المحاضرة 10: بَهِيمُوثُ وَلَوِيَاثَانُ
نَحْنُ الْآنَ فِي الْمُحَاضَرَةِ ١٠ مِنْ دِرَاسَتِنَا لِسِفْرِ أَيُّوبَ، وَسَنَتَنَاوَلُ فِيهَا الْأَصْحَاحَيْنِ ٤٠ وَ٤١. فِي الْأَصْحَاحَيْنِ السَابِقَيْنِ، ٣٨ وَ٣٩، نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَلَّمَ أَخِيرًا. وَدَخَلَ اللَّهُ هُنَا تَمَامًا مِثْلَمَا دَخَلَ فِي الْأَصْحَاحَيْنِ ٣٨ وَ٣٩، فَلِلْمَرَّةِ الثَانِيَةِ، وَفِي الْآيَةِ ٦ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٤٠: "فَأَجَابَ ٱلرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ ٱلْعَاصِفَةِ فَقَالَ". فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ نَحْنُ لَمْ نُبْرِزْ مَا سَأَقُولُهُ الْآنَ. عِنْدَمَا بَدَأَ اللَّهُ حَدِيثَهُ أَخِيرًا، لَقَدْ لَاحَظْتُمْ كَيْفَ دَخَلَ الْمَشْهَدَ لَقَدْ دَخَلَ فِي عَاصِفَةٍ. لَقَدْ كَانَ اللهُ صَامِتًا، وَهَذَا كَانَ جُزْءًا مِنَ الْمُشْكِلَةِ الَتِي كَانَ يُوَاجِهُهَا أَيُّوبُ. اللَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ. اللَّهُ لَمْ يُجِبْ عَنْ أَسْئِلَةِ أَيُّوبَ. فَقَدْ تَظُنُّونَ أَنَّهُ، بِالنِسْبَةِ إِلَى رَجُلٍ فَقَدَ كُلَّ شَيْءٍ، وَيَقِفُ عَلَى عَتَبَةِ الْمَوْتِ، قَدْ تَظُنُّونَ أَنَّ اللَّهَ سَيَأْتِي كَمَا أَتَى إِلَى إِيلِيَّا بِـ “صَوْتٍ مُنْخَفِضٍ خَفِيفٍ". لَكِنْ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، أَتَى فِي عَاصِفَةٍ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا أَعْتَقِدُ، تَوْضِيحُ أَنَّ اللَّهَ مُخْتَلِفٌ عَنِ الطَرِيقَةِ الَتِي قَدْ نَظُنُّهُ عَلَيْهَا.
الْآنَ، فِي هَذَا الظُهُورِ الثَانِي فِي الْأَصْحَاحِ ٤٠، نَتَعَرَّفُ عَلَى شَخْصِيَّتَيْنِ جَدِيدَتَيْنِ، كَائِنَيْنِ جَدِيدَيْنِ. الْأَوَّلُ فِي الْآيَةِ ١٥ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٤٠ "هُوَذَا بَهِيْمُوثُ". سَنَتَكَلَّمُ عَنْهُ بَعْدَ لَحَظَاتٍ. وَالثَانِي نَجِدُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الْأَصْحَاحِ ٤١، نَتَعَرَّفُ عَلَى كَائِنٍ آخَرَ وَهُوَ لَوِيَاثَانُ. بَهِيمُوثُ وَلَوِيَاثَانَ. إِنَّهَا مَعْرَكَةُ كَلِمَاتٍ، مَعْرَكَةُ أَفْكَارٍ، مَعْرَكَةُ مَعْرِفَةٍ، مَعْرَكَةُ حِكْمَةٍ وَمَعْنَى الْحَيَاةِ. إِنَّهَا مَعْرَكَةٌ لِتَفْسِيرِ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ. لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ أَيُّوبَ يَلْزَمُ الصَمْتَ حَقًّا بَعْدَمَا طَرَحَ عَلَيْهِ سِلْسِلَةً مِنَ الْأَسْئِلَةِ، ٦٠ أَوْ ٦٥ سُؤَالًا عَنِ التِبْرِ وَعَنِ الْأَحْجَارِ الْكَرِيمَةِ الَتِي فِي الْأَرْضِ، أَسْئِلَةٍ عَنِ الطُيُورِ وَعَنِ الْأَسْمَاكِ وَعَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالطَقْسِ، أَسْئِلَةٍ عَنِ الْأَفْلَاكِ وَعَنِ الْكَوْنِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. لَكِنَّ أَيُّوبَ لَمْ يُجِبْ عَنْ أَيٍّ مِنْهَا. لَقَدْ الْتَزَمَ أَيُّوبُ الصَمْتَ. لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ كِفَايَةً. لِذَا قَدْ أَتَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى. إِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِطَبِيعَةِ اللَّهِ نَفْسِهِ.
لِذَا دَعُونَا نَنْتَقِلُ إِلَى الآيَةِ ١٥: "هُوَذَا بَهِيمُوثُ ٱلَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ ٱلْعُشْبَ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ. هَا هِيَ قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ".
وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. مَنْ أَوْ مَا هُوَ بَهِيْمُوثُ؟ بَهِيمُوثُ هُوَ أَحَدُ الْحَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَهُنَا أَتَى الِاسْمُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ. وَيَعْنِي حَرْفِيًّا "وَحْشًا" إِنَّمَا فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ، أَيْ إِحْدَى صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ لِمَفْهُومِ "الْوَحْشِ". وَأَثْنَاءَ مَا أَنْتُمْ تُفَكِّرُونَ فِي مَاهِيَّةِ بَهِيمُوثَ، دَعُونَا نَتَقَدَّمُ إِلَى الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الْأَصْحَاحِ ٤١. إِذْ نَجِدُ لَوِيَاثَانَ، وَذَلِكَ وَحْشٌ بَحْرِيٌّ. فِي التَرْجَمَةِ السَبْعِينِيَّةِ، الَتِي هِيَ التَرْجَمَةُ الْيُونَانِيَّةُ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَفِي هَذِهِ التَرْجَمَةِ نَجِدُ أَنَّ كَلِمَةَ لَوِيَاثَانَ مُتَرْجَمَةٌ إِلَى "تِنِّينَ". فَالْآنَ، مَنْ أَوْ مَا هَذَانِ الْوَحْشَانِ؟ "أَتَصْطَادُ لَوِيَاثَانَ بِشِصٍّ، أَوْ تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟ أَتَضَعُ أَسَلَةً فِي خَطْمِهِ، أَمْ تَثْقُبُ فَكَّهُ بِخِزَامَةٍ؟ أَيُكْثِرُ ٱلتَّضَرُّعَاتِ إِلَيْكَ، أَمْ يَتَكَلَّمُ مَعَكَ بِٱللِّينِ؟ هَلْ يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْدًا فَتَتَّخِذَهُ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟"
وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. الْأَوَّلُ وَحْشٌ بَرِّيٌّ، وَالثَانِي وَحْشٌ بَحْرِيٌّ. فَحَالِيًّا، هُنَاكَ مَنْ يَقُولُونَ بَهِيمُوثُ وَلَوِيَاثَانُ حَيَوَانَاتٌ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً وَكَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ وحَتَّى الطُوفَانِ؛ إِنَّهَا وَحُوشُ مَا قَبْلَ التَارِيخِ مِثْلُ دِينَاصُورِ تِي رِكْسْ. فَهَذَا دِينَاصُورٌ بَرِّيٌّ مِنْ نَوْعٍ مَا؛ أَمَّا الْآخَرُ، فَهُوَ وَحْشٌ بَحْرِيٌّ؛ وَحْشٌ عَظِيمٌ رُبَّمَا انْقَرَضَ الْآنَ.
وَهُنَاكَ مَنْ يَعْتَقِدُونَ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، مِنْ مَنْظُورِ الْخَلْقِ وَالطُوفَانِ، وَنَظَرِيَّةِ الْكَوَارِثِ، أَنَّ تَفْسِيرَ سِجِلَّاتِ الْحَفْرِيَّاتِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، يَكْمُنُ فِي طُوفَانٍ عَالَمِيٍّ، وَهَذَا بِدَوْرِهِ يُفَسِّرُ انْقِرَاضَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ، وَغَيْرِهَا. مِنْ ثَمَّ لَوِيَاثَانُ رُبَّمَا هُوَ التِيرَاصُورُ الْمُجَنَّحُ، وَبَهِيمُوثُ رُبَّمَا هُوَ بُرُونْتُوصُورْ. نَعَمْ هُنَاكَ مَنْ يُحَدِّدُ هَذَيْنَ الْوَحْشَيْنِ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ.
ثُمَّ فِي عَصْرِ النَهْضَةِ، أَيِ الْقَرْنِ ١٤ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، ظَهَرَتْ حَرَكَةٌ فِي عَصْرِ النَهْضَةِ حَدَّدَتْ هَذَيْنِ الْمَخْلُوقَيْنِ بِأَنَّهُمَا مَخْلُوقَان يَعِيشانِ إِلَى الْآنِ. فـ"بَهِيمُوثُ" كَلِمَةٌ شَائِعَةٌ فِي الْأَدَبِ الْإِنْجِلِيزِيِّ، فِي أَدَبِ عَصْرِ النَهْضَةِ وَأَدَبِ مَا بَعْدَ عَصْرِ النَهْضَةِ، بِمَعْنَى فِيلٍ. إِذَنْ، فَبَهِيْمُوثُ، هُوَ الْفِيلُ. وَحَدِيثًا، عُرِفَ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانُ فَرَسِ النَهْرِ. إِذْ يُمْكِنُكُمْ قِرَاءَةُ الْوَصْفِ مِنَ الْمَقْطَعِ الْمُمْتَدِّ مِنَ الْآيَةِ ١٥ إِلَى الْآيَةِ ٢٤ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٤٠. هَلْ يَتَطَابَقُ هَذَا الْوَصْفُ كُلِّيًّا مَعَ وَصْفِ أَيٍّ مِنْ الْفِيلِ أَوْ، دَعَوْنَا نُسَايِرُهُ بَعْضَ الشَيْءِ الْآنَ، مَعَ فَرَسِ النَهْرِ؟ فَالْإِجَابَةُ هِيَ لَا، لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ. فَهُنَا النَصُّ شِعْرِيٌّ. فَهُوَ نَصٌّ يَحْمِلُ بَعْضَ الْمُبَالَغَةِ. كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ وَصْفًا كَامِلًا لِحَيَوَانِ فَرَسِ النَهْرِ. وَبِالْمِثْلِ، يَقُولُونَ إِنَّ لَوِيَاثَانَ، مُجَرَّدُ تِمْسَاحٍ. فَهَا أَنْتُمْ أَمَامَ تَفْسِيرٍ يَقُولُ إِنَّ أَحَدَهُمْ مُجَرَّدُ فَرَسِ نَهْرٍ، وَالْآخَرُ مُجَرَّدُ تِمْسَاحٍ. دَعَوْنَا نُسَايِرُ هَذَا الْآنَ.
