المحاضرة 3: الوَحْيُ وَقَانُونِيَّةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ

فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ مِنْ دِرَاسَتِنَا لِمَوْضُوعِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، تَنَاوَلْنَا تِلْكَ الادِّعَاءَاتِ الَتِي يَقُولُهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ، سَارَعْتُ بِالإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ كِتَابٍ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ مِنَ اللهِ لا يَعْنِي أَنَّهُ مِنَ اللهِ. لَكِنَّ ادِّعَاءَ ذَلِكَ يَجْعَلُ الْكَثِيرَ عَلَى الْمِحَكِّ، لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الادِّعَاءُ كَاذِبًا، تَصِيرُ مِصْدَاقِيَّةُ الْمَصْدَرِ مَحَلَّ شَكٍّ.

وَذَكَرْتُ أَنَّهُ فِي رِسَالَةِ تِيمُوثَاوُسَ الثَانِيَةِ، أَوْ رِسَالَةِ بُولُسَ الثَانِيَةِ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ، أَدْلَى بُولُسُ بِالتَصْرِيحِ الْقَائِلِ: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ". لاحِظُوا أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِ: "الْكِتَابُ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ"، بَلِ اسْتَخْدَمَ كَلِمَةَ "كلُّ" كَمَا لَوْ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَذَا إِلَى وُجُودِ أَكْثَرَ مِنْ كِتَابٍ. حَرْفِيًّا، فِي الْيُونَانِيَّةِ، عِبَارَةُ كُلُّ "الْجْرَافِي" تَعْنِي كُلَّ الْكِتَابَاتِ، أَوْ كُلَّ الْكِتَابَاتِ الْمُقَدَّسَةِ. يُقَدِّمُ لَنَا هَذَا أَوَّلَ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ كِتَابًا وَاحِدًا. بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ "بِيبْلِيُوسَ" أَوْ "بِيبْلِيُونَ"، الَذِي جَاءَتْ مِنْهُ كَلِمَةُ "بَايْبِل" الَتِي مَعْنَاهَا "كِتَابٌ". فَهُوَ لَيْسَ كِتَابًا. حَسَنًا، هُوَ كِتَابٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ كِتَابًا. لَسْتُ أَقُولُ كَلامًا مُتَنَاقِضًا، أَوْ أَلْعَبُ بِالأَلْفَاظِ. لَكِنَّنَا نُدْرِكُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْكُتُبِ، أَشْبَهُ بِمَكْتَبَةٍ، وَلَيْسَ بِمُجَلَّدٍ وَاحِدٍ. لأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ فِعْلِيًّا -مِثْلَ هَذَا الْمُجَلَّدِ الَذِي أَحْمِلُهُ فِي يَدِي الآنَ - مُكَوَّنٌ مِنْ 66 كِتَابًا فَرْدِيًّا. لِهَذَا نُشِيرُ إِلَى كِتَابِ يُوحَنَّا، أَوْ كِتَابِ مَتَّى، أَوْ كِتَابِ رُومِيَةَ. فَهُوَ مُكَوَّنٌ مِنْ كِيَانَاتٍ مُنْفَصِلَةٍ، أُضِيفَ أَحَدُهَا إِلَى الآخَرِ، فَكَوَّنَ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةَ الْوَاسِعَةَ مِنْ 66 كِتَابًا، الْمَنْشُورِينَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغِلافَيْنِ.

بِالطَبْعِ، كُتِبَتْ أَسْفَارُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِيَدِ الْعَدِيدِ مِنَ الكُتَّابِ الْمُخْتَلِفِينَ، مِنَ النَاحِيَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَعَلَى مَدَارِ الْمِئَاتِ وَالْمِئَاتِ مِنَ السَنَوَاتِ، الَتِي تَفْصِلُ بَيْنَ زَمَنِ كِتَابَةِ سِفْرِ التَكْوِينِ وَزَمَنِ اكْتِمَالِ سِفْرِ الرُؤْيَا، عَلَى الأَرْجَحِ قُرْبَ نِهَايَةِ الْقَرْنِ الأَوَّلِ.

كَيْفَ إِذَنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ الْفَرْدِيَّةُ كُلُّهَا لِتُكَوِّنَ كِتَابًا كَبِيرًا وَاحِدًا نُسَمِّيهِ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ؟ يُثِيرُ هَذَا سُؤَالًا بَالِغَ الأَهَمِّيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ بِثِقَتِنَا فِي سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

