المحاضرة 11: تَوْبَةٌ وَاسْتِرْدَادٌ

نَحْنُ الآنَ فِي الْمُحَاضَرَةِ ١١ مِنْ دِرَاسَتِنَا لِسِفْرِ أَيُّوبَ وَقَدْ وَصَلْنَا إِلَى الْأَصْحَاحِ الْأَخِيرِ. وَسَوْفَ تَتَبَقَّى لَنَا مُحَاضَرَةٌ وَاحِدَةٌ أَخِيرَةٌ. سَنَتَنَاوَلُ فِيهَا آيَةً في رِسَالَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَيُّوبَ؛ تِلْكَ الْعِبَارَةَ الشَهِيرَةَ عَنْ صَبْرِ أَيُّوبَ.

أَمَّا عَنِ الْأَصْحَاحِ ٤٢، دَعُونَا نَنْتَقِلُ إِلَى الْآيَةِ ١٠ مِنْهُ الَتِي تَقُولُ: "وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لِأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لِأَيُّوبَ ضِعْفًا". إِنَّ الْأَمْرَ يَبْدُو انْفِرَاجًا فِي الْغَالِبِ. إِذْ قَدْ كَانَتْ قَدْ سَادَتْ ظُلْمَةٌ حَالِكَةٌ وَكَآبَةٌ وَتَعَظَّمَتِ التَجْرِبَةُ وَالْمَشَقَّةُ، لَكِنَّ الْأَمْرَ هُنَا يَنْتَهِي عَلَى نَحْوٍ إِيجَابِيٍّ لِلْغَايَةِ. وَرُزِقَ أَيُّوبُ بِعَشَرَةِ أَبْنَاءٍ آخَرِينَ، وَحَظِيَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ وَ٦٠٠٠ مِنَ الْإِبِلِ، فِي الْآيَةِ ١٢، وَ١٠٠٠ زَوْجٍ مِنَ الْبَقَرِ وَ١٠٠٠ مِنَ الْأَتَانِ. فَهَذَا مَا كَانَ قَدْ بَدَأَ بِهِ السِفْرُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. فَمَا الَذِي يَجْرِي؟ يُذَكِّرُنَا ذَلِكَ بالْمَلِكِ لِيرْ، الْمَلِكِ الَذِي لِمَسْرَحِيَّةِ شِكْسِبِيرَ. إِذْ قَدْ مَاتَ الْجَمِيعُ فِي النِهَايَةِ، بِمَنْ فِيهِمْ كُورْدِلْيَا. إِنَّمَا هُنَا، لَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ بِرِسَالَةٍ مَأْسَاوِيَّةٍ، مِثْلِ مُعْظَمِ أَعْمَالِ الْقَرْنَيْنِ ١٩ وَ٢٠ الْأَدَبِيَّةِ. مِثْلِ الْمُؤَلِّفِينَ هَارْدِي وَسِتِينْبِكْ - يُفَكِّرُ الْمَرْءُ مِنَّا فِي هَؤُلَاءِ الْمُؤَلِّفِينَ وَالْكُتَّابِ وَيُفَكِّرُ فِي أَعْمَالِهِمْ الْأَدَبِيَّةِ الَتِي فِي الْغَالِبِ مَا تَنْتَهِي بِهَذِهِ الرِسَالَةِ الْمَأْسَاوِيَّةِ. أَمَّا هُنَا، نَجِدُ عُنْصُرَ اسْتِرْدَادٍ. إِذْ يَقُولُ مِنَ الْآيَةِ ٧: "وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهَذَا الْكَلَامِ"، فِي الْأَصْحَاحَاتِ ٣٨ وَ٣٩ وَ٤٠ وَ٤١. وَقَدْ جَاوَبَ أَيُّوبُ فِي بِدَايَةِ الْأَصْحَاحِ ٤٢ قَائِلًا: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ". ثُمَّ يَقْتَبِسُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ مِمَّا قَالَهَا اللَّهُ فِي الْأَصْحَاحِ ٣٨. مِنْ ثَمَّ يَخْتِمُ حَدِيثَهُ فِي الْآيَةِ ٥ بِقَوْلِهِ: "بِسَمْعِ الْأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالْآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ". فَهُوَ هُنَا لَا يَتُوبُ عَنِ الْخَطِيَّةِ الَتِي اتَّهَمَهُ أَصْدِقَاؤُهُ بِهَا الَذِينَ يَفْتَرِضُونَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبَ تَجْرِبَتِهِ. فَقَدْ قُبِلَتْ دَعْوَى أَيُّوبَ. لَكِنَّهُ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ فِي أَثْنَاءِ التَجْرِبَةِ، لِهَذَا السَبَبِ يُقَدِّمُ تَوْبَةً هُنَا عَنْ أُسْلُوبِهِ نَحْوَ اللَّهِ الَذِي أَبْدَاهُ فِي أَثْنَاءِ تَجْرِبَتِهِ.

