المحاضرة 3: بَابُ الْخِرَافِ
مَرَّةً أُخْرَى، سَنَتَكَلَّمُ عَمَّا يُعْرَفُ بِأَقْوَالِ يَسُوعَ عَنْ ذَاتِهِ "أَنَا هُوَ" تِلْكَ الإِعْلاناتُ الَتِي قَامَ بِهَا أَثْنَاءَ خِدْمَتِهِ الأَرْضِيَّةِ، وَهِيَ مُهِمَّةٌ جِدًّا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِوَعْيِهِ الذَاتِي، وَبِتَعْرِيفِهِ لِشَخْصِهِ وَعَمَلِهِ. سَبَقَ أَنْ رَأَيْنَا أَنَّهُ حِينَ يَسْتَعْمِلُ يَسُوعُ صِيغَةَ "أَنَا هُوَ"، فَهُوَ يَسْتَعْمِلُ صِيغَةً كَلامِيَّةً تَتَعادَلُ مَعَ لُغَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ لِلْكَلامِ عَنِ اللهِ. إِذًا، سَبَقَ أَنْ تَكَلَّمْنا عَنْ إِعْلانَيْنِ يَبْدَآنِ بِعِبَارَةِ "أَنَا هُوَ"، وَالْيَوْمَ، سَنَتَطَرَّقُ إِلَى الإِعْلانِ الَذِي قَامَ بِهِ يَسُوعُ فِي يُوحَنَّا الأَصْحَاحِ 10 "أَنَا هُوَ الْبَابُ".
قَبْلَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، يَجِبُ أَنْ أَقُولَ إِنَّهُ فِي الْمَقْطَعِ نَفْسِهِ يُعْطِي يَسُوعُ إِعْلانًا مُهِمًّا آخَرَ عَنْ ذَاتِهِ "أَنَا هوَ"، حَيْثُ يَدْعُو نَفْسَهُ "الرَاعِي الصَالِحَ". إِذًا، فِي السِيَاقِ نَفْسِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، يَدْعُو الْمَسِيحُ نَفْسَهُ الْبَابَ وَالرَاعِي الصَالِحَ. يَجِبُ التَمْيِيزُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ لأَنَّهُمَا لا تَعْنِيَانِ تَحْدِيدًا الأَمْرَ نَفْسَهُ، لَكِنْ عَلَى الرُغْمِ مِنْ أَنَّنَا نُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا، يَجِبُ أَلَّا نَفْصِلَ بَيْنَهُما أَبدًا لأَنَّ أَحَدَهُمَا مُرْتَبِطٌ بِالآخَرِ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا. إِذًا، أَوَّلُ أَمْرٍ يُعْلِنُهُ يَسُوعُ مِنْ بَيْنِ الإِعْلانَيْنِ هُوَ الآتِي "أَنَا هُوَ الْبَابُ".
فَلْنُلْقِ نَظْرَةً عَلَى سِيَاقِ ذَلِكَ فِي يُوحَنَّا الأَصْحَاحِ 10 ابْتِداءً مِنَ الآيَةِ 1، حَيْثُ قَالَ يَسُوعُ:
اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الَّذِي لَا يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَر،َ فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ. لِهَذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا. وَمَتَى أَخْرَجَ خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَأَمَّا الْغَرِيبُ فلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ. هَذَا الْمَثَلُ قَالَهُ لَهُمْ يَسُوعُ، وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا بَابُ الْخِرَاف. جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلَكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ. أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى. اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.
إذًا، هُنَا فِي بِدَايَةِ الْحَدِيثِ عَنِ الرَاعِي الصَالِحِ، يُشَبِّهُ يَسُوعُ نَفْسَهُ بِبَابِ حَظِيرَةِ الْخِرَافِ.
وَالآنَ، فَلْنُخَصِّصْ بَعْضَ الْوَقْتِ لِلنَظَرِ إِلَى الْخَلْفِيَّةِ التَارِيخِيَّةِ وَالثَقَافِيَّةِ لِلصُورَةِ الَتِي يَرْسُمُهَا يَسُوعُ لِسَامِعِيهِ فِي هَذَا الإِطَارِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الدَعْوَةَ لِلرِعَايَةِ كَانَتْ مُهِمَّةً جِدًّا فِي الْمُجْتَمَعِ الْيَهُودِيِّ الْقَدِيمِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْعَهْدَ الْقَدِيمَ مَلِيءٌ بِإِشَارَاتٍ إِلَى مَسْأَلَةِ الرِعَايَةِ، حَيْثُ نَشْهَدُ بُرُوزَ دَاوُدَ عَلَى أَنَّهُ الْمَلِكُ الرَاعِي لإِسْرَائِيلَ، وَجَمِيعُنَا يَعْرِفُ جَيِّدًا الْمَزْمُورَ 23 الَذِي يُشَبِّهُ الرَبَّ بِرَاعِي شَعْبِهِ. وَمَرَّةً أُخْرَى، نَرَى هَذَا التَشْبِيهَ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ.