مُجَدَّدًا، أَوَدُّ الْعَوْدَةَ إِلَى صَدِيقِي مَارْتِنْ لُوثَرَ، فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، حِينَ أَصَرَّ عَلَى عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. ثُمَّ ظَلَّ مُعَارِضُو مَارْتِنْ لُوثَرُ يَقْتَبِسُونَ بَعْضَ التَصْرِيحَاتِ الَتِي أَدْلَى بِهَا يَعْقُوبُ فِي رِسَالَتِهِ عَنِ التَبْرِيرِ. وَبِمُرُورِ الْوَقْتِ، ازْدَادَ لُوثَرُ انْزِعَاجًا مِنْ هَذِهِ الاقْتِبَاسَاتِ اللَا نِهَائِيَّةِ مِنْ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، فَأَبْدَى الْمُلاحَظَةَ الَتِي ظَلَّتْ تُرَدَّدُ عَشَرَاتِ الْمَلايِينِ مِنَ الْمَرَّاتِ مُنْذُ نَطَقَ بِهَا، وَهِيَ أَنَّ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ "رِسَالَةٌ مِنْ قَشٍّ"، أَوْ بِصِيَاغَةٍ أُخْرَى هِيَ "رِسَالَةٌ حَقِيقِيَّةٌ مِنْ قَشٍّ". وَمُنْذُ اشْتِعَالِ النِزَاعِ فِي كَنِيسَةِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ حَوْلَ عَقِيدَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَسُلْطَتِهِ، قَالَ الْبَعْضُ إِنَّ مُصْلِحِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، بِقَدْرِ الاهْتِمَامِ الَذِي أَوْلَوْهُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَمْ يُؤْمِنُوا حَقًّا بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ إِذَا كَانَ لُوثَرُ، مَثَلًا، قَدْ آمَنَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، فَكَيْفَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ "رِسَالَةٌ مِنْ قَشٍّ"؟ فَمَا كَانَ لِيَقُولَ عَنْ شَيْءٍ كَاتِبُهُ هُوَ اللهُ إِنَّهُ مِنْ قَشٍّ، أَوْ رِسَالَةٌ مِنْ قَشٍّ!

حِينَ يُدْلِي النَاسُ بِهَذِهِ الْمُلاحَظَةِ، يَخْلِطُونَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَلْزَمُ التَمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فِي حَذَرٍ. وَيَجِبُ أَنْ أَعْتَرِفَ أَنَّ الْبَعْضَ يَصْعُبُ عَلَيْهِمْ عَمَلُ هَذَا التَمْيِيزِ. وَالْخَلْطُ فِي هَذَا الأَمْرِ مُنْتَشِرٌ بِالْفِعْلِ، حَتَّى بَيْنَ الأَكَادِيمِيِّينَ الْمُحْتَرِفِينَ. مِمَّا يَسْتَدْعِي مَزِيدًا مِنَ الْحَذَرِ وَالدِقَّة لِفَهْمِهِ.

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالسُلْطَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَكْثَرَ مِنْ مَارْتِنْ لُوثَرَ. فَمَارْتِنْ لُوثَرُ هُوَ الَذِي صَرَّحَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لا يُخْطِئُ الْبَتَّةَ. أَبَدًا. لَكِنْ، فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ حَيَاتِهِ، انْتَابَتْهُ شُكُوكٌ حَقِيقِيَّةٌ حَوْلَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، تَرَاجَعَ عَنْهَا لاحِقًا. لَكِنَّ سُؤَالَ لُوثَرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ مُوحًى بِهِ أَمْ لا، بَلْ كَانَ سُؤَالُهُ هُوَ: "هَلْ يَجُوزُ إِدْرَاجُ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" أَتَرَوْنَ الْفَرْقَ بَيْنَ السُؤَالَيْنِ؟ فَبِالنِسْبَةِ لِلُوثَرَ، كُلُّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مُوحًى بِهِ، وَكُلُّ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ حَقٌّ. لَكِنَّهُ سَأَلَ: "مَا الأَسْفَارُ الَتِي تُكَوِّنُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ؟" وَهَذَا السُؤَالُ يَتَعَلَّقُ بِمَا نُسَمِّيهِ "الْقَانُونِيَّةَ".

يُحِبُّ الْبَعْضُ وَصْفَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّهُ سَيْفُ الرَبِّ. لَكِنَّنِي أُفَضِّلُ وَصْفَهُ بِالْقَانُونِيَّةِ، وَهُوَ سِلاحٌ أَحْدَثُ، إِنْ جَازَ التَعْبِيرُ. كَلِمَةُ "قَانُونِيَّةٍ" مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ "كَانُون"، وَمَعْنَاهَا عَصَا قِيَاسٍ، أَوْ مِسْطَرَةٍ، أَوْ مِعْيَارٍ. تَذْكُرُونَ أَنَّنِي فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السِلْسِلَةِ، ذَكَرْتُ كِتَابًا قَرَأْتُهُ فِي الْجَامِعَةِ بِعُنْوَانِ "وَفْقَ أَيِّ مِقْيَاسٍ؟" حَسَنًا، هَذَا مَعْنَى كَلِمَةِ "قَانُونِيَّةٍ". مَعْنَاهَا مِعْيَارٌ أَوْ مِقْيَاسٌ نَقِيسُ عَلَيْهِ أُمُورًا أُخْرَى أَوْ نَحْكُمُ عَلَيْهَا بِهِ. إِذًا، عَبْرَ التَارِيخِ، دُعِيَتْ مَجْمُوعَةُ الأَسْفَارِ الَتِي تُكَوِّنُ مَعًا الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ بِاسْمِ "قَانُونِيَّةِ" الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