كَمَا أَنَّ هُنَاكَ تَفْسِيرَاتٍ أُخْرَى مُغَايِرَةً تُحَدِّدُ بَهِيمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ. رُبَّمَا تَحْدِيدًا فِي ضَوْءِ اسْتِخْدَامِ هَذَيْنِ الْحَيَوَانَيْنِ فِي أَدَبِ الشَرْقِ الْأَدْنَى الْقَدِيمِ الَذِي عَاصَرَتْهُ كِتَابَةُ سِفْرِ أَيُّوبَ بِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَخْلُوقَيْنِ مُجَرَّدُ مَخْلُوقَاتٍ شَيْطَانِيَّةٍ. فَالسُؤَالُ قَدْ طُرِحَ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ، وَيَقُولُ: مَا الَذِي رُبَّمَا قَدْ حَدَثَ لِلشَيْطَانِ؟ فَقَدْ ظَهَرَ فِي الْأَصْحَاحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ السِفْرِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مُجَدَّدًا قَطُّ. لَمْ يَظْهَرْ مُنْذُ ذَلِكَ الحِينِ، فَلَرُبَّمَا تُرَجِّحُونَ أَنَّ الْأَلَمَ الْوَاقِعَ عَلَى أَيُّوبَ بِسَبَبِ الشَيْطَانِ. فِي النِهَايَةِ، لَقَدْ قُدِّمَ لَنَا هَذَا التَفْسِيرُ فِي الْبِدَايَةِ، وَهُوَ أَنَّ لِلشَيْطَانِ دَوْرًا يَقُومُ بِهِ. نَعَمْ، إِنَّهُ لَيْسَ التَفْسِيرَ الشَامِلَ الْوَافِيَ، لَكِنَّ لَدَيْهِ دَوْرًا يُؤَدِّيهِ فِي الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ. إِنَّمَا لا ذِكْرَ لِلشَيْطَانِ فِي الْأَصْحَاحَاتِ الْخِتَامِيَّةِ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ، وَهُنَاكَ جِدَالٌ قَائِمٌ وَالْعَدِيدُ مِنَ التَفْسِيرَاتِ الْمُعَاصِرَةِ تَقُولُ إِنَّ أَيُّوبَ عَرَّفَ بَهِيْمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ بِأَنَّهُمَا شَيْطَانَانِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ هُنَا بِأَنَّ الشَيْطَانَ لَهُ دَوْرٌ فِي تَفْسِيرِ السَبَبِ، فِي الْعُمُومِ، بِأَنَّ الْعَالَمَ يَنْطَوِي عَلَى الْمُعَانَاةِ. أَنَا لَسْتُ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ هَذَا هُوَ التَفْسِيرُ الَذِي أَيُّوبُ نَفْسُهُ قَدْ فَهِمَهُ، لَا لِشَيْءٍ سِوَى أَنَّهُ مَكْتُوبٌ هُنَا. إِنَّ الْأَمْرَ يَتَطَلَّبُ بَعْضَ الْبَحْثِ لِلْوُصُولِ إِلَى هَذِهِ النُقْطَةِ، كَمَا أَنَّنِي أَشُكُّ فِي أَنَّ أَيُّوبَ نَفْسَهُ فَهِمَ الْأَمْرِ هَكَذَا. أَمَّا أَنَا فَلَطَالَمَا مِلْتُ إِلَى الرَأْيِ الْقَائِلِ بِأَنَّ بَهِيْمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ رُبَّمَا يَكُونَانِ حَيَوَانَيْ فَرَسِ النَهْرِ وَالتِمْسَاحِ. فَكْلَايْنزْ (Klines)، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، الَذِي كَتَبَ تَفْسِيرًا مُعَاصِرًا ضَخْمًا أَفْرَدَهُ فِي ٣ مُجَلَّدَاتٍ عَنْ سِفْرِ أَيُّوبَ، رُبَّمَا يَكُونُ أَكْبَرَ وَأَضْخَمَ تَفْسِيرٍ لِسِفْرِ أَيُّوبَ كُتِبَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ فِي ١٠٠ عَامٍ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، فَهُوَ الْخَبِيرُ فِيمَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِاللُغَةِ الْعِبْرِيَّةِ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا مَفْتُونًا بِرُؤْيَةِ أَنَّهُ عِنْدَمَا نَشَرَ أَخِيرًا مُجَلَّدَهُ الثَالِثَ وَالْأَخِيرَ، جَاءَ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ وُجْهَةِ النَظَرِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّ بَهِيْمُوثَ هُوَ فَرَسُ النَهْرِ وَلَوِيَاثَانُ هُوَ التِمْسَاحُ.
