المحاضرة 5: التَحَاجُجُ مَعَ اللهِ

سَنَبْدَأُ الآنَ الْمُحَاضَرَةَ ٥، وَسَنَتَأَمَّلُ في الأَصْحَاحَيْنِ ٨ وَ٩ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ. فِي الأَصْحَاحِ ٨، يَدْخُلُ ثَانِي مُعَزِّي أَيُّوبَ، وَيُدْعَى بِلْدَدَ الشُوحِيَّ، بِالطَبْعِ تَمَّتِ السُخْرِيَةُ مِنْهُ بِسَبَبِ مَدَى قِصَرِهِ، "فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَقَالَ: إِلَى مَتَى تَقُولُ هَذَا، وَتَكُونُ أَقْوَالُ فِيكَ رِيحًا شَدِيدَةً؟" هَذَا لَيْسَ مُهَذَّبًا بِالطَبْعِ. "هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟"

ماذَا يَقُولُ بِلْدَدُ؟ إِنَّهُ أَكْثَرُ تَهَوُّرًا مِنْ أَلِيفَازَ. فَهُوَ فِي الْغَالِبِ أَصْغَرُ مِنْ أَلِيفَازَ. وَقَدْ دَخَلَ الْمَشْهَدَ وَيَقُولُ: "هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ؟" هَلْ يُنَحِّي اللهُ الْقَضَاءَ جَانِبًا مِنْ أَجْلِكَ يَا أَيُّوبُ؟ هُنَاكَ مَبْدَأٌ، وَنِظَامٌ فِي الْعَالَمِ. فَهَلْ سَيُغَيِّرُ اللهُ ذَلِكَ النِظامَ، هَلْ سَيَقْلِبُه رَأْسًا عَلَى عَقِبَ مِنْ أَجْلِكَ؟ مَا هَذَا النِظَامُ الَذِي فِي الْعَالَمِ؟ لَقَدْ تَطَرَّقْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ. النِظَامُ الَذِي نَطَقَ بِهِ أَلِيفَازُ فِي الأَصْحَاحِ ٤. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. أَنْتَ تَأْخُذُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا تَضَعُهُ فِيهَا. لا أَكْثَرَ وَلا أَقَلَّ.

إِنَّ كَالْفِن، الَذِي أَلْقَى ١٥٩ عِظَةٍ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ ١٦ فِي مَدِينَةِ جُنِيفَ، قَالَ فِي عِظَتِهِ الأُولَى: "كَانَ لَدَى أَصْدِقَاءِ أَيُّوبَ حُجَّةٌ شِرِّيرَةٌ لِلْغَايَةِ، لَكِنَّهُمْ دَافَعُوا عَنْهَا بِبَرَاعَةٍ شَدِيدَةٍ. أَمَّا أَيُّوبُ فَكَانَتْ حُجَّتُهُ فِي غَايَةِ النُبْلِ لَكِنَّهُ قد دَافَعَ عَنْهَا بِضَعْفٍ شَدِيدٍ". تَمَثَّلَتْ حُجَّةُ أَصْدِقَاءِ أَيُّوبَ فِي أَنَّ الأَلَمَ هُوَ دَائِمًا عُقُوبَةٌ. إِنَّهُ دَوْمًا بِلا تَغْيِيرٍ وَبِلا اسْتِثْنَاءٍ عِقَابٌ إِلَهِيٌّ. فَهَذَا هُوَ قَانُونُ الْكَوْنِ، وَهَذَا هُوَ مَفْهُومُهُمْ عَنِ اللهِ. الآنَ وَهُنَا، عَلَيْكُمْ إِدْرَاكُ أَنَّ أَلِيفَازَ التَيْمَانِيَّ وبِلْدَدَ الشُّوحِيَّ وصُوفَرَ النَعْمَاتِيَّ وأَلِيهُو لاحِقًا، لَيْسُوا لِيبِرَالِيِّينَ ضُعَفَاءَ. فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقَانُونِ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْعَدْلِ، وَيُؤْمِنُونَ بِسِيَادَةِ اللهِ. فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ يُعَاقِبُ. وَيُؤْمِنُونَ بِغَضَبِ اللهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لِذَا، فَهُمْ لَيْسُوا لِيبِرَالِيِّينَ جُبَنَاءَ. بَلْ إِنَّهُمْ مُدَافِعُونَ أَشِدَّاءَ عَنْ سِيَادَةِ اللهِ. لَكِنْ، عند تَطْبِيقِهِمْ لِهَذَا الْحَقِّ، ابْتَعَدُوا عَنِ الْهَدَفِ.