مَا أَوَدُّ تَنَاوُلَهُ الآنَ هُوَ مَوْضُوعٌ لا أَعْتَقِدُ أَنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُ مُثِيرًا أَوْ مُلْهِمًا بِشَكْلٍ خَاصٍّ، لَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا، لأَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَفْهَمَ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَنْقُبُ فِي تَارِيخِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَالسُؤَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَانُونِيَّةِ هُوَ "كَيْفَ وَمَا الْعَمَلِيَّةُ الَتِي جُمِعَتْ بِهَا الأَسْفَارُ الْفَرْدِيَّةُ الَتِي تُشَكِّلُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَوُضِعَتْ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟"

سَمِعْتُ أَوْ قَرَأْتُ أَحَدَ النُقَّادِ يَقُولُ إِنَّ كَنِيسَةَ الْمَسِيحِ لَمْ يُصْبِحْ لَدَيْها حَقًّا كِتَابٌ مُقَدَّسٌ إِلَّا بَعْدَ صُعُودِ يَسُوعَ بِخَمْسِمائَةِ سَنَةٍ. هَذِهِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِذًا، لَمْ يُصْبِحْ لَدَى الْكَنِيسَةِ كِتَابٌ مُقَدَّسٌ إِلَّا بَعْدَ زَمَنِ يَسُوعَ بِخَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ. دَعُونِي أُخْبِرُكُمْ مِنْ أَيْنَ يَأْتِي الْبَعْضُ بِأَعْدَادِ كَهَذِهِ. عَقَدَتِ الْكَنِيسَةُ فِي الْقُرُونِ الأَرْبَعَةِ الأُولَى مَجْمُوعَةً مِنَ الْمَجَامِعِ لِمُنَاقَشَةِ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِتَحْدِيدِ الْوَثَائِقِ الَتِي يَجِبُ إِدْرَاجُهَا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَعُقِدَ الاجْتِمَاعُ الأَخِيرُ فِي عَامِ 397، فِي مَجْمَعِ قَرْطَاجَ الثَالِثَ. هَذَا مَجْمَعٌ صَغِيرٌ جِدًّا، لَكِنَّهُ مُهِمٌّ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ. كَانَ هَذَا فِي عَامِ 397، أَيْ بَعْدَ مَوْتِ يَسُوعَ بِنَحْوِ 370، أو 365 سَنَةٍ.

لَكِنْ لِمَاذَا يَذْكُرُ الْبَعْضُ 500 سَنَةٍ؟ إِلَيْكُمْ مَا يَحْدُثُ. يَقَعُ هَذَا التَارِيخُ فِي نِهَايَةِ الْقَرْنِ الرَابِعِ، وَلِذَا قَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: "لَمْ تَتَّخِذِ الْكَنِيسَةُ قَرَارَهَا النِهَائِيَّ بِشَأْنِ الأَسْفَارِ الَتِي تَنْتَمِي إِلَى الْقَانُونِيَّةِ إِلَّا فِي بِدَايَةِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ". وَتَعْلَمُونَ كَيْفَ يَخْتَلِطُ عَلَيْنَا الأَمْرُ. الْقَرْنُ الْعُشْرُونَ أَوْ 1900، وَالْقَرْنُ التَاسِعَ عَشَرَ أَوْ 1800، وَالْقَرْنُ الثَامِنَ عَشَرَ أَوْ 170. الْخُلاصَةُ أَنَّنَا نَقُولُ فِي بِدَايَةِ الْقَرْنِ الْخَامِسِ، ثُمَّ فَجْأَةً تُصْبِحُ 500 سَنَةٍ الْمُدَّةُ الَتِي لَمْ يَكُنْ لَدَيْنَا فِيهَا كِتَابٌ مُقَدَّسٌ. هَذِهِ مُبَالَغَةٌ فِي تَبْسِيطِ مَا حَدَثَ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى. فَكَمَا ذَكَرْتُ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمَاضِيَةِ، أَشَارَ بَعْضُ كُتَّابِ الأَسْفَارِ إِلَى كِتَابَاتِ رُسُلٍ آخَرِينَ، وَبِهَذَا أَقَرُّوا مُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنَّهَا تَشْغَلُ مَكَانَةَ الْكَلِمَةِ الْمُقَدَّسَةِ.