لَكِنْ فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، كَانَتِ الْخِرَافُ تَبْقَى خَارِجًا خِلالَ النَهارِ لِتَرْعَى، وَكَانَ الرَاعِي يَقُودُها بِالْقُرْبِ مِنَ الْمِيَاهِ الْهَادِئَةِ وَإِلَى مَرَاعٍ خَضْرَاءَ حَيْثُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَغَذَّى عَبْرَ الأَكْلِ فِي الْمَرَاعِي. وَإِنْ رَأَيْتُمْ يَوْمًا قُطْعَانًا مِنَ الْخِرَافِ، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا تَتَحَرَّكُ بِشَكْلٍ فَوْضَوِيٍّ، مِنْ دُونِ وُجُودِ أَيِّ نِظَامٍ أَوْ سَبَبٍ لِنَشَاطِهَا، وَمِنْ دُونِ راعٍ، هِيَ تَهِيمُ أَحْيَانًا بِطَرِيقَةٍ تَجْعَلُنَا نَظُنُّ أَنَّهَا مُغَفَّلَةٌ وَأَنَّهَا سَتُؤْذِي نَفْسَهَا. إِذًا، فِي الشَرْقِ الأَدْنَى الْقَدِيمِ، كَانَ لَدَى الْخِرَافِ دَائِمًا راعٍ يُرَافِقُهَا خِلالَ النَهَارِ، لَكِنْ فِي اللَيْلِ، كَانَ يَتِمُّ إِخْرَاجُ الْخِرافِ مِنَ الْمَرَاعِي، وَجَمْعُهَا فِي مَكَانٍ مَحْمِيٍّ يُعْرَفُ بِالْحَظِيرَةِ.
وَكَانَتْ تُوجَدُ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْحَظَائِرِ. كَانَ الْبَعْضُ مِنْهَا مَصْنُوعًا مِنَ الْخَشَبِ وَمُحَاطًا بِسِيَاجٍ خَشَبِيٍّ يَحْمِيهَا مِنَ الدَاخِلِ. لَكِنْ فِي غَالِبِ الأَحْيَانِ، كَانَتِ الْحَظِيرَةُ مَبْنِيَّةً مِنَ الْحِجَارَةِ. وَبِالتَالِي، كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ حِصْنٍ مَنِيعٍ، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ، يَأْوِي الْخِرَافَ وَيَحْمِيهَا مِنَ اللُصُوصِ أَوْ مِنَ الْحَيَواناتِ الْمُفْتَرِسَةِ الَتِي كَانَتْ تَأْتِي وَتُؤْذِيهَا. وَالْجُدْرَانُ الْمُحِيطَةُ بِالْحَظِيرَةِ لَمْ تَكُنْ تَعْلُوهَا أَسْلاكٌ شَائِكَةٌ، لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تُوجَدُ أَسْلاكٌ شَائِكَةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، بَلْ كَانَ يَتِمُّ تَعْلِيقُ أَشْوَاكٍ حَادَّةٍ وَمُسَنَّنَةٍ عَلَى رَأْسِ الْجِدَارِ لِمَنْعِ الدَخِيلِ مِنْ مُحَاوَلَةِ تَسَلُّقِ الْجِدَارِ وَالدُخُولِ مِنْ فَوْقِهِ. وَلِهَذَا السَبَبِ، قَالَ يَسُوعُ وَحْدَهُمُ الَذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُهْلِكُوا وَيَسْرِقُوا وَيَذْبَحُوا يَتَسَلَّقُونَ الْجِدَارَ.
