ يُزَحْزَحُ الصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟
أَتُدْرِكُونَ مَا يَقُولُهُ هُنَا؟ يَبْدُو أَنَّ أَيُّوبَ يَقُولُ لِبِلْدَدَ إِنَّ تِلْكَ مُجْمَلُ الْفَلْسَفَةِ الَتِي لِلْعَالَمِ، بِأَنْ يَنْبَغِي لِنَمُوذَجِ تَرْتِيبِ الْكَوْنِ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَقَطْ لِيَتَنَاسَبَ مَعَ دَعْوَى أَيُّوبَ. لِمَاذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا؟ "نَعَمْ! نُورُ الْأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ، وَلَا يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ". بِلْدَدُ يُصَوِّرُ رَجُلًا مُسِنًّا دَائِمَ الْمُرَاوَغَةِ، وَيَتَعَثَّرُ بِمُعَوِّقَاتٍ فِي طَرِيقِهِ حَتَّى تَصْرَعَهُ أَرْضًا، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. كَمَا يَقُولُ فِي الآيَةِ ٧:
تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ، وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. لِأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي الْمِصْلَاةِ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. يُمْسِكُ الْفَخُّ بِعَقِبِهِ، وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ الشَّرَكُ. مَطْمُورَةٌ فِي الْأَرْضِ حِبَالَتُهُ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي السَّبِيلِ. تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَالْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ.
وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. يَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ رَائِعَةٍ. فَأَنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ مُثِيرَةً لِلْغَايَةِ. الْحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بِكُلِّ مَا يُرعِبُ. الْحَيَاةُ مَلِيئَةٌ بِأُمُورٍ قَدْ تَقَعُ فِي أَيَّةِ لَحْظَةٍ، وَبِأُمُورٍ قَدْ تُعْثِرُكَ، وَتُرْهِبُكَ فِي اللَيْلِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَمَرَضٍ يَأْكُلُ جَسَدَكَ. لاعِبًا بِالأَلْفَاظِ، يَسْتَخْدِمُ بِلْدَدُ أَحْدَ الأَسْمَاءِ الشَهِيرَةِ لأَحَدِ الآلِهَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ "مُوتَ" وَيُحَوِّلُهُ إِلَى كَلِمَةِ "مَوْتٍ" بِالْعِبْرِيَّةِ، وَيَفْتَرِضُ أَنَّ رَسُولًا سَيَأْتِي لِيَسُوقَهُ، فِي الآيَةِ ١٤، يَسُوقَهُ إِلَى "مَلِكِ الْأَهْوَالِ". يَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ خَيَالِيَّةٍ تَوْضِيحِيَّةٍ. مَاذَا يُشْبِهُ الْمَوْتُ؟ إِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ تُسَاقَ إِلَى مَلِكِ الْأَهْوَالِ.
"يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ". الآنَ، عَلَيْكُمْ فَكُّ طَلاسِمِ ذَلِكَ قَلِيلًا. فَالْكِبْرِيتُ سَيُذَرُّ عَلَى مَسْكَنِ شَخْصٍ مَا حَيْثُ بِدَاخِلِهِ جُثَّةٌ، حَيْثُ بِدَاخِلِهِ جَسَدٌ قَدْ أَنْتَنَ. نَعَمْ، فَأَيُّوبُ قَدْ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ الْعَشَرَةَ كُلَّهُمْ. فَهَذِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ مَوْعِظَةٍ تَوْضِيحِيَّةٍ. فَهَذَا الرَجُلُ يَتَحَدَّثُ عَنْ كَيْفَ دُفِنَ أَبْنَاؤُهُ، رُبَّمَا، دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَقَدْ غَطَّى الْكِبْرِيتُ أَجْسَادَهُمْ، أَيِ الْجُثَثَ الْمُتَحَلِّلَةَ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
وَنَارٌ وَدَمَارٌ، ثُمَّ الآيَةُ ١٥: "يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ". أَوَدُّ أَنْ أَقُولَ، لَقَدْ مَاتَتْ ذُرِّيَّتُهُ. وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَقَدْ جَاءَ أُنَاسٌ آخَرُونَ إِلَى خَيْمَتِهِ، حَيْثُ كَانَتْ. يَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ. فَهِيَ عَلَى نَحْوٍ لا يُعْقَلُ قَاسِيَةٌ بِالطَرِيقَةِ وَالأُسْلُوبِ اللَذَيْنِ أُلْقِيَتْ بِهِمَا. تَخَيَّلُوا الذَهَابَ لِمُوَاسَاةِ إِنْسَانٍ فِي حَزَنٍ إِذْ قَدْ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ الْعَشَرَةَ، وَهَذَا مَا تَقُولُونَهُ لَهُ: "كَمَا تَعْلَمُ، أَنْتَ تَتَقَدَّمُ فِي الْعُمْرِ. وَتَتَعَثَّرُ وَتَسْقُطُ. وَتَكْتَنِفُكَ الأَهْوَالُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَالْمَوْتُ يَقْتَرِبُ مِنْكَ. فَفِي أَيِّ لَحْظَةٍ، قَدْ تَمُوتُ. مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَدْ نَجَا مِنْهُ. لَقَدْ مَاتَ أَبْنَاؤُكَ. وَشَخْصٌ آخَرُ سَوْفَ يَسْكُنُ دَاخِلَ بَيْتِكَ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ سَوْفَ يَتَذَكَّرُكَ". فَيَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ مُرِيعَةٍ.
"إِنَّمَا" بِلْدَدُ يَتَحَدَّثُ فِي خَاتِمَةِ مَوْعِظَتِهِ فِي الآيَةِ ٢١: "إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَهَذَا مَقَامُ مَنْ لَا يَعْرِفُ اللهَ". نَعَمْ، هَذِهِ هِيَ خَاتِمَتُهُ. فَبِالنِسْبَةِ إِلَيْهِ أَيُّوبُ رَجُلٌ لا يَعْرِفُ اللهَ. قَدْ تَقُولُونَ: "مَعَ أَصْدِقَاءَ مِثْلِ هَؤُلاءِ، مَا الْحَاجَةُ إِلَى أَعْدَاءَ بَعْدُ؟"