مِنَ النِزَاعَاتِ الأُخْرَى الَتِي نَتَجَتْ عَنِ الإِصْلاحِ هُوَ السُؤَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِالأَسْفَارِ الَتِي تَنْتَمِي إِلَى الْقَانُونِيَّةِ، وَكَيْفَ وَصَلَتِ الأَسْفَارُ إِلَى الْقَانُونِيَّةِ. إِذَا كُنْتَ كَاثُولِيكِيًّا، أَوْ إِذَا كَانَ لَدَيْكَ أَصْدِقَاءُ كَاثُولِيكِيُّونَ، وَرَأَيْتُ كِتَابًا مُقَدَّسًا كَاثُولِيكِيًّا، سَتَعْلَمُ أَنَّهُ تُوجَدُ أَسْفَارٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ. فَمَثَلًا، تُدْرِجُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بَعْضَ الْكِتَابَاتِ الَتِي كُتِبَتْ فِيمَا تُسَمَّى فَتْرَةَ مَا بَيْنَ الْعَهْدَيْنِ، الَتِي تَفْصِلُ مَا بَيْنَ اخْتِتَامِ قَانُونِيَّةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بِسِفْرِ مَلاخِي، وَبَدْءِ قَانُونِيَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ بِإِنْجِيلِ مَتَّى. وَخِلالَ هَذِهِ الأَرْبَعِمَائَةِ سَنَةٍ، كُتِبَتْ أَسْفَارٌ ذَاتُ قِيمَةٍ تَارِيخِيَّةٍ كَبِيرَةٍ، عَلَى يَدِ مُؤَرِّخِينَ يَهُودٍ، وَحُكَمَاءَ، وَغَيْرِهِمْ، وَتُسَمَّى الأَبُوكْرِيفَا. وَفِي الأَغْلَبِ، لَمْ تَعْتَرِفِ الْمَسِيحِيَّةُ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةُ بِكَوْنِ أَسْفَارِ الأَبُوكْرِيفَا جُزْءًا مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فِي حِينِ تَعْتَرِفُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بِأَنَّ الأَبُوكْرِيفَا جُزْءٌ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَرُبَّمَا تَقُولُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ: "يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ.."، ثُمَّ تَقْتَبِسُ مِنْ سِفْرِ الْمَكَابِيِّينَ، أَوْ مِنْ سِفْرِ إِسْدْرَاسَ الثَانِي، أَوْ غَيْرِهِمَا. فِي حِينِ أَنَّ البْرُوتِسْتَانْتِيَّ لا يَقْتَبِسُ مِنْ تِلْكَ الْمَصَادِرِ وَيَقُولُ: "يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ..".

نَحْنُ نَعْتَبِرُ أَنَّ الأَبُوكْرِيفَا هِيَ مَا نُسَمِّيهِ الأَسْفَارَ الْقَانُونِيَّةَ الثَانِيَةَ دْيُوتْرُوكَانُونِيكَال (deuterocanonical). ودْيُوتْرُو (deutero) مَعْنَاهَا أَنَّهَا فِي مُسْتَوًى ثَانَوِيٍّ وَلَيْسَ أَوَّلِيٍّ. فَالْقَانُونِيَّةُ الأَوَّلِيَّةُ هِيَ أَسْفَارُ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَأَسْفَارُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، بَيَنْمَا تَأْتِي الأَبُوكْرِيفا، عَلَى أَفْضَلِ تَقْدِيرٍ، فِي الْمُسْتَوَى الثَانِي. هِيَ مُهِمَّةٌ جِدًّا تَارِيخِيًّا، لَكِنَّنَا لا نُؤَيِّدُ الْبَتَّةَ أَنَّ الأَبُوكْرِيفَا مُوحًى بِهَا، أَوْ أَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. لَكِنْ لِمَ هَذَا الاخْتِلافُ؟ وَكَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ؟

