المحاضرة 9: نظرة البروتستانت للتبرير

فِي الْمُحَاضَرَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْمُقَرَّرِ التَّعْلِيمِيِّ حَوْلَ لُوثَرَ وَالإِصْلاحِ، تَكَلَّمْنا عَنْ عَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ. وَاللَّيْلَةَ، سَنَبْدَأُ بِإِلْقاءِ نَظْرَةٍ عَلَى نَظْرَةِ الإِصْلاحِ لِلتَّبْرِيرِ، مقارَنَةً بنظْرَةِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ بروما. وَبِالطَّبْعِ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ شِعارَ الإِصْلاحِ خِلالَ الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَر، فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِعَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ، كانَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكَلِمَتَيْنِ "الإيمانُ وَحْدَهُ". بِالإِضافَةِ إِلَى تِلْكَ الْعِبارَةِ، أَوْجَدَ الْمُصْلِحُونَ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الـ"وَحْدَه": "الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ وَحْدَهُ"، "النِّعْمَةُ وَحْدَهَا"، "الْمَسِيحُ وَحْدَهُ"، وَ"للهِ وَحْدَهُ الْمَجْدُ". هَذِهِ الْخَمْسَةُ كُلُّهَا تُشِيرُ إِلَى الأَهَمِّيَّةِ الْكُبْرَى لِعَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. لَكِنَّ تِلْكَ الصِّيغَةَ الْبَسِيطَةَ "سُولا فِيدِي" تَعْنِي بِبَسَاطَةٍ "بِالإِيمانِ وَحْدَهُ".

وَكَما رَأَيْنَا فِي دِراسَتِنَا لِلْكَاثُولِيكِيَّةِ بروما، إِنَّ الطَّائِفَةَ الْكَاثُولِيكيَّةَ أَيْضًا تُؤَكِّدُ أَيْضًا بِشِدَّةٍ أَنَّ الإِيمانَ ضَرُورِيٌّ لِلتَّبْرِيرِ. فِي الْوَاقِعِ، رَأَيْنَا أَنَّ هَذَا شَرْطٌ ضَرُورِيُّ لَكِنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا كَافِيًا. لا يُمْكِنُكَ أَنْ تَتَبَرَّرَ بِدُونِ إِيمانٍ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَدَيْكَ إِيمانٌ بِدُونِ تَبْرِيرٍ. إِذًا، مَحَطُّ الْجِدالِ بَيْنَ لُوثَرَ وَبَاقِي الْمُصْلِحِينَ الرَّزِينِينَ مَعَ رُومَا كانَ يَتَمَحْوَرُ حَوْلَ كَلِمَةِ "سُولا"، أَيْ أَنَّ التَّبْرِيرَ يَتِمُّ بِالإِيمانِ وَحْدِهِ.

أَحْيانًا حِينَ تَكُونُ لَدَيْكَ شِعاراتٌ وَعِباراتٌ شائِعَةٌ كَهَذِهِ فَقَدْ تُبَالِغُ فِي تَبْسِيطِ الأُمُورِ إِلَى أَقْصَى حُدُودٍ. لأَنَّ النَّاسَ يَسْأَلُونَنِي "أَلَيْسَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَيْضًا أَنْ نَتُوبَ لِكَيْ نَتَبَرَّرَ؟" وَنَقُولُ "بِالطَّبْعِ". لَكِنْ فِي مَفْهُومِ الإِصْلاحِ لِلإِيمانِ، التَّوْبَةُ، بالرَّغْمِ مِنْ أَنَّنَا نُمَيِّزُها عَنِ الإِيمانِ بِمَعْنًى، إِلَّا أَنَّها تُعْتَبَرُ جُزْءًا لا يَتَجَزَّأُ مِنْ ذَلِكَ الإِيمانِ الَّذِي يُبَرِّرُ. وَعِبَارَةُ "سُولا فِيدِي"، هِيَ بِبَسَاطَةٍ اخْتِزالٌ لِكَوْنِ التَّبْرِيرِ يَتِمُّ بِالْمَسِيحِ وَحْدَهُ، وَلِكَوْنِنَا نَضَعُ إِيمَانَنَا فِي مَا صَنَعَهُ يَسُوعُ لأَجْلِنا. وَعَبْرَ وَضْعِ إِيمانِنَا فِيهِ، نَجِدُ تَبْرِيرَنَا.

