المحاضرة 2: نُورُ الْعَالَمِ
بَيْنَمَا نُتَابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنا لأَقْوَالِ يَسُوعَ عَنْ ذَاتِهِ الَتِي نَجِدُهَا فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، سَنُرَكِّزُ انْتِبَاهَنَا الآنَ عَلَى الْجُزْءِ الثَانِي مِنْ سِلْسِلَةِ تَصْريحاتِ "أَنَا هُوَ" الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَوْلِ يَسُوعَ "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ". وَفْقَ تَرْجَمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الْمَوْضُوعَةِ أَمَامَكَ، قَدْ تَجِدُ هَذَا التَّصْريحَ فِي مَكَانٍ مُخْتَلِفٍ قَلِيلًا عَمَّا يَجِدُهُ فِيهِ شَخْصٌ آخَرُ. فِي كِتَابِي الْمُقَدَّسِ، أَجِدُهُ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا الأَصْحاحِ 8 وَالآيَةِ 12، حَيْثُ نَقْرَأُ "ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ". السَبَبُ الَذِي جَعَلَنِي أَذْكُرُ بِشَكْلٍ عابِرٍ أَنَّ هَذَا التَّصْريحَ قَدْ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي مَكَانٍ آخَرَ فِي كِتَابِكَ الْمُقَدَّسِ هُوَ أَنَّ مَا يَسْبِقُ ذَلِكَ فِي النَصِّ لَدَيَّ هُوَ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ الَتِي أُمْسِكَتْ بِفِعْلِ الزِنَى. فِي الْوَاقِعِ، جَاءَ الْعُنْوَانُ الْفَرْعِيُّ لِهَذَا النَصِّ فِي تَرْجَمَةٍ أُخْرَى كَمَا يَلِي فِي الأَصْحاحِ 8 "زَانِيَةٌ تُوَاجِهُ نُورَ الْعَالَمِ"، لَكِنَّ السَبَبَ الَذِي جَعَلَ هَذَا الأَمْرَ يُشَكِّلُ مُعْضِلَةً هُوَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَخْطُوطَاتِ الْقَدِيمَةِ لا يَرِدُ هَذَا النَصُّ فِي بِدَايَةِ الأَصْحاحِ 8. وَبِالتَالِي، نَشَأَ جَدَلٌ قَدِيمٌ حَوْلَ الْمَكَانِ الَذِي يَرِدُ فِيهِ ذَلِكَ السَرْدِ. لا يُوجَدُ فِعْلِيًّا أَيُّ خِلافٍ حَوْلَ كَوْنِ هَذَا النَّصِّ رَسُولِيًّا بِالْأَسَاسِ، لَكِنْ يُوجَدُ نِزَاعٌ تِقَنِيٌّ بِشَأْنِ الْمَكَانِ الَذِي يَجِبُ أَنْ يَرِدَ فِيهِ في السّرْدِ. لَكِنَّ الْمَكَانَ الطَبِيعِيَّ الَذِي نَجِدُ فِيهِ ذَلِكَ النَصَّ هُوَ الأَصْحاحُ 8. إِذًا، فَلْنَعْمَلْ عَلَى أَسَاسِ الافْتِراضِ أَنَّ يَسُوعَ قَالَ هَذَا الْكَلامَ لِلنَاسِ بَعْدَ أَنْ جَرُّوا تِلْكَ الْمَرْأَةَ مِنَ الظُلْمَةِ، وَفَضَحُوا ذَنْبَهَا أَمَامَ الْجَمِيعِ، وَجَرُّوا خَطِيَّتَها، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ، إِلَى نُورِ النَهَارِ. وَبَعْدَ أَنْ صَرَفَ يَسُوعُ الْمُشْتَكِينَ عَلَيْهَا وَمَنَحَهَا نِعْمَتَهُ، قَالَ: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ".
