المحاضرة 6: الذنب والغفران

في محاضرتنا السابقة، تكلّمنا عن تعليم العهد الجديد عن دور الشيطان في حياة المؤمن، ورأينا أن الشيطان هو العقبة الثالثة من بين ثلاث عقبات تعيق النمو المسيحي، ولاحظنا وجود أناس كثر لا يأخذون الشيطان على محمل الجد في هذا اليوم والعصر. أذكر أني حين كنت في كلية الدراسات العليا في هولندا مع أستاذي الأستاذ بركهوير، قام بتعليق، أبدى ملاحظة مرتجلة ذات يوم في موقف في الصف لم يفارق ذهني. طرح أحدهم سؤالًا عن هذا النوع من الأمور عن الشياطين والملائكة وإبليس، إلى آخره، فتوقف قائلًا "أيها السادة، من دون علم شياطين لا يمكن أن يوجد علم لاهوت". وما قصده بذلك ببساطة هو أن المصدر نفسه الذي نستعين به ونستمد منه فهمنا للمسيح، والله الآب، والروح القدس، هو المصدر نفسه الذي يخبرنا عن حقيقة الشيطان.

ذكرتُ في محاضرتنا السابقة أني أعتقد أن إحدى أكبر وظائف الشيطان في حياة المؤمن هي الشكاية. ميّزت بين ذلك والإغراء؛ في حالة الإغراء، أنت تقول "ألا تود القيام بالأمر؟ هذا ما سيسعدك فعلًا، إن ساومت على أخلاقياتك في هذا الصدد" – هذا هو الإغراء. الشكاية هي تعذيب الشيطان لضمير المؤمن. نحن نعيش الآن في مجتمع مهووس فعليًا بالعلاجات النفسية المعتمدة على الجهد الشخصي لإسعادنا. أدخُل إلى أي مكتبة وسترى أن جزءًا كبيرًا منها مكرّس لكيفية تكوين صورة إيجابية عن الذات. أظن أنه من الخطير جدًا أن نصبح مستبطنين ومتمحورين جدًا حول ذواتنا، بحيث أن كل ما نقوم به هو تدليل كبريائنا في الحياة. لكن ما أكتشفه هنا في العالم العلماني، هو أن علم النفس العلماني اكتشف وجود نقطة حساسة تصرخ طلبًا للاهتمام في الإنسانية المعاصرة، وهي متعلقة بما نسميه "صورة الذات". ليس عن طريق الصدفة أن هذه الكتب وهؤلاء المعلمين الذي يركزون على تكوين صورة إيجابية عن الذات ناجحون جدًا، هذا لأننا أناس خالون من الذنب.

وأنا أقول غالبًا لغير المؤمنين "أنت لست مؤمنًا لكن دعني أسألك سؤالًا، ما الذي تفعله بذنبك؟" هذا سؤال معقّد فعلًا. أنا لا أقول له "هل لديك ذنب؟" أنا أفترض أن لديه ذنبًا. لم يأتِ إليَّ أي شخص بعد قائلًا "ليس لدي ذنب". أنا أقول "ماذا تفعل بذنبك؟" لأنهم يعترفون بذلك، وبأنه حتى الأشخاص غير المتدينين لديهم ضمائر مضطربة نسميها الذنب. أعرف أطباء نفسيين قالوا لي إن المشكلة الأولى التي يجدر بهم معالجتها في ممارستهم الطبية، هي مشكلة الذنب التي لم يتم حلّها. ونحن نكتشف أن مشكلة الذنب التي لم يتم حلها ليست أمرًا يؤثر في الإنسان ليوم واحد، أو لأسبوع واحد، أو لسنة واحدة، لكن بإمكانها تشكيل الشخصية وتطويرها وكبتها لمدى الحياة.