لَكِنَّ الْبَابَ هُوَ الْمَدْخَلُ الصَحِيحُ لِلْخِرافِ، وَأَيْضًا بِالطَبْعِ، وَالأَهَمُّ، لِلرَاعِي. وَضِمْنَ الْحَظِيرَةِ كَانَ يُوجَدُ شَخْصٌ مَسْؤُولٌ عَنِ الْحِرَاسَةِ يُعْرَفُ بِالْبَوَّابِ، وَكَانَ يَحْرُسُ الْبَابَ. هُوَ لَمْ يَكُنِ الرَاعِي، لَقَدْ كَانَ حَارِسَ الْبَابِ. وَغَالِبًا مَا كَانَتِ الْحَظَائِرُ كَبِيرَةً كِفَايَةً لِتَتَّسِعَ لِقُطْعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْخِرَافِ. وَكَانَ رُعَاةٌ مُخْتَلِفُونَ يَدْخُلُونَ مَعَ خِرَافِهِمْ، وَلَمْ تَكُنِ الْخِرَافُ تَتُوهُ وَتَخْتَلِطُ مَعَ خِرَافِ قُطْعَانٍ أُخْرَى، لأَنَّ الْخِرَافَ كَانَتْ تَعْرِفُ رَاعِيهَا وَكانَ الرَاعِي يَعْرِفُ خِرَافَهُ. سَنَتَكَلَّمُ أَكْثَرَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ لاحِقًا. لَكِنْ مُجَدَّدًا، تَذَكَّرُوا أَنَّ الْمَدْخَلَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى الْحَظِيرَةِ، أَيِ الْمَكَانِ الآمِنِ، وَمَكَانِ الْحِمَايَةِ هُوَ الْبَابُ. إِذًا، الصُورَةُ الأُولَى الَتِي يَسْتَعْمِلُهَا يَسُوعُ هُنَا فِي هَذَا السِيَاقِ تَجَلَّتْ بِقَوْلِهِ "أَنَا هُوَ الْبَابُ". وَمُجَدَّدًا، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الرَاعِي لَمْ يَكُنِ الْبَابَ، لَكِنَّهُ قَالَ "وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ". إِذًا، نَحْنُ نُلاحِظُ فَرْقًا هُنَا بَيْنَ الرَاعِي وَالْبَابِ. "لِهَذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا".
يُحْكَى عَنْ رُعَاةٍ، لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبِلادِ فَحَسْبُ بَلْ فِي بُلْدَانٍ أُخْرَى، يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُمَيِّزُوا خِرَافَهُمْ مِنْ خِلالِ الْعَلاماتِ وَالصِّفَاتِ الْفَارِقَةِ، وَكَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ هَؤُلاءِ الرُعَاةِ يُطْلِقُ، وَلا يَزَالُ يُطْلِقُ حَتَّى الْيَوْمِ، أَسْمَاءً خَاصَّةً عَلَى الْخِرَافِ، مِثْلَمَا نَفْعَلُ مَعَ حَيَوانَاتِنَا الأَلِيفَةِ الْمَنْزِلِيَّةِ، مَعَ قِطَطِنا وَكِلابِنَا وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَأَيْضًا، إِنْ أَمْضَى الرَاعِي وَقْتًا مَعَ الْخِرَافِ وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَعْرِفَ الْخِرَافَ وَهِيَ عَرَفَتْهُ بِدَوْرِهَا، فَأَحْيَانًا يَقِفُ الرَاعِي دَاخِلَ الْحَظِيرَةِ وَيُنَادِي الْخِرَافَ فَتَأْتِي مُسْرِعَةً، لأَنَّ الْخِرَافَ الَتِي يُفْتَرَضُ بِهَا أَنْ تَكُونَ حَيَواناتٍ مُغَفَّلَةً، كَانَتْ تُمَيِّزُ صَوْتَ رَاعِيهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَكُونَ حَيْثُ يَكُونُ. إِذًا، عِنْدَما يُنَادِيهَا الرَاعِي بِاسْمِهَا، كَانَتْ تَأْتِي مُسْرِعَةً إِلَى الْحَظِيرَةِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، الْمَدْخَلُ الْوَحِيدُ إِلَى الْحَظِيرَةِ هُوَ الْبَابُ. "لِهَذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَدْعُو خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ بِأَسْمَاءٍ وَيُخْرِجُهَا. وَمَتَى أَخْرَجَ خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ" أَيْ عِنْدَمَا يُغَادِرُ الْحَظِيرَةَ يَذْهَبُ أَمَامَهَا، وَيَقُودُ الْخِرَافَ عَبْرَ الْبَابِ لِتَرْعَى مُجَدَّدًا، وَمَرَّةً أُخْرَى، كَانَتِ الْخِرَافُ تَتْبَعُهُ. إِذًا، يُوجَدُ تَشْدِيدٌ هُنَا، حَتَّى قَبْلَ مَثَلِ الرَاعِي الصَالِحِ، عَلَى سُلُوكِ الْخِرَافِ مَعَ الرَاعِي.