فَمَاذَا كَانَ جَوَابُ أَيُّوبَ؟ الآنَ، تَأَمَّلُوا الآيَةَ ١ مِنَ الأَصْحَاحِ ١٩. فَأَجَابَ أَيُّوبُ وَقَالَ: "حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلَامِ؟" عِنْدَمَا كُنْتُ صَغِيرًا، قَالَتْ أُمِّي لِي: "الْعِصِي وَالْحِجَارَةُ قَدْ تَكْسِرُ عِظَامَكَ، إِنَّمَا الْكَلِمَاتُ لَنْ تُؤْذِيَكَ أَبَدًا". هَذَا خَطَأٌ دَوْمًا، فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَاضِرِ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَمْ يَكُنْ حَقِيقِيًّا. فَالْكَلِمَاتُ تُؤْذِي. إِذْ فِي الْمَدْرَسَةِ قَدْ أَهَانَكُمْ زُمَلاؤُكُمْ، زُمَلاءُ ظَنَنْتُمُوهُمْ أَصْدِقَاءَكُمْ. فَحِينَ كُنْتُمْ فِي الثَانِيَةَ عَشَرَةَ وَالثَالِثَةَ عَشَرَةَ مِنَ الْعُمْرِ. أَنَا مَا زِلْتُ أَتَذَكَّرُهُمْ. فَالْكَلِمَاتُ تُؤْذِي. حِينَهَا رُبَّمَا ذَهَبْتُمْ إِلَى مَكَانٍ لا يَرَاكُمْ فِيهِ أَحَدٌ وَظَلَلْتُمْ تَتَحَدَّثُونَ إِلَى أَنُفْسِكُمْ بِهَا، وَتُفَكِّرُونَ فِيهَا، وَتَسْتَيْقِظُونَ فِي اللَيْلِ مِنَ النَوْمِ تُفَكِّرُونَ فِيهَا. فَالْكَلِمَاتُ تُؤْذِي. الْكَلِمَاتُ تُدَمِّرُ زِيجَاتٍ. الْكَلِمَاتُ تَفْسَخُ الْعَلاقاتِ بَيْنَ الأَبْنَاءِ وَآبَائِهِمْ. الْكَلِمَاتُ تُنْهِي الصَدَاقاتِ. أَنَا لَمْ أَقْرَأْ قَطُّ أَيَّةَ رِسَالَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ. إِذَا بَعَثَ أَيٌّ مِنْكُمْ بِرِسَالَةٍ مَجْهُولَةِ الرَاسِلِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ، فَلَنْ أَقْرَأَهَا. فَإِذَا أَدَرْتُ الرِسالَةَ وَلَمْ أَجِدِ الإِمْضَاءَ، لَنْ أَقْرَأَهَا. لَقَدِ اتَّخَذْتُ هَذَا الْعَهْدَ عَلَى نَفْسِي مُنْذُ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. لَقَدِ ارْتَكَبْتُ خَطَأً فِي أَحَدِ الْمَرَّاتِ بِقِرَاءَتِي لِرِسَالَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ. إِذْ كَانَتْ مَلِيئَةً بِالسَخَطِ تُجَاهَ أَمْرٍ فِي غَايَةِ التَفَاهَةِ. حِينَئِذٍ اتَّخَذْتُ هَذَا الْقَرَارَ. فَلَنْ أَقْرَأَ أَيَّ رِسَالَةٍ مِنْ مَجْهُولٍ. لأَنَّ الْكَلِمَاتِ ذَاتُ تَأْثِيرٍ قَوِيٍّ. لَقَدْ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ الرَسُولُ بِذَلِكَ.
حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِالْكَلَامِ؟ هَذِهِ عَشَرَ مَرَّاتٍ أَخْزَيْتُمُونِي. لَمْ تَخْجَلُوا مِنْ أَنْ تَحْكِرُونِي. وَهَبْنِي ضَلَلْتُ حَقًّا. عَلَيَّ تَسْتَقِرُّ ضَلَالَتِي!