إذًا، ما أريد النظر إليه هنا هو الآتي: لماذا، في قلب الرسالة الكتابية، ومن الناحية العملية جدًا، يوجد إعلان غفران؟ لأنه في قلب صراعنا لأجل التقديس، وكما رأينا سابقًا، بينما أحاول أن أكون مطيعًا، وبينما أحاول أن أرضي الله، وبينما أحاول أن أنمو في اختباري المسيحي، أنا مثقل بحمل الشعور بالذنب الذي أدخلتُه إلى حياتي. وكل يوم، أضيف عبئًا إلى هذا الحمل نوعًا ما، لأنه لا يمر يوم واحد من دون أن أخطئ، أليست هذه حالكم؟ طبعًا. إذًا، كل يوم علي معالجة مشكلة الذنب. نحن نعلم من خلال طب النفس وعلم النفس أن الذنب هو إحدى القوى الأكثر تكبيلًا في الروح البشرية. الخوف قادر أن يشل، يقول الناس "أنا مجمد خوفًا"، لكن أيضًا، الذنب قادر أن يصيب الإنسان بالجمود الفعلي. إن كان الشيطان موجودًا، وكان الشيطان قادرًا أن يدمّرك عبر التسبب بفضيحة ناتجة عن خضوعك لتجربته، فهذه واحدة من الطرق الرامية إلى نقض أعمال المسيح. الطريقة الأخرى تقضي ببساطة بشلّ شعب الله للقضاء على تأثيرهم.

والآن أريد أن نلقي نظرة، إذا أمكن، على مثل عن الشكاية الشيطانية، نجده في العهد القديم في السفر المفضل لديكم، في سفر زكريا. الكلّ يقرأ ذلك في تأملاته اليومية، أليس كذلك؟ سفر زكريا، ابتداءً من الفصل الثالث. زكريا الفصل 3: "وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلَاكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ". تخيّلوا الصورة. هذا اختاره الله ودعاه للخدمة، إنه خادم، وهذا الخادم قائم قدّام ملاك. ربما تجدون حتى الآن أن هذه الصورة إيجابية جدًا وملهمة، لكن بجانبه، عند الجانب الآخر من الشخص الواقف بالقرب من الملاك يوجد الملاك الساقط، الملاك الماكر، الملاك الشرير، واقفًا هناك يشتكي عليه. بم كان يتهمه؟ "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟». وَكَانَ يَهُوشَعُ لَابِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلَاكِ". أترون ما يجري هنا؟ مثل الملاك في محضر الله وكانت ملابسه قذرة.

يسألني الناس "هل أتوتر قبل أن أتكلم أمام الجماعة؟" فأجيب "نعم أجل". من اللائق أن نقول إنه لا يوجد سؤال تافه، لكن هذا سؤال تافه. يذكرني ذلك بكلود هارمون في ما قبل الحدث في بطولة "ذي ماستيرز" منذ بضع سنوات، الذي سجل أهدافًا مباشرة بضربة واحدة في لعبة الغولف. قلت إني سأنتهي من إخبار قصص الغولف في وقت مبكر، لكن كان علي ترك واحدة جانبًا – أهدافًا متتالية بضربة واحدة، وبعد ذلك، في مؤتمر صحافي، رفع مراسل صحيفة يده وسأله "سيد هارمون، أهي المرة الأولى في مهنتك التي تسجّل فيها أهدافًا مباشرة متتالية بضربة واحدة؟" هذا سؤال تافه.