الْآنَ، أُرِيدُ أَنْ نَنْظُرَ جَمِيعًا إِلَى ٣ أُمُورٍ فِي هَذَا الْأَصْحَاحِ الْأَخِيرِ. فَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ، الَذِي يَقَعُ فِي الْمَقْطَعِ مِنَ الْآيَةِ ١ إِلَى الْآيَةِ ٦، هُوَ حَقِيقَةُ أَنَّ عَلَاقَتَهُ باللهِ تَوَطَّدَتْ. كَمَا تَعْلَمُونَ، ذَلِكَ نَتِيجَةُ هَذِهِ التَجْرِبَةِ. نَعَمْ، إِنَّهُ نَتِيجَةُ هَذا الضِيقِ الْمُرَوِّعِ الَذِي مَرَّ بِهِ. فَنَجِدُهُ يَقُولُ: "بِسَمْعِ الْأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالْآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي". فَهُوَ أَصْبَحَ يَعْرِفُ اللهَ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ. ويَفْهَمُ أَكْثَرَ عَنْهُ. لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُدْرِكُهُ يَتَمَثَّلُ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ. فَهُوَ يَعْرِفُ الْآنَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ، اللَّهُ عَظِيمٌ، اللَّهُ ذُو جَلَالٍ، اللَّهُ يَعْلَمُ نِهَايَةَ الْأُمُورِ مُنْذُ الْبَدْءِ. فَاَللَّهُ لَيْسَ مُجْبَرًا عَلَى تَوْضِيحِ السَبَبِ وَرَاءَ تَجَارِبِنا. وَأَحْيَانًا قَدْ يَكُونُ السَبَبُ جَلِيًّا. وَرُبَّمَا يَكْشِفُ اللَّهُ هَذَا السَبَبَ لَنَا بِطَرِيقَةٍ مَا. لَكِنْ فِي مُعْظَمِ الْأَحْيَانِ تَكُونُ الْأَسْبَابُ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلتَفْسِيرِ. إِذْ تَفُوقُ قُدْرَتَنَا عَلَى إِدْرَاكِهَا. فإلامَ أُحْضِرَ أَيُّوبُ؟ لَقَدْ أُحْضِرَ إِلَى الْإِيمَانِ، وَالثِقَةِ، وَالِاتِّكَالِ. فَاَللَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الَذِي نَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ. كَمَا أَنَّ لَهُ قَصْدٌ. اُنْظُرُوا إِلَى الْآيَةِ ٢ الَتِي تَقُولُ: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ (قَصْدٌ)". نَعَمْ، إِنَّ هَذِهِ التَجْرِبَةَ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ قَصْدٍ؛ مِنْ قَصَدٍ إِلَهِيٍّ وَمِنْ خُطَّةٍ إِلَهِيَّةٍ.

مُنْذُ أَسَابِيعَ قَلِيلَةٍ، وَقَعَتْ مَأْسَاةٌ مُرَوِّعَةٌ. أَدَّتْ إِلَى مَقْتَلِ إِنْسَانٍ. وَهُنَاكَ عَائِلَةٌ مُتَوَرِّطَةٌ فِي الْأَمْرِ. لَمْ تَكُنِ الْمَأْسَاةُ بِسَبَبِ خَطَأٍ وَاضِحٍ اقْتَرَفَهُ هَذَا الْإِنْسَانِ - أَدَّى إِلَى مَقْتَلِهِ. بَلْ كَانَتْ حَادِثَةً كَمَا يَقُولُونَ، مَأْسَاةً لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا. فَقَدْ مَاتَ فِي لَحْظَتِهَا، وَكَانَتِ الْعَائِلَةُ فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ. لَقَدِ انْشَقَّتْ أَرْضُ عَالَمِهِمْ وَفَتَحَتْ فَاها وَابْتَلَعَتْهُمْ جَمِيعًا تَقْرِيبًا. فَمَا الَذِي عَلَيْنَا قَوْلُهُ؟ فِي الْوَاقِعِ، مَا قَدْ قَالُوهُ كَانَ مِنْ أَيُّوبَ الْأَصْحَاحِ الْأَوَّلِ وَالْآيَةِ ٢١ "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا". هُمُ الْآنَ يَجْتَازُونَ عَبْرَ آخِرِ مَرَاحِلِ حُزْنِهِمْ، حِينَ تَهِلُّ الْأَسْئِلَةُ وَتَتَسَلَّلُ الشُكُوكُ وَيُلْقِي الشَيْطَانُ بِاتِّهَامَاتِهِ وَلَا يُقَدِّمُ الْمُشِيرُونَ، نَعَمْ، لَا يُقَدِّمُونَ سِوَى النَصَائِحِ السَيِّئَةِ. لَكِنَّهُمْ قَدْ اقْتِيدُوا إِلَى الرَبِّ. لَقَدْ اقْتِيدُوا إِلَى أَنْ يَرْمُوا حُمُولَهُمْ عَلَى الرَبِّ، عَالِمِينَ أَنَّهُ يَهْتَمُّ بِهِمْ. وَهُمُ الْآنَ يَنْمُونَ فِي عَلَاقَتِهِمْ بِهِ. لَقَدْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللَّهَ قَبْلًا. لَكِنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ أَكْثَرَ الْآنَ، وَبِشَكْلٍ مُخْتَلِفٍ وأَعْمَقَ جدًّا. هَذَا مَا قَدْ تَعَلَّمَهُ أَيُّوبُ. إِذْ تَمَتَّعَ بِعَلَاقَةٍ أَعْمَقَ مَعَ اللَّهِ.

يَتَحَرَّكُ اللَّهُ بِطُرُقٍ خَفِيَّةٍ لِيَصْنَعَ عَجَائِبَهُ.

يُثْبِتُ خُطَاهُ فِي الْبَحْرِ، رَاكِبًا عَلَى السَحَابِ.

فِي أَعْمَاقِهِ، مَنَاجِمُ عَجَائِبَ لَا تَنْضُبُ يَسْتَحِيلُ إِدْرَاكُهَا.

إِنَّهُ يَحْفَظُ أَفْكَارَهُ وَخُطَطَهُ اللَامِعَةَ، وَيُنَفِّذُ مَشِيئَتَهُ السِيَادِيَّةَ.

عَدَمُ الْإِيمَانِ الْأَعْمَى حَتْمًا يُخْطِئُ، وَفَحْصُ عَمَلِهِ بَاطِلٌ.