حَسَنًا، دَعُونَا نُفَكِّرُ فِي هَذَا لِبِضْعِ دَقَائِقَ، فَرَسُ نَهْرٍ وَتِمْسَاحٌ. فَهَا قَدْ أَتَى اللَّهُ إِلَيْكُمْ، أَنْتُمُ الْمُتَأَلِّمِينَ، أَنْتُمْ الَّذِينَ تَمُرُّونَ بِمَأْسَاةٍ مَرِيرَةٍ وَتَمُرُّونَ بِضِيقَةٍ خَانِقَةٍ فِي حَيَاتِكُمْ، وَيَقُولُ لَكُمُ اللَّهُ: "هَلْ تَأَمَّلْتُمْ قَبْلًا حَيَوَانَ فَرَسِ النَهْرِ؟" فَأَنْتُمْ قد تَرْغَبُونَ بِمُجَاوَبَتِهِ بِالْقَوْلِ: "أَحَقًّا؟ فَمَا عَلَاقَةُ حَيَوَانِ فَرَسِ النَهْرِ بِأَيِّ شَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ؟" أَوْ حَتَّى مَا عَلَاقَةُ التِمْسَاحِ؟ أَوْ، بِمَا أَنَّنَا فِي فْلُورِيدَا، تِمْسَاحِ الْقَاطُورِ؟
مُنْذُ عَشَرَاتِ السِنِينَ، كُنْتُ أُلْقِي عِظَةً فِي مَدِينَةِ تَالَاهَاسِي بِوِلَايَةِ فْلُورِيدَا. أَتَذَكَّرُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ جَيِّدًا. فَكُنْتُ أَعِظُ مِنْ هَذَا الْمَقْطَعِ، الْآيَاتِ الْخِتَامِيَّةِ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٣٨. وَقَدْ شَدَّدْتُ عَلَى نُقْطَةٍ، وَأنَا أُشَدِّدُ عَلَيْهَا الْآنَ، وَهِيَ أَنَّ لَوِيَاثَانَ لَرُبَّمَا يَكُونُ تِمْسَاحًا قَاطُورِيًّا. وَقَدْ غَابَ عَنْ فِكْرِي أَيْنَ أَعِظُ، لذا قُلْتُ: "لَا أَهْتَمُّ كَثِيرًا إِذَا اخْتَفَتْ تَمَاسِيحُ الْعَالَمِ غَدًا. وَظَهَرَتْ رُدُودُ أَفْعَالٍ مِنْ شَعْبِ الْكَنِيسَةِ. بَعْضُهَا كَانَ إِيجَابِيًّا لِلْغَايَةِ، وَلِلْبَعْضِ الْآخَرِ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ رَأْيٌ مُعَاكِسٌ، لأَنَّهُمْ مُهْتَمُّونَ بِمُتَابَعَةِ أَخْبَارِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَيُحِبُّونَهَا، لِذَا تَوَجَّبَ عَلَيَّ اسْتِدْرَاكُ مَا قُلْتُهُ فِي لَحْظَتِهَا. لَكِنْ دَعَوْنَا نَطْرَحُ السُؤَالَ التَالِيَ: "لِمَاذَا يَخْلُقُ اللَّهُ فَرَسَ النَهْرِ؟" لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ فَرَسَ النَهْرِ؟ إِنَّهُ أَحَدُ أَخْطَرِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْعَالَمِ. فَقَدْ قَتَلَ فَرَسُ النَهْرِ كَثِيرينَ فِي أَفْرِيقْيَا. هَلْ رَأَيْتُمْ حَيَوَانَ فَرَسِ النَهْرِ قَبْلًا عَنْ قُرْبٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ؟ إِنَّهُ يَبْدُو كَتَشْكِيلَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ جُمِعَتْ مَعًا. إِنَّهُ تَكْوِينٌ غَيْرُ مُتَنَاسِقٍ. تُلاحِظُونَ الْأَرْجُلَ الْمُنْتَفِخَةَ، وَالْأَرْجُلَ الْقَصِيرَةَ هَذِهِ، وَذَلِكَ الذَيْلَ الْقَصِيرَ المُضْحِكَ، وَالرَأْسَ؟ لَكِنْ لِمَاذَا؟ أَوِ التِمْسَاحُ، لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ التَمَاسِيحَ؟ لَقَدْ طَرَحْتُ هَذَا السُؤَالَ ذَاتَ مَرَّةٍ عَلَى صَدِيقٍ لِي. لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ التَمَاسِيحَ؟ فَأَجَابَ: "مِنْ أَجْلِ صُنْعِ حَقَائِبِ الْيَدِ، وَالْأَحْذِيَةِ". أَتَعْلَمُونَ؟ بِصَرَاحَةٍ لَقَدْ تَبَرَّعْتُ بِأَمْوَالٍ، لَيْسَ مَبْلَغًا طَائِلًا، لَكِنِّي تَبَرَّعْتُ بِبِضْعَةِ دُولَارَاتٍ لِإِنْقَاذِ الدُبِّ الْقُطْبِيِّ. كُنْتُ لأَكُونَ فِي غَايَةِ الْأَسَفِ، هَذَا لَيْسَ تَصْرِيحًا سِيَاسِيًّا، لَكِنِّي كُنْتُ سَأَكُونُ فِي غَايَةِ الْأَسَفِ لَوِ اخْتَفَتِ الدِبَبَةُ الْقُطْبِيَّةُ مِنَ الْعَالَمِ. لَكَانَتْ سَتَكُونُ مَأْسَاةً. تَخَيَّلُوا عَالَمًا بِلَا دِبَبَةٍ قُطْبِيَّةٍ. وَبِالنَظَرِ إِلَى مَا يَحْدُثُ لِلْمُنَاخِ، فَمَرَّةً أُخْرَى، هَذَا لَيْسَ بَيَانًا سِيَاسِيًّا، بِالنَظَرِ إِلَى مَا يَحْدُثُ لِلْمُنَاخِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الدِبَبَةَ الْقُطْبِيَّةَ تَمُرُّ بِوَقْتٍ عَصِيبٍ. أَنَا لَا أَهْتَمُّ كَثِيرًا إِذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ تَمَاسِيحُ فِي الْعَالَمِ. فَإِذَا كُنَّا سَنَسْتَيْقِظُ غَدًا وَنَجِدُ بَعْضَ الْمُنَظَّمَاتِ تُحَاوِلُ جَمْعَ الْأَمْوَالِ مِنْ أَجْلِ إِنْقَاذِ حَيَاةِ التَّمَاسِيحِ، فَلَنْ يَحْصُلُوا عَلَى سَنْتٍ مِنِّي. لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ التِمْسَاحَ؟ رُبَّمَا قَدْ شَاهَدْتُمْ أَحَدَ الْأَفْلَامِ عَلَى مَوْقِعِ الْيُوتْيُوبْ عَنْ مَحْمِيَّةِ سِيرِينْغِيتِي أَوْ مَكَانٍ شَبِيهٍ بِهَا، مَحْمِيَّةٍ تَضُمُّ تَمَاسِيحَ فِي مُسْتَنْقَعَاتِهَا، وَعَلَى أَرْضِهَا جَامُوسٌ بَرِّيٌّ يَأْتِي لِيَشْرَبَ مِنْ مِيَاهِ هَذَا الْمُسْتَنْقَعِ الصَغِيرِ الَذِي يَتَقَلَّصُ حَجْمُهُ بِارْتِفَاعِ دَرَجَةِ الْحَرَارَةِ. فَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَحْدُثُ حِينَهَا. إِذْ يَقْفِزُ التِمْسَاحُ مِنَ الْمِيَاهِ مُطْبِقًا فَكَّيْهِ حَوْلَ رَأْسِ الْجَامُوسِ الْبَرِّيِّ، أَوْ ذَلِكَ الْعِجْلِ الصَغِيرِ أَوْ أَيِّ حَيَوَانٍ آخَرَ، ومَا أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَفْلَامَ. كَمَا أَنَّهَا مُسَلِّيَةٌ. وَكُلُّ فَرْدٍ مِنْكُمْ يُشْفِقُ عَلَى الْجَامُوسِ الْبَرِّيِّ. فَلَا أَحَدَ يُشَجِّعُ التِمْسَاحَ عَلَى هُجُومِهِ. سَيَكُونُ هُنَاكَ خَطْبٌ ما فِيكَ إِذَا كُنْتَ تُشَجِّعُ التِمْسَاحَ وَتَفْرَحُ لِهُجُومِهِ. إِذَنْ، لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ التِمْسَاحَ؟
مَاذَا يَحْدُثُ هُنَا؟ لِمَاذَا يَذْكُرُ اللَّهُ بَهِيْمُوثَ وَلُويَاثَانْ؟ مَا عَلَاقَةُ هَذَا بِأَيِّ شَيْءٍ يَحْدُثُ؟ مَا عَلَاقَةُ هَذَا بِالْأَلَمِ؟ كَمَا يَقُولُ دِيرِيكْ كِينْدِرْ (Derek Kinder) فِي تَفْسِيرِهِ لِسِفْرِ أَيُّوبَ: مَا السَبَبُ الَذِي مِنْ أَجْلِهِ قَدْ خَلَقَ اللَّهُ فَرَسَ النَهْرِ؟ وَالْإِجَابَةُ هِيَ أَنَّنِي لَا أَعْرِفُ. أَنَا لَا أَعْرِفُ. لَيْسَتْ لَدَيَّ أَدْنَى فِكْرَةٍ. وَالْأَمْرُ ذَاتُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى الْأَلَمِ. لِمَاذَا يُوقِعُ اللَّهُ الْأَلَمَ؟ أَنَا لَا أَعْرِفُ. أَنَا حَقًّا لَا أَعْلَمُ. لَيْسَتْ لَدَيَّ أَيَّةُ إِجَابَةٍ. لِمَاذَا يَتَأَلَّمُ الْإِنْسَانُ الْبَارُّ؟ وَلِمَاذَا يُولَدُ الْبَعْضُ بِأَمْرَاضٍ مُرَوِّعَةٍ؟ أَطْفَالُنَا مِنْ ذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ، الَذِينَ نُحِبُّهُمْ وَغَالِبًا مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ قَدْ أُرْسِلُوا لِاخْتِبَارِنَا. لِمَاذَا؟ أَنَا لَا أَعْرِفُ. أَنَا حَقًّا لَا أَعْلَمُ. وَالْأَمْرُ ذَاتُهُ يَنْطَبِقُ عَلَى الْأَلَمِ. لَيْسَ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ تَعْلَمَ. إِنَّمَا الْمُهِمُّ أَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ.