الأَمْرُ لَيْسَ كَمَا لَوْ أَنَّ أَيُّوبَ فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ يُؤْذِي هَذِهِ الْجَمَاعَةَ، أَيْ أَصْدِقَاءَهُ. أَنَا أَعْنِي، أَنَّ أَيَّ مَا يَقُولُهُ أَصْدِقَاؤُهُ هَؤُلاءِ لَهُ بِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَفَهُ، سَواءٌ هُوَ خَطَأٌ الآنَ أَوْ آخَرُ فِي الْمَاضِي– فَهُوَ لَمْ يُسِئْ إِلَيْهِمْ بِأَيِّ شَيْءٍ. يَبْدُو الأَمْرُ كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ، كَمَا لَوْ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ عَلَى مَحْمَلٍ شَخْصِيٍّ. فَنَحْنُ أَمَامَ ١٩ أَصْحَاحًا مِنْ حَدِيثِهِمْ. "اللهُ قَدْ عَوَّجَنِي". لَقَدْ رَفَضَهُ، نَعَمْ، لَقَدْ رَفَضَهُ مُعَزُّوهُ. أَيُّوبُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الآيَةِ ٣: "لَمْ تَخْجَلُوا مِنْ أَنْ تَحْكِرُونِي". مِنْ ثَمَّ إِنَّ أَصْدِقَاءَهُ قَدْ تَجَاهَلُوهُ. نَنْظُرُ إِلَى الآيَةِ ١٩ الَتِي تَقُولُ: "كَرِهَنِي كُلُّ رِجَالِي، وَالَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ انْقَلَبُوا عَلَيَّ". لَقَدْ فَارَقَهُ أَصْدِقَاؤُهُ. لَمْ يَعُودُوا يَتَحَدَّثُونَ بَعْدُ. إِنَّهُمْ يَتَحَاشَوْنَهُ. وَقَبْلَهَا فِي الآيَةِ ٦ يَقُولُ: "فَاعْلَمُوا إِذًا أَنَّ اللهَ قَدْ عَوَّجَنِي، وَلَفَّ عَلَيَّ أُحْبُولَتَهُ". نَعَمْ، هَذَا هُوَ مَا يَشْعُرُ بِهِ أَيُّوبُ. أَنَا أَقْصِدُ أَنَّ مُعَزِّيهِ قَدْ تَجَاهَلُوهُ، أَيْ أَنَّ أَصْدِقَاءَهُ قَدْ تَجَاهَلُوهُ، لَكِنْ يَبْدُو لأَيُّوبَ كَمَا لَوْ أَنَّ اللهَ قَدْ تَجَاهَلَهُ كَذَلِكَ. لَقَدْ عَوَّجَهُ اللهُ. نَعَمْ، هَذَا مَا قَدْ تَشْعُرُونَ بَهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ حِينَ تَشْعُرُونَ بِأَنَّكم مُحِقُّونَ حِيَالَ أَمْرٍ مَا؟
لَقَدِ اخْتَبَرْتُ هَذِهِ التَجْرِبَةَ الرَائِعَةَ مَعَ زَوْجَتِي. نَحْنُ نَحْتَفِلُ بِالذِكْرَى الأَرْبَعِينَ لِزَوَاجِنَا هَذَا الْعَامَ. إِنَّهَا الْفَتَاةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي واعدتُها، وَالْفَتَاةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي اخْتَرْتُهَا، كَيْ تُشَارِكَنِي الْحَيَاةَ، وَلِتَكُونَ أُمًّا لأَوْلادِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَأَنَا كُنْتُ سَأَقُولُ إِنَّنِي لَمْ أَدْنُ مِنْهَا سِوَى بَعْدَ الزَوَاجِ. لَكِنْ، هَذَا يَضَعُنِي في تَصْنِيفٍ مُخْتَلِفٍ تَمَامًا، وَيَقُولُ الْمَزِيدَ عَنِّي أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ. لَكِنْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، فِي عِيدِ الْمِيلادِ الْمَاضِي، مُنْذُ عَامٍ، فَاجَأَتْنِي ابْنَتِي وَزَوْجُهَا وَحَفِيدَايَ الاثْنَانِ بِزِيَارَةٍ قَبْلَ عِيدِ الْمِيلادِ بِأُسْبُوعٍ فَحَسْبُ. لَقَدْ كُنَّا فِي الْخَارِجِ. زَوَجْتَيِ وَأَنَا كُنَّا خَارِجَ الْمَنْزِلِ، كُنَّا مَدْعُوَّيْنِ لِلْعَشَاءِ. وَقَدِ انْزَعَجْتُ مِنْهَا أَثْنَاءَ الْعَشَاءِ. كَانَ مَنْزِلُ مَنْ دَعُونَا إِلَى الْعَشَاءِ، مَنْزِلًا مُتَقَدِّمَ التِقْنِيَّةِ، لِكَوْنِهِمْ يُعْتَبَرُونَ أَثْرِيَاءَ وَمُقْتَدِرِينَ مَادِّيًّا. رُبَّمَا يُشَاهِدُونَ هَذَا الآنَ، وَيَبْتَسِمُونَ. فَمَا كَانَ لِزَوْجَتِي إِلَّا أَنْ ظَلَّتْ تَتَفَحَّصُ هَاتِفَهَا. وَكَانَتْ بَيْنَ تَارَةٍ وَأُخْرَى تَكْتُبُ شَيْئًا. كَانَتْ تَجْلِسُ مُقَابِلِي، وَأَنَا شَاخِصٌ إِلَيْهَا. كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا بِغَضَبٍ، وَقُلْتُ لَهَا: "تَوَقَّفِي عَنْ ذَلِكَ. فَهَذا لا يَلِيقُ!" فَجَلَسَتْ مُشَتَّتَةً نَوْعًا مَا طَوَالَ الأُمْسِيَةِ. ثُمَّ بِمُجَرَّدِ أَنْ انْتَهَيْنَا مِنْ تَنَاوُلِ الْحَلْوَى، كَمَا تَعْلَمُونَ، عَادَةً بَعْدَ تَنَاوُلِ التَحْلِيَةِ، نَجْلِسُ لِنَتَحَدَّثَ. أَلَيْسَ كَذَلِك؟ فَأَنْتُمْ لا تَدْعُونَ ضُيُوفًا لِتَنَاوُلِ الطَعَامِ، ثُمَّ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَنْتَهُوا مِنْ تَنَاوُلِ الْحَلْوَى يَقُولُونَ: "عَلَيْنَا الْمُغَادَرَةُ الآنَ. شُكْرًا لَكُمْ عَلَى الْمَائِدَةِ". إِنَّمَا هَذا مَا قَالَتْهُ حَرْفِيًّا. "يَجِبُ أَنْ نُغَادِرَ". فَقُلْتُ: "مَاذَا؟! كِلانَا". لِذَا تَوَجَّهْنَا إِلَى السَيَّارَةِ، وَقُدْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ وَكُنَّا صَامِتَيْنِ. لَمْ أَنْطِقْ بِكَلِمَةٍ، وَلَمْ تَنْطِقْ هِيَ أَيْضًا بِأَيَّةِ كَلِمَةٍ. فَقَدْ كُنْتُ أَقُولُ لِنَفْسِي: "أَنَا عَلَى حَقٍّ. هِيَ مَنْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَذِرَ". أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَكُنْتُ أَقُولُ لِنَفْسِي أَيْضًا: "أَنَا أَعْلَمُ فِيمَا هِي تُفَكِّرُ. فَهِيَ تَقُولُ: "أَنَا عَلَى حَقٍّ. هُوَ مَنْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَذِرَ". فَقُدْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ دَخَلْنَا الْمِرْآبَ، وَكُنْتُ غَاضِبًا بَعْضَ الشَيْءِ. وَانْتَظَرْتُ حَتَّى إِنَّها، عِوَضًا عَنْ أَنْ أَفْتَحَ لَهَا الْبَابَ كَمَا أَنَا مُعْتَادٌ أَنْ أَفْعَلَ، تَرَكْتُهَا تَنْزِلُ مِنَ السَيَّارَةِ وَحْدَهَا، فَتَرَجَّلَتْ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَأَغْلَقَتِ الْبابَ. فَاحْتَدَّ غَصَبِي أَكْثَرَ. "فأَنَا مَنْ هُوَ عَلَى حَقٍّ!"