إِذًا، يُمْكِنُنَا عَرْضُ الصِّيغَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ مِنَ الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ. النَّظْرَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ هِيَ كَالآتِي: إِيمانٌ زَائِدَ أَعْمالٍ يُساوِي تَبْرِير. مَفْهُومُ الْمُناهَضَةِ لِلنَّامُوسِ الَّذِي يَكْثُرُ حَتَّى فِي الإِنْجِيلِيَّةِ الأَمِيرِكِيَّةِ يُؤْمِنُ بِأَنَّ الإِيمانَ يُسَاوِي تَبْرِيرًا نَاقِصَ أَعْمَالٍ. فِي حِينِ أَنَّ النَّظْرَةَ الإِصْلاحِيَّةَ لِلْمَسْأَلَةِ، وَالَّتِي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا النَّظْرَةُ الْكِتابِيَّةُ طَبْعًا، هِيَ أَنَّ الإِيمانَ يُسَاوِي التَّبْرِيرَ زَائِدَ أَعْمَالٍ. لاحِظُوا أَنَّ الأَعْمالَ تَقَعُ عِنْدَ ذَلِكَ الْجَانِبِ مِنَ الْمُعادَلَةِ وَلَيْسَ عِنْدَ هَذَا الْجَانِبِ مِنَ الْمُعَادَلَةِ، لأَنَّ أَيَّ عَمَلٍ نَقُومُ بِهِ كَمُؤْمِنِينَ لا يُضِيفُ شَيْئًا إِطْلاقًا إِلَى أَسَاسِ تَبْرِيرِنا. لا يُعْلِنُنا اللهُ أَبْرارًا بِفَضْلِ أَيِّ عَمَلٍ نَقُومُ بِهِ، بَلْ بِالإِيمانِ، وَالإيمانِ وَحْدَهُ نَنَالُ عَطِيَّةَ التَّبْرِيرِ.

إِلَيْكُمْ قِرَاءَةً سَرِيعَةً مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ الأَصْحَاحِ 3 وَالآيَةِ 19:

 وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ – هذا اسْتِنْتَاجُ بُولُسَ هُنَا – بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ.

والآنَ بَيْنَما يُفَسِّرُ الرَّسُولُ عَقِيدَةَ التَّبْرِيرِ بِشَكْلٍ وافٍ، فَإِنَّهُ يُظْهِرُ تَنَاقُضَها لِلتَّبْرِيرِ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ حَيْثُ يَقُولُ:

 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ.

إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ، فِي الأَجْزَاءِ الأُولَى مِنْ هَذِهِ الدِّراسَةِ رَأَيْنا مَا يُعْرَفُ بِـ"تَجْرِبَةِ الْبُرْجِ" لَدَى لُوثَرَ، حِينَ كَانَ يُعِدُّ مُحَاضَراتِهِ حَوْلَ رِسالَةِ بُولُسَ إِلَى مُؤْمِنِي رُومِيَةَ، حَيْثُ تَيَقَّظَ إِلَى أَنَّ الْبِرَّ الَّذِي بِهِ تَبَرَّرْنَا (بِرَّ اللهِ) لَيْسَ الْبِرَّ نَفْسَهُ الَّذِي يَتَّسِمُ بِهِ اللهُ بِطَبِيعَتِهِ، بَلْ إِنَّهُ الْبِرُّ الَّذِي يُعْطِيهِ لِلأَبْرارِ الَّذِينَ يَنَالُونَهُ بِالإِيمانِ. فِي قَلْبِ الْجِدالِ فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ يَكْمُنُ السُّؤالُ "عَلَى أَيِّ أَسَاسٍ يُعْلِنُ اللهُ أَحَدَهُمْ بَارًّا فِي نَظَرِهِ؟" نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ بُولُسَ يَطْرَحُ السُّؤالَ "إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ فَمَنْ يَقِفُ؟" مَا يَعْنِي أَنَّهُ إِنْ كانَ عَلَيْنَا الْمُثُولُ أَمَامَ اللهِ عَلَى أَساسِ عَدْلِهِ الْكَامِلِ وَحُكْمِهِ الْكَامِلِ عَلَى أَعْمَالِنَا، فَلَنْ يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ بَيْنَنَا مِنَ الْوُقُوفِ. نَسْقُطُ جَمِيعًا. فَكَما كَرَّرَ بُولُسُ هُنَا "أَعْوَزَنَا جَمِيعًا مَجْدُ اللهِ".