هُنَاكَ اخْتِلَافٌ فِي النَظْرَةِ لِلأَمْرِ بِمُجْمَلِهِ. نَعْلَمُ، كَمَا ذَكَرْتُ قَبْلًا، أَنَّ عِدَّةَ اجْتِمَاعَاتٍ عُقِدَتْ فِي الْقُرُونِ الأَرْبَعَةِ الأُولَى دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ لِمُنَاقَشَةِ مَسْأَلَةِ تَحْدِيدِ الأَسْفَارِ الَتِي تَنْتَمِي إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. أَثَارَ هَذِهِ الأَزْمَةَ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَانِي رَجُلٌ يُدْعَى مَارْسِيُونَ (Marcion). مَنْ مِنْكُمْ سَمِعَ عَنْ هَذَا الرَجُلِ؟ مَارْسْيُونَ. غَالِبِيَّتُكُمْ لا يَعْرِفُهُ. حَسَنًا. عَادَةً مَا نَلْفُظُ اسْمَهُ "مْارْشِيَان"، أَيِ الْمَرِّيخِيَّ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَوْكَبٍ آخَرَ. عَاشَ مَارْسِيُونُ فِي الْقَرْنِ الثَانِي، وَتَأَثَّرَ بِشِدَّةٍ بِمَجْمُوعَةٍ مِنَ الْمُفَكِّرِينَ الْهَرَاطِقَةِ الَذِين يُدْعَوْنَ الْغْنُوسِيِّينَ. لَكِنْ هَذَا هُوَ الرَأْيُ اللافِتُ الَذِي تَبَنَّاهُ مَارْسْيُونُ. كَانَ مَارْسِيُونُ يُبْغِضُ إِلَهَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. وَرَأَى أَنَّ إِلَهَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، إِلَهُ الْغَضَبِ، وَالدَيْنُونَةِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ جَدِيرًا بِعِبَادَةِ مَارْسْيُونَ، وَمَحَبَّتِهِ، وَاحْتِرَامِهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَرَى أَنَّ يَهْوَهَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ هُوَ اللهُ. فَقَدْ آمَنَ بِأَنَّهُ خَالِقُ الْعَالَمِ، لَكِنَّهُ آمَنَ بِأَنَّ إِلَهَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، يَهْوَه، لَمْ يَكُنِ الإِلَهَ الأَعْلَى، أَوِ الْعَلِيَّ، بَلْ كَانَ إِلَهًا أَدْنَى نَوْعًا مَا.

يَجِبُ أَنْ تَعْرِفُوا قَدْرًا عَنِ الْفَلْسَفَةِ الأَفْلاطُونِيَّةِ الْحَدِيثَةِ حَتَّى تَفْهَمُوا هَذِهِ الْمُسْتَوَيَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ مِنَ الأُلُوهِيَّةِ، لَكِنْ بِأَيِّ حَالٍ، كَانَ مَارْسْيونُ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ إِلَهَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ هُوَ مَا يُسَمَّى دِيمْيُورْج (demiurge)، أَوِ الْخَالِقَ. وَهُوَ نِصْفُ إِلَهٍ، أَوْ شِبْهُ إِلَهٍ، أَوْ إِلَهٌ أَدْنَى، وَلَيْسَ الإِلَهَ الْكَامِلَ. وَبِأَنَّ يَسُوعَ، فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يُعْلِنُ عَنِ الإِلَهِ الأَعْلَى، وَيُنْقِذُ الأَرْضَ مِنْ بَرَاثِنِ هَذَا الإِلَهِ الأَدْنَى، هَذَا الْخَالِقِ، السَادِيِّ وَالْبَغِيضِ الَذِي نَجِدُهُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. لَكِنَّ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ أَسْمَى مِنْ يَهْوَه، وَهُوَ إِلَهُ الْمَحَبَّةِ، وَاللُطْفِ، وَالرَحْمَةِ، لا كَذَاكَ الَذِي يُغْرِقُ الْبَشَرَ بِطُوفَانٍ، كَمَا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. وَكَيْ يَنْشُرَ فِكْرَهُ، أَصْدَرَ مَارْسْيُونُ أَوَّلَ قَانُونِيَّةٍ رَسْمِيَّةٍ لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ. لَكِنَّهُ كَانَ نُسْخَةَ مَارْسْيُونَ الْمُنَقَّحَةَ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَلَمْ يُدْرِجْ فِيهِ سِوَى أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَتِي تُعَزِّزُ وَتُؤَيِّدُ فِكْرَتَهُ بِشَأْنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الإِلَهِ الْمُحِبِّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَالإِلَهِ السَادِيِّ وَالْبَغِيضِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. فَمَثَلًا، لَمْ يُدْرِجْ إِنْجِيلَ مَتَّى، لأَنَّ مَتَّى اقْتَبَسَ كَثِيرًا مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. بَلْ وَقَدْ حَذَفَ مَقَاطِعَ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا وَالأَنَاجِيلِ الأُخْرَى كُلَّمَا أَشَارَ كَاتِبُ الإِنْجِيلِ إِلَى امْتِدَاحِ يَسُوعَ لِيَهْوَه الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. وَكَانَ لا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. فَقَدَّمَ لَنَا مَارْسْيُونُ أَوَّلَ نُسْخَةٍ مُقْتَطَعَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَفِيهَا حَاوَلَ التَلاعُبَ بِكِتَابَاتِ الرُسُلِ، وَالتَخَلُّصَ مِمَّا لا يُعْجِبُهُ، وَالاحْتِفَاظَ بِمَا يُعْجِبُهُ، وَالْعَبَثَ بِالأَسْفَارِ.