اللَّهُ هُوَ مُفَسِّرُ عَمَلِ يَدَيْهِ، وَسَوْفَ يَسْتَعْلِنُهُ.

هَذَا بِالطَبْعِ مَقْطَعٌ مِنْ تَرْنِيمَةِ وِلْيَامْ كُوبَرْ (William Cowper). وِلْيَامْ كُوبَرْ صِدِيقُ جُونْ نْيُوتِنْ (John Newton)، كَانَ وِلْيَامْ كُوبَرْ رَجُلَ مَآسٍ. نَعَمْ كَانَ بَارِعًا، لَكِنَّهُ كَانَ رَجُلَ مَآسٍ. رَجُلاً كَانَ يُعَانِي نَوْبَاتِ اكْتِئَابٍ حَادَّةٍ. رُبَّمَا الْيَوْمَ قَدْ نُشَخِّصُهُ بِأَنَّهُ ثُنَائِيُّ الْقُطْبِ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْقَاتٌ انْتَابَتْهِ فِيهَا مُيُولٌ انْتِحَارِيَّةٌ وَحَاوَلَ وَضْعَ حَدٍّ لِحَيَاتِهِ ٥ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَقَلِّ. فَفِي إِحْدَاهَا قَفَزَ فِي النَهْرِ لِيُغْرِقَ نَفْسَهُ، وَكَانَ عُمْقُ النَهْرِ حِينَهَا لَا يَزِيدُ عَنْ ٤ أَوْ ٥ بُوصَاتٍ. وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. مَأْسَوِيٌّ. وَغَيْرُهَا مِنَ الْمُحَاوَلَاتِ الِانْتِحَارِيَّةِ. وَمِنْ عِنَايَةِ اللَّهِ أَنَّهُ سَكَنَ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ بَيْتِ جُونْ نْيُوتِنْ -تَاجِرِ الْعَبِيدِ الثَرِيِّ السَابِقِ وَمُؤَلِّفِ تَرْنِيمَةِ "مَا أَعْجَبَ النِعْمَةَ" وقد سَاعَدَهُ جُونْ نْيُوتِنْ بِتَقْدِيمِ الْمَشُورَةِ لَهُ. إِنَّهَا قِصَّةٌ رَائِعَةٌ، لَكِنْ هُنَا إِنْسَانٌ - لَكِنْ هُنَا إِنْسَانٌ الَذِي مِنْ خِلَالِ التَجْرِبَةِ واجْتِيَازِ الظُلْمَةِ وَمِنْ خِلَالِ الشِدَّةِ، نَمَا فِي عَلَاقَتِهِ مَعَ اللَّهِ.

قَدْ يَقُولُ كَثِيرُونَ مِنْكُمْ هَذَا عَلَى نِطَاقٍ مُغَايِرٍ، كَمَا تَعْلَمُونَ، عَنِ الزَوَاجِ. مَا الزَوَاجُ الَذِي لَمْ يَمُرَّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ بِتَجْرِبَتَيْنِ؟ أَرْغَبُ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَمُرُّوا فِي زَوَاجِكُمْ بِأَيِّ تَجْرِبَةٍ. أَلَمْ تَقَعُوا يَوْمًا فِي سُوءِ الْفَهْمِ؛ أَلَمْ تَدْخُلُوا أَبَدًا فِي جِدَالٍ؛ أَلَمْ يُصِرَّ أَحَدُكُمْ عَلَى حُقُوقِهِ؛ أَلَمْ يَقِفْ أَحَدُكُمْ فِي الْجَرَاجِ، مِثْلَمَا فَعَلْتُ أَنَا، قَائِلًا: "أَنَا عَلَى صَوَابٍ هُنَا، وَأَنَا أُرِيدُ مِنْ شَرِيكِ حَيَاتِي أَنْ يَعْتَذِرَ مِنِّي". كَانَ هَذَا فِي مُحَاضَرَةٍ سَابِقَةٍ. أَنَا أُحِبُّ زَوْجَتِي الْآنَ أَكْثَرَ مِمَّا كُنْتُ أُحِبُّهَا حِينَ تَزَوَّجْنَا. هَذَا وَاقِعٌ فِي كُلِّ زَوَاجٍ وَفي أَيِّ زَوَاجٍ مَبْنِيٍّ عَلَى أَسَاسَاتٍ كِتَابِيَّةٍ صَلْبَةٍ، زَوَاجٍ يَبْحَثُ عَنْ بَرَكَةِ الرَبِّ.

هَذَا هُوَ الْأَمْرُ عَيْنُهُ فِي عَلَاقَتِنَا مَعَ اللَّهِ. أَيْ أَنَّ الْأَلَمَ يُسَاعِدُ عَلَى نُمُوِّ عَلَاقَتِنَا، وَيَفْتَحُ أَعْيُنَنَا عَلَى رُؤْيَةِ أُمُورٍ، وَتَرْكِ أُمُورٍ مَا كُنَّا لِنَتْرُكَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، رُبَّمَا كُنَّا لِنَتَشَبَّثَ بِهَا وَتُؤَثِّرَ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ فِي عَلَاقَتِنَا بِالرَبِّ.

حَسَنًا، الْأَمْرُ الثَانِي الَذِي نَرَاهُ هُنَا يَتَمَثَّلُ فِي مُصَالَحَةِ الْأَصْدِقَاءِ - الْأَصْدِقَاءِ ٣. فِي الْآيَةِ ٧ نَقْرَأُ: "وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهَذَا الْكَلَامِ، أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِأَلِيفَازَ التَّيْمَانِيِّ: قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلَا صَاحِبَيْكَ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ".