وَالآنَ، لاحِظُوا السِيَاقَ الْمُبَاشِرَ لِهَذَا الْمَثَلِ الَذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ. أَعْنِي، فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، عِنْدَمَا نَقْرَأُ الْعَهْدَ الْجَدِيدَ وَنَخْتَارُ حَادِثَةً تَبْدَأُ فِي أَصْحَاحٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّنَا نَكَادُ نَظُنُّ أَنَّهَا حَادِثَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَنْ تِلْكَ الَتِي سَبَقَتْهَا. لَكِنَّ الأَصْحَاحَ 10 يَأْتِي تَمَامًا عَقِبَ الأَصْحَاحِ 9، وَفِي النَصِّ الأَصْلِيِّ لِلإِنْجِيلِ، لَمْ يَتِمَّ تَقْسِيمُ الأَصْحَاحَاتِ أَوِ الآيَاتِ. إِذًا، يَجِبُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا وَرَدَ مُبَاشَرَةً قَبْلَ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ لِنَرَى مَا حَثَّ يَسُوعَ عَلَى إِعْطَاءِ هَذَا الْمَثَلِ التَوْضِيحِيِّ. وَإِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ، عِنْدَمَا تَكَلَّمْنَا عَنْ ذَلِكَ الإِعْلانِ "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ"، أَحَدُ الأُطُرِ الَتِي قَامَ فِيهَا يَسُوعُ بِهَذَا الإِعْلانِ، كَانَ يَتَعَلَّقُ بِشِفَائِهِ الرَجُلَ الأَعْمَى مُنْذُ الْوِلادَةِ. الَذِي، وَبِلَمْسَةٍ مِنْ يَسُوعَ، اسْتَطَاعَ أَنْ يُبْصِرَ النُورَ لِلْمَرَّةِ الأُولَى فِي حَيَاتِهِ. وَلَمْ يَكْتَفِ يَسُوعُ بِالْقَوْلِ "أَنَا هُوَ مَنْ وَهَبَ النُورَ لِذَلِكَ الرَجُلِ"، بَلْ قَالَ "أَنَا نُورُ الْعَالَمِ كُلِّهِ". وَتَذْكُرُونَ عِنْدَمَا قَرَأْنَا ذَلِكَ فِي الأَصْحَاحِ 9، أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَدُوقِيِّينَ غَضِبُوا مِنْ يَسُوعَ بِسَبَبِ الإِعْلاناتِ الَتِي قَامَ بِهَا، كَمَا غَضِبُوا مِنَ الرَجُلِ. وَقَامُوا فِعْلِيًّا بِطَرْدِ هَذَا الرَجُلِ الْمِسْكِينِ الَذِي وُلِدَ أَعْمَى وَشَفَاهُ الْمَسِيحُ بِمُعْجِزَةٍ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَفْرَحَ الْفَرِّيسِيُّونَ غَضِبُوا.
إذًا، مُبَاشَرَةً بَعْدَ أَنْ وَاجَهَ يَسُوعُ الْقَادَةَ، انْتَقَلَ إِلَى الْكَلامِ عَنْ كَوْنِهِ بَابَ الْحَظِيرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ مَهَّدَ لِلْقَوْلِ إِنَّهُ الرَاعِي الصَالِحُ، لأَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ الَذِين كَانُوا مَدْعُوِّينَ لِرِعَايَةِ شَعْبِ اللهِ كَانُوا أَشْبَهَ بِاللُصُوصِ وَالسَارِقِينَ، وَلَمْ يَهْتَمُّوا فِعْلًا بِخَيْرِ خِرَافِهِمْ. هَذَا رَجُلٌ وُلِدَ أَعْمَى، خَاضِعٌ لِرِعَايَتِهِمِ الرُوحِيَّةِ. لَقَدْ كَانَ عَضْوًا فِي قَطِيعِهِمْ، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ. وَعِنْدَمَا شُفِيَ ذَلِكَ الْخَرُوفُ الْمِسْكِينُ الْمَجْرُوحُ مُنْذُ وِلادَتِهِ، أُصِيبُوا بِالْغَيْرَةِ وَالْغَضَبِ مِنَ الرَجُلِ وَمِنْ يَسُوعَ. وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ لَهُمْ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الرُعَاةِ أَنْتُمْ؟ أَهَكَذَا تَهْتَمُّونَ بِخِرَافِكُمْ؟ أَنْتُمْ أَكْثَرُ قَلَقًا عَلَى مَكَانَتِكُمْ، وَأَكْثَرُ قَلَقًا عَلَى سُمْعَتِكُمْ، مِمَّا عَلَى خَيْرِ هَذَا الرَجُلِ الَذِي شَفَيْتُهُ لِلتَوْ. إِذًا، هَذَا هُوَ السِيَاقُ الَذِي تَكَلَّمَ فِيهِ يَسُوعُ عَنِ الْبَابِ.
مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ يَسُوعُ عَنِ الْحَظِيرَةِ وَعَنْ بَابِ الْحَظِيرَةِ، اسْتَشْهَدَ بِذَلِكَ الْوَضْعِ الْوَاقِعِيِّ وَالأَرْضِيِّ الْمُنْتَشِرِ، الَذِي كَانَ الْجَمِيعُ يَعْرِفُونَهُ، لِيَلْفِتَ النَظَرَ إِلَى حَقِيقَةٍ أَسْمَى. تَذَكَّرُوا أَنَّهُ فِي صَمِيمِ أَمْثَالِ يَسُوعَ وَصُوَرِهِ التَوْضِيحِيَّةِ، تَكَلَّمَ أَيْضًا عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ. وَمَا قَالَهُ يَسُوعُ هُوَ أَنَّ لَدَى اللهِ حَظِيرَتَهُ الْخَاصَّةَ، لَدَى اللهِ مَلاذًا، لَدَى اللهِ مَكَانًا آمِنًا، لَدَى اللهِ مَكَانًا لِلسَلامِ الأَبَدِيِّ وَالْحِمَايَةِ. حَيْثُ يَكُونُ اللهُ الْحِصْنَ الْمَنِيعَ لِشَعْبِهِ، وَذَلِكَ الْحِصْنُ، كَالْحَظِيرَةِ، لَهُ بَابٌ. إِذًا، تَكَلَّمَ يَسُوعُ عَنِ السَمَاءِ وَعَنِ الْمَلَكُوتِ وَعَنْ حُضُورِ اللهِ، وَاسْتَعْمَلَ عِبَارَةً رَفَضَهَا الْفَرِّيسِيُّونَ.
لَكِنْ يَجِبُ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ أَحِبَّائِي، إِنَّهُ رُبَّما لا يُوجَدُ زَمَنٌ وَلا ثَقَافَةٌ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ ضَايَقَهَا هَذَا النَوْعُ مِنَ التَعْلِيمِ الَذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ أَكْثَرَ مِنَ الثَقَافَةِ الَتِي نَعِيشُ فِيهَا الْيَوْمَ. إِذَا كَانَ يَسُوعُ قَدْ أَدْلَى بِبَيانٍ غَيْرِ صَحيحٍ مِنْ النَّاحِيَةِ السّياسيَّةِ، فَقَدْ كَانَ هَذَا. لأَنَّ مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ عَنْ نَفْسِهِ هُوَ أَنَّ الْمَلَكُوتَ حَصْرِيٌّ وَغَيْرُ شَامِلٍ، وَلَيْسَ لِلْحَظِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَابًا مُخْتَلِفًا، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ طَرِيقَةً لِلدُخُولِ إِلَيْهَا. يُوجَدُ بَابٌ وَاحِدٌ فَقَطْ. كَمَا يَقُولُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ مِرَارًا، يُوجَدُ وَسِيطٌ وَاحِدٌ فَقَطْ بَيْنَ اللهِ وَالنَاسِ. لَدَى قَطِيعِ اللهِ راعٍ وَاحِدٌ، وَبَابٌ وَاحِدٌ، وَلا يُمْكِنُ الدُخُولُ عَبْرَ ذَلِكَ الْبَابِ، إِلَّا مِنْ خِلالِ ذَاكَ الَذِي هُوَ الْبَابُ.