هَذِهِ هِيَ الأَزْمَةُ اللاهُوتِيَّةُ الَتِي أَرْغَمَتِ الْكَنِيسَةَ فِي الْقَرْنِ الثَانِي عَلَى قَوْلِ: "مَهْلًا، سَوْفَ نَضَعُ قَائِمَةً نَعْتَرِفُ بِكَوْنِهَا قَائِمَةَ الأَسْفَارِ الصَحِيحَةِ وَالْكَامِلَةِ لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ". لَكِنْ حَتَّى هَذَا لا يُوحِي، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، بِأَنَّ الْكَنِيسَةَ لَمْ يَكُنْ لَدَيْها كِتَابٌ مُقَدَّسٌ حَتَّى مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَانِي. فَهَا قَدْ عَدَّلْتُ التَارِيخَ مِنْ 500 إِلَى 150 مِيلادِيَّةٍ.

لَكِنِّي أَوَدُّ الْعَوْدَةَ بِالزَمَنِ أَكْثَرَ. فَلا شَكَّ، تَارِيخِيًّا، أَنَّهُ مِنَ اللَحْظَةِ، مَثَلًا، الَتِي كَتَبَ فِيهَا بُولُسُ رِسَالَةَ رُومِيَةَ، وَتَمَّ تَدَاوُلُهَا فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، كَانَتِ الْكَنِيسَةُ تَعْتَرِفُ بِكَوْنِ الرِسَالَةِ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ، أَيْ كَلِمَةٌ مُقَدَّسَةٌ. وَلا شَكَّ أَنَّنَا حِينَ نَقْرَأُ كِتَابَاتِ الَذِينَ عَاشُوا وَكَتَبُوا فِي نِهَايَةِ الْقَرْنِ الأَوَّلِ، الْمَدْعُوِيِّن الآبَاءَ مَا بَعْدَ الرَسُولِيِّينَ، عِنْدَمَا كَانُوا يَقْتَبِسُونَ مِنْ كِتَابَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَالأَنَاجِيلِ، وَكِتَابَاتِ بُولُسَ، مَثَلًا، كَانُوا يَعْتَبِرُونَهَا حَامِلَةً لِسُلْطَةٍ كِتَابِيَّةٍ. إِذًا، نَعْلَمُ، كَحَقِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ، أَنَّ أَسْفَارَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الْمَوْجُودَةَ فِي قَانُونِيَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كَانَتْ كَلِمَةً مُقَدَّسَةً مُنْذُ بِدَايَةِ حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ. مِنَ الْمُهِمِّ أَنْ نَفْهَمَ ذَلِكَ. وَالْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِنْ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لَمْ يُسَاوِرِ الْكَنِيسَةُ أَدْنَى شَكٍّ فِي انْتِمَائِهَا إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

لَكِنْ يُظْهِرُ التَارِيخُ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، سَاوَرَتِ الْكَنِيسَةَ شُكُوكٌ، فِي مَرَاحِلَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ تَارِيخِهَا، حَوْلَ انْتِمَائِهَا إِلَى الْقَانُونِيَّةِ. أُثِيرَتْ شُكُوكٌ حَوْلَ رِسَالَةِ يَهُوذَا. وَهِيَ تُشَكِّلُ أَقَلَّ مِنْ صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَأُثِيرَتْ شُكُوكٌ حَوْلَ رِسَالَةِ بُطْرُسَ الثَانِيَةِ. وَأُثِيرَتْ شُكُوكٌ حَوْلَ رَسَائِلِ يُوحَنَّا الأُولَى، وَالثَانِيَةِ، وَالثَالِثَةِ. هَذِهِ أَصْغَرُ أَجْزَاءِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَأُثِيرَتْ شُكُوكٌ حَوْلَ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ. وَالسَبَبُ أَنَّ الأَصْحَاحَ السَادِسَ مِنَ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ يَبْدُو أَنَّهُ يُوحِي بِإِمْكَانِيَّةِ هَلاكِ الْمُؤْمِنِ. وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْ كُلِّ مَا عَلَّمَهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الأَمْرِ، فَابْتَدَأَ النَاسُ يَتَسَاءَلُونَ: هَلْ هَذَا السِفْرُ ضِمْنَ الْقَانُونِيَّةِ؟

وَهَكَذَا، عُقِدَتْ مَجَامِعُ وَلِقَاءَاتٌ. فَفَحَصُوا، وَصَنَّفُوا، وَغَرْبَلُوا. سَمِعْتُ عَالِمًا آخَرَ يَقُولُ: "كَيْفَ نَتَأكَّدُ مِنْ أَنَّ الأَسْفَارَ الصَحِيحَةَ أُدْرِجَتْ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، بَيْنَمَا كَانَ هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ سِفْرٍ يَدَّعِي حَمْلَ السُلْطَةِ الْكِتَابِيَّةِ، لَكِنِ انْتَهَى الْحَالُ إِلَى وُجُودِ 27 سِفْرًا فَقَطْ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ؟ مِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ أَنَّ لَدَيْنَا الأَسْفَارَ الصَحِيحَةَ؟" فَالاحْتِمَالاتُ ضِدُّ ذَلِكَ قَوِيَّةٌ جِدًّا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَرُبَّمَا نَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَدَيْنَا أَلْفُ مُتَنَافِسٍ، وَلَمْ يَنْجَحْ فِي النِهَايَةِ سوى 27، فَرُبَّمَا أُدْرِجَتْ أَسْفَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ، أَوِ اسْتُبْعِدَتْ أَسْفارٌ عَنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذَا رَاجَعْنَا عَمَلِيَّةَ فَحْصِ هَذِهِ الأَسْفَارِ عَبْرَ التَارِيخِ، سَنَجِدُ أَنَّ سِفْرَيْنِ إِلَى ثَلاثَةٍ فَقَطْ أُخِذُوا عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ مِنْ حَيْثُ إِدْرَاجُهُمْ فِي الْقَانُونِيَّةِ - رِسَالَةُ الرَاعِي لِهِرْمَاسَ، وَرِسَالَةُ إِكْلِيمِنْدُسَ الأُولَى – وَهُمَا سِفْرَانِ كُتِبَا فِي نِهَايَةِ الْقَرْنِ الأَوَّلِ. وَهُمَا وَثِيقَتَانِ رَائِعَتَانِ، وَصَحِيحَتَانِ لاهُوتِيًّا. وَسَبَبُ عَدَمِ إِدْرَاجِ هَذَيْنِ السِفْرَيْنِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ هُوَ أَنَّ كَاتِبَيْهِمَا نَفْسَيْهِمَا أَشَارَا إِلَى الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ سُلْطَانِهِمَا وَسُلْطَانِ الرُسُلِ، أَيْ إِنَّهُمَا جَرَّدا نَفْسَيْهِمَا مِنَ الأَهْلِيَّةِ. أَمَّا بَقِيَّةُ الأَسْفَارِ وَعَدَدُهَا 1898 أَوْ 1998، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، فَلَمْ تُعْطَ أَدْنَى اعْتِبَارٍ لِلَحْظَةٍ، لأَنَّهَا كَانَتْ كِتَابَاتٍ غْنُوسِيَّةً زَائِفَةً، وَكَانَ الْكُلُّ يَعْرِفُ ذَلِكَ.

لَكِنْ بِأَيِّ حَالٍ، الْقَلِيلُ مِنَ الأَسْفَارِ الَتِي انْتَهَى بِهَا الْحَالُ فِي قَانُونِيَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أُثِيرَتْ شُكُوكٌ حَوْلَها. إِذًا، السُؤَالُ الْمُتَبَقِّي الآنَ هُوَ: "كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ الصَحِيحُ؟ كَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّ الأَسْفَارَ الْمَوْجُودَةَ فِيهِ تَنْتَمِي حَقًّا إِلَيْهِ؟" قَدَّمَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ حَلًّا سَطْحِيًّا لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ. فَبِمَا أَنَّ الْكَنِيسَةَ مَعْصُومَةٌ، وَالْكَنِيسَةُ حَدَّدَتِ الأَسْفَارَ الَتِي تُدْرَجُ فِي الْقَانُونِيَّةِ، فَيَجِبُ أَلَّا نَقْلَقَ، لأَنَّنَا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ الأَسْفَارَ الصَحِيحَةَ أُدْرِجَتْ فِيهِ. تَتَعَامَلُ رُومَا مَعَ هَذَا الأَمْرِ بِقَوْلِهَا: "إِنَّ الْقَانُونِيَّةَ" - هَذِهِ الطَبْشُورَةُ تُثِيرُ جُنُونِي، وَتُصِيبُنِي بِالقُشْعَرِيرَةِ – دَائِمًا مَا يَخْتَلِطُ الأَمْرُ عَلَى النَاسِ حِينَ أَقُولُ هَذَا. "إِنَّ الْقَانُونِيَّةَ هُوَ جَمْعٌ مَعْصُومٌ لأَسْفَارٍ مَعْصُومَةٍ". أَرْجُو أَنْ نَفْهَمَ هَذَا. تَقُولُ الْكَنِيسَةُ: "نَعْلَم أَنَّ هُنَاكَ نَحْوَ 2027 مَخْطُوطَةٍ، أَوْ الْكَثِيرَ جِدًّا مِنَ الْمَخْطُوطَاتِ، وَأَنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا هُوَ كَلِمَةُ اللهِ الْمُوحَى بِهَا، وَالْبَعْضُ الآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَالآنَ، عَلَيْنَا أَنْ نَكْتَشِفَ أَيَّها هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. عَلَيْنَا جَمْعُ الْكِتَابَاتِ الْمَعْصُومَةِ. نَعْلَمُ أَنَّ رِسَالَةَ رُومِيَةَ مَعْصُومَةٌ، لأَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ. وَنَعْلَمُ أَنَّ إِنْجِيلَ مَتَّى مَعْصُومٌ، لأَنَّهُ كَلِمَةُ اللهِ، إِلَى آخِرِهِ. أَتَفْهَمُونَ مَا نَفْعَلُهُ؟ سَنَبْحَثُ عَنِ الأَسْفَارِ الْمُوحَى بِهَا، وَنَفْصِلُهَا عَنْ غَيْرِ الْمُوحَى بِهَا. وَتَقُولُ رُومَا إِنَّ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةَ مِنْ غَرْبَلَةٍ وَتَصْنِيفٍ وَتَقْيِيمٍ كَانَتْ فِعْلًا كَنَسِيًّا مَعْصُومَةً. إِذًا، كَانَتْ عَمَلِيَّةُ الْجَمْعِ نَفْسُهَا مَعْصُومَةً. أَتَفْهَمُونَ ذَلِكَ؟

أَمَّا البْرُوتِسْتَانْتِيَّةُ الْكْلاسِيكِيَّةُ فَتَقُولُ: "كَلَّا، كَانَ جَمْعُ الْقَانُونِيَّةِ عَمَلِيَّةً غَيْرَ مَعْصُومَةٍ، أَيْ جَمْعٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ لأَسْفَارٍ مَعْصُومَةٍ"، وَتَقُولُ إِنَّ الْكَنِيسَةَ حَاوَلَتْ أَنْ تَكُونَ مُخْلِصَةً وَطَائِعَةً. وَإِنَّ الْكَنِيسَةَ صَلَّتْ طَالِبَةً مَعُونَةً وَدَعْمًا مِنَ اللهِ. لَكِنَّ الْكَنِيسَةَ لَمْ تدَّعِ أَنَّهَا كَانَتْ مَعْصُومَةً. بَلْ فَقَطْ قَالَتْ: "عَلَى حَدِّ عِلْمِنَا، وَعَلَى حَدِّ إِمْكَانِيَّاتِنَا، وَبِحَسَبِ تَقْيِيمِنَا، هَذِهِ هِيَ الأَسْفَارُ الَتِي نَرَى وَنَقْبَلُ أَنَّهَا أَسْفَارٌ مُقَدَّسَةٌ، لَكِنَّنَا قَدْ نَكُونُ مُخْطِئِينَ".

هَذَا هُوَ الرَأْيُ الَذِي أَتَبَنَّاهُ. إِذَا سَأَلْتُمُونِي: "هَلْ يُمْكِنُ، يَا أَرْ. سِي. سْبْرُولْ، أَنْ يَكُونَ سِفْرٌ مَا قَدْ أُدْرِجَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ؟" سَأُجِيبُكُمْ: "نَعَمْ، هَذَا مُمْكِنٌ". وَإِذَا سَأَلْتُمُونِي: "يَا أَرْ. سِي. سْبْرُولْ، أَتَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تَكُونَ بَعْضُ الأَسْفَارِ، مْثِلُ رِسَالَةِ إِكْلِيمِنْدُسَ الأُولَى، لَمْ تُدْرَجْ عَنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ؟"، سَأُجِيبُكُمْ: "هَذَا مُمْكِنٌ". لَكِنْ إِذَا طَلَبْتُمْ مِنِّي أَنْ أُعْطِيَكُمْ فِي رَأْيِي نِسْبَةَ احْتِمَالِيَّةِ ذَلِكَ، فَسَأُجِيبُكُمْ: "لا يُوجَدُ احْتِمَالٌ وَلَوْ ضَئِيلٌ جِدًّا. فَمَا مِنْ عَمَلٍ قَامَتْ بِهِ مَجَامِعُ الْكَنِيسَةِ، عَبْرَ كُلِّ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، يَحْظَى بِثِقَتِي أَكْثَرَ مِنْ قَرَارَاتِ الْكَنِيسَةِ بِشَأْنِ إِدْرَاكِهَا لأَسْفَارِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ". كَانَ الأَمْرُ وَاضِحًا، وَلَمْ يَكُنْ حَقًّا بِالْمُهِمَّةِ الصَعْبَةِ.

كَانَتْ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةُ التَارِيخِيَّةُ قَطْعًا مُنْقَادَةً بِعِنَايَةِ اللهِ. وَلا أَظُنُّ أَنَّ أَيَّ مُؤْمِنٍ يَجِبُ أَنْ يَقْلَقَ حِيَالَ ذَلِكَ، لأَنَّنِي أَرَى أَنَّ لَدَيْنَا كُلَّ الأَسْبَابِ لِنُؤْمِنَ، فِي أَشَدِّ يَقِينٍ مُمْكِنٍ، بِأَنَّ الأَسْفَارَ الصَحِيحَةَ، بِنِعْمَةِ اللهِ، قَدْ سُلِّمَتْ بِشَكْلٍ سَلِيمٍ عَبْرَ الْعُصُورِ إِلَى الْكَنِيسَةِ الْيَوْمَ.