الْآنَ، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى السُؤَالِ مَرَّةً أُخْرَى. لِمَاذَا خَلَقَ اللَّهُ التِمْسَاحَ؟ مَاذَا تَكُونُ الْإِجَابَةُ؟ فَالْإِجَابَةُ هِيَ، كَمَا كُلُّ طِفْلٍ حَفِظَ دَلِيلَ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَلَقَ التِمْسَاحَ لِمَجْدِهِ. لِيتمَجَّدَ. لِمَاذَا الْأَلَمُ فِي الْعَالَمِ؟ لِمَجْدِ اللهِ. نَعَمْ، بِوَاسِطَةِ الْأَلَمِ وَمِنْ خِلَالِ الْمُعَانَاةِ، يَتَمَجَّدُ اللَّهُ دَوْمًا. تَأَمَّلْ فَقَطْ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ بَسِيطٍ مِنْهُ. وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ جَانِبًا بَسِيطًا. إِنَّهُ الرَبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لَقَدْ تَمَجَّدَ اللَّهُ بِإِرْسَالِ الرَبِّ يَسُوعَ. إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ألْمٌ، إِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مُعَانَاةٌ، إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ احْتِيَاجٌ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ، فَلِمَاذَا أَتَى الرَبُّ يَسُوعُ مِنَ الْأَسَاسِ؟ وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى، وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ يُعْلِنُ لَنَا شَيْئًا مِنْ جَوْهَرِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَنَا وَرَحْمَتِهِ عَلَيْنَا. نَجِدُ رَابِطًا هُنَا. إِنَّ اللَّهَ يَتَمَجَّدُ حَتَّى مِنْ خِلَالِ الْأَلَمِ. فَقَدْ قَالَ بُطْرُسُ فِي يَوْمِ الْخَمْسِينَ: "أَنْتُمْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَنْتُمْ أَخَذْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. لَكِنْ كَانَ كُلُّ هَذَا بِحَسَبِ مَشُورَةِ اللَّهِ الْمُعَيَّنَةِ وَسَابِقِ مَعْرِفَتِهِ".
يَحْمِلُ هَذَا الْمَقْطَعُ شَيْئًا آخَرَ، الشَيْءُ الَذِي رُبَّمَا قَدْ لَاحَظَهُ الْبَعْضُ، حِيَالَ بَهِيمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ. وَرُبَّمَا قَدْ اسْتَرْسَلَ فِي هَذَا الشَيْءِ بَعْضَ الْوَقْتِ. وَهُوَ أَنَّ بَهِيمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ قَدْ يَكُونَانِ مُجَرَّدَ مَخْلُوقَيْنَ خَيَالِيِّيْنِ غَيْرِ حَقِيقِيَّيْنِ. هُنَاكَ احْتِمَالٌ قَائِمٌ بِأَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ أُسْطُورِيَّانِ. لَقَدْ كَانَتْ كَائِنَاتٍ لَهَا مَغْزًى هَامٌّ جِدًّا فِي الشَرْقِ الْأَدْنَى الْقَدِيمِ. وَرُبَّمَا، أَوْ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّهَا مُجَرَّدُ مَخْلُوقَاتٍ خَيَالِيَّةٍ. فَالْأُمُورُ الْخَيَالِيَّةُ لَهَا تَأْثِيرٌ بَالِغٌ فِينَا. وَيَتَبَادَرُ إلى ذِهْنِ الْمَرْءِ مِنَّا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، مِصْرُ؛ فَفِي الْخَلْفِيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ مَثَلًا هُنَاكَ الْإِلَهُ سِيتِي (Seti)، إِلَهُ الظُلْمَةِ، وَالْإِلَهُ حُورُسُ (Horus)، إِلَهُ النُورِ، وَكَانَ كِلَاهُمَا مَخْلُوقَيْنِ خَيَالِيَّيْنِ. وَفِي الْأَسَاطِيرِ الْكَنْعَانِيَّةِ، يَتَرَصَّدُ إِلَهُ الْمَوْتِ فِي الْمُسْتَنْقَعَاتِ؛ الْحَالَةُ مشابَهِةٌ لِلْغَايَةِ لِلْوَصْفِ الْوَارِدِ عَنْ مَكَانِ وَصْفِ لَوِيَاثَانَ مثَلًا. مَخْلُوقَاتٌ تَتَمَتَّعُ، عَلَى الْأَقَلِّ فِي مُخَيِّلَةِ الْبَشَرِ، تَتَمَتَّعُ بِقُوًى عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَقُوًى عَلَى الضَرْبِ بِالْأَلَمِ. لِذَلِكَ هُنَاكَ مَنْ يُفَسِّرُونَ هَذَا الْمَقْطَعَ قَائِلِينَ إِنَّ مَا يَحْدُثُ هُنَا هُوَ أَنَّ بَهِيمُوثَ وَلَوِيَاثَانَ قَدْ ذُكَرَا لِتُفَكِّرَ فِي أَسْوَأِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى مُخَيِّلَتِكَ، وَتُفَكِّرَ فِي أَسْوَأِ كَابُوسٍ يُرَاوِدُكَ. رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ بَعْضُكُمْ "نَارْنْيَا: رِحْلَةَ سَفِينَةِ دَاوْنْ تِرِيدِرْ"، وَإِدْمُونْدْ وَالْجَزِيرَةُ الْمُظْلِمَةُ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. تَتَذَكَّرُونَ حِينَ تَخَيَّلَ مَخْلُوقَ الْكَرَاكِنِ الْبَحْرِيِّ الْأُسْطُورِيِّ. أَتَذْكُرُونَ هَذَا؟ يَا لَهُ مِنْ مَخْلُوقٍ بَحْرِيٍّ عَظِيمٍ. إِذْ يَتَخَيَّلُ إِدْمُونْدْ هَذَا الْمَخْلُوقَ، فَيَظْهَرُ الْكَرَاكِنُ وَيُهَدِّدُ بِإِغْرَاقِهِمْ والْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ. رُبَّمَا أَنَّ مَا يَحْدُثُ هُنَا هُوَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَيْطِرُ، اللَّهُ هُوَ الْمُتَسَيِّدُ، اللَّهُ هُوَ مِنْ أَكْثَرِ قُوَّةً مِنْ أَعْتَى الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي قَدْ تَتَخَيَّلُوهَا أَبَدًا. مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ. إِنَّ هَذَا لَيْسَ التَفْسِيرَ الَذِي أُرِيدُ أَنْ أَنْتَهِيَ إِلَيْهِ لِهَذَا الْمَقْطَعِ، لَكِنَّ هُنَاكَ الَذِينَ، وَعَدَدُهُمْ لَيْسَ بِالْقَلِيلِ، يُحَبِّذُونَ تَفْسِيرَ هَذَا الْمَقْطَعِ عَلَى ذَلِكَ النَحْوِ.
كَمَا أَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا مَا آخَرَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُلَاحِظَهُ هُنَا. هُنَاكَ حَقِيقَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَتَى إِلَى أَيُّوبَ. أَيُّوبُ الرَجُلُ الَذِي ذاقَ أَكْثَرَ التَجَارِبِ مَرَارَةً. لَقَدْ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ، وَخَسِرَ ثَرْوَتَهُ، وَفَقَدَ صِحَّتَهُ، وَيَأْتِي إِلَيْهِ اللَّهُ لِيَقُولَ: "هَلْ سَبَقَ لَكَ أَنْ تَأَمَّلْتَ بِهَيْمُوثَ؟ هَلْ سَبَقَ لَكَ أَنْ تَأَمَّلْتَ لَوِيَاثَانَ؟ لِمَاذَا هُمَا مَوْجُودَانِ؟" وَالْإِجَابَةُ هِيَ أَنَّنِي لَا أَعْرِفُ. إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ التَالِيَ: إِنَّهُمَا مَوْجُودَانِ لِيُمَجِّدَا اللَّهَ. لَيْسَ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ أَفْهَمَ. الْمُهِمُّ هُوَ أَنَّهُ يَفْهَمُ، أَنَّهُ هُوَ مَنْ يَعْلَمُ، مَقَاصِدَهُ وَخُطَّتَهُ. إِلَى هُنَا يَنْبَغِي لِأَيُّوبَ أَنْ يَتَقَدَّمَ. لَيْسَ كَافِيًا لِأَيُّوبَ أَنْ يَصْمُتَ. لَيْسَ كَافِيًا لِأَيُّوبَ، بِحَسَبِ الْمَقْطَعِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُزْءِ الْخِتَامِيِّ، لَيْسَ كَافِيًا لِأَيُّوبَ أَنْ يَصْمُتَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَيَقُولَ: "لَنْ أُجِيبَ ثَانِيَةً". لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَعْتَرِفَ. لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَعِيشَ إِيمَانَهُ. لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَثِقَ. لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْجُدَ أَمَامَ اللَّهِ صَاحِبِ السِيَادَةِ وَيَتْرُكَ هَذَا الْإِلَهَ يَمْلُكُ وَيَحْكُمُ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، حَتَّى الْمُظْلِمِ مِنْهَا.