لكننا ننظر إلى يهوشع، وملابسه القذرة، وهذا يبين وجود عيب أو غضن ينتقص من نقاوة مركزه ومهمته – هذا ما يراه الشيطان ويركّز عليه. ما هو الأمر الذي يفعله أساسًا؟ إنه يقول للملاك، يقول لله "انظر إلى هذا الرجل، لا يليق به أن يكون خادمًا في محضرك، فملابسه قذرة". كنت أرى أحلامًا مماثلة. قلت إني أتوتر حين أقف أمام الجماعة، أنا أتوتر كثيرًا لدرجة أني أرى أحلامًا بشعة أحيانًا. هذه هي الأمور التي أراها في الحلم، أرى في الحلم أنه يفترض بي أن أتكلم في الكنيسة صباح الأحد، فأصل إلى الكنيسة، ويحين موعد بداية الاجتماع وأكتشف أني بلا حذاء، أو بلا قميص أبيض، أو بلا ربطة عنق. بتعبير آخر، لست أرتدي الملابس الملائمة. هذا يجعل الطبيب النفسي يحرز نجاحًا غير متوقع، أنا متأكد من الأمر. أنا لا أرى أبدًا في الحلم أني نسيت ما كنت سأقوله، وهذا هو الأمر الذي يقلقني قبل أن أنطلق. أعني، أنا أقلق فعلًا بهذا الشأن، "هل سأجد ما أقوله؟ هل سأنسى ذاتي في الوسط؟ ماذا سأقول لهؤلاء القوم؟" إذًا، أنا بوعيي لا أقلق أبدًا بشأن ما إذا كنت سأظهر هناك من دون حذاء، أو من دون ربطة عنق أو قميص أبيض؟" لكن حين أنام، هذه هي الأمور التي أحلم بها، وأجد أنه من المحرج جدًا أن أقف أمام ألفي شخص وملابسي غير لائقة.

نحن واعون جدًا على هذا النوع من الأمور، أليس كذلك؟ لكن تخيّلوا كاهنًا واقفًا في محضر الله، وتذكّروا أن ملابس الكاهن في العهد القديم كانت مرتّبة ومصممة بأمر مفصّل من الله نفسه. قال الله "هذا ما أريد أن يرتديه الكهنة". وقيل لنا في العهد القديم إن ملابس الكاهن كانت مصممة للجمال والمجد، وإن الله كان يتمجد بروعة ملابس الكاهن. وهنا نرى رئيس الكهنة واقفًا في محضر الله وملابسه قذرة، فاغتنم الشيطان الفرصة قائلًا "ما الذي تفعله هنا؟ مكانك ليس هنا. لا مكان للأشخاص القذرين في محضر الله". وفي وسط الشكاية، فتح الله فمه القدوس وتكلّم قائلًا "أيها الشيطان، اُصمُت! أليس هذا شعلة انتشلتها من النار؟"

كم أحب هذا الكلام الذي قاله الله، ألا تحبونه؟ أعني، فكروا في الأمر. هل سبق لكم أن خرجتم للتخييم في الغابة وشويتم حلوى الخطمي؟ جلبتم قضيبًا وغرزتموه في النار، بنيتم موقدة بواسطة الأغصان، وفي النهاية، أردتم الحرص على بعثرتها لئلا تشتعل النار في الغابة، ثم جاء ذلك الدب مع قبعته، ما اسمه؟ سموكي. جاء الدب سموكي وأزعجك، أعطاك ورقة مخالفة؛ أو أنك جلبت ذلك القضيب مع حلوى الخطمي وأردت تنظيفه بعد ذلك. هل حاولت يومًا تحريك بعض تلك القضبان المتفحمة بالنار؟ وعمليًا، إن سحبت قضيبًا من النار قبل أن تلتهمه النار، لكي تحتفظ بهذا القضيب وتحفظه من التلف، حين تسحبه، فقد تتلطخ يدك بالفحم. إن لم تضع قفازًا، وحاولت سحب القضيب أو الشعلة بيد عارية، وإبقاءه خارج النار، فستتوسخ يداك.

