المحاضرة 2: تَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ
أحد الأسئلة التي أسمعها غالبًا من أشخاص يسعون بجدّ إلى صنع مشيئة الله هو السؤال الآتي: "ما هو أهم أمر يريده الله مني في الحياة المسيحية؟" يشبه ذلك رجل الأعمال الذي يسأل دائمًا "ما هي النقطة الجوهرية؟" فلنتجاوز جميع التفاصيل والاحتمالات التي لا تحصى وآلاف الوصايا، ما الأمر الذي يهمّ الله فعلًا في ما يتعلق بالتركيز الأساسي والهدف الأساسي والغاية الأساسية للحياة المسيحية؟ ما أود فعله في هذه المحاضرة هو التركيز على ما أظن أن الكتاب المقدس يعتبره الجواب على هذا السؤال.
حين أقرأ الكتاب المقدس، يبدو لي أن النقطة الجوهرية أو الهدف الأساسي للحياة المسيحية هو البرّ، وأن ما يريده الله منا أكثر من أي أمر آخر هو البرّ. أنا أشدّد على الأمر لسبب؛ أنا أسمع المؤمنين يتكلّمون دومًا عن التقوى والتعلّق بالقيم الروحية، وحتى عن الأخلاقية، لكنك قلّما تسمع أحدهم يتكلم عن البرّ. في الواقع، لم يحدث أبدًا أن جاء إلي تلميذ في معهد اللاهوت قائلًا "أيها الأستاذ سبرول، كيف يمكنني أن أصبح إنسانًا بارًا؟" ربما هذا يكشف أمورًا متعلّقة بي أكثر مما هي متعلقة بتلاميذي، لدرجة أنهم لا يكلّفون أنفسهم عناء طرح سؤال مماثل علي، معتقدين أنهم يهدرون وقتهم. لكنك تسمعهم يقولون "أريد أن أكون روحيًا أكثر فأكثر، أريد أن أكون أكثر أخلاقية أو تقوى أو غير ذلك"، لكنهم يتجنبون كلمة "بار" نوعًا ما، ربما لأن ما من أحد يريد أن يقع في خطية البر الذاتي. وفي لغتنا اليوم، أصبحت كلمة "بار" تحمّل مسؤولية لقائلها. لكن إن جاء يسوع إلى هذا المكان الليلة وقلنا له "يا رب، ما هي الأولوية الأولى التي يجب أن تكون في كنيستك؟" إن أجاب على هذا السؤال الليلة، مثلما أجاب عليه في حقبة العهد الجديد، فإنه كان ليقول الآتي "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ".
فلنتكلّم قليلًا عن هذا النص الذي سمعتموه جميعًا. حين قال يسوع "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ"، فأصل كلمة "أولًا" هو الكلمة "بروتوس". وفي اللغة اليونانية، كلمة "بروتوس" لا تعني ببساطة "الأول في سلسلة من الأحداث"، أي في عملية متسلسلة حيث تجد أول وثان وثالث ورابع وخامس، إلى آخره. يسوع لا يعني ببساطة الأول من حيث الترتيب الزمني. لكن كلمة "بروتوس" في العهد الجديد تعني ضمنًا ما يأتي أولًا، لا من حيث التسلسل فحسب، بل قبل أي شيء آخر، من حيث الأهمية. ما يعني أنه حين يقول يسوع "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ"، فهو يقول "هذه هي أولى أولويات الحياة المسيحية: طلب ملكوت الله وبره". إذًا، ما يريده المسيح من شعبه ومن تلاميذه هو أن يُظهروا بره.
لطالما قلت إن واحدة من أكثر العبارات رعبًا الصادرة عن شفتي يسوع هي تلك التي قال فيها "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ". سبق لكم جميعًا أن سمعتم هذا المقطع، أليس كذلك؟ وأظن أن ما يحيّرني فيه هو أنه لا يبدو أنه يسبب لنا أي اضطراب. هنا يوجّه يسوع تحذيرًا مروعًا هنا، ويضع شرطًا ضروريًا – ما لم يحدث هذا الأمر، لا يمكن أن يتبعه ذلك الأمر. ما لم يزد بركم، أي ما لم يتجاوز برّ الكتبة والفريسيين، لا يمكن لكم أن تدخلوا ملكوت الله.