"إِنَّهَا هِيَ مَنْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَذِرَ أَنَا لَنْ أَعْتَذِرَ! يَجِبُ عَلَيْهَا هِيَ أَنْ تَعْتَذِرَ". ثُمَّ، خَرَجْتُ مِنَ السَيَّارَةِ، وَفَتَحْتُ الْبَابَ ثُمَّ "مُفَاجَأَة!" أَبْنَائِي وَأَحْفَادِي هُنَا فِي الْمَنْزِلِ. فَهَذا مَا كَانَتْ تُعِدُّهُ لِتُفَاجِئَنِي بِه. وَبَدَا أَنَّ مَنْ دَعُونَا إِلَى الْعَشَاءِ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِذَلِكَ. كُنْتُ أُحَاوِلُ طَلَبَ الْعَدَالَةِ، كَانَ هَذَا مِثَالًا طَوِيلًا لِلتَوْضِيحِ، لَكِنِّي كُنْتُ أُحَاوِلُ طَلَبَ هَذَا الْمَفْهُومِ لِلْعَدَالَةِ. أَنَّكَ عَلَى صَوَابٍ فِي الأَمْرِ. وَأَنْتَ عَلَى حَقٍّ! وَكَذَلِكَ كُنْتُ أَنَا! وَأَنَا لا أَزَالُ أُصِرُّ عَلَى أَنَّنِي كُنْتُ عَلَى صَوَابٍ! كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا تَافِهًا. لَكِنْ مَاذَا لَوْ اغْتُصِبْتَ؟ مَاذَا لَوْ أَنَّ زَوْجَكِ قَدِ اغْتِيلَ؟ قَدْ قُتِلَ؟ مَاذَا لَوْ أَنَّ أَبْنَاءَكَ قُتِلُوا فِي حَادِثِ سَيَّارَةٍ، وَالسَائِقُ كَانَ مَخْمُورًا؟ وَقَدْ أَقَمْتِ دَعْوًى. فَهَذَا لَمْ يَعُدْ بِالأَمْرِ التَافِهِ. هَذَا، إِنَّهُ أَمْرٌ جَادٌّ. فَأَنْتَ تَرْفَعُ الأَمْرَ أَمَامَ اللهِ لِتَتَلَقَّى أَجْوِبَةً. "لِمَاذَا؟" وَ"لِمَاذَا أَنَا؟" وَ"لِمَاذَا الآنَ؟" وَ"لِمَاذَا هَكَذَا؟" وَ"لِمَاذَا بِهَذِهِ الْفَظَاعَةِ؟" فَمَاذَا يُحَاوِلُ الرَبُّ أَنْ يَقُولَ هُنَا؟ أَنَا أُرِيدُ إِجَابَاتٍ. لَكِنَّ اللهَ كَانَ صَامِتًا. اللهُ لَمْ يَقُلْ أَيَّ شَيْءٍ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ "قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي،" الآيَةُ ١٣:
قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي، وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي. أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي، وَالَّذِينَ عَرَفُونِي نَسُونِي. نُزَلَاءُ بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيًّا. صِرْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ غَرِيبًا.
كَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ الْإِنْسَانَ الَذِي يَسْتَنْزِفُهُ شَيْءٌ مَا كُلِّيًا، لَا أَحَدَ يُرِيدُ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ. لَا أَحَدَ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهُ. إِنَّهُمْ يَتَجَنَّبُونَهُ. فَأَنْتُمْ تَشْعُرُونَ بِحَالَةِ الظُلْمِ الرَهِيبَةِ هَذِهِ. مِنْ ثَمَّ تَبْدَأُ فِي الِاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَسْمَعُكَ وَلا يُصْغِي إِلَيْكَ. أَوْ، إِنْ كَانَ يَسْمَعُ صَوْتَكَ، فَهُوَ لَا يَكْتَرِثُ بِكَ. رُبَّمَا مَا مِنْ شَيْءٍ يُدْعُى عَدْلًا فِي هَذَا الْعَالَمِ. رُبَّمَا إِنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا. رُبَّمَا هَذَا مَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَقَبَّلُوهُ، إِنَّنَا نَحْيَا فِي عَالَمٍ حَيْثُ لَا عَدَالَةَ، فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، لَا عَدَالَةَ. فَاَللَّهُ ذَاتُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِرْسَاءِ الْعَدْلِ.