كَلِمَةُ "نُورٍ" هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْ أَهَمِّ الْكَلِمَاتِ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا كُلِّهِ. يَسْتَعْمِلُ يُوحَنَّا كَلِمَةَ "نُورٍ"، وَكَلِمَةَ "حَيَاةٍ" مَثَلًا، وَكَلِمَةَ "حَقٍّ" مِرَارًا وَتَكْرارًا. لَكِنْ بِالطَبْعِ، لَيْسَ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا الْمَكَانَ الْوَحِيدَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، حَيْثُ نَسْمَعُ أَنَّهُ تَمَّ اسْتِعْمَالُ فِكْرَةِ النُورِ كَاسْتِعَارَةٍ لِلإِشَارَةِ إِلَى حَقِّ الإِنْجِيلِ وَخِدْمَةِ الْمَسِيحِ، وَإِلَى مَا يَحْدُثُ لِلأَشْخَاصِ الَذِينَ يُقبِلُونَ إِلَى الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ، لأَنَّهُ يَتِمُّ وَصْفُنَا بِحَالَتِنَا الطَبِيعِيَّةِ السَاقِطَةِ عَلَى أَنَّنَا أَبْنَاءُ الظُلْمَةِ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى، تُشِيرُ الظُلْمَةُ إلى خَلَلٍ وَعَجْزٍ أَخْلاقِيِّ، أَوْ إِلَى فَسَادِ قَلْبِ الإِنْسَانِ. لا يَسَعُنِي سِوَى أَنْ أَتَذَكَّرَ رِوَايَةَ جُوزِيف كُونْرَاد الْكْلاسِيكِيَّةَ بِعُنْوَانِ "قَلْبُ الظَّلامِ"، أَيْ أَنَّ قَلْبَ الظَّلامِ هُوَ الْقَلْبُ الَذِي يَعِيشُ فِي حَالَةِ فَسَادٍ. وَنَتَكَلَّمُ عَنِ الأَعْمَالِ الَتِي يَتِمُّ ارْتِكَابُهَا فِي الظُلْمَةِ. الأَشْخَاصُ الَذِينَ يَعْمَلُونَ الصَلاحَ لا يَمِيلُونَ إِلَى الاخْتِبَاءِ فِي الأَمَاكِنِ الْمُظْلِمَةِ. الظُلْمَةُ هِيَ الْمَكَانُ الَذِي تُمَارَسُ فِيهِ خَطَايَا لا تُوصَفُ لِيَتِمَّ إِخْفَاؤُها عَنْ أَنْظَارِ النَاسِ.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ إِشَعْيَاءَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ حِينَ أَعْلَنَ نُبُوءَتَهُ الْمِسْيَانِيَّةَ، بِذَاكَ الَذِي سَيَأْتِي، بِعَبْدِ الرَبِّ، قَالَ إِنَّ "اَلشَّعْبَ السَّالِكَ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا". إِذًا، نَحْنُ نَرَى هَذَا الطِبَاقَ عَبْرَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بَيْنَ النُورِ وَالظُلْمَةِ. وَعَلَى الرُغْمِ مِنْ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ نُورُ الْعَالَمِ وَيُشْرِقُ بِبَهاءِ مَجْدِ نُورِ اللهِ نَفْسَهُ لأَنَّ اللهَ يُعْتَبَرُ نُورًا. يُعْتَبَرُ اللهُ سَاكِنًا فِي نُورٍ لا يُدْنَى مِنْهُ، وَهُوَ يُشْرِقُ بِبَهاءِ مَجْدِ طَبيعَتِهِ. وَعِنْدَمَا نَرَى اللهَ يُعْلِنُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَهُوَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِرارًا وَتَكْرارًا فِي إِطَارِ اخْتِباراتِ النُورِ القَويَّةِ.