فَهُنَا أَتَى بِلْدَدُ فِي الأَصْحَاحِ ٨ وَالآيَةِ ٣ قَائِلًا: "هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ،" "هَلْ يُنَحِّي الْقَضَاءَ جَانِبًا فِي بَلِيَّتِكَ؟ كُلُّ إِنْسَانٍ آخَرَ يَتَّفِقُ مَعَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْكَوْنِيَّةِ – أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. لَكِنْ لَيْسَ فِي حَالَتِكَ". هَلْ هَذَا مَا عَلَيْنَا فَهْمُهُ بِمَا أَنَّ أَيُّوبَ يَحْتَجُّ أَنَّهُ بَرِيءٌ؟ "أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟"

ثُمَّ نَنْتَقِلُ إِلَى الآيَةِ ٦: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيًّا مُسْتَقِيمًا، فَإِنَّهُ الْآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ". بِمَعْنَى، إِنْ كَانَتْ شِكَايَةُ أَيُّوبَ بِبَرَاءَتِهِ صَحِيحَةً، فَاللهُ سَيَتَدَخَّلُ وَيُعَافِيهِ. فَحَقِيقَةُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَافَ، وَحَقِيقَةُ أَنَّ صِحَّةَ أَيُّوبَ لا تَزَالُ تَزِيدُ سوءًا وَتُهَدِّدُ حَيَاتَهُ، خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّه تَحْتَ دَيْنُونَةٍ مِنَ اللهِ. وَدَيْنُونَةُ اللهِ لَنْ تَنْزِلَ بِهِ سِوَى لِسَبَبٍ وَاحِدٍ أَلَا وَهُوَ أَنَّهُ خَاطِئٌ، بِسَبَبِ أَنَّهُ قَدِ ارْتَكَبَ فِعْلًا شِرِّيرًا سَوَاءَ الآنَ أَوْ فِي الْمَاضِي فِي شَبَابِهِ، وَرُبَّمَا حَتَّى قَدْ نَسِيَهُ. لَكِنْ هَذَا هُوَ قَانُونُ الْكَوْنِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ قَلْبُ هَذَا الْقَانُونِ رَأْسًا عَلَى عَقِبَ لِمُجَرَّدِ جَعْلِهِ يَتَوَافَقُ مَعَ مَقَاصِدِ أَيُّوبَ؟

مِنْ ثَمَّ، إِذْ تَقَدَّمْتُمْ إِلَى قُرَابَةَ نِهَايَةِ مَقْطَعِ بِلْدَدَ الأَوَّلِ، فِي الآيَةِ ٢٠ مِنَ الأَصْحَاحِ ٨، نَجِدُهُ يَقُولُ: "هُوَذَا اللهُ لَا يَرْفُضُ الْكَامِلَ، وَلَا يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي الشَّرِّ". اللهُ لَا يَرْفُضُ الْكَامِلَ الَذِي بِلا لَوْمٍ، وَالْبَارَّ الْمُسْتَقِيمَ. أَيُّوبُ إِنْسَانٌ تَقِيٌّ. فَاللهُ لا يَرْفُضُ الإِنْسَانَ التَقِيَّ. فَإِنْ كَانَ تَقِيًّا، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُهُ عَنْ نَفْسِهِ صَحِيحًا، فَاللهُ سَيَتَدَخَّلُ وَيُخَلِّصُهُ. لَكِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ أَنَّهُ لا يَبْدُو أَيَّ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا الدِفَاعِ، لِذَا فَحَتْمًا أَيُّوبُ مُخْطِئٌ، وَكَلامُهُ بَاطِلٌ، وَقَدْ أَسَاءَ الْفَهْمَ. وَلَدَى مُعَزِّي أَيُّوبَ وُجْهَةُ النَظَرِ الصَحِيحَةُ لِلأُمُورِ. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. فَالأَلَمُ عِقَابٌ فَوْرِيٌّ دَائِمًا بِكُلِّ صُورَةٍ مُمْكِنَةٍ بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ.