يَقُولُ أَيُّوبُ فِي الْآيَةِ ٢٣: "لَيْتَ كَلِمَاتِي الْآنَ تُكْتَبُ. يَا لَيْتَهَا رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ، وَنُقِرَتْ إِلَى الْأَبَدِ فِي الصَخْرِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ". نَعَمْ، إِنَّهَا مَكْتُوبَةٌ هُنَا بِالطَبْعِ. إِنَّهَا مَكْتُوبَةٌ. إِنَّهَا مَكْتُوبَةٌ هُنَا، فِي سِفْرِ أَيُّوبَ. أَنْتُمْ تَقْرَؤُونَهَا الْآنَ. أَنْتُمْ تَدْرُسُونَهَا الْآنَ. إِنَّ دَعْوَى أَيُّوبَ سَتَظَلُّ دَوْمًا فِي الْأَذْهَانِ. إِنَّ دَعْوَاهُ لَنْ تُنْسَى أَبَدًا. "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ" أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَهُوَ لَا يَقُولُ: "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ مُخْلِّصِي الَذِي يَغْفِرُ خَطَايَايَ حَيٌّ". هَذَا لَيْسَ مُرَادَهُ. "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ وَلِيٌّ"، فَهُنَاكَ شَخْصٌ مَسْؤُولٌ عَنْ أَخْذِ دَعْوَايَ وَالْمُرَافَعَةِ بِهَا، وَالدِفَاعِ عَنْهَا؛ أَتَنْظُرُونَ هَذَا، نَعَمْ، هَكَذَا تُرَدُّ لِي حُقُوقِي بِكَرَامَةٍ. لِأَنَّ أَيُّوبَ يُؤْمِنُ بِأَنَّنَا نَحْيَا فِي كَوْنٍ ذِي تَرْتِيبٍ.
"وَبَعْدَ أَنْ يَفْنَى جِلْدِي هَذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الَذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي". هُنَاكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، أَنَا لَسْتُ مِنْ بَيْنِهِمْ، لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الَذِينَ يَفْتَرِضُونَ أَنَّ أَيُّوبَ هُنَا لَا يَقُولُ فِي الْوَاقِعِ أَيَّ تَصْرِيحٍ إِيمَانِيٍّ عَنِ الْقِيَامَةِ. فَهَذَا مَقْطَعٌ نَقْرَأُهُ وَنَتَرَنَّمُ بِهِ فِي مَوْسِمِ عِيدِ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ نَحْتَفِلُ بِالْقِيَامَةِ، وبالإِيمَانِ الشَخْصِيِّ بِالْقِيَامَةِ. هَا هُوَ الْأَمْرُ، أَيُّوبُ فِي الْأَصْحَاحِ ١٩، أَيُّوبُ الَذِي يُؤْمِنُ بِعَقِيدَةِ الْقِيَامَةِ الْجَسَدِيَّةِ، عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّهُ سَوْفَ يَمُوتُ، لَكِنَّهُ سَوْفَ يَرَى اللَّهَ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. فَأَنَا أَعْتَقِدُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ. لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الَذِي يَقْرَؤُونَ هَذَا الْمَقْطَعَ يَقُولُونَ لَا، إِنَّمَا مَا يَقُولُهُ أَيُّوبُ هُنَا بِأَنَّهُ سَيَرْبَحُ دَعْوَاهُ. فَهُوَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، فَهُوَ يُجَسِّدُ دَعْوَاهُ، دَعْوَاهُ الَتِي مِنْ أَجْلِ الْعَدَالَةِ. حَتَّى وَإِنْ مَاتَ، حَتَّى وَإِنْ دُفِنَ، سَتَغْلِبُ الْعَدَالَةُ فِي النِهَايَةِ. نَعَمْ، هُنَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَرَوْنَ هَذَا الْمَقْطَعَ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دِفَاعٍ بِأَنَّ الْعَدَالَةَ سَتَسُودُ، وَأَنَّ أَيُّوبَ لَا يَنْطِقُ هُنَا سِوَى شَهَادَتِهِ بِأَنَّهُ لَا يَزَالُ يُؤْمِنُ فِي نَزَاهَةِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ. لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ اللُغَةَ هُنَا حَادَّةٌ. "وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللَّهَ". مَا مِنْ تَوْضِيحٍ فِي الْآيَةِ أَوْ مِنْ الثَّقَافَةِ الْمُحِيطَةِ. وَمَا مِنْ تَفْسِيرٍ لَهَا مِنْ أَيِّ إِعْلَانٍ كِتَابِيٍّ حَسَبَ السِيَاقِ. إِذْ إِنَّ سِفْرَ أَيُّوبَ مِنَ الْأَسْفَارِ الْمُبَكِّرَةِ. فَالتَفْسِيرُ الْوَحِيدُ لِهَذَا الْمَقْطَعِ هُوَ أَنَّهُ أَمْرٌ مَنَحَهُ اللَّهُ إِلَى أَيُّوبَ، إِعْلَانٌ إِلَهِيٌّ، فِي وَسَطِ حُزْنِهِ وَفِي وَسَطِ تَجْرِبَتِهِ. يَبْدُو أَنَّ هُنَاكَ هَذِهِ اللَحْظَةَ، لَحْظَةَ الِاسْتِنَارَةِ؛ لَحْظَةَ الْبَصِيرَةِ، لَحْظَةَ الْإِيمَانِ.