توجد طريقتان لتفسير ما يقوله يسوع. يتناول بعض المعلّقين هذه العبارة التي قالها يسوع ويقولون "لا شيء يدعو إلى القلق هنا، لأن ما يتكلم عنه يسوع هنا هو البر المطلوب لتبريرنا". لكي نتبرر، يجب أن يكون برنا كاملًا. وبالطبع، لم يكن برّ الكتبة والفريسيين كاملًا، والسبيل الوحيد للدخول إلى السماء هو البر الكامل. والحمد لله، هذا ما نناله بالإيمان بالمسيح، حيث ننال بر المسيح بموجب أمر من الله، وبالطبع، برّه يزيد على الكتبة والفريسيين. وبما أننا نملك بر المسيح بالإيمان، يمكننا أن نتنفس الصعداء وليس علينا أن نقلق بشأن هذا التحذير الرهيب الذي وجهه يسوع في تلك المناسبة. أظن أنه من المحتمل جدًا أن يكون هذا تحديدًا ما فكر فيه يسوع حين قال "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ". ربما ما كان يقصده هو أن نسب بره إلينا هو الطريقة الوحيدة التي تخوّلنا الوقوف في محضر الله.
لكن تذكرون أنه في فترة الإصلاح، حين كان لوثر يجول معلّمًا عقيدة التبرير بالإيمان وحده، استعمل جملة لاتينية أصبحت مشهورة جدًا منذ ذلك الحين بحيث أنه يمكن لكل مسيحي أن يسمّعها، وهي أن الإنسان المبرّر هو "سيميول يوستوس إيه بيكاتوري". تعرفون جميعًا هذه الجملة، أليس كذلك؟ "في الوقت نفسه، بار وخاطئ" – بارّ بفضل نسب برّ المسيح إليه، لكننا ننال برّ المسيح بينما نحن لا نزال خطاة. لكن لوثر قال إنه في تقديسنا لا يبقى الأمر على حاله، وإن الإنسان الذي يتم إعلانه بارًا بالإيمان، إن كان هذا الإيمان صادقًا وليس مجرّد ادّعاء أو تمثيل بل كان إيمانًا حقيقيًا، عندئذٍ، يبدأ المسيح بالتشكّل فعلًا في حياة هذا الإنسان، ويبدأ هذا الإنسان بإظهار ثمر البرّ.
أما النصف الآخر من المعلّقين، فينظر إلى تحذير يسوع ويقول إن ما قصده يسوع هو إنه ما لم تبدأ حياتنا بإظهار نوع من البرّ يفوق بر الكتبة والفريسيين، فهذا خير دليل على أن الإيمان الذي نعلنه ليس حقيقيًا. إذًا، على الرغم من أننا لا نعلّم التبرير بالأعمال، لا نزال نشدّد كثيرًا على أن العهد الجديد يدعونا إلى إظهار إيماننا بأعمالنا. والتبرير يتم بالإيمان، أما التقديس فهو النمو في البر الحقيقي. إن لم يرعبك كلام يسوع هذا، فدعني أبدأ بإرعابك، لأن ما أود فعله في الوقت المتبقي لدينا في هذه المحاضرة هو التفكير في برّ الكتبة والفريسيين، والتفكير في مستوى البرّ الذي دُعينا إلى تجاوزه إن أردنا أن نرضي الله في حياتنا. من السهل جدًا علينا أن نصرف النظر ببساطة عن كلام يسوع هذا، لأننا نقول إنه من السهل جدًا تجاوز برّ الكتبة والفريسيين. الأمر بسيط جدًا، فهم كانوا محطّ غضب يسوع. كلما فكرنا في الأشرار في العهد الجديد، نفكر في الفريسيين، فهم كانوا الأسوأ على الإطلاق.
لماذا أُطلقت عليهم تسمية "فريسيين"؟ أنتم لا تقرأون عن الفريسيين في العهد القديم، أليس كذلك؟ وسبب عدم قراءتكم عن الفريسيين في العهد القديم هو عدم وجود فريسيين في العهد القديم، فحزب الفريسيين في إسرائيل ظهر بعد السبي والعودة منه. ما حدث هو أن الجيل الجديد من بني إسرائيل بدأ بتبني الممارسات الوثنية لأصحاب مراكز السلطة، ونسوا تقاليدهم، نسوا شريعة موسى ووعود العهد الذي أبرمه الله، فبرزت مجموعة من الأشخاص الأتقياء بشكل خاص في الأمة، وهم كانوا النظراء القدامى للتطهريين المتزمتين، كانوا يتوقون بشدة إلى إصلاح إيمان إسرائيل، وإلى إعادة إحياء التقوى في الأمة. كانوا المحافظين في إسرائيل الذين أرادوا الرجوع إلى الماضي واسترداد الطهارة الأولى لأمة إسرائيل، ففرزوا أنفسهم انطلاقًا من هذه الحماسة الشديدة لطاعة ناموس الله. ونظرًا لتوقهم الشديد إلى البرّ، تمّت تسميتهم "المفروزين"، "الفريسيين".