وَبِلْدَدُ، مِثْلُ سَلَفِهِ أَلِيفَازُ، لَدَيْهِ مَا قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ "السِجِلُّ النَقْدِيُّ" لِمَفْهُومِ الْعَدَالَةِ. أَنْتَ تَنَالُ مَا تَسْتَحِقُّهُ. فَلِذَا يَتَحَدَّثُ أَيُّوبُ فِي الأَصْحَاحِ ٩، وَأَنَا أُرِيدُكُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مُبَاشَرَةً إِلَى خَاتِمَةِ مَا يَقُولُهُ فِي الآيَةِ ٣٣: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ". أَمَّا فِي تَرْجَمَةِ إِي. إِسْ. فِي. (ESV)، فَنَقَعُ في مُشْكِلَةِ مَا إِذَا كَانَ هَذَا التَعْبِيرُ يُعَبِّرُ عَنْ أُمْنِيَةٍ أَمْ تَعْبِيرٍ عَنْ حَقِيقَةٍ. فَإِذَا نَظَرْتُمْ إِلَى تَرْجَمَةِ إِي. إِسْ. فِي. سَتَجِدُونَ تَذْيِيلًا يَقُولُ: "هَلْ لَنَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا مَصَالِحُ". وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ التَرْجَمَاتِ قَدْ تَعْكِسُ ذَلِكَ، سَوَاءَ كَانَتْ أُمْنِيَةً أَوْ رَغْبَةً أَوْ كَانَتْ حَقِيقَةً وَاقِعَةً. دَعُونَا نَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا". هَا هُوَ أَيُّوبُ. يُنَاجِي بِبَرَاءَتِهِ، يَحْمِلُ قَضِيَّةً. فَكِّرْ بِهَا كَمَا لَوْ أَنَّهَا قَضِيَّةٌ أَمَامَ الْقَضَاءِ. فَكِّرْ بِهَا كَمَا لَوْ أَنَّهَا أَمَامَ دَارِ الْقَضَاءِ. وَهُنَاكَ اللهُ، الَذِي هُوَ الْقَاضِي. مَا مِنْ وَسِيطٍ. مَا مِنْ مُصَالِحٍ. فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى شَخْصٍ مَا يُمَثِّلُهُ. يَحْتَاجُ إِلَى شَخْصٍ مَا يُدَافِعُ عَنْ قَضِيَّتِهِ. يَحْتَاجُ إِلَى شَخْصٍ مَا يَأْتِي وَيُمَثِّلُهُ أَمَامَ الْقَدِيرِ. فَلِسَانُ حَالِ أَيُّوبَ: "أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لِي هَذَا الشَخْصُ" أَوْ كَمَا نَقَلَتْهَا تَرْجَمَةُ إِي. إِسْ. فِي.: "لَيْسَ لَدَيَّ هَذَا الشَخْصُ". "لَيْسَ أَنِّي فِي بَلِيَّتِي كَئِيبٌ وَغَيْرُ مَفْهُومٍ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا لَيْسَ لِي مَنْ يُصْلِحُ وَضْعِي. لَيْسَ لِي مَنْ يُمَثِّلُ وُجْهَةَ نَظَرِي أَمَامَ اللهِ الْقَدِيرِ".

"لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلَا يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ" الآيَةُ ٣٤. "إِذًا أَتَكَلَّمُ وَلَا أَخَافُهُ، لِأَنِّي لَسْتُ هَكَذَا عِنْدَ نَفْسِي". لا شَيْءَ يُوَازِي الشُعُورَ بِالْوَحْدَةِ، أَوِ الشُعُورَ بِكَوْنِكَ شَخْصًا ثَانَوِيًّا ضَئِيلًا فِي كَوْنٍ شَاسِعٍ لا يُمْكِنُ التَحَكُّمُ فِيهِ ولا فَهْمُهُ، فِيهِ أَنْتَ سَجِينٌ بِتُهَمٍ بَاطِلَةٍ؛ أَوْ أَرْمَلَةٌ، وكَانَتْ حَيَاتُكَ صَعْبَةً، فَقَدْ تَعَامَلْتَ بِالتَحْدِيدِ مَعَ يَدٍ قَسَتْ عَلْيَكَ؛ أو كُنْتَ ضَحِيَّةَ هُجُومٍ وَحْشِيٍّ؛ أَوْ أَنْتَ شَخْصٌ وَحِيدٌ؛ وَغَيْرُهَا مَلايينُ الاحْتِمَالاتِ، وَتَقُولُ: "أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لِي شَخْصٌ يَقِفُ بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ، بَيْنِي وَبَيْنَ الْخَالِقِ الْمُتَسَيِّدِ، بَيْنِي وَبَيْنَ إِلَهٍ كُلِّيِّ السِيَادَةِ، لِلتَرَافُعِ فِي قَضِيَّتِي". هَذَا مَا يَقْصِدُهُ.

فَفي قَلْبِ هَذَا السِفْرِ، تَرَوْنَ خَلْفَ ذَلِكَ أَيُّوبَ واللهَ. وهَذَا الإِلَهُ، نَعَمْ، إِنَّهُ إِلَهٌ مُتَسَيِّدٌ وَعَادِلٌ. فَالسُؤَالُ الَذِي يُصَارِعُ مَعَهُ أَيُّوبُ هُوَ "هَلِ اللهُ صَالِحٌ؟" لَيْسَ صَالِحًا فِي المُطْلَقِ فَحَسْبُ بَلْ "هَلْ هُوَ صَالِحٌ مِنْ نَحْوِي؟" هَذَا مَا يُصَارِعُ مَعَهُ. والشَيْطَانُ هُوَ مَنْ يَقِفُ وَرَاءَ هَذَا، وَيَدْعُوهُ لِلتَشْكِيكِ. فَهُوَ مَنْ وَضَعَ مُسْبَقًا هَذَا الْفِكْرَ فِي ذِهْنِ أَيُّوبَ: "لا يُمْكِنُ الْوُثُوقُ بِاللهِ. فَعَدْلُهُ يَسِيرُ فِي اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ مَعَ شَخْصٍ مَا، وَفِي اتِّجَاهٍ آخَرَ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ، فَمَا مِنْ مِقْيَاسٍ ثَابِتٍ. وَمَا مِنْ طَرِيقَةٍ لِلتَنَبُّؤِ بِهِ. فَالْحَيَاةُ تَبْدُو غَيْرَ عَادِلَةٍ".