الْآنَ، اسْمَحُوا لِي بِأَنْ أَتَنَاوَلَ أَوَّلًا الْعِبَارَةَ الْأَخِيرَةَ: "كَعَبْدِي أَيُّوبَ". فَأَنْتُمْ قَدْ تَعْتَرِضُونَ قَائِلِينَ إِنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا هُوَ صَوَابٌ. وَأَنَا أَعْتَقِدُ، وَهُنَاكَ مُفَسِّرُونَ يُشِيرُونَ إِلَى ذَلِكَ، إِنَّ مَا يُلَمِّحُ إِلَيْهِ اللَّهُ هُنَا لَيْسَ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ أَيُّوبُ كَانَ صَوَابًا، إِنَّمَا مَوْقِفُهُ فِي النِهَايَةِ كَانَ فِيهِ مُحِقًا. لَقَدْ تَابَ عَنْ خَطِيَّتِهِ. لَقَدْ اعْتَرَفَ بِخَطِيَّتِهِ. لَقَدْ رَفَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ. إِنَّ أَيُّوبَ قَدْ تَابَ فِي التُرَابِ وَالرَمَادِ. وَالمَقْصُودُ بهَذَا الْمَعْنَى وَالْمَفْهُومِ أَنَّ أَيُّوبَ فِي عَلَاقَةٍ سَلِيمَةٍ مَعَ اللَّهِ. لَكِنْ وَاضِحٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْدِقَاءَ ٣ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ. لِذَا غَضِبَ اللَّهُ. "قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ".

أَنَا أَتَسَاءَلُ عمَّا إِذَا كَانَ يَسْتَوْعِبُ إِدْرَاكُكُمْ مَنْ هُوَ اللَّهُ، كَيْفَ يَكُونُ اللَهُ مِنْ حَيْثُ الْغَضَبُ الْإِلَهِيُّ؟ إِنَّ تِشَارْلِزْ هَارُولْدْ دُودْ (C.H. Dodd)، الْأُسْتَاذَ الْعَظِيمَ لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ فِي الْقَرْنِ ٢٠، لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِغَضَبِ اللَّهِ؛ فَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِأَنَّ الْغَضَبَ كَانَ شُعُورًا شَخْصِيًّا. فَقَدْ أَصَرَّ عَلَى أَنَّ الْغَضَبَ الْمُوَضَّحَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لَمْ يَكُنْ سِوَى حَقِيقَةِ أَنَّ الْعَالَمَ وَالْكَوْنَ لَمْ يَكُونَا فِي مَحَلِّهِمَا؛ لَقَدْ انْحَرَفَا. إِنَّهُ أَمْرٌ مَوْضُوعِيٌّ. إِنَّهُ أَمْرٌ "قَائِمٌ". إِنَّهُ أَمْرٌ مَوْجُودٌ؟ إِنَّهُ الْحَقِيقَةُ بِوُجُودِ أَلَمٍ وَأَسًى، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. هَذَا غَضَبٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ شَخْصِيًّا مَعَ اللَّهِ.

يَقُولُ اللَّهُ هُنَا إِلَى أَلِيفَازَ التَيْمَانِيِّ وَإِلَى صَدِيقَيْهِ الِاثْنَيْنِ: "قَدِ احْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ". فَقَدِ احْتَمَى غَضَبُ اللهِ عَلَيْهِمْ لَأَنَّهُمْ أَخْفَقُوا فِي التَكَلُّمِ بِالْحَقِّ. أَجِدُ أَنَّ هَذَا مُخِيفٌ بَعْضَ الشَيْءِ لِأَكُونَ صَادِقًا. أَنَا مُنْخَرِطٌ فِي خِدْمَةِ تَقْدِيمِ الْمَشُورَةِ. أَجِدُ أَنِّي كُلَّ يَوْمٍ تَقْرِيبًا أُقَدِّمُ النُصْحَ وَالْمَشُورَةَ إِلَى كُلِّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ، وَإِذَا قُدِّمَتْ هَذِهِ الْمَشُورَةُ عَلَى نَحْوٍ غَيْرِ صَحِيحٍ، خَارِجَةً مِنْ دَوَافِعَ شَخْصِيَّةٍ، أَوْ بِدَافِعِ الْأَنَانِيَّةِ، سَوْفَ يَكُونُ اللَّهُ غَاضِبًا. إِنَّ التَقَدُّمَ فِي مَنْصِبٍ أَوْ مِهْنَةٍ، يَتَطَلَّبُ تَمَلُّقَ الْمَرْءِ لِشَخْصٍ آخَرَ، بَدَلًا مِنَ السَعْيِ وَرَاءَ خَيْرِ نَفْسِ ذَلِكَ الشَخْصِ. نَعَمْ، غَضِبَ اللَّهُ، وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ لأَنَّهُمْ افْتَقَرُوا إِلَى الرَأْفَةِ. فَمَا هِيَ الْخَطِيَّةُ الأَسَاسِيَّةُ الَتِي اقْتَرَفَهَا الْأَصْدِقَاءُ ٣؟ بِالطَبْعِ كَانَ ثَلَاثَتُهُمْ مُخْطِئِينَ كُلِّيًّا حِيَالَ تَفْسِيرِهِمْ وَتَحْلِيلِهِمْ، لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَلْفِتُ انْتِبَاهِي هُوَ افْتِقَارُهُمْ إِلَى الرَأْفَةِ. لَقَدْ كَانُوا يَفْتَقِرُونَ كُلِّيًا إِلَى الرَأْفَةِ. كَانُوا لَا يَكُفُّونَ عَنِ الْكَلَامِ. لَقَدْ كَانُوا غَاضِبِينَ عَلَى أَيُّوبَ. فَلَمْ يَحْمِلْ كَلَامُهُمْ أَيَّةَ رَأْفَةٍ. فَاَللَّهُ أَكْثَرُ وَدَاعَةً مَعَ الْمُشْتَكِينَ الْأُمَنَاءِ. وَيُحِبُّ مَحَبَّةً أَعْظَمَ مِن الَتِي يَكُنُّهَا هَؤُلَاءِ الْأَصْدِقَاءُ ٣. نَعَمْ، أَوَّلُ شَيْءٍ: غَضَبُ اللَّهِ.