نَذْكُرُ ظُهُورَ يَسُوعَ لِشَاوُلَ عَلَى طَرِيقِ دِمَشْقَ حِينَ أَعْمَى شَاوُلَ بنُورٍ أَقْوَى مِنْ نُورِ الشَمْسِ ظُهْرًا. نَذْكُرُ مَثَلًا جَبَلَ التَجَلِّي حَيْثُ إِنَّهُ، وَلِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ جِدًّا، بَرَزَتْ أُلُوهِيَّةُ الْمَسِيحِ لِلْعَيَانِ مِنْ خِلالِ بُرْقُعِ طَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ، فَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ وَبَدَأَتْ مَلابِسُهُ تَتَوَهَّجُ نُورًا، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ، وَأَحَاطَ بِهِ نُورٌ بَاهِرٌ فَسَقَطَ التَلامِيذُ عَلَى وُجُوهِهِمْ كَالأَمْوَاتِ. عِنْدَمَا أُعَلِّمُ تَلامِيذِي ذَلِكَ، وَعِنْدَمَا أَتَعَامَلُ مَعَ شَبِابٍ بِشَكْلٍ خَاصٍّ، فَإِنِّي أَطْرَحُ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الأَسْئِلَةِ الْبَسِيطَةِ، وَسَأَسْأَلُ بَعْضَ الْقَوْمِ الْمَوْجُودِينَ هُنَا مَعَنا الْيَوْمَ. لَدَيْنَا بَعْضُ الشَبِابِ مِمَّنْ يُتَابِعُونَ دُرُوسَهُمْ فِي الْمَنْزِلِ. أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ يَا صَمُويلُ، أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَشْهُورًا، سَوْفَ أَجْعَلُكَ تَظْهَرُ عَلَى شَاشَةِ التِلْفَازِ. سَأَطْرَحُ عَلَيْكَ سُؤالًا بَسِيطًا وَلْنَرَ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُسَاعِدَنِي هُنَا. مَا هُوَ لَوْنُ الْبُرْتُقالِ؟ بُرْتُقَالِيٌّ، حَسَنًا. هَذَا أَشْبَهُ بِالسُؤالِ: "مَنْ دُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ جْرَانْت؟" صَحِيح؟ وَالآنَ بِسُرْعَةٍ، مَا هُوَ لَوْنُ الْبُرْتُقالِ؟ وَالآنَ، سَأَسْأَلُ أَخَاكَ الأَكْبَرَ، تِيم، سُؤَالٌ أَصْعَبُ بِقَلِيلٍ. مَا هُوَ لَوْنُ الْبُرْتُقالِ يَا تِيمْ عِنْدَمَا تُطْفَأُ الأَنْوارُ؟ مَاذَا؟
تيم: أَسْوَدُ
أَسْوَدُ. شُكْرًا جَزِيلًا، أَسْوَدُ. لأَنَّ اللَوْنَ الْبُرْتُقالِيَّ لا يُلازِمُ حَبَّةَ الْفَاكِهَةِ تِلْكَ. لا تَكُونُ حَبَّةُ الْبُرْتُقالِ بُرْتُقَالِيَّةً إِلَّا عِنْدَمَا يَكُونُ النُورُ مُضَاءً، لأَنَّ اللَوْنَ لَيْسَ أَمْرًا يَخُصُّ الْقُمْصَانَ أَوِ الْبْلُوزَاتِ أَوِ الأَحْذِيَةَ أَوِ الأَشْخَاصَ أَوِ الأَشْيَاءَ أَوِ الأَغْرَاضَ. تَظْهَرُ أَلْوَانُ قَوْسِ الْقُزَحِ فِي النُورِ. وَمَا يَحْدُثُ هُوَ أَنَّ بَعْضَ الْمَوَادِّ تَعْكِسُ أَوْ تَكْسِرُ بَعْضَ الأَلْوَانِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَنْشُورِ الضَوْءِ، أَمَّا غَيْرُهَا فَيَتِمُّ امْتِصَاصُهُ. وَبِالتَالِي، عِنْدَمَا يَظْهَرُ لَوْنٌ مِثْلُ اللَوْنِ الْبُرْتُقَالِيِّ مِنْ خِلالِ حَبَّةِ الْبُرْتُقالِ فَهُوَ يَظْهَرُ أَمَامَ عُيُونِنَا كَمَا لَوْ أَنَّهُ بُرْتُقَالِيٌّ. لَكِنْ مِنْ دُونِ مَصْدَرِ النُورِ، يَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ أَسْوَدَ، لا وُجُودَ للَّوْنِ، لأَنَّ النَقَاوَةَ تَكْمُنُ فِي النُورِ نَفْسِهِ.