الآنَ، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الآيَةِ ١ مِنَ الأَصْحَاحِ ٩، وَنَخْتَارُ بَعْضًا مِنَ الأُمُورِ الَتِي قَالَهَا أَيُّوبُ هُنَا. دَعُونَا أَوَّلًا نَنْظُرُ إِلَى طَبِيعَةِ اللُغَةِ. فِي الآيَةِ ٣، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: "إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ". فَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ اللهِ. رُبَّمَا يَجْدُرُ بِنَا الرُجُوعُ إِلَى الآيَةِ ٢: "فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟" أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ بِإِمْكَانِكُمْ أَخْذُ هَذِهِ الآيَةِ، وَالْوَعْظُ بِهَا وَحْدَهَا كَنَصٍّ كِتَابِيٍّ. فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟ جَمِيعُنَا خُطَاةٌ وَأَشْرَارٌ. وَجَمِيعُنَا تَحْتَ دَيْنُونَةِ اللهِ. "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ؛ إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". نَحْنُ نَحْتَاجُ إِلَى مُخَلِّصٍ. نَحْتَاجُ إِلَى إِنْسَانٍ يَغْفِرُ لَنَا خَطَايَانَا. نَحْتَاجُ إِلَى الرَبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. يُمْكِنُكُمْ تَخَيُّلُ هَذِهِ الْعِظَةِ. سَتَكُونُ عِظَةً رَائِعَةً، عِظَةً كِتَابِيَّةً إِلَّا أَنَّهَا بَعِيدَةٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ السِيَاقِ نَفْسِهِ. هَذَا لَيْسَ مَا يَعْنِيهِ النَصُّ. إِنَّهَا فِي سِيَاقٍ مُخْتَلِفٍ كُلِّيًا. "فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟" فَمُشْكِلَةُ أَيُّوبَ لَيْسَتْ خَطِيَّتَهُ، عَلَى الأَقَلِّ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ أَيُّوبَ. إِنَّهَا لَيْسَتْ خَطِيَّتَهُ. لأَنَّ أَيُّوبَ يَقُولُ إِنَّهُ بَرِيءٌ. فَهُوَ لَمْ يَرْتَكِبْ أَيَّ خَطِيَّةٍ. هُوَ لا يَقُولُ إِنَّهُ بِلا خَطِيَّةٍ، لَكِنَّ مُشْكِلَتَهُ هُنَا لا تَتَعَلَّقُ بِخَطِيَّتِهِ.

المُشْكِلَةُ هُنَا تَتَعَلَّقُ بِعَدَالَةِ اللهِ. كَيْفَ يَكُونُ هَذَا عَدْلًا، كَيْفَ يَكُونُ مِنَ الصَوَابِ أَنَّ إِنْسَانًا لَمْ يَقْتَرِفْ أَيَّ إِثْمٍ مُحَدَّدٍ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ بِذَلِكَ؛ لَقَدْ كَانَ أَيُّوبُ رَجُلًا تَقِيًّا، كَيْفَ يَكُونُ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُعَاقِبَ اللهُ هَذَا الإِنْسَانَ، وَيَضْرِبَ هَذَا الإِنْسَانَ بِالأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ وَالْمَرَضِ؟ فَمَاذَا يَقُولُ أَيُّوبُ؟ ما يَقُولُهُ أَيُّوبُ هُوَ كَيْفَ تَنَالُ الْعَدْلَ مِنَ اللهِ؟ كَيْفَ بِإِمْكَانِي إِيجَادُ الْعَدْلِ؟ لِشَخْصٍ مَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ، وَرُبَّمَا أَيٌّ مِنْكُمْ يَعْرِفُ شَخْصًا مَا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ؛ شَخْصًا مَا انْتُهِكَ بِفَظَاعَةٍ، وَلَمْ يُقْبَضْ عَلَى الْجَانِي؛ يَشْعُرُونَ كَمَا لَوْ أَنَّ الْعَدْلَ قد وَلَّى، لَيْسَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ فَحَسْبُ، بَلْ مِنَ اللهِ نَفْسِهِ. لَقَدْ أَخَذُوا هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ، وَأَحْضَرُوهَا أَمَامَ الرَبِّ، وَوَضَعُوهَا أَمَامَهُ، مَا مِنْ عَدْلٍ. أَيْنَ هِيَ الْعَدَالَةُ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ؟ "يُحَاجَّ" الآيَةُ ٣.

انْظُرُوا إِلَى الآيَةِ ١٤: "كَمْ بِالْأَقَلِّ أَنَا أُجَاوِبُهُ؟" وَفِي الْوَاقِعِ قَدْ يُتَرْجَمُ الْفِعْلُ إِلَى "يُحَاجِجُ". لاحِظُوا كَيْفَ يُوَاصِلُ كَلامَهُ: "وَأَخْتَارُ كَلَامِي مَعَهُ" كَمَا تَفْعَلُونَ فِي إِبْدَاءِ الْحُجَّةِ. الأَمْرُ يُشْبِهُ دَارَ الْقَضَاءِ. كَيْفَ أَرْفَعُ قَضِيَّةً؟ كَيْفَ أُحَاجِجُ بِكَلِمَاتِي؟