ثُمَّ، نَجِدُ عَمَلَ بَذْلٍ وَعَمَلَ تَوْبَةٍ. فَنَقْرَأُ فِي الآيَةِ ٨: "وَالْآنَ فَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَاذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لِأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ، لِأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلَّا أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ".

فَيَقُومُونَ بِعَمَلِ ذَلِكَ، وَيُصَلِّي أَيُّوبُ، وَفِي آخِرِ الْآيَةِ ٩ يَقْبَلُ اللَهُ صَلَاةَ أَيُّوبَ. فَقد أَدَّى أَيُّوبُ عَلَى مَا يَبْدُو وَظِيفَةَ الْكَاهِنِ. مِنَ الْمُحْتَمَلِ، كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَعِيشُ فِي عَصْرِ إِبْرَاهِيمَ أَوْ رُبَّمَا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ بِمُدَّةٍ زَمَنِيَّةٍ قَصِيرَةٍ، لَكِنْ بِالطَبْعِ قَبْلَ الْكَهْنُوتِ اللَاوِي الَذِي تَأَسَّسَ فِي عَهْدِ مُوسَى. لَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُ هُنَا، عَلَى الْأَغْلَبِ يُؤَدِّي وَظِيفَةَ الْكَاهِنِ. فَهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَ، وَالرَقْمُ ٧ -٧ ثِيرَانٍ وَ٧ كَبَاشٍ- وَالرَقْمُ ٧ هُوَ رَقَمُ الْكَمَالِ. وَهُمْ يَقُومُونَ بِذَلِكَ؛ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَاجَةِ الَتِي تَعْتَرِيهِمِ الْآنَ، بِصِفَتِهِمْ مُشِيرِينَ، مِنْ أَجْلِ الِاعْتِرَافِ بِخَطِيَّتِهِمْ وَالتَصَالُحِ مَعَ أَيُّوبَ. "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ... وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ". فَالنُقْطَةُ الَتِي أَرْغَبُ فِي الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا هُنَا، إِنَّهُ يُوجَدُ أَمْرٌ، نَعَمْ، يُوجَدُ أَمْرٌ فِي أَيُّوبَ يُشْبِهُ الرَبَّ يَسُوعَ. "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". نَعَمْ، الِاسْتِعْدَادُ لِلْغُفْرَانِ. وَالْغُفْرَانُ يَنْطَوِي عَلَى تَوْبَتِهِمْ. هَلْ تُلَاحِظُونَ ذَلِكَ؟ فَأَيُّوبُ لَا يَقُولُ: "لَقَدْ سَامَحْتُكُمْ". الْبَشَرُ يَقُولُونَ ذَلِكَ بِالطَبْعِ. "لَقَدْ سَامَحْتُكَ". "لَقَدْ سَامَحْتُكَ". لَكِنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِمْ التَوْبَةُ عَنْ خَطَايَاهُمْ أَيْضًا. يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِمْ الِاعْتِرَافُ بِخَطِيَّتِهِمْ. مِنْ ثَمَّ يُسَامِحُهُمْ أَيُّوبُ.

هُنَاكَ قِصَّةٌ اشْتَهَرَتْ مُنْذُ بِضْعِ سَنَوَاتٍ مَضَتْ. وَقَدْ رَأَيْتُهَا مُسَلِّيَةً لِلْغَايَةِ. الْمُمَثِّلَةُ أَلِيسُونْ أَرِنْجِرِيمْ، الَتِي أَدَّتْ دَوْرَ نِيلِي أُولِيسُونْ فِي مُسَلْسَلِ "بَيْتٍ صَغِيرٍ عَلَى الْمَرْجِ". مُعْظَمُكُمْ يَتَذَكَّرُ مُسَلْسَلَ "بَيْتٍ صَغِيرٍ عَلَى الْمَرْجِ". وَقَدْ عَذَّبَتِ الصَغِيرَةَ الْجَمِيلَةَ لُورَا إِنْجَالِزْ، أَتَتَذَكَّرُونَ ذَلِكَ فِي "بَيْتٍ صَغِيرٍ عَلَى الْمَرْجِ"؟ وَفِي كُلِّ الْحَلَقَاتِ تَقْرِيبًا، كَانَتْ تُعَذِّبُ لُورَا الصَغِيرَةَ. إِنَّهَا مُمَثِّلَةٌ. وَأَدَّتْ هَذَا الدَوْرَ مِنْ عَامِ ١٩٧٤ إِلَى عَامِ ١٩٨١، ثُمَّ فِي جَمِيعِ فَتَرَاتِ إِعَادَةِ عَرْضِهِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَبَيْعِ هَذَا الْعَرْضِ. ثُمَّ فِي عَامِ ٢٠٠٥، أَيْ بَعْدَ ٣٠ عَامًا مِنْ تَأْدِيَتِهَا لِهَذَا الدَوْرِ- كَانَتْ تُوَقِّعُ عَلَى نُسَخٍ مِنْ كِتَابٍ كَانَتْ قَدْ نَشَرَتْهُ. وَتَأْتِي إِلَيْهَا إِحْدَى السَّيِّدَاتِ، وَتَقِفُ عَلَى مَسَافَةٍ مِنْهَا. كَانَتْ غَاضِبَةً. وَكَانَ وَجْهُهَا مُحْمَرًّا. وَلَمْ تَكُنْ تَقُولُ أَيَّ شَيْءٍ، كَانَتْ وَاقِفَةً فَحَسْبُ. كَانَتْ غَاضِبَةً. وَكَانَتْ تَرْتَجِفُ. وَعِنْدَمَا حَانَ دَوْرُهَا فِي الصَفِّ، وَهِيَ وَاقِفَةٌ بَعِيدًا مُرْتَجِفَةً، قَالَتْ لِـ "أَلِيسُونْ أَرِنْجِرِيمْ": "لَقَدْ سَامَحْتُكِ. لَقَدْ سَامَحْتُكِ". بِالطَبْعِ، كَانَتْ تَقْصِدُ عَنْ دَوْرِهَا الَذِي مَثَّلَتْهُ فِي ذَلِكَ الْمُسَلْسَلِ. أَنْتُمْ تُدْرِكُونَ ذَلِكَ. لَكِنْ كُلَّ هَذَا غَضَبٌ مَكْتُومٌ، إِنَّهُ ضِيقٌ مَكْتُومٌ.