إِذًا السُّؤالُ الْمُلِحُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالتَّبْرِيرِ هُوَ "كَيْفَ يُمْكِنُ لإِنْسانٍ غَيْرِ بَارٍّ أَنْ يَتَبَرَّرَ فِي مَحْضَرِ إِلَهٍ بَارٍّ وَقُدُّوسٍ؟" فِي مُحَاضَرَتِنَا السَّابِقَةِ، حِينَ كُنْتُ أُفَسِّرُ النَّظْرَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ، تَحَدَّثْتُ عَنْ كَوْنِ النَّظْرَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ هِيَ مَا نُسَمِّيهِ "التَّبْرِيرَ التَّحْلِيلِيَّ". وَفَسَّرْتُ لَكُمْ مَعْنَى ذَلِكَ، وَهْوَ أَنَّ الْجُمْلَةَ التَّحْلِيلِيَّةَ هِيَ جُمْلَةٌ صَحِيحَةٌ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهَا، اثْنَانِ زَائِدَ اثْنَيْنِ يُساوِي أَرْبَعَةً، أَوِ الأَعْزَبُ هُوَ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ. لا يُوجَدُ أَيُّ أَمْرٍ فِي الْخَبَرِ غَيْرُ مَوْجُودٍ أَسَاسًا فِي الْمُبْتَدَإِ. لَمْ تَتِمَّ إِضَافَةُ أَوْ زِيادَةُ أَيِّ مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةٍ إِلَى تَحْلِيلِ الْمُبْتَدَإِ بِحَدِّ ذَاتِهِ. وَفِي النَّظْرَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ لِلتَّبْرِيرِ، لا يُعْلِنُ اللهُ الإِنْسَانَ بَارًّا إِلَّا حِينَ يُجْرِي تَحْلِيلًا كَامِلًا وَيَجِدُ أَنَّهُ بَارٌّ، وَأَنَّ الْبِرَّ مُتَأَصِّلٌ فِيهِ. تَذَكَّرْ أَنَّهُ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنالَ ذَلِكَ الْبِرَّ بِدُونِ إِيمانٍ. لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَالَهُ بِدُونِ نِعْمَةٍ. لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَالَهُ بِدُونِ مُسَاعَدَةِ الْمَسِيحِ. لَكِنْ عَلَى ضَوْءِ جَمِيعِ تِلْكَ الْمُقَوِّماتِ، فِي نِهايَةِ الْمَطافِ، لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ الْحَقِيقِيُّ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الإِنْسانِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِنَهُ اللهُ بَارًّا.

عَلَى النَّقِيضِ مِنَ النَّظْرَةِ التَّحْلِيلِيَّةِ لِلتَّبْرِيرِ، وَهْيَ النَّظْرَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ، تُوجَدُ النَّظْرَةُ الإِصْلاحِيَّةُ، الَّتِي تُفِيدُ بِأَنَّ التَّبْرِيرَ تَأْلِيفِيٌّ، تَأْلِيفِيٌّ بَدَلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ تَحْلِيلِيًّا. مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ الْجُمْلَةُ التَّأْلِيفِيَّةُ هِيَ الْجُمْلَةُ الَّتِي تَتِمُّ فِيهَا إِضَافَةُ جَدِيدٍ إِلَى خَبَرٍ لَيْسَ مَوْجُودًا تَحْلِيليًّا فِي الْمُبْتَدَإِ. إِنْ قُلْتُ لَكُمْ الأَعْزَبُ إِنْسَانٌ فَقِيرٌ، فَلَقَدْ أَخْبَرْتُكُمْ أَمْرًا جَدِيدًا فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ لَمْ يَكُنْ كَامِنًا بِبَسَاطَةٍ فِي كَلِمَةِ أَعْزَب. لأَنَّهُ وَعَلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْعَازِبِينَ هُمْ رِجالٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجِينَ، لَيْسَ جَمِيعُ الْعَازِبِينَ رِجَالًا غَيْرَ مُتَزَوِّجِينَ فُقَراءَ. لَدَيْنَا عَازِبُونَ أَثْرِياءُ وَهُمْ غَيْرُ مُتَزَوِّجِينَ. إِذًا، حِينَ نَتَكَلَّمُ عَنِ الْفَقْرِ أَوِ الثَّراءِ فَلَيْسَ الأَمْرُ مُتَأَصِّلًا تِلْقَائِيًّا فِي فِكْرَةِ الْعُزُوبِيَّةِ، نَحْنُ نَقُولُ أَمْرًا جَدِيدًا، هُنَاكَ تَأْلِيفٌ، إِذَا جَازَ التَّعْبِيرُ، إِضَافَةُ أَمْرٍ إِلَى الْمُبْتَدَإِ.

وَمَا نَقْصِدُهُ بِذَلِكَ، حِينَ نَتَكَلَّمُ عَنِ النَّظْرَةِ الإِصْلاحِيَّةِ لِلتَّبْرِيرِ عَلَى أَنَّهَا تَأْلِيفِيَّةٌ، هُوَ أَنَّهُ حِينَ يُعْلِنُ اللهُ أَنَّ أَحَدَهُمْ بَارٌّ فِي نَظَرِهِ فَهْوَ لا يَسْتَنِدُ إِلَى مَا يَجِدُهُ فِي ذَلِكَ الشَّخْصِ بَعْدَ تَحْلِيلِهِ، بَلْ إِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى أَساسِ أَوْ اسْتِنادًا إِلَى أَمْرٍ أُضِيفَ إِلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ. وَذَلِكَ الأَمْرُ الْمُضافُ إِلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ، هُوَ بِرُّ الْمَسِيحِ. فِي هَذَا الصَّدَدِ، أَصَرَّ لُوثَرُ عَلَى أَنَّ الْبِرَّ الَّذِي نَتَبَرَّرُ بِهِ هُوَ بِرٌّ أَسْمَاهُ لُوثَرُ "إِكْسْتْرا نُوسْ"، ما يَعْنِي أَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنَّا أَوْ خَارِجٌ عَنَّا. كَمَا أَنَّهُ أَسْمَاهُ "يُوسْتِتْسْيُوم أَلْيِينُوم"، أَيْ أَنَّهُ بِرٌّ غَرِيبٌ وَلَيْسَ بِرًّا يَنْتَمِي إِلَيْنَا تَمامًا، بَلْ إِنَّهُ بِرٌّ غَرِيبٌ عَنَّا، إِنَّهُ دَخِيلٌ عَلَيْنا، إِنَّهُ يَأْتِي مِنْ خَارِجِ دَائِرَةِ سُلُوكِي.

وَبِالطَّبْعِ، بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ كانَ لُوثَرُ يَتَكَلَّمُ عَنْ بِرِّ الْمَسِيحِ. إِنْ كانَتْ هُناكَ كَلِمَةٌ شَكَّلَتْ مِحْوَرَ عَاصِفَةِ جِدَالِ الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ وَلا تَزَالُ رَئِيسِيَّةً فِي الْجِدَالِ حَتَّى فِي يَوْمِنَا هَذَا، فَهْيَ كَلِمَةُ "حِسْبَان". وَلا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَفْهَمُوا فِعْلًا جَوْهَرَ الإِصْلاحِ بِدُونِ أَنْ تَفْهَمُوا الأَهَمِّيَّةَ الرَّئِيسِيَّةَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. تَمَّتْ إِقَامَةُ شَتَّى أَنْوَاعِ الاجْتِماعاتِ بَعْدَ مَجْلِسِ "فُورْمْز" التَّشْرِيعِيِّ فِي مُحَاوَلَةِ إِصْلاحِ الشِّقاقِ الَّذِي كانَ يَحْدُثُ فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَر، وَتَمَّ بَذْلُ شَتَّى أَنْواعِ الْجُهُودِ حَيْثُ إِنَّ اللَّاهُوتِيِّينَ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الطَّائِفَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ كانُوا يَجْتَمِعُونَ مَعَ لاهُوتِيِّي الإِصْلاحِ الرَّزِينِينَ لِمُحاوَلَةِ حَلِّ الصُّعُوبَاتِ، وَمُحَاوَلَةِ الْحِفاظِ عَلَى وَحْدَةِ الْكَنِيسَةِ. وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَتَخَطُّوهَا، الْكَلِمَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي تَعَثَّرَتِ الطَّائِفَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بِهَا، هِيَ كَلِمَةُ "حِسْبَان".

إِذًا، يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ مَاهِيَّةَ الأَمْرِ كُلِّهِ. حِينَ يُفَسِّرُ بُولُسُ عَقِيدَةَ التَّبْرِيرِ فَأَوَّلُ مَثَلٍ تَوْضِيحِيٍّ يَسْتَخْدِمُهُ هُوَ إِبْراهِيمُ، أَبُو الإِيمانِ، رُجُوعًا إِلَى الأَصْحاحِ 15 مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ حَيْثُ نَقْرَأُ فِي ذَلِكَ النَّصِّ أَنَّ إِبْراهِيمَ "آمَنَ بِاللهِ فَحُسِبُ لَهُ بِرًّا". كَانَ إِبْراهِيمُ لا يَزالُ خَاطِئًا، وَبَاقِي الْقِصَّةِ فِي سَرْدِ حَيَاةِ إِبْراهِيمَ وَأَعْمَالِهِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ كانَ لا يَزالُ خَاطِئًا، لَكِنَّ اللهَ حَسِبَهُ بَارًّا، لأَنَّهُ آمَنَ بِالْوَعْدِ. بِهَذَا الْمَعْنَى، تَعْنِي كَلِمَةُ "يَحْسِبُ" يَنْقُلُ قَانُونِيًّا إِلَى حِسابِ شَخْصٍ آخَرَ، اعْتِبارُ الأَمْرِ مَوْجُودًا هُناكَ. إِذًا، يَتَكَلَّمُ بُولُسُ عَنْ حِسْبَانِ اللهِ إِبْرَاهِيمَ بَارًّا أَوِ اعْتِبارِهِ بَارًّا بالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ إِبْراهِيمَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ بَارًّا.

إِذًا، يُوجَدُ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ انْسِكابِ النِّعْمَةِ الَّذِي تَطَرَّقْنا إِلَيْهِ فِي الْمَرَّةِ الْمَاضِيَةِ، حَيْثُ إِنَّهُ وَفْقَ رُومَا، فِي الأَسْرارِ تَنْسَكِبُ نِعْمَةُ اللهِ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، وَعَلَى أَسَاسِ ذَلِكَ الْبِرِّ الْمُنْسَكِبِ يُصْبِحُ ذَلِكَ الإِنْسانُ بَارًّا ضِمْنِيًّا، وَبِالتَّالِي يَحْسِبُهُ اللهُ بَارًّا. لَكِنْ مَا كانَ يَقُولُهُ لُوثَرُ وَبَاقِي الْمُصْلِحِينَ هُوَ "لا، أَسَاسُ تَبْرِيرِنَا هُوَ حِينَ يَنْقُلُ اللهُ بِرَّ شَخْصٍ آخَرَ إِلَى حِسابِنا. وَبِالطَّبْعِ، مَا يُضافُ إِلَى حِسابِنا، مَا يَتِمُّ وَضْعُهُ فِي حِسَابِنَا، هُوَ بِرُّ الْمَسِيحِ.

رُبَّمَا الصِّيغَةُ الَّتِي اسْتَعْمَلَها لُوثَرُ، وَهْيَ الأَكْثَرُ شُهْرَةً وَالأَكْثَرُ تَعْبِيرًا فِي هَذَا الصَّدَدِ، هِيَ صِيغَتُهُ "سِيمُولْ يُوسْتِسْ إِيتْ بِيكَاتُور". وَإِنْ كَانَتْ أَيُّ صِيغَةٍ تُلَخِّصُ وَتُصَوِّرُ جَوْهَرَ نَظْرَةِ الإِصْلاحِ، فَهْيَ هَذِهِ الصِّيغَةُ الْبَسِيطَةُ "سِيمُولْ"، هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي نَسْتَمِدُّ مِنْهَا الْكَلِمَةَ الإِنْكْلِيزِيَّةَ "سَايْمُولْتِينِيسْلِي"، أَوْ إِنَّهَا تَعْنِي "فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ". "يُوسْتُوس" هِيَ الْكَلِمَةُ اللَّاتِينِيَّةُ الَّتِي تَعْنِي بَارًّا. وَتَعْرِفُونَ جَمِيعًا مَا تَعْنِيهِ كَلِمَةُ "إِيتْ"، "إِيتْ" هِي صِيغَةُ الْمَاضِي لِفِعْلِ "يَأْكُلُ". هَلْ "إِيْت" عَشاءَكَ؟ لا، تَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى. تَذْكُرُونَ فِي مَشْهَدِ مَوْتِ قَيْصَرٍ بَعْدَ أَنْ طَعَنَهُ بْرُوتُوس، قَالَ "إِيتْ تُو بْرُوتِي"، ثُمَّ وَقَعَ قَيْصَرُ، "وَأَنْتَ أَيْضًا يَا بْرُوتُوس". إِنَّهَا تَعْنِي بِبَسَاطَةٍ "و". "بِيكَاتُور" تَعْنِي خَاطِئًا.

إِذًا، بِهَذِهِ الصِّيغَةِ كانَ لُوثَرُ يَقُولُ: بِتَبْرِيرِنَا، نَحْنُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ أَبْرَارٌ وَخُطاةٌ. إِنْ قالَ إِنَّنَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا أَبْرارٌ وَخُطاةٌ، فَهَذا تَناقُضٌ فِي الْمُصْطَلحاتِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَا كانَ يَقُولُهُ، كَانَ يَقُولُ "مِنْ وِجْهَةِ نَظَرٍ مُعَيَّنَةٍ، بِمَعْنًى مَا، نَحْنُ أَبْرارٌ. بِمَعْنَى آخَرَ، مِنْ وِجْهَةِ نَظَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَحْنُ خُطَاةٌ". وَهْوَ يُحَدِّدُ الأَمْرَ بِطَرِيقَةٍ بَسِيطَةٍ: نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا، وَبَعْدَ فَحْصٍ دَقِيقٍ مِنَ اللهِ لا تَزالُ لَدَيْنَا خَطِيَّةٌ، مَا زِلْنَا خُطاةً، لَكِنْ مِنْ خِلالِ الْحِسْبانِ وَالإِيمانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي يَنْتَقِلُ بِرُّهُ الآنَ إِلَى حِسابِنَا، نَحْنُ نُعْتَبَرُ أَبْرارًا. هَذَا هُوَ جَوْهَرُ الإِنْجِيلِ. هَلْ سَأُدانُ لِكَيْ أَدْخُلَ إِلَى السَّمَاءِ وَفْقَ بِرِّي أَنَا أَوْ بِرِّ الْمَسِيحِ؟ إِنْ كانَ عَلَيَّ أَنْ أَثِقَ بِبِرِّي لِكَيْ أَصِلَ إِلَى السَّماءِ، فَإِنِّي أَفْقِدُ تَمامًا أَيَّ احْتِمالٍ بِأَنْ أَنَالَ الْفِداءَ يَوْمًا. لَكِنْ حِينَ نَرَى أَنَّ الْبِرَّ الَّذِي لَنَا بِالإِيمانِ هُوَ بِرُّ الْمَسِيحِ الْكَامِلِ، عِنْدَئِذٍ نَرَى مَدَى عَظَمَةِ خَبَرِ الإِنْجِيلِ السَّارِّ. الْخَبَرُ السَّارُّ هُوَ بِبَسَاطَةٍ كَالآتِي: يُمْكِنُنِي أَنْ أَتَصالَحَ مَعَ اللهِ، يُمْكِنُ أَنْ يُبَرِّرَنِي اللهُ، لَيْسَ عَلَى أَسَاسِ مَا فَعَلْتُهُ بَلْ عَلَى أَساسِ مَا صَنَعَهُ الْمَسِيحُ لأَجْلِي.