انْظُرُوا إِلَى الآيَةِ ١٥: "لِأَنِّي وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لَا أُجَاوِبُ، بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي". اللهُ لا يَتَحَدَّثُ إِلَيَّ. اللهُ لا يَتَحَدَّثُ إِلَى أَيُّوبَ. أَيْنَ سَيَذْهَبُ لِيَجِدَ الْعَدَالَةَ؟ كَيْفَ سَيَتَحَاجَجُ مَعَ اللهِ؟ اللهُ ذُو السِيَادَةِ. هُوَ الْخَالِقُ. وَهُوَ خَفِيٌّ عَنِ الْعُيُونِ. فَأَيُّوبُ يُؤْمِنُ بِسِيَادَةِ اللهِ. وَيُؤْمِنُ بِسُمُوِّ اللهِ. يُؤْمِنُ أَيُّوبُ، كَمَا نَقُولُ، "بِإِلَهٍ عَظِيمٍ"، إِلَهٍ مِنْ خَارِجِ الْخَلِيقَةِ، إِلَهٍ فِي كَيْنُونَتِهِ، إِلَهٍ مُتَسَامٍ. "كَيْفَ أَحْصُلُ عَلَى الْعَدْلِ؟ كَيْفَ لِي، كَيْفَ لِي أَنْ أُدَافِعَ عَنْ قَضِيَّتِي؟ كَيْفَ أَجْعَلُ اللهَ يَسْمَعُنِي؟" هَلِ انْتَابَكَ شُعُورٌ مُمَاثِلٌ قَبْلًا حِيَالَ أَمْرٍ مَا؟ فَالطَرِيقَةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي بِهَا يُسمَعُ لَكَ، هِيَ الصَلاةُ. أَلْيْسَ كَذَلِكَ؟ أَنْتُمْ تُصَلُّونَ. هَلْ سَبَقَ لَكُمْ أَنْ شَعَرْتُمْ يومًا أَنَّ صَلاتَكُمْ أَحْيَانًا تَرْجِعُ إِلَيْكُمْ فَارِغَةً؟ لا تَذْهَبُ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ. ولا تَخْتَرِقُ السَقْفَ واللهُ لا يُنْصِتُ إِلَيْهَا وَلا يَسْمَعُهَا حَتَّى. إِنَّهُ فِي لُبِّ هَذا السِفْرِ، وَنَحْنُ اقْتَرْبَنَا مِنْ هَذَا اللُبِّ، يَلُوحُ الشَكُّ الْمُؤَرِّقُ، مِنْ جَانِبِ أَيُّوبَ، بِأَنَّه لا يُمْكِنُ الوُثُوقُ بِاللهِ. وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعَاةٍ لِلثِقَةِ. هَذِهِ إِحْدَى الْمَسَائِلِ الرَعَوِيَّةِ حِيَالَ الأَلَمِ وَالتَجَارِبِ وَالصُعُوبَاتِ وَالشُعُورِ بِالظُلْمِ، وَغَيْرِهَا. فِيهَا تَصِلُ إِلَى نُقْطَةٍ تَبْدَأُ فِيهَا الشَكَّ فِي اللهِ، وَفِي عِنَايَتِهِ الإِلَهِيَّةِ. وَتَشُكُّ فِي دَافِعِهِ. رُبَّمَا يَكُونُ صَالِحًا لآخَرِينَ. نَعَمْ، رُبَّمَا يَسْتَجِيبُ لِصَلَوَاتِ الآخَرِينَ. وَأَنْتَ تَفْرَحُ، وَتَبْعَثُ بِرَسَائِلَ عَنْ رَوْعَةِ اسْتِجَابَةِ اللهِ لِآخَرِينَ! لَكِنَّهُ لا يَسْتَجِيبُ صَلَوَاتِكُمْ. بَعْضُكُمْ صلَّى مِنْ أَجْلِ أَمْرٍ مَا ٢٠ أَوْ ٣٠ أَوْ ٤٠ أَوْ ٥٠ سَنَةً. "فَكَيْفَ أَجِدُ الْعَدْلَ؟"

انْظُرُوا مُجَدَّدًا إِلَى الآيَاتِ ٣ وَ٤ و٥: "إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ، لَا يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ". أَتَفْهَمُونَ مَا يَقُولُهُ هُنَا؟ "لَا يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ". لَوْ تَكَلَّمَ اللهُ، كَيْفَ كانَ أَيُّوبُ لِيُجِيبَ؟ "هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ"؟ نَعَمْ، هُوَ يُؤْمِنُ بِحِكْمَةِ اللهِ، وَيُؤْمِنُ بِسُلْطَانِ اللهِ، وَقُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ لَكِنْ يُوجَدُ هُنَا مُنْعَطَفٌ: "مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ" "مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟" كَمَا تَعْلَمُونَ، قَدْ أَقُومُ عَلَى اللهِ وَأَعْتَرِضُ بِأَنَّ طُرُقَهُ لَيْسَتْ عَادِلَةً. لَكِنْ، مَنْ نَجَحَ أَوْ سَلُمَ قَطُّ فِي ذَلِكَ؟ كَيْفَ عَلَى الأَرْجَحِ سَأَنْجَحُ؟ كَيْفَ أَسْتَطِيعُ التَقَدُّمَ أَمَامَ إِلَهٍ مُتَسَيِّدٍ، إِلَهٍ كُلِّيِّ الْحِكْمَةِ وَكُلِّيِّ الْقُدْرَةِ، وأَنْتَظِرُ أَنْ يُنْصِتَ إِلَى احْتِجَاجَاتِي؟ فَمَنْ سَبَقَ لَهُ أَنْ نَجَحَ فِي ذَلِكَ؟" "الْمُزَحْزِحُ" فِي الآيَةِ ٥: "الْمُزَحْزِحُ الْجِبَالَ وَلَا تَعْلَمُ، الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ. الْمُزَعْزِعُ الْأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا، فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا"، زَلازِلُ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. أَيُّوبُ يُؤْمِنُ بِإِلَهٍ صَاحِبِ السِيَادَةِ. وَيُؤْمِنُ فِي إِلَهٍ قَوِيٍّ وَكُلِّيِّ الْقُدْرَةِ، وَلَهُ قُوَّةُ الخَلْقِ.

انْظُرُوا الْمُلَخَّصَ فِي الآيَةِ ٢٤: "الْأَرْضُ مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ الشِّرِّيرِ. يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَإِذًا مَنْ؟" حِينَ يَأْتِي الْمَوْتُ، حِينَ تَحِلُّ الْمُصِيبَةُ فَجْأَةً، إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ هُوَ مَنْ يَجْلُبُ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ هُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ هَذَا، إِذَنْ مَنْ؟ فَأَيُّوبُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْخَالِقُ. أَيُّوبُ يُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ يَمْتَلِكُ الْقُدْرَةَ عَلَى فِعْلِ مَا يَفُوقُ إِدْرَاكَهُ.

انْظُرُوا إِلَى الْمَقْطَعِ الأَخِيرِ فِي الآيَةِ ١٢: "وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟" كَيْفَ تَقْدِرُ، أَوْ كَيْفَ تَسْتَطِيعُ التَقَدُّمَ إِلَى اللهِ والْقَوْلَ: "مَاذَا تَفْعَلُ؟ مَاذا تَظُنُّ نَفْسَكَ فَاعِلًا؟" هَلْ سَبَقَ أَنْ قُلْتَ هَذَا لأَحَدٍ؟ يَفْعَلُونَ شَيْئًا يَبْدُو سَخِيفًا، فَتَثُورُ عَلَيْهِمْ قَائِلًا: "مَاذَا تَظُنُّونَ أَنْفُسَكُمْ فَاعِلِينَ؟ هَذِهِ لَيْسَتْ طَرِيقَةَ فِعْلِ الأَمْرِ"، ثُمَّ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لتُظْهِرُ لَهُمْ كَيْفَ يَجِبُ فِعْلُهُ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. "وَمَنْ يَقُولُ لَهُ"، مَنْ يَقُولُ للهِ الْمُتَسَيِّدِ، إِلَهِ السَمَاءِ وَالأَرْضِ، إِلَهِ الزَلازِلِ وَالأَعَاصِيرِ وَالْعَوَاصِفِ الرَعْدِيَّةِ، "وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟"

وَهُنَا، فِي الآيَةِ ١٣ نَقْرَأُ: "اللهُ لَا يَرُدُّ غَضَبَهُ. يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ". لا بُدَّ مِنْ أَنْ نُعَلِّقَ بِشَيْءٍ عَلَى هَذَا. فِي الشَرْقِ الأَدْنَى الْقَدِيمِ، كَانَتْ هُنَاكَ بَعْضُ الأَسَاطِيرِ عَنِ الْخَلِيقَةِ. فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ أَيُّوبَ عَلَى دِرَايَةٍ بِهَا، فَأَحَدُهَا كَانَ تَأْثِيرَ رَهَبَ. فَقَدْ كَانَ هَذَا جُزْءًا مِنْ مُعْتَقَداتِ أَدْيَانِ الشَرْقِ الأَدْنَى الْقَدِيمِ. وَالأَمْرُ عَيْنُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى لَوِيَاثَانَ وَبَهِيمُوثَ، رُبَّمَا، لاحِقًا فِي سِفْرِ أَيُّوبَ، فِي الأَصْحَاحَاتِ الْخِتَامِيَّةِ مِنَ السِفْرِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَلا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَيْنَا الاسْتِخْلاصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يُؤْمِنُ بِتِلْكَ الأَسَاطِيرِ. فَهُوَ فَقَطْ يَتَحَدَّثُ إِلَى الثَقَافَةِ. وَكَانَتْ ثَقَافَةُ ذَلِكَ الْعَصْرِ، ثَقَافَةُ عَصْرِ الشَرْقِ الأَدْنَى الْقَدِيمِ، كَانَتْ تُؤْمِنُ بِتَدَخُّلِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الأُسْطُورِيَّةِ فِي الْخَلْقِ، لِذَا ذَكَرَهُمْ أَيُّوبُ. لا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَيْنَا الاسْتِخْلاصُ أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يُؤْمِنُ بِهَا. عَلَى أَيِّ حَالٍ، بَدَا أَيُّوبُ كَمَنْ يَقُولُ: "حَتَّى آلِهَتُكُمْ الْمُزَيِّفَةُ، ما نَفْعُهَا؟ كَيْفَ لَهَا أَنْ تُسَاعِدَ فِي ذَلِكَ هُنَا؟ يَقُولُ سِي. إِسْ. لُوِيس بِهَذَا الشَأْنِ: "هُنَاكَ بالطَبْعِ الْجَوَانِبُ الصَحِيحَةُ فِي أَسَاطِيرِ الشَرْقِ الأَدْنَى الْقَدِيمِ. لَكِنَّهَا حُرِّفَتْ. وَتَمَّ تَحْوِيلُهَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ".

فِي الْوَاقِعِ المُرادُ هُنَا هُوَ كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَوَقُّعُ سَمَاعِ اسْتِجَابَةٍ مِنْ كَائِنٍ قَدِيرٍ جِدًّا كَاللهِ، الْمُعْلَنِ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَالَذِي يُؤْمِنُ بِهِ أَيُّوبُ؟ يُسَاوِرُكُمْ شُعُورٌ بِالْعَجْزِ، وبِانْعِدَامِ الأَهَمِّيَّةِ. هُنَاكَ شَيْءٌ مِنَ التَعَسُّفِيَّةِ الآنَ فِي مَا يَفْعَلُهُ اللهُ. فِي الآيَةِ ٢٠: "إِنْ تَبَرَّرْتُ يَحْكُمُ عَلَيَّ فَمِي، وَإِنْ كُنْتُ كَامِلًا يَسْتَذْنِبُنِي". "لا أَسْتَطِيعُ الانْتِصَارَ. حَتَّى وَإِنْ قُلْتُ الْحَقَّ. حَتَّى وَإِنْ كُنْتُ أُحَاجِجُ اللهَ الْقَدِيرَ وَأَنْطِقُ بِالْحَقِّ، لأَنَّهُ سَيَجْعَلُنِي أَبْدُو أَحْمَقًا". يَرُوقُ لِي كِتَابُ "الرِسَالَةِ" (The Message) لِيُوجِين بِيتِرْسُون، إِذْ يُعِيدُ صِيَاغَةَ الأَصْحَاحِ ١٠، الَذِي فِيهِ يُوَاصِلُ أيُّوبُ حَدِيثَهُ. فَهُوَ يَقُولُ: فِي مَطْلَعِ الأَصْحَاحِ ١٠: "قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي" فَيَبْدُو أنَّهُ عَادَ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْطَعِ فِي الأَصْحَاحِ ٣. لَكِنْ فِي الآيَتَيْنِ ٢١ وَ٢٢ يَخْتِمُ الأَصْحَاحَ بِقَوْلِهِ:

أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ اتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَتَبَلَّجَ قَلِيلًا، قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلَا أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ الْمَوْتِ، أَرْضِ ظَلَامٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ الْمَوْتِ وَبِلَا تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَالدُّجَى.

فَيَقُولُ يُوجِين بِيتِرْسُون:

أَلَمْ يَحِنِ الْوَقْتُ لِلانْسِحَابِ مِنْ حَيَاتِي؟ أَلَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَبْسُطَ يَدَكَ، وَتَدَعَنِي أَبْتَسِمُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَحَسْبُ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ وَأُدْفَنَ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَمَّرَ نَعْشِي، وَيُغْلَقَ عَلَيَّ فِي الأَرْضِ، وَأُنْفَى إِلَى الأَبَدِ إِلَى أَرْضِ الأَمْوَاتِ، وَتُعْمِينِي الظُلْمَةُ الأَبَدِيَّةُ؟

نَعَمْ، لِذَلِكَ تَمَنَّى أَيُّوبُ فِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مُصَالِحًا. هَذَا مَا يَسْتَطِيعُ الأَلَمُ فِعْلُهُ، أَتَرَوْنَ؟ بِإِمْكَانِهِ جَعْلِكُمْ مُسْتَهْزِئِينَ، مُسْتَهْزِئِينَ بِاللهِ، وَبِعَدَمِ تَمَتُّعِكُمْ يَوْمًا بِالْعَدْلِ، وَمُسْتَهْزِئِينَ بِتَرْتِيبِ الْكَوْنِ. أَوْ رُبَّما مُسْتَهْزِئِينَ بِمَوْقِفِ اللهِ تُجَاهَكُمْ شَخْصِيًّا. رُبَّمَا تُؤْمِنُونَ أَنَّ الإِنْجِيلَ يُنَاسِبُ الآخَرِينَ، أَمَّا فِي مَا يَخُصُّكُمْ، يَبْدُو كُلُّ شَيْءٍ مَقْلُوبًا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ. كُلُّ شَيْءٍ يَتَحَوَّلُ إِلَى، مَا يُسَمَّى "عَشْوَائِيَّةً" حِينَ يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِكُمْ. فَقَدْ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مُحَامٍ.