بهذه الطريقة، لا يصف الله يهوشع فحسب، أيها الأحباء، لكنه يصفك أنت، ويصفني أنا، شعلة منتشلة من النار. إذًا، عندما يفديك الله، وينقذك، وينتشلك من النار، تتسخ يداه. وعندما ينقذك، فإنك تصبح شعلة منتشلة من النار. هذا يعني أنك مغطى بالطلاء، مغطى بالفحم، أنت قذر جدًا. لا ينتظر الله أن يصبح أحدهم طاهرًا وبلا شوائب لكي يفديه. هذا هو الإنجيل، أليس كذلك؟ بينما نحن لا نزال قذرين، ننال رداء بر المسيح لكي نكون في شركة مع الله. إذًا، كل مؤمن هو شعلة منتشلة من النار. هذا يعني أيها الأحباء أن كل واحد منا يرتدي ملابس قذرة. توجد قذارة في حياتك، وتوجد قذارة في حياتي، ونحن لا نريد أن نجول متباهين بهذه القذارة أمام جميع الناس. في الواقع، نحن نبذل كل ما في وسعنا لإخفائها، أليس كذلك؟ لكن يوجد اثنان يعرفان كل شاردة وواردة في حياتنا، الله والشيطان. والشيطان ثعبان سام مفسد للأمور، هو يحب التسلل إلى حياتك وزعزعة الأمور، ثم يأتي ويمثل أمام الله قائلًا "انظر إلى هذا المعطف الوسخ".

"لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟». وَكَانَ يَهُوشَعُ لَابِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلَاكِ. فَأَجَابَ وَكَلَّمَ الْوَاقِفِينَ قُدَّامَهُ قَائِلًا: «انْزِعُوا عَنْهُ الثِّيَابَ الْقَذِرَةَ». وَقَالَ لَهُ: «انْظُرْ. قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا مُزَخْرَفَةً». فَقُلْتُ: «لِيَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةً طَاهِرَةً». فَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةَ الطَّاهِرَةَ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابًا وَمَلَاكُ الرَّبِّ وَاقِفٌ". أترون ما يجري هنا؟ حين انتشل الله ذلك الرجل من النار، كانت ملابسه لا تزال قذرة. لكن الله لا يتوقف، بل عمل الله على استبدال تلك الملابس القذرة بملابس نظيفة، وهو يعد بأن يفعل الأمر نفسه لكل واحد منكم، بأن يضع عمامة طاهرة على رأسك، وثيابًا جديدة على جسمك، خالية من جميع تلك العيوب. لكن في الوقت نفسه، بينما نعيش حياتنا في محضر الله، علينا أن نصغي إلى ذلك العدو الذي يلفت الانتباه باستمرار إلى خطايانا ليشتكي علينا وينتزع سلامنا وشركتنا.

أنا أعلم أن المؤمنين يتجادلون بشأن ما إذا كان يمكنهم التأكد من فدائهم. ثمة أشخاص يعتبرون أنه لا يمكننا أن نتأكد من أننا مفديون. في الواقع، أذكر حين كنت في كلية اللاهوت، أننا أجرينا استطلاع رأي بين الطلاب في صف التخرج، وخمسون في المئة من الطلاب في صف التخرج لم يقولوا فحسب إنهم لا يظنون أنه يمكن لأحدهم أن يعرف بالتأكيد أنه مفدي، بل اعتبروا أيضًا أن افتراض المرء أنه مفدي هو عمل غطرسة لا توصف. برأيي، لا يمكنك أن تعرف فحسب أنك مفدي، بل من واجبك أن تعرف ذلك لأن الله يأمرنا بالتأكد من وضعنا أمامه. وأنا أؤمن شخصيًا أيها الأحباء بأن إحدى أهم العقائد التي يمكن للمسيحي تعلّمها في بداية مسيرته، هي عقيدة ضمانة الخلاص. يجب أن تعرف ما إذا كنت في حالة نعمة أو العكس، لأنك إن لم تعرف ذلك، فأنت معرّض تمامًا للشلل الناتج عن شكاية العدو.