إِنَّهُ لأَمْرٌ غَرِيبٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ أَنَّ رُومَا أَبْدَتْ رَدَّ فِعْلٍ سَلْبِيًّا جِدًّا تُجاهَ فِكْرَةِ الْحِسْبَانِ، لأَنَّ فِي عَقِيدَةِ الْكَفَّارَةِ لَدَيْهَا هِيَ تُؤْمِنُ حَتْمًا بِأَنَّ خَطايانا حُسِبَتْ عَلَى يَسُوعَ عَلَى الصَّلِيبِ، وَإِلَّا فَلا قِيمَةَ لِمَوْتِ يَسُوعَ الْكَفَّارِيِّ عَنَّا. إِذًا، فِكْرَةُ أَوْ مَبْدَأُ الْكَفَّارَةِ مَوْجُودٌ. وَهْوَ لَيْسَ مَوْجُودًا فَحَسْبُ، لَكِنْ حِينَ تَتَكَلَّمُ عَنِ الْحُصُولِ عَلَى صُكُوكِ الْغُفْرَانِ عَبْرَ انْتِقالِ الاسْتِحْقاقِ مِنْ كَنْزِ الْكَنِيسَةِ، فَكَيْفَ تَنالُ ذَلِكَ الاسْتِحْقاقَ إِلَّا مِنْ خِلالِ الْحِسْبَانِ؟ لَكِنْ فِي جَوْهَرِ الإِنْجيلِ يُوجَدُ حِسْبانٌ مُزْدَوِجٌ، خَطِيَّتِي مَحْسُوبَةٌ عَلَى يَسُوعَ، بِرُّهُ مَحْسُوبٌ عَلَيَّ. وَفِي هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُزْدَوِجَةِ نَرَى أَنَّ اللهَ الَّذِي لا يُفَاوِضُ عَلَى الْخَطِيَّةِ، وَالَّذِي لا يُسَاوِمُ عَلَى اسْتِقامَتِهِ لأَجْلِ خَلاصِنَا وَإِنَّما يُعاقِبُ الْخَطِيَّةَ بِالْكَامِلِ وَفِعْلِيًّا، وَبَعْدَ أَنْ يَتِمَّ حِسْبَانُها عَلَى يَسُوعَ، يُبْقِي عَلَى بِرِّهِ. إِذًا، إِنَّهُ فيِ الْوَقْتِ نَفْسِهِ الْبَارُّ وَالْمُبَرِّرُ، كَمَا يَقُولُ لَنَا الرَّسُولُ هُنَا. إِذًا، تَنْتَقِلُ خَطِيَّتِي إِلَى يَسُوعَ، بِرُّهُ يَنْتَقِلُ إِلَيَّ فِي نَظَرِ اللهِ. هَذَا أَمْرٌ مُذْهِلٌ.

وَكَما قُلْتُ، هَذَا يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ لأَجْلِهِ، هَذَا يَسْتَحِقُّ انْقِسامَ الْكَنِيسَةِ لأَجْلِهِ، هَذِهِ هِيَ الْمَادَّةُ الَّتِي عَلَى أَساسِها تَقُومُ الْكَنِيسَةُ أَوْ تَسْقُطُ، لأَنَّهَا الْمَادَّةُ الَّتِي عَلَى أَساسِهَا أَقُومُ أَنَا أَوْ أَسْقُطُ، وَالْمَادَّةُ الَّتِي عَلَى أَساسِهَا تَقُومُ أَنْتَ أَوْ تَسْقُطُ. سَنُتابِعُ دِرَاسَتَنا لِلأَمْرِ فِي مُحاضَرَتِنا الْمُقْبِلَةِ، وَسَنُلْقِي نَظْرَةً وَجِيزَةً أَقَلَّهُ عَلَى رَدِّ الْفِعْلِ الْكَاثُولِيكِيِّ إِزاءَ نَظْرَةِ الإِصْلاحِ لِلتَّبْرِيرِ، لَكِنَّنَا سَنُبْقِي ذَلِكَ لاجْتِماعِنا الْمُقْبِلِ.