لِذَا أَقُولُ إِنَّهُ عِنْدَمَا يَقُولُ الْمَسِيحِيُّونَ إِنَّهُ يُوجَدُ طَرِيقٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ الأَمْرَ مُسِيءٌ جِدًّا إِلَى ثَقَافَةِ الشُمُولِيَّةِ وَالتَعَدُّدِيَّةِ الَتِي نَعِيشُ فِيهَا. يَلْقَى الْمَسِيحِيُّونَ عُبُوسًا عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ. لَكِنْ أُكَرِّرُ، يَسُوعُ هُوَ مَنْ قَالَ هَذَا الْكَلامَ، وَالرُسلُ أَيْضًا. قَالَ بُطْرُسُ "لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ". فِي سِيَاقٍ آخَرَ سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ لاحِقًا تَكَلَّمَ يَسُوعُ عَنْ نَفْسِهِ قَائِلًا: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي". إِذًا، مَرَّةً أُخْرَى، إِنْ حَدَثَ يَوْمًا لِكَلامِ يَسُوعَ أَنْ أَثَارَ جَدَلًا بَيْنَ مُعاصِرِيه، فَهُوَ هَذَا الْكَلامُ الَذِي قَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ.
فَلْنَنْظُرْ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى حِينَ قَالَ: "وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ. لِهَذَا يَفْتَحُ الْبَوَّابُ، وَالْخِرَافُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ" إلى آخره. وَفِي الآيَةِ 7 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا بَابُ الْخِرَافِ. جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ". إِلَى مَنْ يُشِيرُ؟ لا أَظُنُّ أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنْبِيَاءِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. هُوَ لا يَدْعُو مُوسَى سَارِقًا وَلِصًّا. وَلا يَدْعُو إِشَعْيَاءَ سَارِقًا وَلِصًّا، لَكِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْمُسَحَاءِ الْكَذَبَةِ، هَؤُلاءِ الَذِينَ ادَّعَوْا أَنَّهُمُ الطَرِيقُ الْمُؤَدِّي إِلَى اللهِ. مَرَّةً أُخْرَى، إِنْ أَرَدْتَ التَفَاعُلَ مَعَ نُصُوصِ الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَمِنْ ثَمَّ التَفَاعُلَ مَعَ الثَقَافَةِ التَعَدُّدِيَّةِ الَتِي تَعِيشُ فِيهَا، الَتِي تُخْبِرُكَ مُنْذُ الطُفُولَةِ بِأَنَّهُ تُوجَدُ طُرُقٌ عَدِيدَةٌ تَقُودُ إِلَى اللهِ، أَيًّا كَانَ إِيمَانُكَ، سَوَاءَ كُنْتَ بُوذِيًّا أَوْ هِنْدُوسِيًّا أَوْ كُونْفُوشِيُوسِيًّا أَوْ طَاوِيًّا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، جَمِيعُ هَذِهِ الطُرُقِ الْمُخْتَلِفَةِ تَقُودُ إِلَى اللهِ. فَلَدَى اللهِ الْعَدِيدُ مِنَ الأَبْنَاءِ أَوِ الآلِهَةِ الْمُتَجَسِّدَةِ فِي الْفَلْسَفَةِ، الْعَدِيدُ مِنَ الإِظْهارَاتِ وَالتَجَسُّدَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. وَيَجِبُ أَنْ نَتَبَنَّى هَذَا الْمَفْهُومَ الشَامِلَ. هَذَا مُتَعَارِضٌ مَعَ مَا يُعَلِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الْخَلاصِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسِيحَ يُدْعَى "مُونُوجِينِيزْ" أَيِ ابْنَ اللهِ الْوَحِيدَ.
سَبَقَ أَنْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا حَدَثَ لِي عِنْدَمَا كُنْتُ تِلْمِيذًا فِي الْكُلِّيَّةِ، وَأُسْتَاذَةُ اللُغَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ، الَتِي كَانَتْ مُعَادِيَةً جِدًّا وَعَلَنًا لِلْمَسِيحِيَّةِ، سَأَلَتْنِي أَمَامَ الفَصْلِ كُلِّهِ: "سَيِّد سْبْرُول، أَتَظُنُّ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الطَرِيقُ الْوَحِيدُ الْمُؤَدِّي إِلَى اللهِ؟" وَشَعَرْتُ بِأَنَّ الْكُلَّ فِي الفَصْلِ يُحَدِّقُ بِي، وَعَلِمْتُ أَنِّي وَاقِعٌ فِي وَرْطَةٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا، لأَنِّي إِنْ قُلْتُ "نَعَمْ"، عِنْدَئِذٍ أُصْبِحُ مُتَعَصِّبًا. وَإِنْ قُلْتُ "لا"، فَإِنِّي أُصْبِحُ خَائِنًا. فَأَعْطَيْتُ جَوَابًا غَيْرَ وَاضِحٍ. فَقَالَتْ: "مَاذَا قُلْتَ؟" فَقُلْتُ: "نَعَمْ، أَنَا أُؤْمِنُ بِأَنَّهُ الطَرِيقُ الْوَحِيدُ". فَوَبَّخَتْنِي قَائِلَةً: "هَذَا هُوَ الْكَلامُ الأَكْثَرُ تَعَجْرُفًا وَمَحْدُودِيَّةً وَتَعَصُّبًا الَذِي سَمِعْتُهُ يَوْمًا". فَأَذَلَّتْنِي أَمَامَ الفَصْلِ.