وَكَمَا أَعْتَقِدُ، فَالنُقْطَةُ الَتِي أَرْغَبُ فِي تَوْضِيحِهَا هُنَا هِيَ أَنَّ التَجَارِبَ تُشْعِرُكُمْ بِالْمَرَارَةِ. لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ. لَقَدْ قَابَلْتُ مُؤْمِنِينَ قَدْ اخْتَبَرُوا تَجْرِبَةً مَا، ضِيقَةً مَا. قَدْ تَكُونُ مُنْذُ ٢٠ سَنَةً. قَدْ تَكُونُ مُنْذُ ٤٠ سَنَةً. فِي إِحْدَى الحَالَاتِ، كَانَتْ مُنْذُ لَا يَقِلُّ عَنْ ٥٠ أَوْ ٦٠ سَنَةً فِي الْمَاضِي. لَمْ يَنْسَوْا الْأَمْرَ أَبَدًا. فَفِي كُلِّ زِيَارَةٍ لِي لَهُمْ، يَأْتُونَ عَلَى ذِكْرِ التَجْرِبَةِ فِي حَدِيثِنَا. لَقَدْ الْتَهَمَتْهُمْ. وَقَضَتْ عَلَى بَقِيَّةِ حَيَاتِهِمْ. لَقَدْ عَاشُوا بَقِيَّةَ حَيَاتِهِمْ فِي غَضَبٍ وَمَرَارَةٍ، غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى الْمَغْفِرَةِ وَغَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى تَنْحِيَتِهَا جَانِبًا، وَغَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى التَعَامُلِ مَعَهَا بِالطَرِيقَةِ الْكِتَابِيَّةِ.

مَا الَذِي يَحْدُثُ عِنْدَ الْغُفْرَانِ، عِنْدَمَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا خَطِيَّتَنَا؟ اللَّهُ يَنْسَاهَا. لَا يَعُودُ يَذْكُرُهَا مَرَّةً أُخْرَى. "الْمَحَبَّةُ لَا تَحْتَفِظُ بِسِجَلِّ الْأَخْطَاءِ". أَوَّلًا إِنَّهَا إِعَادَةُ صِيَاغَةٍ لِتِلْكَ الْآيَةِ فِي كُورْنِثُوسَ الْأُولَى وَالْأَصْحَاحِ ١٣. الْمَحَبَّةُ لَا تُسَجِّلُ وَلَا تَحْتَفِظُ بِسِجِلِّ الْأَخْطَاءِ. نَعَمْ، هُنَاكَ بَعْضُ الْبَشَرِ مِمَّنْ يَحْتَفِظُونَ بِسِجِلٍّ مِثْلِ ذَلِكَ. كَمَا تَعْلَمُونَ، يَمْتَلِكُونَ ذَاكِرَةً رَقْمِيَّةً صَغِيرَةَ الْحَجْمِ، فَكُلَّمَا اقْتَرَبَ مِنْهُمْ أَيُّ شَخْصٍ، يَهْتَزُّ عَلَى نَحْوٍ مَا وَيُذَكِّرُهُمْ قَائِلًا: "نَعَمْ، يَحْمِلُ هَذَا سِجِلًّا بِالْأُمُورِ الَتِي اقْتَرَفْتَهَا فِي الْمَاضِي". فَأَيُّوبُ مُسْتَعِدٌّ لِيَغْفِرَ وَيَنْسَى. هَذِهِ لَيْسَتْ لَمْحَةً مِنَ  الْعَاطِفَةِ. بَلْ يَنْطَوِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَلَى أَنْمَاطٍ مِنَ الْغُفْرَانِ وَالنِسْيَانِ، بِأَنْ تَضَعَ الْأَمْرَ خَلْفَكَ كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَمْ يُحْدُثْ يَوْمًا. أَلَيْسَ هَذَا مَا فَعَلَهُ اللَّهُ فِي الإِنْجِيلِ؟ حِينَ غَفَرَ لَنَا خَطَايَانَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَهُوَ لَا يُوَاصِلُ ذِكْرَ الْأَمْرِ. وَلَا يَظَلُّ يُذَكِّرُنَا بِخَطَايَا مَاضِينَا. لَقَدْ تَمَّ نِسْيَانُها. لَقَدْ دُفِعَ ثَمَنُهَا. لَقَدِ امَّحَتْ. رُبَّمَا إِنْ كَانَتْ حَمْراءَ كَالْقُرْمُزِ، تَصِيرُ بَيْضاءَ كَالثَلْجِ. إِذَنْ هُنَاكَ نَمَطُ الْغُفْرَانِ فِي الْعَلَاقَاتِ.

وَأَمَّا عَنِ الْأَمْرِ الثَالِثِ، يَتَمَثَّلُ فِي حَيَاةٍ مُجَدَّدَةٍ. إِنَّهَا فِي الْغَالِبِ انْفِرَاجٌ. انْفِرَاجٌ مُخْتَلِفٌ كُلِّيًا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، عَنْ مَسْرَحِيَّاتِ الْمَلِكِ لِيرْ (King Lear)، أَوْ مَاكْبِثْ (Macbeth)، أَوْ أُوثِيلُو (Othello)، أَوْ هَامَلَتْ (Hamlet)، أَوْ مَسْرَحِيَّاتٍ مِنْ تَأْلِيفِ إِبْسِنْ (Ibsen)، أَوْ تِشِيكُوفْ (Chekov)، أَوْ هِمِنْجْوَايْ (Hemingway)، أَوْ سْتَايْنْبِيكْ  (Steinbeck)، وَلْمُؤَلِّفِينَ بَرِيطَانِيِّينَ مِثْلِ جُولْدِينْجْ (Golding): أَمِيرُ الذُبَابِ (Lord of the Flies)، وَإِتْشْ جِي وِيلْزْ (H.G. Wells)، وَجُورْجْ أُورُوِيلْ (George Orwel)، وَغَيْرِهِمْ. بِوُسْعِنَا سَرْدُ الْمَزِيدِ أَكْثَرَ. جَمِيعُهُمْ نِهَايَتُهُمْ مَأْسَاوِيَّةٌ. مُحْبِطَةٌ لِلْغَايَةِ. كُلَّمَا أَكُونُ فِي طَيَّارَةٍ، فِي رِحْلَاتٍ طَوِيلَةٍ. وَكَمَا تَعْلَمُونَ، أَنَا لَا أَعْمَلُ طَوَالَ الْوَقْتِ. قَدْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْخَادِمَ دَائِمًا مَا يَقْرَأُ فِي كِتَابِهِ الْمُقَدَّسِ وَيُصَلِّي وَيَدْرُسُ، لَكِنْ هُنَاكَ أَوْقَاتٌ يَكُونُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَّا الِاسْتِرَاحَةُ فَحَسْبُ. وَأَنْتُمْ تُشَاهِدُونَ نَوْعًا مَا الْأَفْلَامَ، وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ -أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ وَقْتٌ لَمْ يَكُنْ أَمَامَكُمْ سِوَى فِيلْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانُوا يَعْرِضُونَهُ عَلَى تِلْكَ الشَاشَةِ وَكَانَ عَلَى الْجَمِيعِ مُشَاهَدَةُ هَذَا الْفِيلْمِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اخْتِيَارٌ حِيَالَ ذَلِكَ. لَقَدْ كَانَ هَذَا فِي الْمَاضِي، إِنَّمَا أَنْتُمُ - الْآنَ، بِالطَبْعِ، يُمْكِنُكُمْ الِاخْتِيَارُ ما بَيْنَ مِئَاتِ الْأَفْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَيُمْكِنُكُمْ اسْتِعْرَاضُ مَقْطَعٍ مِنْهُ بِضَغْطَةٍ عَلَى زِرٍّ صَغِيرٍ. نَعَمْ، فَتَضْغَطُونَ عَلَيْهِ، وَتُشَاهِدُونَهُ لِمُدَّةِ ٢٠ ثَانِيَةً، وَتَقُولُونَ لَيْسَ هَذَا الْفِيلْمَ، بَلِ التَالِي. فَأَنَا فَعَلْتُ هَذَا مُؤَخَّرًا. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ فِيلْمٍ أَرَدْتُ أَنْ أُشَاهِدَهُ. كَانَتْ جَمِيعُهَا أَفْلَامًا تُسَبِّبُ الِاكْتِئَابَ. مُحْبِطَةً لِلْغَايَةِ. وَلَكِنْ كَانَ هُنَاكَ فِيلْمٌ يَحْمِلُ نِهَايَةً رَائِعَةً.   

الْآنَ، قِيلَ لَنَا عَنْ هَذَا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، إِنَّهُ، أَيْ أَيُّوبُ، كَانَ فِي ٧٠ مِنْ عُمْرِهِ حِينَ وَقَعَ عَلَيْهِ كُلُّ هَذَا. تَقُولُ الْآيَةُ ١٦ إِنَّهُ عَاشَ ١٤٠ سَنَةً أُخْرَى. وَوُلِدَ لَهُ ١٠ أَبْنَاءٍ، ٧ بَنِينَ وَ٣ بَنَاتٍ، مِثْلَمَا كَانَ لَدَيْهِ قَبْلًا. وَتَأَمَّلُوا أَسْمَاءَ الْبَنَاتِ. يَمِيمَةَ، تَقْرَؤُونَهَا فِي الْآيَةِ ١٤، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَسَمَّى اسْمَ الْأُولَى يَمِيمَةَ، وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. فَاسْمُ يَمِيمَةَ يَعْنِي "يَمَامَةً"، وَاسْمُ قَصِيعَةَ يَعْنِي "قِرْفَةً"، وَاسْمُ قَرْنَ هَفُّوكَ يَعْنِي "حَاوِيَةَ الْكُحْلِ". فَهِيَ أَسْمَاءٌ مُبْهِجَةٌ. نَحْنُ نَسْمَعُ بَعْضَ الْأَسْمَاءِ الْكَئِيبَةِ. أَنَا لَا أَعْلَمُ بِمَ يُفَكِّرُ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ حِينَ يَخْتَارُونَ اسْمًا لِأَبْنَائِهِمْ، وَتَكُونُ أَسْمَاءً تَحْمِلُ نَوْعًا مِنَ التَعَاسَةِ. أَسْمَاءً تُذَكِّرُنَا بِالْقِصَصِ السَيِّئَةِ وَالْقِصَصِ الْمُحْزِنَةِ. لَكِنَّ أَسْمَاءَ بَنَاتِ أَيُّوبَ مُبْهِجَةٌ. مَاذَا تَقُولُ؟ هَلْ تَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ وَثِقْتَ بِالرَبِّ، فَاَللَّهُ سَيَمْنَحُكَ نِهَايَةً سَعِيدَةً؟ فَأَنْتَ فِي تَجْرِبَةٍ، وَأَنْتَ فِي ضِيقَةٍ، لَكِنْ بِمُجَرَّدِ أَنْ تَثِقَ بِهِ، سَتَحْظَى بِنِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ. سَوْفَ يَسْتَرِدُّ لَكَ ثَرَوَاتِكَ. هَلْ هَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَنْتِجَهُ مِنْ ذَلِكَ؟ لَا، بِالطَبْعِ لَا. لَا، إِذْ إِنَّ حَيَاةَ بَعْضِ النَاسِ تَنْتَهِي فِي الظِلِّ وَالظَلَامِ؛ الزِيجَاتُ الَتِي لَا يُمْكِنُ التَوْفِيقُ بَيْنَهَا؛ الْعَلَاقَاتُ مَعَ الْأَبْنَاءِ الَتِي يَبْدُو أَنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى أَسْوَأَ، وَلَا تُسْتَرَدُّ أَبَدًا، عَلَى الرَغْمِ مِنْ كُلِّ الِاشْتِيَاقِ وَالصَلَاةِ وَالتَضَرُّعِ. لِذَا يَنْبَغِي لَنَا أَلَّا نُسِيءَ تَفْسِيرَ هَذَا الْأَصْحَاحِ. فَهُوَ يَقُولُ عَلَى الرَغْمِ مِنْ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ بِإِمْكَانِهِ تَغْيِيرُ حَيَاتِكُمْ مِمَّا هِيَ فِيهِ الْآنَ ١٨٠ دَرَجَةٍ. فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِحْدَاثِ ذَلِكَ. أَنَا لَا أَقُولُ إِنَّ هَذِهِ هِيَ خُطَّةُ اللَّهِ لِكُلٍّ مِنْكُمْ. فَأَنَا لَا أَمْلِكُ أَيَّ سُلْطَانٍ لِقَوْلِ ذَلِكَ. لَكِنْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ لَكُمْ إِنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا مُمْكِنٌ، فِي عِنَايَةِ اللَّهِ الْقَدِيرِ وَقُوَّتِهِ وَسِيَادَتِهِ، يُمْكِنُهُ مَحْوُ هَذَا الظَلَامِ.

هَلْ أَيُّوبُ نَسِيَ التَجْرِبَةَ يومًا؟ لَا. إِذَا كَانَ هَذَا فِيلْمًا، فَسَتَكُونُ هُنَاكَ لُقَطَةٌ، عَلَى مَا أَعْتَقِدُ، لِلْمَقَابِرِ ١٠ فِي الْخَلْفِيَّةِ فِي مَكَانٍ مَا، ثُمَّ صَوْتُ الْأَبْنَاءِ يَضْحَكُونَ وَيَلْعَبُونَ مَعًا. لَا يَزَالُ الْحُزْنُ يُخَيِّمُ. الذَاكِرَةَ مَا زَالَتْ حَيَّةً. لَكِنَّهَا غُمِرَتْ، لِفَتْرَةٍ مِنَ الزَمَنِ، بِالْفَرَحِ. لَقَدْ حَلَّ فَصْلُ الرَبِيعِ مَرَّةً أُخْرَى. رُبَّمَا تَعْتَقِدُونَ أَنَّ فَصْلَ الرَبِيعِ لَنْ يَأْتِيَ أَبَدًا، وَأَنَّ شَمْسَ الصَيْفِ لَنْ تُشْرِقَ مُجَدَّدًا. فَاقْرَؤُوا سِفْرَ أَيُّوبَ وَانْظُرُوا كَيْفَ انْتَهَتْ حَيَاةُ هَذَا الرَجُلِ فِي عِنَايَةِ رَأْفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ الْعَظِيمَةِ. يَا لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ رَائِعَةٍ.

لَكِنْ لَا يَزَالُ أَمَامَنَا الْمَزِيدُ لِنَتَمَعَّنَّ فِيهِ. لَا بُدَّ مِنْ أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الْآنَ. عَلَيْنَا الِانْتِقَالُ إِلَى رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، لِأَنَّ يَعْقُوبَ يَقُولُ لَنَا: "قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ". "نَعَمْ، رُبَّمَا تَقُولُونَ بَعْدَ هَذِهِ الدِرَاسَةِ الْمُمْتَدَّةِ، إِنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَكُنْ إِنْسَانًا صَبُورًا كِفَايَةً". إِذَنْ، مَا الَذِي يَتَكَلَّمُ عَنْهُ يَعْقُوبُ حِينَ قَالَ "قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ"؟ هَذَا مَا سَنَتَمَعَّنُ فِيهِ فِي مُحَاضَرَتِنَا التَالِيَةِ.