أَنَا أَتَذَكَّرُ ذَلِكَ كُلَّمَا شَاهَدْتُ ظَاهِرَةَ قَوْسِ الْقُزَحِ فِي السَمَاءِ، حَيْثُ تَرَى المَنْشُورَ يَمْتَدُّ عَلَى شَكْلِ قَوْسٍ، كَقَوْسٍ فِي السَمَاءِ يُظْهِرُ لَنَا جَمَالَ اللَوْنِ الْمَوْجُودِ فِي النُورِ. وَعِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ التَلامِيذُ عَنْ تَذَكُّرِهِمْ لِلتَجَلِّي حَيْثُ ظَهَرَ نُورُ الأُلُوهِيَّةِ مِنْ دَاخِلِ الْمَسِيحِ، هُوَ لَمْ يَعْكِسْهُ بَلْ كَانَ النُورُ مُنْبَثِقًا مِنْهُ. خِلافًا لِمُوسَى الَذِي لَمَعَ وَجْهُهُ بَعْدَ أَنْ رَأَى وَراءَ اللهِ، عِنْدَئِذٍ، بَدَأَ وَجْهُ مُوسَى يَلْمَعُ. لَكِنَّ مُوسَى كَانَ يَشِعُّ بِفِعْلِ الْمَجْدِ الْمُنْعَكِسِ وَلَيْسَ بِفِعْلِ الْمَجْدِ الْكَامِنِ فِي جَوْهَرِهِ أَوِ الْمُتَأَصِّلِ فِيهِ. عِنْدَمَا بَدَأَ الْمَسِيحُ يَبْرُزُ لِلْعَيَانِ بِالنُورِ عِنْدَ جَبَلِ التَجَلِّي فَهُوَ كَانَ يُظْهِرُ مَجْدَهُ الْخَاصَّ، وَلَيْسَ مَجْدًا مَعْكُوسًا بَلْ مَجْدَهُ الدَاخِلِيَّ. لِذَا قَالَ التَلامِيذُ وَحَتَّى يُوحَنَّا نَفْسُهُ "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ".
بِالرَغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الأَصْحاحِ 8 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا نَقْرَأُ أَنَّ يَسُوعَ سَمَّى نَفْسَهُ نُورَ الْعَالَمِ، إِلَّا أَنَّهُ تَمَّ وَصْفُهُ كَذَلِكَ سَابِقًا عَلَى لِسَانِ كَاتِبِ الإِنْجِيلِ نَفْسِهِ. ارْجِعْ إِلَى بِدَايَةِ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ". لا يُوجَدُ مَقْطَعٌ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كُلِّهِ يُؤَكِّدُ بِوُضُوحٍ عَلَى أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ أَكْثَرَ مِنْ مُقَدِّمَةِ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. مَكْتُوبٌ عَنِ الأُقْنُومِ الثَانِي، اللُوجُوسَ، إِنَّهُ كَانَ عِنْدَ اللهِ فِي الْبَدْءِ، وَإِنَّهُ كَانَ هُوَ اللهَ، وَإِنَّهُ أَيْضًا خَالِقُ كُلِّ الأَشْيَاءِ، وَإِنَّ لا شَيْءَ أَتَى إِلَى الْوُجُودِ إِلَّا بِقُوَّةِ اللُوجُوسَ. ثُمَّ نَقْرَأُ: "فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ". وَالنُورُ الَذِي يُضِيءُ فِي الظُلْمَةِ عَلَى أَنَّهُ اللُوجُوسُ نَفْسُهُ، مَصْدَرُ النُورِ الْمُطْلَقِ، هُوَ مَا جَاءَ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ. وَالنُورُ الْعَظِيمُ الَذِي جَاءَ وَسَطَ الظُلْمَةِ لَمْ يُدْرِكُهُ أَهْلُ الظُلْمَةِ. وَيُتَابِعُ يُوحَنَّا قَائِلًا "كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا". إِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ. "هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ".