"وَنَحْنُ نَعْلَمُ" يَقُولُ بُولُسُ الرَسُولُ فِي الْأَصْحَاحِ ٨ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ:"وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ" أَوْ رُبَّمَا فِي تَرْجَمَةٍ أُخْرَى "وَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ جَمِيعَ الأُمُورِ تَعْمَلُ مَعًا لأَجْلِ الْخَيْرِ لِمُحِبِّيهِ". لَا يَقْتَصِرُ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ مِنْ خِلَالِ قُوَّةٍ مُتَأَصِّلَةٍ دَاخِلَ نَفْسِهَا. هَذِهِ لَيْسَتْ نَظْرَةً سَلِيمَةً عَنِ الْعَدَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ. هَذَا لَيْسَ بِالتَفْسِيرِ الْقَوِيمِ لِوُجُودِ الشَرِّ. مَا عَلَيْنَا فِعْلُهُ هُوَ، مَا عَلَيْنَا قَوْلُهُ هُوَ، مَا عَلَيْنَا الِاعْتِرَافُ بِهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ مَنْ يَأْمُرُ بِكُلِّ الْأَشْيَاءِ. أَمَّا أَصْلُ الْخَطِيَّةِ يَقَعُ خَارِجَ السَبَبِيَّةِ الْمُبَاشِرَةِ الَتِي لِلَّهِ. اللَّهُ لَيْسَ مَصْدَرَ الْخَطِيَّةِ. لَقَدْ سُمَحَ بِدُخُولِ الْخَطِيَّةِ إِلَى الْكَوْنِ. وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ لَا يَمُدُّنَا بِالْكَثِيرِ مِمَّا يُفَسِّرُ هَذَا. فَالْخَطِيَّةُ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْكَوْنِ قَبْلَ آدَمَ وَحَوَّاءَ. وَالشَيْطَانُ كَانَ مَوْجُودًا. لَقَدْ وَقَعَ قَبْلًا تَمَرُّدٌ وَعِصْيَانٌ فِي السَمَاءِ. لَقَدْ تَمَرَّدَ ثُلْثُ الْمَلَائِكَةِ. وَكُلُّ مَا نَعْرِفُهُ هَذَا، يُحِيطُهُ الْغُمُوضُ فِي الْكَثِيرِ مِنَ الْجَوَانِبِ. لَمْ يُقَدِّمْ لَنَا أَيَّ تَفْسِيرٍ لِذَلِكَ. وَلَكِنْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَلَمِكَ أَنْتَ، وَمُعَانَاتِكَ أَنْتَ، وَتَجْرِبَتِكَ أَنْتَ، وَتَأْتِي أَمَامَ اللَّهِ وَتَقُولُ: "لِمَاذَا؟" وَ"لِمَاذَا أَنَا؟ "وَ"لِمَاذَا الْآنَ؟" وَ"لِمَاذَا بِهَذِهِ الْحِدَّةِ؟" رُبَّمَا لَنْ تَتَلَقَّى أَيَّةَ إِجَابَةٍ عَمَّا يَحْدُثُ. فَلَا يَسْتَطِيعُ كُلُّ الْمُشِيرِينَ فِي الْعَالَمِ أَجْمَعَ تَقْدِيمَ تَفْسِيرٍ لِهَذَا، لَكِنَّكَ تَسْتَطِيعُ رَفْعَ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ وَالقَوْلَ: "أَنَا أَعْرِفُ أَنَّكَ تَعْلَمُ. وَأَنَا أَثِقُ بِكَ". كَيْفَ أَثِقُ بِهِ؟ كَيْفَ أَثِقُ بِاَللَّهِ؟ هَلْ هُوَ مَنْ أَرْسَلَ هَذَا الشَرَّ إِلَى الْعَالَمِ؟ هَلْ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْعَالَمِ عَلَى نَحْوٍ يَتَّسِمُ بِغَرَابَةِ الْأَطْوَارِ؟ لَا، هُوَ اللَّهُ الَذِي أَرْسَلَ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ. أَيُّ إِلَهٍ يَكُونُ هَذَا؟ هُوَ اللَّهُ الَذِي أَرْسَلَ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ. هُوَ اللَّهُ الَذِي أَحَبَّنَا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. فَأَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ وَأَحْمِلُ إِنْجِيلَهُ فِي يَدِي، وَأَفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسِيحَ الرَبَّ قَدْ مَاتَ مِنْ أَجْلِي بِسَبَبِ خَطَايَايَ وَقَامَ ثَانِيَةً مِنْ أَجْلِ تَبْرِيرِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي خَطِيَّتِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي حَيَاتِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي شَدَائِدِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي أَلَمِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي حُزْنِي. فَأَنَا أَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ بِهِ فِي أَذِيَّتِي.
هَذِهِ لَيْسَتِ الرِسَالَةَ الْوَحِيدَةَ الَتِي يَحْمِلُهَا سِفْرُ أَيُّوبَ، فَنَحْنُ قَدْ تَلْقَّيْنَا رِسَالَةً أُخْرَى. يَا لَرَوْعَةِ الطَرِيقَةِ الَتِي يُخْتَتَمُ بِهَا هَذَا السِفْرُ فِي الْأَصْحَاحِ ٤٢. يَا لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ سَعِيدَةٍ. وَسَنَتَنَاوَلُهَا مَعًا فِي مُحَاضَرَتِنَا الْقَادِمَةِ.