بتعبير آخر، ما أقوله هو الآتي: الفريسيون هم مجموعة من الأشخاص الذين ظهروا للمرة الأولى في التاريخ كمجموعة من الأشخاص المنهمكين في الحياة بالسعي وراء البر، هم تخصّصوا في السعي وراء البر، لم تكن حماستهم لتحقيق البر أمرًا عاديًا. أشك في أنكم تعرفون شخصًا يتمتع بالعزم نفسه لإيجاد البر كما مجموعة الفريسيين تلك. لكننا نقول لأنفسنا "نعم، ربما هم بدأوا بهذه الطريقة لكن مع انقضاء القرن الأول انحطّوا ووقعوا في نوع من الإلحاد وأصبحوا مجموعة من المرائين، حتى إن يسوع ناداهم بالأفاعي وهدّدهم بالجحيم وما إلى ذلك".
لنرَ إن كان هؤلاء الأشخاص في القرن الأول الذين جلبوا على أنفسهم غضب المسيح قد حققوا أيًا من عناصر البر، على الأقل باعتراف من يسوع. نحن نسمع يسوع يشجب الفريسيين حين قال لهم "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا". هذا اتّهام لاذع جدًا يوجّهه يسوع إلى هؤلاء. لكن بينما كان يقوم بهذا الانتقاد، اعترف بأنهم إنجيليين أو على الأقل مبشرين. هذا لا يعني أنهم كانوا يجولون مبشرين بالإنجيل، لكن كانت لديهم حماسة للخدمة الإرسالية، وحماسة للكرازة والهداية لا نظير لها في العالم القديم. إذًا، بهذا المعنى، فلنقل إن أول أمر نعرفه عن فريسيي العهد الجديد هو أنهم كانوا مبشّرين.
إلى أي مدى كان هؤلاء المتحفظون مهتمّين بالإرساليات والكرازة؟ قال يسوع إنهم كانوا يطوفون البحر والأرض ليكسبوا دخيلًا واحدًا إلى ديانتهم، كانوا يطوفون الأرض والبحر ليكسبوا دخيلًا واحدًا إلى ديانتهم. أنا أمضي تسعة أشهر من كل سنة بعيدًا عن الديار وأنا أجول وأسافر لتقديم المحاضرات والتعليم وما إلى ذلك، وأنا أفعل ذلك لأن هذا عملي وهذه دعوتي، هذه موهبتي. لكني أشك في أننا إن استلمنا طلبًا للوعظ في مكتبنا في أورلاندو جاء فيه "آر سي، أنا مقيم في ولاية واشنطن، ولم تتسنّ لي فرصة سماع الكثير من التعليم عن رسالة رومية في حياتي، هل يا ترى يمكنك المجيء إلى هنا بالطائرة لتمضية بضعة أيام تعلّمني فيها عن رسالة رومية؟" أشك في أن أقبل هذه الدعوة بأن أعبر الولايات المتحدة لأتكلم لشخص واحد. لا أظن أني أوافق على فعل ذلك، لأني لا أتمتع بالحماسة للكرازة التي كان هؤلاء يتمتعون بها لدرجة أنهم كانوا يطوفون البحر والبر ليكلّموا شخصًا واحدًا، وليقنعوا شخصًا واحدًا بطريقة تفكيرهم. إذًا، في هذا الصدد على الأقل ومن حيث الحماسة التبشيرية والكرازية، يجعلني الفريسيون أشعر بالعار، وأظن أنهم يفعلون ذلك بمعظمكم أيضًا.
ماذا يقول لنا أيضًا عن الفريسيين؟ "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالْإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلَا تَتْرُكُوا تِلْكَ". الأمر الثاني الذي نعرفه عن الفريسيين هو أنهم كانوا يقدّمون العشور. ولم يقدّموا العشور فحسب أيها الأحباء، بل كانوا دقيقين في طاعة ناموس الله المتعلق بتقديم العشور. بتعبير آخر، كانوا يقدّمون المال في المكان الذي يأكلون منه. آخر استطلاع رأيته عن هذا الأمر، مأخوذ من "المسيحيين الإنجيليين" في الولايات المتحدة الأميركية، أشار إلى أن أربعة في المئة من المسيحيين الإنجيليين المجاهرين بإيمانهم يقدّمون عشور دخلهم، أربعة في المئة.
تذكرون سفر ملاخي، حيث أُرسل النبي ملاخي من الله إلى بني إسرائيل كمحام وكيل فعلي – كان هذا أحد أدوار النبي في العهد القديم، وهو استدعاء شعب إسرائيل للمثول أمام محكمة الله لتوجيه التهم ضدهم بسبب نقضهم لبنود العهد. وفي هذه الحالة، جاء ملاخي، والتهمة التي وجهها إلى الشعب هي تهمة سلب الله، فقال "أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللَّهَ؟" طرح هذا السؤال، وهو سؤال بلاغيّ مثل "هل من أمر غير وارد أكثر من تجرؤ إنسان على سلب الله القدير؟" وما هو الجواب؟ "بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ". ويكلّم النبي الأمة قائلًا "عبر حجب تقدماتكم وعشوركم، أنتم تسلبون الله". فلنترجم ذلك إلى لغة العهد الجديد: كيف يمكن لأحدهم أن يطلب ملكوت الله أولًا، وأن يسلب ملكوت الله في الوقت نفسه؟ أيمكنكم تصور ذلك؟ أصغى الفريسيون إلى ذلك، وفهموا الفريضة التي يجدر بجميع بني العهد أن يحفظوها أمام الله؛ والفريضة تقضي بدفع عشرة في المئة، بدفع العشور للمخزن في إسرائيل.
وكما ذكرت، كانوا دقيقين جدًا في الأمر لدرجة أنهم لم يدفعوا العشور عمومًا فحسب. والعشور بمعظمها، كانت تُدفَع من المحصول أو الماشية، وكان الأمر يتمّ بهذه الطريقة: إن كنت تربّي الماشية، وفي سنة معينة حصلت على عشرة عجول مولودة حديثًا، فما الذي يجدر بك فعله؟ عليك إرجاع واحد من بين عشرة عجول لله. إن زرعت القمح أو الشعير أو الشوفان، عليك تقديم عشرة في المئة من المحصول لله. وكان عليك تقديم الأفضل أيضًا، واضح؟ ما كان الفريسيون والكتبة يفعلونه هو الآتي: إن كانوا يزرعون الخضروات أو يربّون البقر وحصلوا على 50 برميلًا من القمح، كانوا يأخذون خمسة براميل من القمح. لكن إن وجدوا أن عشر نبتات صغيرة من النعنع نمت عند عتبة الباب، كانوا يأخذون واحدة منها ويقدّمونها للكنيسة. كانوا دقيقين إلى هذه الدرجة. يشبه الأمر ما يلي: إن قمت في آخر الشهر بحساب مدخولك وقدمت عشرة في المئة منه لله، وفيما كنت تسير في الشارع عثرت على قطعة عشر سنتات على الرصيف، ففي هذه الحالة كان الفريسي ليشعر بالذنب إلى أن يقدم سنتًا، ويتأكد من دفع سنت من العشر سنتات حرصًا على تسوية حساباته تمامًا مع الله.
قال يسوع "أنتم دقيقون في تقديم العشور، لكنكم تركتم أثقل الناموس". إنه لخبر سار أن نكتشف أن يسوع لم يعتبر تقديم العشور من أثقل المسائل في الناموس. كانت هذه مسألة بسيطة وأقل شأنًا في الناموس. قال "كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ، يسرني أنكم دفعتم عشوركم، لكنكم َتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ". حين أسمع يسوع يكلّمهم بهذه الطريقة، أستطيع أن أسمع دفاعنا كمسيحيين معاصرين ونحن نقول "يا رب، نعم نحن أهملنا مسألة العشور"، 96% منّا سلبوك، ونحن لم نجعل من بناء ملكوتك أولويّة، بما يجعلنا نأخذ جزءًا من مواردنا لنردّ لك ما أعطيتنا إياه كتعبير حقيقي عن طاعتنا وإيماننا، وما إلى ذلك". أنا أسمع أناسًا يقولون "هذا محصور بالعهد القديم، ليس علينا فعل ذلك الآن". هذا صحيح، كانوا يتملّصون بسهولة في العهد القديم، لكن عهدنا عهد أفضل وأغنى، يتضمن منافع تفوق بكثير تلك التي نالوها في العهد القديم. ويمكنني أن أضيف المزيد من الالتزامات والمسؤوليات. انطلاقة الحياة المسيحية هي العشور، هذا أمر بسيط وثانوي. لكننا نقول "يمكننا أن نقول ليسوع: يا يسوع، نريد أن نرضيك بحياتنا، لذا لن نقلق بشأن المسائل الأقل شأنًا في الناموس، مثل العشور. نحن نقدّم لك الحق والرحمة والإيمان". أتساءل كيف يمكن أن يكون ذلك. أظن أننا ما لم نكن أمناء على القليل، فمن المستبعد جدًا أن نكون أمناء على أثقل مسائل الناموس.
إذًا، حتى عندما وبّخ يسوع الفريسيين، مدحهم على الأقل عبر الاعتراف بأنهم يقدّمون عشورهم على الأقل. إذًا، كانوا يقدمون العشور، ماذا أيضًا؟ كانوا يتجادلون مع يسوع باستمرار بشأن ما جاء في الكتاب المقدس، وقال يسوع "فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً". لكن هؤلاء الأشخاص الذين لقوا الاتهام الأعنف من يسوع خلال خدمة يسوع الأرضية، اعترف يسوع بأنهم تلاميذ جدّيون للكتاب المقدس. أشك في وجود فريسي في إسرائيل كلها لم يؤمن بوحي الكتاب المقدس، وبعصمة الكتاب المقدس من الخطأ، وبخلو الكتاب المقدس من الخطأ. كانت عقيدة الكتاب المقدس لديهم قويمة إلى أقصى حدود. ولم تكن لديهم فكرة جيدة عن الكتاب المقدس فحسب، بل إنهم كانوا يدرسون الكتاب المقدس ويحفظونه، وكانوا ينجحون دائمًا في تحديد مراجع الآيات الكتابية في الكنائس. لكن المشكلة هي أن الأمر لم يجرِ أبدًا في عروقهم، أليس كذلك؟ أترون ما الذي يجعل الأمر مخيفًا جدًا؟ فثمة أشخاص كثر في الكنيسة ممّن لا يأبهون أبدًا للكرازة، ولا يفكّرون في العشور، ولم يفتحوا الكتاب المقدس أبدًا، لم يفوا بالحدّ الأدنى من متطلبات الفريسيين. لكن ماذا لو فعلنا جميع هذه الأمور؟ ماذا لو كرزنا، ودفعنا عشورنا، ودرسنا الكتاب المقدس كله؟ هذا لا يثبت أي شيء.
ثمة أمر واحد بعد متعلق بالفريسيين، ويمكن قول المزيد لكن الوقت لا يسمح، وهو أن أحد الأمور التي انتقدها يسوع لدى الفريسيين هو عرضهم المتباهي للتقوى من خلال صلواتهم المطنبة. كان الفريسيون يكرسون وقتًا طويلًا للتمارين الروحية التدريبية، والصلاة. في الواقع، كانوا يحبون أن يتمّ استدعاؤهم في الاجتماعات العامة للصلاة، لأنهم كانوا فصيحين جدًا، وكان الناس يصفقون لهم. كانوا المعلّمين، والوعاظ، والمصلّين، والكارزين المتدينين المحترفين في أيامهم. لكن المشكلة الوحيدة التي تبرز مرارًا وتكرارًا حين ننظر إلى نموذج الفريسي في العهد الجديد، هي أن ديانة الفريسي كانت خارجية تمامًا. الكلمة التي نسبها يسوع إليهم مرارًا وتكرارًا هي كلمة "هوبوكريتوس"، أي مرائي، ومعناها "الممثل المنتحل شخصية أخرى"، أي الإنسان الذي يُظهر خارجيًا نوعًا من التديّن والتقوى، لكن حياته ببعدها العميق لا تبلغ أبدًا البر الحقيقي.
أكرر، خطر اقتصار الحياة المسيحية على المظاهر الخارجية هو خطر يظهر في كل جيل. أنا لا أقصد أنه يجدر بنا إهمال المظاهر الخارجية، فهو لم يضع أمامنا خيارًا بين أمرين. قال يسوع "كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ". أنا لا أقصد أنه يمكننا القول "يمكننا الاستغناء عن الصلاة، يمكننا الاستغناء عن التدريب الروحي، يمكننا الاستغناء عن قراءة الكتاب المقدس وما شابه، ما دمنا نحرص على الإحسان إلى جارنا، وعلى العمل لأجل إحقاق الحق وما إلى ذلك، ودعك من التقوى". لا، لا، لا، ليس علينا الاختيار بين الحرف والروح، لكن التقوى هي الحرف والروح، إنها تشمل ما هو خارجي وداخلي، الخارج والداخل؛ وليست الداخل من دون الخارج، وليست الخارج من دون الداخل، بل البر الحقيقي يتضمن طاعة وصايا الله.