هَذِهِ الاسْتِعَارَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنورِ وَالظُلْمَةِ لا تُوجَدُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَوْ فِي الكِتَابَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ فَحَسْب، لَكِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي مَصَادِرَ وَفَلْسَفَاتٍ أُخْرَى. وَهِيَ كَانَتْ طَبْعًا وَاحِدَةً مِنَ الاسْتِعَارَاتِ الْمُفَضَّلَةِ لَدَى الْفَيْلَسُوفِ أَفْلاطُونَ. قَدْ يَتَذَكَّرُ الْبَعْضُ مِنْكُمْ مِنْ خِلالِ دِرَاسَاتِكُمْ فِي الْجَامِعَةِ أَوْ حَتَّى فِي الثَانَوِيَّةِ الْعَامَّةِ أَنَّهُمْ قَرَأُوا عَنْ كِتَابِ "جُمْهُورِيَّةِ" أَفْلاطُونَ، حَيْثُ أَوْرَدَ أَفْلاطُونُ تَشَابُهًا أَوْ مَثَلًا شَهِيرًا يُخْبِرُ قِصَّةَ عَبِيدٍ تَمَّ احْتِجَازُهُمْ فِي كَهْفٍ. وَكَانَتْ نَارٌ خَافِتَةٌ مُشْتَعِلَةٌ دَاخِلَ الْكَهْفِ، لَكِنْ كَانَ هَؤُلاءِ الرِجَالُ مَرْبُوطِينَ هُنَاكَ، وَالنُورُ الْوَحِيدُ الَذِي كَانَ لَدَيْهِمْ هُوَ نُورٌ خَافِتٌ يَعْكِسُ ظِلالًا عَلَى جِدَارِ الْكَهْفِ. وَهَؤُلاءِ الْقَوْمُ الَذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْكَهْفِ الْمُظْلِمِ وَفِيهِ نُورٌ خَافِتٌ لَمْ يَرَوْا سِوَى ظِلالٍ، وَلَمْ يَرَوْا الْوَاقِعَ بِوُضُوحٍ. وَسَمَّى أَفْلاطُونُ تِلْكَ الظِلالَ الْمُتَرَاقِصَةَ عَلَى حَائِطِ الْكَهْفِ بِالآراءِ. وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ مِنَ الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَيَقُولُ أَفْلاطُونُ فِي مَثَلِهِ إِنَّهُ لِكَيْ يَكْتَسِبَ الإِنْسَانُ الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْكَهْفِ وَمِنَ الظُلْمَةِ إِلَى شَمْسِ الظَهِيرَةِ، حَيْثُ إِنَّهُ عَلَى ضَوْءِ الشَمْسِ الْمُشْرِقَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرَى الأَشْيَاءَ عَلَى حَقِيقَتِها، وَفِي سِياقِ الضَوْءِ وَحْدَهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْحَقِيقَةِ لِكَيْ تُكْتَسَبَ الْمَعْرِفَةُ. وَكُلُّ شَيْءٍ آخَرَ هُوَ أُمُورٌ تَقْرِيبِيَّةٌ قَاتِمَةٌ وَمُجَرَّدُ آرَاءَ لا تَهُمُّ فِعْلًا. هَذِهِ هِيَ فَلْسَفَةُ أَفْلاطُونَ.