تذكروا أن يهوشع كان يصغي إلى ذلك الحديث. كان يهوشع واقفًا هناك بملابسه القذرة، وهو يستمع إلى شكاية الشيطان، قال الشيطان "إنه وسخ". برأيكم، ماذا كان ليحدث له لو أنه لم يسمع إلا ذلك الصوت؟ لكن شكرًا لله لأن الله تكلم قائًلا "اُصمت يا شيطان، أَفَلَيْسَ هَذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟" نلاحظ أن أولى ثمار التبرير بحسب بولس هي كالآتي: "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ ودخول إلى محضره". صاحب الضمير المضطرب، الرازح تحت عبء هذه الشكاية، لا ينعم بالسلام. الأشخاص الذين ينعمون بالسلام مع الله، والذين يعرفون مكانتهم، والذين يعلمون أنهم مفديون، يتمتعون بالحرية لتتميم حياتهم المسيحية، ما يجعلهم أصحاب نفوذ في العالم؛ أما الإنسان غير الواثق، والمتعثر، والمعرج بين رأيين، والذي ينجرف وراء كل ريح عقيدة، هذا الإنسان مكبّل في مسيرته الروحية. لذا من المهم جدًا أن تحدّد انتماءك في حياتك، وما إذا كنت مفديًا.

الجانب الماكر جدًا في شكاية الشيطان، هو أن الشيطان يدعى أحيانًا المفتري، ومن هو المفتري؟ المفتري هو شخص يتهمك بأمور أنت بريء منها. حين يتهمني أحدهم بأمر لم أفعله، فهذا افتراء، وهذا الشخص قد ظلمني. الشيطان يفعل ذلك، الشيطان مهتم جدًا بشلّ الناس وإحباطهم، وهو يلفق الأكاذيب عنهم ويشوه سمعتهم من خلال الاتهامات الكاذبة. لكن أيها الأحباء، هو لا يفعل ذلك بهذه الطريقة فحسب، فهو يشتكي علينا أحيانًا حين نكون مذنبين فعلًا. كانت ملابس يهوشع وسخة فعلًا، أليس كذلك؟ والشيطان لم يأتِ قائلًا "ملابسه وسخة" بينما كانت ملابسه نظيفة، لا، بل كان يقول الحقيقة. هنا تكمن الصعوبة الكبيرة في عيش الاختبار المسيحي. لأننا في دراستنا للروح القدس، ذكرنا هذا الأمر، وهو أن إحدى خدمات الروح القدس في حياة المؤمن في إطار التقديس تقضي بتبكيتنا على الخطية. إن ارتكبنا خطية ما ولم نشعر بالذنب حيالها، لا يجب أن يسرنا الأمر، فالأمر أشبه بالإصابة بمرض ما وعدم الشعور بالألم. قد نعتبر الأمر مفيدًا لكنه مدمر جدًا على المدى الطويل. الشعور بالذنب أمر مفيد جدًا إن كنا مذنبين فعلًا. وإن لم نشعر بالذنب، عندئذٍ يأتي الروح القدس ويبكتنا على خطيتنا لكي نرجع عنها.

لكن ما الفرق بين تبكيت الروح القدس وشكاية الشيطان؟ لنفرض أني ارتكبت خطية، وحاولت التملص من الأمر، فجاء الشيطان قائلًا "أنت فعلت الأمر، نحن نعلم أنك فعلته. أي إنسان أنت حتى تفعل أمرًا مماثلًا؟" ثم يأتي الروح القدس ويبكتني على الأمر نفسه، كيف تميّز الفرق بين الاثنين؟ ما هو هدف الروح من التبكيت على الخطية؟ حين يأتي الروح ليبكتك على الخطية، إن اختبرت التبكيت على الخطية فأنت تعرف أنه رغم أنه من المؤلم أن تتم توعيتك على خطيتك، ثمة أمر جميل جدًا يكمن في ذلك. حين يبكتنا الروح القدس على خطيتنا، في الوقت نفسه الذي يقول لنا فيه إننا مذنبون، هو يضمن لنا غفران خطيتنا إن لجأنا إليه، وهو لا يأتي إلينا كمن يحاول تدميرنا، أما شكاية الشيطان فلا تهدف إلى فدائنا بل إلى تدميرنا. يوجد فرق كبير بين الاثنين. أنتم تعرفون الفرق بين الشخص الذي يأتي إليكم قائلًا "أريد أن أقول لك أمرًا بدافع المحبة"، ثم يطعنك بخنجر، عندئذٍ، عليك القول "اُخرج خلفي يا شيطان"، والشخص الذي يبلّغك فعلًا بأنه معك. الروح يبلّغك دائمًا بأنه معك حين يبكتك على خطيتك، وهذا هو الجواب على شكايات الشيطان الواهنة. بتعبير آخر، الشيطان يضربنا في موقع أذنبنا فيه فعلًا، وعلينا الاعتراف بوجود ذنب حقيقي. والعلاج الوحيد للذنب الحقيقي، على حد علمي، هو الغفران الحقيقي. هذا هو تصويري المفضل للأمر.

في إحدى المناسبات، جاءت إليَّ طالبة جامعية غاضبة جدًا، وهي مؤمنة، وقالت لي "يجب أن أكلمك"، فقلت "ما الأمر؟" قالت: أنا مخطوبة وسأتزوج، وقد تورّطنا أنا وخطيبي جنسيًا، وشعرت بعبء الذنب الرهيب، فقصدت القس في الكلية وأطلعته على مشكلتي، فقال لي القس "المشكلة هي أن ضميرك حساس جدًا، وأصبحت ضحية محرمات فكتورية، وأخلاقيات متزمتة في مجتمعك، لكن عليك أن تدركي أن الأمور تغيرت. أنت لا تعيشين حياة الفسق هنا، أنت تورطت جنسيًا مع خطيبك، ونحن في القرن العشرين، هذه هي الأخلاقيات الجنسية في يومنا وعصرنا هذا. عليك أن تدركي أنك لكي تتحرري من هذا الذنب، عليك أن تفهمي أنك لست مذنبة أبدًا". ونظرت الفتاة إلي قائلة "لكن أيها الدكتور سبرول، ما زلت أشعر بالذنب".

عندئذٍ، بدأنا نتكلم عن معضلة الذنب الكبيرة. الفرق بين ما أسميه "موضوعي" و"ذاتي"، إنه الفرق بين الذنب ومشاعر الذنب. يتم تعريف الذنب قانونيًا ولاهوتيًا على أنه انتهاك لشريعة الله. إن تجاوز أحدهم هذا الخط، وانتهك شريعة الله، فهو جلب على نفسه الذنب في نظر عدالة الله. عندما ينتهك هذا الشخص شريعة الله، فقد يشعر بالسوء حيال الأمر، أو قد لا يشعر بشيء، لا علاقة لشعوره بحقيقة الذنب الفعلي أو زيفه، هل ترون ذلك؟ أكرر، الغفران هو أمر يفعله الله. وعندما يفعله، فهذه حقيقة موضوعية، لا تتوقف على مشاعري. هذا ما يفعله الشيطان، هو يركز على مشاعرك لخدمة أهدافه، ويحاول أن يجعل منك مؤمنًا حسيًا، بحيث أنك لا تثق بنيلك الغفران مثلما تثق بمشاعرك في وقت محدد.

لذا أيها الأحباء، الإيمان يأتي بالخبر، والخبر بكلمة الله. عندما نقرأ وعود الله ونقبلها في حياتنا نصبح أحرارًا، ونقدر أن نقرأ مع الرسول بولس "مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟" نحن ندرك أن المسيح هو برنا، ولا يمكننا أن نرضيه إلا عبر الاعتماد اليومي على نعمته، ومعالجة الأمور سريعًا، والاعتراف بخطايانا، لكن من دون أن نتكبل بالذنب الذي نجلبه على أنفسنا على طول الطريق، بل نعترف به ونتطهر منه، ونسعى نحو تتميم الدعوة العليا التي لنا في المسيح.