الآنَ، هَذَا مُهِمٌّ لِلْغَايَةِ هُنَا فِي الآيَةِ ٣٣ مِنَ الأَصْحَاحِ ٩: "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ". أَوْ أَنَّهَا أُمْنِيَةٌ: "أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لِي مُصَالِحٌ". إِنَّ أَيُّوبَ لا يَبْحَثُ عَنْ شَخْصٍ مَا يَغْفِرُ لَهُ خَطَايَاهُ. لَنَا وَسِيطٌ مَعَ اللهِ، رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. بِإِمْكَانِكَ أَنْ تَجْرِيَ مِنْ هُنَا إِلَى الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. بِإِمْكَانِكَ أَنْ تَجْرِيَ إِلَى الرَبِّ يَسُوعَ. أَيُّوبُ تَمَنَّى لَوْ أَنَّ لَهُ مُصَالِحًا. تَمَنَّى لَوْ أَنَّ لَهُ مُدَافِعًا. تَمَنَّى لَوْ أَنَّ لَهُ مُحَامِيًا. هَذَا مَا يَرْغَبُ فِيهِ. فَهُوَ يُرِيدُ شَخْصًا يَنُوبُ عَنْهُ فِي دَارِ الْقَضَاءِ، لِيَعْرِضَ قَضِيَّتَهُ. كَمَا تَمَنَّى لَوْ يَجِدَ أَحَدًا. وَيُمْكِنُكُمْ الْقَوْلُ إِنَّ الرَبَّ يَسُوعَ هُوَ المُدَافِعُ عَنَّا. وَهُوَ مُحَامِينَا. وَهُوَ مُمَثِّلُنَا وَالنَائِبُ عَنَّا. لَكِنَّهُ مُمَثِّلٌ وَنَائِبٌ بِأَيِّ مَعْنَى؟ فَأَيُّوبُ لا يَبْحَثُ عَنْ شَخْصٍ لِيَغْفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ. لَيْسَ هَذَا مَا يَعْنِيهِ. فَوُجْهَةُ نَظَرِهِ هِيَ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ. "فَمَنْ سَوْفَ يَرْفَعُ دَعْوَايَ؟"

أُفَكِّرُ فِي امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فِي مَدِينَةِ مَمْفِيسَ، تَعَرَّضَتْ لأَمْرٍ بَالِغِ السُوءِ. وَأُفَكِّرُ فِي مُرَاهِقٍ سَئِمَ مِنَ التَعَرُّضِ لِلظُلْمِ، وَأُفَكِّرُ فِي أَرْمَلَةٍ ثَكْلَى فَقَدَتْ شَرِيكَ حَيَاتِهَا، وَتُوَاجِهُ الْمُسْتَقْبَلَ الَذِي يَبْدُو أَنَّهُ مُمْتَلِئٌ، بِالظُلْمَةِ وَعَدَمِ الْيَقِينِ. وَأُفَكِّرُ فِي أُسْرَةٍ تُحَاوِلُ لَمْلَمَةَ أَشْلائِهَا بَعْدَمَا انْتَحَرَ ابْنُهَا الْمُرَاهِقُ. قَصَبَةٌ مَرْضُوضَةٌ، وَفَتِيلَةٌ مُدَخِّنَةٌ. لَكِنِّي أَقُولُ إِنَّ لَنَا مُخَلِّصًا يَشْفِي الْقَلْبَ الْمَكْسُورَ. نَحْنُ لا نَتَحَدَّثُ هُنَا عَنْ شَخْصٍ يَأْتِي وَيَغْفِرُ خَطَايَانَا. بِالطَبْعِ هُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ الْمُرادَ هُنَا. الْمَقْصُودُ هُوَ أَنَّ أَيُّوبَ يَقُولُ هُنَا: "أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لِي شَخْصٌ مَا يُحَاجِجُ بِقَضِيَّتِي، شَخْصٌ يَقْدِرُ أَنْ يُمَثِّلَ دَعْوَايَ أَمَامَ اللهِ". وَالرَبُّ يَسُوعُ يَفْعَلُ ذَلِكَ. لَقَدْ كَانَ فِي مَكَانٍ حَيْثُ غَابَتِ الْعَدَالَةُ. كَانَ فِي الْمَكَانِ حَيْثُ تَعَرَّضَ للْعُنْفَ وَالأَذَى. لَقَدْ كَانَ فِي مكانٍ صَرَخَ فِيهِ قَائِلًا: "إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" فَهُوَ مَنْ تَعَرَّضَ لِوَحْشِيَّةِ هَذَا الْعَالَمِ وَظُلْمِهِ. لِذَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمَثِّلَنَا. فَهُوَ يَسْمَعُكُمْ حِينَ تَصْرُخُونَ إِلَيْهِ، وَحِينَ يَبْدُو أَنَّكُمْ قَدْ فَقَدْتُمْ كُلَّ رَجَاءٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ. فَنَحْنُ لَنَا مُدَافِعٌ وَوَلِيٌّ مَعَ اللهِ الآبِ، رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الْبَارِّ.