وَبَيْنَمَا كُنْتُ أُغَادِرُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْيَوْمِ الِدرَاسِيِّ، تَوَقَّفْتُ عِنْدَ الْبَابِ وَقُلْتُ لَهَا: "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكِ لا تُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِيَّةِ، لَكِنْ أَتَظُنِّينَ أَنَّهُ يُمْكِنُ لأَحَدِهِمْ بِأَنْ يَقْتَنِعَ فِعْلًا بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ عَلَى الأَقَلِّ وَاحِدًا مِنَ الطُرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى اللهِ؟" فَأَجَابَتْ: "نَعَمْ، بِالطَبْعِ". فَقُلْتُ: "إِنْ كُنْتِ مُقْتَنِعَةً بِأَنَّ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الطُرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى اللهِ، ثُمَّ اكْتَشَفْتِ أَنَّهُ يَقُولُ لَكِ إِنَّهُ الطَرِيقُ الْوَحِيدُ الْمُؤَدِّي إِلَى اللهِ، فَمَا الَذِي تَفْعَلِينَهُ؟" قُلْتُ: "إِنْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ الطَرِيقُ الْوَحِيدُ الْمُؤَدِّي إِلَى اللهِ لأَنَّهُ طَرِيقِي أَنَا، وَقُلْتُ إِنَّهُ عَلَيْكِ أَنْ تُؤْمِنِي بِطَرِيقِي دُونَ سِوَاهُ، وَإِنَّ أرْ. سِي. سبرول وَحْدَهُ يَعْرِفُ الْحَقَّ، فَبِالطَبْعِ، يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ الأَكْثَرُ عَجْرَفَةً وَمَحْدُودِيَّةً وَتَعَصُّبًا الَذِي سَمِعْتِهِ يَوْمًا. لَكِنْ إِنْ كُنْتُ مُقْتَنِعًا فِعْلًا بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ، وَبِأَنَّهُ يُعَلِّمُ أَنَّهُ الطَرِيقُ الْوَحِيدُ، أَفَلا تَظُنِّينَ أَنِّي أَخُونُهُ إِنْ قُلْتُ بِهَدَفِ إِرْضَائِكِ أَوْ إِرْضَاءِ الْمُجْتَمَعِ إِنَّهُ تُوجَدُ طُرُقٌ عِدَّةٌ؟" قَالَتْ: "نَعَمْ، أَظُنُّ ذَلِكَ". وَقَالَتْ: "لَكِنْ يَجِبُ أَنْ أَسْأَلَكَ، كَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِإِلَهٍ يُعْطِي طَرِيقًا وَاحِدًا فَقَطْ؟" فَقُلْتُ: "هَذَا هُوَ الأَمْرُ الَذِي يُذْهِلُنِي". فَقَالَتْ: "مَاذَا؟" فَقُلْتُ: "أَنَّهُ أَوْجَدَ طَرِيقًا. لِمَاذَا أَعْطَى طَرِيقًا وَاحِدًا؟ وَمَا فَعَلَهُ، الْعَمَلُ الَذِي قَامَ بِهِ لِيَفْدِيَ عَالَمًا سَاقِطًا مِنْ خِلالِ خِدْمَةِ المَسيحِ، الَذِي لا يَلِيقُ مُقَارَنَةُ حَيَاتِهِ وَشَخْصِهِ بِبُوذَا أَوْ مَحَمَّدٍ أَوْ كُونْفُوشْيُوسَ أَوْ غَيْرِهِمْ. لَقَدْ مَاتُوا جَمِيعًا. وَلَمْ يَقُمْ أَيٌّ مِنْهُمْ بِعَمَلٍ تَكْفِيرِيٍّ. وَلَمْ يَحْمِلْ أَيٌّ مِنْهُمْ خَطَايَا الْعَالَمِ عَلَى كَاهِلِهِ أَمَامَ عَرْشِ دِينُونَةِ اللَّهِ". وَقُلْتُ: "إِنْ أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِيَحْمَلَ كُلَّ خَطِيَّةٍ ارْتَكَبْتِها، وَقَدَّمَهُ لِلْمَوْتِ بَدَلًا مِنْكِ. ثُمَّ قَالَ إِنَّكِ إِنْ وَثِقْتِ بِهِ فَهُوَ يَغْفِرُ كُلَّ خَطِيَّةٍ ارْتَكَبْتِها وَيُعْطِيكِ حَيَاةً أَبَدِيَّةً فَلا تَمُوتِينَ أَبَدًا، بَلْ تَحْيينَ إِلَى الأَبَدِ مِنْ دُونِ أَلَمٍ وَلا مَرَضٍ وَلا ظُلْمَةٍ وَلا مَشَاكِلَ"، وَقُلْتُ: "وَهَلْ سَتَنْظُرِينَ إِلَيْهِ قَائِلَةً: عَمَلُكَ لَيْسَ كَافِيًا؟"
نَحْنُ مُتَعَجْرِفُونَ جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّنَا نَطْلُبُ أَنْ يُعْطِيَنَا اللهُ خَمْسَةَ أَبْوَابٍ تُؤدِّي إِلَى الْحَظِيرَةِ. وَنَرْفُضُ تَعْلِيمَ يَسُوعَ حِينَ يَقُولُ: "نَعَمْ، يُوجَدُ طَرِيقٌ وَاسِعٌ. إِنْ لَمْ تُرِيدُوا الطَرِيقَ الضَيِّقَ، يُوجَدُ طَرِيقٌ وَاسِعٌ. "وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي (إِلَى الْحَظِيرَةِ)؟" لا، "الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ. وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ". لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ "مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!" إذًا، يَقُولُ يَسُوعُ إِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ الدُخُولَ، إِنْ أَرَدْتَ الذَهَابَ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الآمِنِ، يَجِبُ أَنْ تَدْخُلَ مِنْ خِلالِي. وَقَالَ لاحِقًا "إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ، وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ". يَدْخُلُ إِلَى الْمَكَانِ الآمِنِ، وَيَخْرُجُ إِلَى الْمَرَاعِي الْخَضْرَاءِ. لا يَأْتِي السَارِقُ إِلَّا إِذَا حَاوَلَ تَسَلُّقَ الْجُدْرَانِ. هُوَ يَأْتِي لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ (كَبَابٍ) لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ. إِذًا، عِنْدَمَا يَقُولُ يَسُوعُ إِنَّهُ بَابُ الْحَظِيرَةِ، فَهُوَ يَقُولُ أَيْضًا إِنَّهُ بَابُ الْحَيَاةِ بِحَدِّ ذَاتِهَا، "زُوِي"، الْحَيَاةِ السَامِيَةِ الَتي جَاءَ لِيُعْطِيَهَا. وَهُوَ قَالَ: "لِهَذَا السَبَبِ أَنَا هُنَا، لأُعْطِيَ حَيَاةً، حَيَاةً فَيَّاضَةً، الْحَيَاةَ الَتِي لا تُوجَدُ إِلَّا عِنْدَ النَاحِيَةِ الأُخْرَى مِنَ الْبَابِ. وَإِنْ أَرَدْتَ الْبَقَاءَ خَارِجَ ذَلِكَ الْبَابِ، أَوْ أَنْ تُحَاوِلَ إِيجَادَ طَرِيقٍ آخَرَ لِلدُخُولِ مِنْ دُونِ الْمُرُورِ عَبْرَ ذَلِكَ الْبَابِ، فَسَتَفُوتُكَ تِلْكَ الْحَيَاةُ. وَسَيَفُوتُكَ ذَلِكَ الْمَلَكُوتُ. وَسَيَفُوتُكَ بَيْتُ الآبِ. لَكِنَّهُ قَالَ: "أَنَا هُوَ الْبَابُ. أُدْخُلْ مِنْ خِلالِي، فَتَنَالَ تِلْكَ الْحَيَاةَ".