قَدْ يَمُوتُ بِدُونِ تَحْقِيقٍ لِلْعَدْلِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. هَذَا مُحْتَمَلٌ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ رُبَّمَا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْنَ أَبَدًا عَدْلًا فِي هَذَا الْعَالَمِ. فَلِلْإِنْسَانِ الَذِي قَدِ اغْتُصِبَ، رُبَّمَا لَنْ يَقْبِضَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ أَبَدًا. وَقَدْ تُدْفَنُونَ دَاخِلَ قُبُورِكُمْ، وَلَنْ تَتَحَقَّقَ الْعَدَالَةُ طَوَالَ هَذِهِ الْحَيَاةِ. لَكِنَّهَا سَتَتَحَقَّقُ وَسَتَسُودُ فِي النِهَايَةِ. فِي يَوْمِ الدَيْنُونَةِ، وَيَوْمِ الْحِسَابِ. وَحِينَ يُصْلِحُ اللَّهُ كُلَّ مَا هُوَ خَطَأٌ. فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِمَّا يَقُولُهُ أَيُّوبُ هُنَا. أَنَّهُ، فِي النِهَايَةِ، نَعَمْ إِنَّهُ قَدْ أُغْوِيَ وَتَفَوَّهَ بِأُمُورٍ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهَا، لَكِنْ، فِي النِهَايَةِ، لَا يَزَالُ مُتَشَبِّثًا فِي نَزَاهَةِ اللَّهِ الْقَدِيرِ وَاسْتِقَامَتِهِ.
إِنَّ الْأَحْدَاثَ سَتَتَسَارَعُ فِي الْأَصْحَاحَاتِ الْقَلِيلَةِ التَالِيَةِ. لَقَدْ سَئِمَ كَالْفِنْ مِنْ أَيُّوبَ فِي الْأَصْحَاحِ ٢٣ تَقْرِيبًا. فَقَدْ دَافَعَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ حَتَّى الْأَصْحَاحِ ٢٣، وَعِنْدَهُ حَتَّى كَالْفِنْ اسْتَسْلَمَ نَوْعًا مَا وَقَالَ: "كَفَى يَا أَيُّوبُ، إِلَى هَذَا الْحَدِّ، فَقَدْ بَالَغْتَ فِي أَقْوَالِكَ".
لَكِنْ هُنَا، فِي الْأَصْحَاحِ ١٩ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ، يَا لَهُ مِنْ تَصْرِيحٍ عَظِيمٍ هَذَا. فَنَحْنُ لَنَا وَلِيٌّ، فَادٍ سَيُدَافِعُ عَنْ دَعْوَانَا، وَيُرَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِنَا أَمَامَ اللَّهِ الْقَدِيرِ. وَالَذِي اسْمُهُ، بِالطَبْعِ، الرَبُّ يَسُوعُ.