مَا أَهَمِّيَّةُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسِيحِيَّةِ؟ فِي الْقَرْنِ الثَانِي، تَحَدَّثَ الْمُدَافِعُ عَنِ الْإِيمَانِ المَسيحيِّ يوسْتينوسْ الشَّهيدِ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ فَقَطْ أَنَّنَا نَجِدُ الْحَقَّ حَصْرًا فِي الْمَصَادِرِ الَتِي يُعْطِينَا إِيَّاهَا اللهُ مِنْ خِلالِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَإِنَّمَا نُورُ الحَقِّ الإِلَهيِّ يَسْطَعُ مِنْ خِلالِ الْخَلِيقَةِ. إِذْ يَقُولُ لَنَا بُولُسُ فِي الأَصْحاحِ 1 مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ، إِنَّ إِعْلانَ اللهِ لا يَأْتِي مِنْ خِلالِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا مِنْ خِلالِ الطَبِيعَةِ حَيْثُ "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ". وَيُتَابِعُ يوسْتينوسْ الشَّهيدِ قَائِلًا إِنَّ بَعْضَ الأَشْخَاصِ، حَتَّى غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ، يُكَوِّنُونَ لَمْحَةً عَنِ الْوَاقِعِ. لِذَا يُمْكِنُ لأَشْخَاصٍ غَيْرِ مُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا أَطِبَّاءَ وَعُلَمَاءَ رِيَاضِيَّاتٍ وَبِيُولُوجِيِّينَ فَعَّالِينَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ مِنْ خِلالِ نُورِ الطَبِيعَةِ، وَيُمْكِنُ لِنُورِ الطَبِيعَةِ أَنْ يُعْلِنَ حَقَائِقَ مُعَيَّنَةً. إِذًا، يُمْكِنُنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى الْوَرَاءِ وَأَنْ نَنْبَهِرَ بِآراءِ أَفْلاطُونَ، وَأَنْ نَنْبَهِرَ بِآرَاءِ شِيشْرُونَ، وَأَنْ نَنْبَهِرَ بِآراءِ أَرِسْطُو، وَكَانَ يوسْتينوسْ الشَّهيدِ يَقُولُ إِنَّهُمْ يَسْتَمِدُّونَ تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ، أَيَّةَ مَعْرِفَةٍ قَيِّمَةٍ تَجِدُهَا لَدَى أَفْلاطُونَ تَأْتِي فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ مِنَ الْمَصْدَرِ الأَسْمَى لِلنُورِ، أَلا وَهُوَ الْمَسِيحُ. الْمَسِيحُ هُوَ مَنْ يُنِيرُ لِكُلِّ مَنْ يَأْتِي إِلَى الْعَالَمِ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، مِنْ دُونِ نُورِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَى لِلْعَالَمِ مِنْ خِلالِ الْمَسِيحِ لا يُوجَدُ شَيْءٌ سِوَى الْجَهْلِ، لا شَيْءَ سِوَى الظُلْمَةِ. لَكِنَّ حَتَّى غَيْرِ المُؤْمِنِينَ يَشْتَرِكُونَ فِي بَعْضِ الْفَوَائِدِ النَاتِجَةِ عَنِ النُورِ الَذِي أَتَى إِلَى الْعَالَمِ. حَتَّى عِنْدَمَا نَرْفُضُ ذَلِكَ النُورَ فَإِنَّنَا نَظَلُّ نَشْتَرِكُ فِي فَوَائِدِ ذَلِكَ النُورِ.
أَنَا أَظُنُّ أَيْضًا أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نُدْرِكَ أَنَّنَا حِينَ نَرْجِعُ إِلَى سَرْدِ قِصَّةِ الْخَلْقِ فِي الصَفْحَةِ الأُولَى مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَقْرَأُ أَنَّهُ فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. ثُمَّ نَقْرَأُ "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ". إِذًا، الْكَوْنُ غَيْرُ المُنَظَّمِ الَذِي يَصِفُهُ اللهُ فِي الأَصْحاحِ الأَوَّلِ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَقَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ عَمَلُ الْخَلْقِ كَانَ خَرِبًا وَبِلا شَكْلٍ. لا نَجِدُ فِيهِ إِلَّا الْفَراغَ وَالظُلْمَةَ. وَفَكِّرُوا فِي تِلْكَ الاسْتِعَارَاتِ الثَلاثِ: الخَرابُ، والْفَراغُ، وَاَلْظُلْمَةُ. هَذِهِ كُلُّهَا كَلِمَاتٌ تَبْدُو سَلْبِيَّةً وَمُنْذِرَةً بِالسُوءِ فِي مُفْرَدَاتِنا. لَكِنْ مَا هُوَ أَوَّلُ عَمَلِ خَلْقٍ؟ الرُوحُ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، وَفِي الْحَالِ، كَانَ نُورٌ. إِذًا، أَوَّلُ عَمَلٍ قَامَ بِهِ اللهُ فِي الْخَلْقِ هُوَ جَلْبُ نُورٍ إِلَى كَوْنٍ مَلِيءٍ بِالظُلْمَةِ بَعِيدًا عَنْهُ. وَهُوَ نَفْسُهُ تَمَّ وَصْفُهُ، كَمَا ذَكَرْتُ، عَلَى أَنَّهُ نُورٌ. هَذِهِ هِيَ بِدَايَةُ الإِعْلانِ الكِتَابيِّ. عِنْدَمَا نَصِلُ إِلَى نِهَايَةِ الإِعْلانِ الْكِتَابِيِّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ فِي سِفْرِ الرُؤْيَا، وَنَقْرَأُ في الأَصْحَاحَاتِ الأَخِيرَةِ مِنْ سِفْرِ الرُؤْيَا الْوَصْفَ الْحَيَّ الَذِي يُعْطِينَا إِيَّاهُ يُوحَنَّا حِينَ كَانَ مَنْفِيًّا إِلَى جَزِيرَةِ بَطْمُسَ وَشَاهَدَ رُؤْيَا دَاخِلَ السَمَاءِ وَرَأَى سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، وَأُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَمَاءِ، وَوَصَفَ الْجُزْءَ الدَاخِلِيَّ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ. وَقَالَ إِنَّهُ لا يُوجَدُ نُورٌ هُنَاكَ وَلا شَمْسٌ، لِمَاذَا؟ لأَنَّ مَجْدَ اللهِ، وَابْنِ اللهِ، يُضِيئَانِ السَمَاوِيَّاتِ. وَلا يُوجَدُ لَيْلٌ، لأَنَّ حُضُورَ اللهِ يُشْرِقُ بِنُورِهِ بِاسْتِمْرَارٍ. وَهَذَا مَا يَصِفُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَلَى أَنَّهُ مَجْدُ اللهِ، بَهاءُ نَقائِهِ السّاطِعِ وَإِشْرَاقُهُ يَأْتِينَا مِنْ خِلالِ النُورِ.
إِذًا، هَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي كَلامِ يَسُوعَ هُنَا حِينَ يَقُولُ "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. [وَإِنْ تَبِعْتُمُونِي] مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ". أَلَيْسَ مِنَ اللَافِتِ أَنَّهُ فِي مُفْرَدَاتِنَا الشَائِعَةِ عِنْدَمَا يُقْبِلُ أَحَدُهُمْ إِلَى الْمَسِيحِ نَقُولُ إِنَّهُ أَبْصَرَ النُورَ، لأَنَّهُ كَانَ مَعْمِيًّا عَنْ أُمُورِ اللهِ. كَانَ الْإِيمَانُ يَبْدُو غَيْرَ ضَرُورِيٍّ وَغَيْرَ مَنْطِقِيٍّ وَمُتَطَرِّفٍ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَعَدِيمُ الأَهَمِّيَّةِ. وَفَجْأَةً، عِنْدَمَا تُفْتَحُ عُيُونُكُمْ وَتَرَوْنَ حَلاوَةَ بَهَاءِ الْمَسِيحِ الْكَامِلَةَ تَتَغَيَّرُ كُلُّ الأَشْيَاءِ. "الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" لأَنَّكُمْ تَرَوْنَ الآنَ مَا لَمْ تَرَوْهُ أَبَدًا مِنْ قَبْلُ.
الْمَكَانُ الآخَرُ الَذِي يُسَمِّي فِيهِ يَسُوعُ نَفْسَهُ نُورَ الْعَالَمِ هُوَ فِي سِيَاقِ شِفَائِهِ الرَجُلَ الأَعْمَى مُنْذُ الْوِلادَةِ، لأَنَّ ذَلِكَ الرَجُلَ فَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ لِلْمَرَّةِ الأُولَى. وَرُبَّمَا أَوَّلُ مَا أَبْصَرَهُ هُوَ "نُورُ الْعَالَمِ" الَذِي وَهَبَهُ الْبَصَرَ فِي الْمَقَامِ الأَوَّلِ. عِنْدَمَا أَعْلَنَ يَسُوعُ ذَلِكَ الأَمْرَ فِي الأَصْحاحِ 8، اسْمَعُوا كَيْفَ جَاءَ الرَدُّ الْيَهُودِيُّ.
فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌّ، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌّ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَأَيْضًا فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ: أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا.
أَتَرَوْنَ مَا يَجْرِي هُنَا؟ بِحَسَبِ الشَرِيعَةِ الْيَهُودِيَّةِ، عِنْدَمَا تُعْطِي شَهَادَةً أَوْ إِعْلانًا مَا، لِكَيْ تَكُونَ قَانُونِيَّةً، يَجِبُ أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَيْهَا مَصْدَرٌ آخَرُ. يَجِبُ أَنْ تَحْظَى بِمُوَافَقَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى الأَقَلِّ. وَهُنَا، تَرَى يَسُوعَ يَقُولُ "أَنَا نُورُ الْعَالَمِ"، فَيُجِيبُ الْفَرِّيسِيُّونَ: "لا، لَسْتَ كَذَلِكَ! مَنْ تَظُنُّ نَفْسَكَ لِكَيْ تُعْلِنَ أَمْرًا مُمَاثِلًا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ؟ مَا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ يَدْعَمُ كَلامَكَ. مَا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ يُؤَكِّدُ عَلَيْهِ أَوْ يُثْبِتُ صِحَّةَ هَذَا الإِعْلانِ الْعَجِيبِ الَذِي تَقُومُ بِهِ". فَقَالَ يَسُوعُ: "لَسْتُ أَحْتَاجُ إِلَى تَأْيِيدِ أَيِّ أَحَدٍ لأَنِّي أَعْلَمُ مَنْ أَكُونُ، أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ". هَذَا كَلامٌ مُذْهِلٌ فِعْلًا.
مَرَّةً أُخْرَى، وَمِثْلَمَا فَعَلَ حِينَ قَالَ إِنَّهُ خُبْزُ الْحَيَاةِ، أَشَارَ إِلَى الْمَكَانِ الَذِي جَاءَ مِنْهُ. هَذِهِ هِيَ الشَهَادَةُ الْمَطْلُوبَةُ عَلَى الأَرْضِ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيْكَ شُهُودٌ يُؤَيِّدُونَكَ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ اللهُ، لا تَحْتَاجُ إِلَى تَأْيِيدٍ بَشَرِيٍّ. أَنَا أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ، أَنَا جِئْتُ مِنْ فَوْقُ، وَسَأَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. وَإِنْ كُنْتُمْ تُصِرُّونَ عَلَى وُجُودِ شَهَادَتَيْنِ فَدَعُونِي أُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّ شَهَادَتِي لِذَاتِي لَيْسَتْ أَمْرًا أَفْعَلُهُ بِمُفْرَدِي، بَلِ الآبُ يَشْهَدُ لِي. وَإِنْ أَصْغَيْتُمْ إِلَى أَبِي فَسَتُصْغُونَ إِلَيَّ. أَيْنَ يَحْدُثُ ذَلِكَ؟ نَحْنُ نُصَادِفُهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. نُصَادِفُهُ فِي مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ حِينَ يَتَكَلَّمُ الآبُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ مِنَ السَمَاءِ "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". وَجَاءَ فِي مَرْجَعٍ آخَرَ "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا". نَذْكُرُ نِيقُودِيمُوسَ فِي الأَصْحاحِ 3 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا حِينَ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلًا قَائِلًا: "يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ". وَبِالتَالِي، مُعْجِزَاتُ يَسُوعَ، وَالآيَاتُ الَتِي يَصْنَعُهَا تَعْكِسُ شَهَادَةَ اللهِ وَتَأْكِيدَهُ وَتَأْيِيدَهُ لِمِصْدَاقِيَّةِ كَلامِ يَسُوعَ. وَهَكَذَا، يَقُولُ يَسُوعُ "مَهْلًا، لَسْتُ وَحْدِي مَنْ يَشْهَدُ بِأَنِّي نُورُ الْعَالَمِ، بَلْ أَبِي الَذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْحَقِّ".