المحاضرة 9: اللغةُ التشابُهيَّةُ (الجُزْءُ الثَّانِي)

في دراسة علم الدفاعيات، يوضح لنا د. سبرول الجانب الرابع من الشروط الأساسية الضرورية للمعرفة - مبدأ الاستخدام التشابهي القياسي للغة. ربما هذا الشرط يبدو أنه الأكثر غموضًا للشخص العادي الذي ينخرط في قضايا تتعلق بالدفاعيات في عصرنا. يشرح د. سبرول مفهوم هذا الأمر.

نُتَابِعُ الْآنَ دِرَاسَتَنَا لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ، وَلِلْأَزْمَةِ اللُغَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَلَامِ عَنِ اللَّهِ. فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمَاضِيَةِ، تَحَدَّثْتُ عَنِ الْمُشْكِلَةِ الَتِي سَبَّبَهَا مَذْهَبُ وَحْدَةِ الْوُجُودِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِ كَلَامٍ لَهُ مَعْنًى عَنِ اللَّهِ. وَرَأَيْنَا رَدَّ الْفِعْلِ لِذَلِكَ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، فِي مُحَاوَلَةٍ لِاسْتِعَادَةِ مَا هُوَ فَائِقٌ لِلطَبِيعَةِ. وَرَأَيْنَا ظُهُورَ الْمَفْهُومِ الْجَدِيدِ الْقَائِلِ إِنَّ اللَّهَ آخَرُ تَمَامًا. أَشَاعَ ذَلِكَ اللَّاهُوتِيُّ كَارْلْ بَارْتْ، الَذِي وَجَّهَ أَيْضًا نَقْدًا لَاذِعًا خِلَالَ حَيَاتِهِ لِمَا يُسَمَّى بِاللَاهُوتِ الطَبِيعِيِّ، أَيْ مُحَاوَلَةِ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ عَنِ اللَّهِ مِنْ خِلَالِ اسْتِنْتَاجَاتٍ مُسْتَمَدَّةٍ مِنَ الطَبِيعَةِ. عَارَضَ بَارَتْ إِقْحَامَ الْمَنْطِقِ فِي اللَاهُوتِ. وَهُوَ الَذِي قَالَ، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلًا فِي حَدِيثِنَا عَنْ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، إِنَّهُ مَا لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى كِلَا طَرَفَيْ النَقِيضِ، لَا يَكُونُ قَدْ بَلَغَ النُضُوجَ. سَأَعْكِسُ ذَلِكَ وَأَقُولُ إِنَّهُ حِينَ يَتَمَكَّنُ أَحَدُهُمْ مِنَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى كِلَا طَرَفَيْ النَقِيضِ، يَكُونُ قَدْ بَلَغَ الْجُنُونَ أَخِيرًا.

لَكِنْ إِلَى جَانِبِ مُعَارَضَتِهِ لِلْمَنْطِقِ وَاللَاهُوتِ الطَبِيعِيِّ، شَنَّ هُجُومًا جِذْرِيًّا أَيْضًا عَلَى مَفْهُومٍ كَانَ مُتَأَصِّلًا بِعُمْقٍ فِي التَارِيخِ الْمَسِيحِيِّ، وَلَا سِيَّمَا كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْقِدِّيسُ تُومَا الْأَكْوِينِيُّ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ الَذِي يُسَمَّى "أَنَالُوجْيَا أَنْتِيسْ". هَذِهِ الْعِبَارَةُ اللَاتِينِيَّةُ - أَنَالُوجْيَا أَنْتِيسْ - مُصْطَلَحٌ مُتَخَصِّصٌ، لَكِنَّهُ أَسَاسِيٌّ جِدًّا لِهَذَا الْمَوْضُوعِ بِرُمَّتِهِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ "تَشَابُهُ الْكَيْنُونَةِ". عَارَضَ كَارْلْ بَارْتْ ذَلِكَ، قَائِلًا إِنَّهُ لَا تَشَابُهَ فِي الْكَيْنُونَةِ بَيْنَ اللَّهِ وَالْإِنْسَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ آخَرُ تَمَامًا. فَهُوَ يَسْمُو فَوْقَنَا تَمَامًا، وَبِالتَّالِي، هُوَ مُخْتَلِفٌ عَنَّا تَمَامًا.

فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَوْضِيحِ الْمَشَاكِلِ الَتِي يُسَبِّبُهَا ذَلِكَ لِلْمَسِيحِيَّةِ، دَعُونِي أُخْبِرُكُمْ بِقِصَّةٍ - وَهِيَ الْمِثَالُ الْمُفَضَّلُ لَدَيَّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ. تَتَعَلَّقُ الْقِصَّةُ بِتَجْرِبَةٍ مَرَرْتُ بِهَا مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ فِي كَنَدَا، حَيْثُ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إِلَى مَجْمُوعَةٍ مِنْ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ فِي إِحْدَى الْمُؤَسَّسَاتِ، وَكَانُوا مُعَارِضِينَ لِلَاهُوتِ الطَبِيعِيِّ وَالْعَقْلَانِيَّةِ، وَرَصَدُوا فِي لَاهُوتِي اعْتِمَادًا زَائِدًا عَنِ الْحَدِّ عَلَى الْقِدِّيسِ تُومَا الْأَكْوِينِيِّ، وَأَرِسْطُو، وَالْمَنْطِقِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَفِي مُنَاقَشَتِنَا، قَالُوا لِي - وَكُنْتُ بِمُفْرَدِي ضِدَّ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ جَمِيعِهِمْ. قَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ اللَاهُوتِيِّينَ الْبَارِزِينَ هُنَاكَ: "نُوَاجِهُ مُشْكِلَةً مَعَ نَظْرَتِكَ عَنِ اللَاهُوتِ الطَبِيعِيِّ، لِأَنَّنَا نُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ آخَرُ تَمَامًا". فَقُلْتُ: "حَسَنًا، لَوْ كَانَ اَللَّهُ آخَرَ تَمَامًا، فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْهُ؟" فَأَجَابَنِي عَلَى الْفَوْرِ كَمَا أَجَابَ كَارِلْ بَارْتْ قَبْلًا، بِأَنَّنَا لَا نَعْرِفُ اللَّهَ بِالتَخْمِينِ أَوْ الِاسْتِنْتَاجِ الْمَنْطِقِيِّ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ بِالْإِعْلَانِ. فَهَذَا الْإِلَهُ الْمُتَسَامِي يُعْلِنُ لَنَا عَنْ ذَاتِهِ. فَقُلْتُ: "حَسَنًا، دَعْنِي أَسْأَلُكَ مُجَدَّدًا، كَيْفَ يُعْلِنُ لَنَا عَنْ ذَاتِهِ؟" فَأَجَابَ: "هُوَ يُعْلِنُ لَنَا عَنْ ذَاتِهِ مِنْ خِلَالِ التَارِيخِ، وَالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَفَوْقَ الْكُلِّ مِنْ خِلَالِ الْمَسِيحِ". فَقُلْتُ: "لَا أَظُنُّ أَنَّكُمْ تَفْهَمُونَنِي. رُبَّمَا لَمْ أَكُنْ وَاضِحًا. وَلَمْ أُصِغِ السُّؤَالَ كَمَا يَنْبَغِي. مَا أُحَاوِلُ أَنْ أَعْرِفَهُ هُوَ كَيْفَ يُمْكِنُ لِكَائِنٍ مُخْتَلِفٍ عَنِّي تَمَامًا، وَلَا يُوجَدُ أَيُّ تَشَابُهٍ فِي الْكَيْنُونَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، أَنْ يُخْبِرَنِي بِشَيْءٍ عَنْ ذَاتِهِ؟ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْلِنَ لَنَا أَيَّ شَيْءٍ، بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ، إِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ أَيَّةُ وَسِيلَةِ اتِّصَالٍ بَيْنَنَا؟ فَإِذَا كُنَّا كَائِنَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَمَامًا، مَا الْأَرْضِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ لِلتَوَاصُلِ بَيْنَنَا؟" وَأَخِيرًا، اتَّضَحَتِ الْأُمُورُ، وَضَرَبَ هَذَا اللَاهُوتِيُّ جَبْهَتَهُ بِيَدِهِ - هَكَذَا - قَائِلًا: "رُبَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَلَّا أَقُولَ إنَّ اللَّهَ آخَرُ تَمَامًا". فَقُلْتُ: "هَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِكَ ذَلِكَ، تَفْتَحُ الْبَابَ أَمَامَ الشُكُوكِيِّ لِيَقُولَ لَكَ إنَّ لُغَتَكَ عَنِ اللَّهِ بِلَا مَعْنًى، لِأَنَّ الْفَيْلَسُوفَ يَعْرِفُ الْفِكْرَةَ الَتِي طَرَحْتُهَا لِتَوِّي، وَهِيَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَشَابُهٌ بَيْنَ اللَّهِ وَالْإِنْسَانِ، لَنْ تُوجَدَ أَرْضِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ وَسِيلَةٌ لِلتَوَاصُلِ".

سَأُحَاوِلُ التَوْضِيحَ. لِنَنْتَهِ مِنْ ذَلِكَ. شَاهَدَ بَعْضُكُمْ مُنْذُ سَنَوَاتٍ الْفِيلْمَ مِنْ بُطُولَةِ بُولْ - قَائِدِ سَيَّارَةِ السِبَاقِ - بُولْ نِيُومَانْ، بِعُنْوَانِ "Cool Hand Luke". وَبِالْمُنَاسَبَةِ، كَانَ لُوكْ رَمْزًا لِلْمَسِيحِ فِي الْفِيلْمِ. هَذَا خَيَالٌ إِبْدَاعِيٌّ. وَطَوَالُ الْفِيلْمِ، وَاجَهَ السُجَنَاءُ مَشَاكِلَ بِسَبَبِ تَقْيِيدِهِمْ مَعًا بِسَلَاسِلَ. وَأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ نَسْمَعُ جُمْلَةَ: "نُعَانِي صُعُوبَةً فِي التَوَاصُلِ". وَأَصْبَحَتْ هَذِهِ وَاحِدَةً مِنَ الْجُمَلِ الرَئِيسِيَّةِ فِي الْفِيلْمِ. فَمَا يَلْزَمُ لِلتَوَاصُلِ هُوَ وُجُودُ أَرْضِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، حَتَّى يَتَحَدَّثَ النَاسُ مَعًا. فَإِذَا ذَهَبْتَ إِلَى بَلَدٍ أَجْنَبِيٍّ، مِثْلِ رُوسْيَا، وَلَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ شَيْئًا عَنِ اللُغَةِ الرُّوسِيَّةِ، وَكَانَ الشَخْصُ الَذِي سَتَلْتَقِي بِهِ هُنَاكَ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا عَنِ اللُّغَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ، سَتَجِدَانِ صُعُوبَةً فِي التَوَاصُلِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ أَيْدِيكُمَا مُقَيَّدَةً، فَعَجَزْتُمَا عَنِ التَعْبِيرِ بِالْإِشَارَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ. قَدْ تَسْمَعُ اَلْكَلَامَ، فَيَبْدُو لَكَ كَالطَلَاسِمِ. لَكِنْ حِينَ يَتَحَدَّثُ رُوسِيَّانِ مَعًا، يَعْرِفَانِ تَمَامًا مَا يَقُولُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا يَتَحَدَّثَانِ اللُّغَةَ نَفْسَهَا.

رُبَّمَا أَقُولُ إِنَّنِي أَتَحَدَّثُ لُغَتَكُمْ أَنْتُمُ الْأَمْرِيكِيِّينَ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا صَحِيحًا أوْ خَطَأً. تَذَكَّرُوا تَعْلِيقَ وِنِسْتُونْ تْشِرْشِلْ بِأَنَّ الْأَمِيرِكِيِّينَ وَالْبَرِيطَانِيِّينَ شَعْبَانَ تَفْصِلُهُمَا لُغَةٌ مُشْتَرَكَةٌ (يُعْجِبُنِي هَذَا الْقَوْلُ). فَإِذَا قُلْتُ لَكُمْ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ فِي الصَفِّ الْأَمَامِيِّ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ، أَظُنُّ أَنَّكُمْ سَتَفْهَمُونَ جَيِّدًا مَا أَقْصِدُهُ بِقَوْلِي إِنَّهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسيٍّ، لِأَنَّكُمْ تَفْهَمُونَ مَا تُشِيرُ إِلَيْهِ كَلِمَةُ كُرْسِيٍّ.

وَكَيْفَ فَهِمْتُمْ مَعْنَى كَلِمَةِ كُرْسِيٍّ؟ أَتَسَاءَلُ عَنْ آلَافِ أَوْ رُبَّمَا مَلَايِينِ الْمَرَّاتِ فِي حَيَاتِكُمْ الَتِي رَأَيْتُمْ فِيهَا كَرَاسي. وَكُلَّمَا رَأَيْتُمْ أَشْيَاءَ كَتِلْكَ الْكَرَاسِي فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ، تُسَجِّلُونَ فِي عُقُولِكُمْ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ هَذَا الشَيْءِ وَوَظِيفَتِهِ، وَتِلْكَ الْكَلِمَةِ الْبَسِيطَةِ ك-ر-س-ي. وَتَكُوِّنُونَ فِكْرَةً، كَمَا قَالَ أَفْلَاطُونُ، عَنْ خَصَائِصِ الْكُرْسِيِّ، مِنْ خِلَالِ كُلِّ خِبْرَاتِكُمْ مَعَ الْكَرَاسِي، بِحَيْثُ يَكُونُ مَفْهُومُكُمْ لِمَعْنَى كَلِمَةِ كُرْسِيٍّ مَبْنِيًّا فِي النِهَايَةِ عَلَى خِبْرَتِكُمْ الْخَاصَّةِ مَعَ الْكَرَاسِي.

لَمْ يَمُرَّ أَيُّ شَخْصَيْنِ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ بِالْخِبْرَةِ الشَخْصِيَّةِ نَفْسِهَا مَعَ الْكَرَاسِي. فَتَجْرِبَتُكُمْ مَعَ الْكَرَاسِي تَخْتَلِفُ عَنْ تَجْرِبَتِي. أَنْتُمْ أَصْغَرُ عُمْرًا مِنِّي، وَأَفْتَرِضُ أَنَّكُمْ رَأَيْتُمْ عَدَدًا مِنَ الْكَرَاسِي أَقَلَّ مِنَ الَّذِي رَأَيْتُهُ. وَأَنْتُمْ تَعِيشُونَ فِي عَصْرٍ مُخْتَلِفٍ، حَيْثُ تَتَغَيَّرُ أَشْكَالُ الْكُرْسِي مِنْ عَقْدٍ إِلَى آخَرَ. فَثَمَّةَ كَرَاسٍ مَأْلُوفَةٌ لَدَيَّ تَعُودُ إِلَى الْأَرْبَعِينيَّاتِ وَالْخَمْسِينَيَّاتِ رُبَّمَا لَنْ تَعْرِفُوا حَتَّى أَنَّهَا كَرَاسٍ. إِذَنْ، لَدَيْنَا خَلْفِيَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الْخِبْرَاتِ مَعَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. إِذَنْ، عِنْدَمَا أَقُولُ "كُرْسِيًّا"، وَتَسْمَعُونَ كَلِمَةَ "كُرْسيٍّ"، تَسْمَعُونَ شَيْئًا مُخْتَلِفًا عَمَّا أَقُولُهُ، لِأَنَّ مَفْهُومَكُمْ لِكَلِمَةِ كُرْسِيٍّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ خِبْرَتِكُمْ الشَخْصِيَّةِ مَعَ الْكَرَاسِي، وَمَفْهُومِي لِلْكَرَاسِي مُسْتَمَدٌّ مِنْ خِبْرَتِي الشَخْصِيَّةِ مَعَ الْكَرَاسِي. وَإِذَا كَانَتْ هَاتَانِ التَجْرِبَتَانِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَبِقَدْرِ اخْتِلَافِهِمَا، يَنْشَأُ سُوءُ الْفَهْمِ أَوْ الِافْتِرَاضَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ. لَكِنَّ خِبْرَاتِنَا مَعَ الْكَرَاسِي مُتَشَابِهَةٌ جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ رَغْمَ عَدَمِ تَطَابُقِ خِبْرَاتِنَا مَعَ كَلِمَةِ كُرْسِيٍّ، تُعَدُّ أَوْجُهُ الشَبَهِ بَيْنَ خِبْرَاتِنَا مَعَ الْكَرَاسِي مُتَقَارِبَةً جِدًّا، حَتَّى إِنَّ أَيَّ اخْتِلَافٍ فِي فَهْمِ كَلِمَةِ كُرْسِيٍّ يَكُونُ طَفِيفًا جِدًّا، وَبِذَلِكَ عَدِيمَ اَلْأَهَمِّيَّةِ. فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ مَا أَقْصِدُهُ عِنْدَمَا أَقُولُ "كُرْسِيًّا". وَبِهَذَا، يُمْكِنُنَا إِجْرَاءُ حَدِيثٍ لَهُ مَعْنًى، فَتَفْهَمُونَ فِيهِ مَا أَقُولُهُ، وَأَفْهَمُ مَا تَقُولُونَهُ.

الْيَوْمَ الْفَائِتَ، كُنْتُ أَتَحَدَّثُ فِي مُؤْتَمَرٍ عَنِ التَسَامِي وَالْحُلُولِ الْإِلَهِيِّ. وَإِحْدَى السَيِّدَاتِ الْحَاضِرَاتِ الْيَوْمَ - لَنْ أَكْشِفَ عَنْ هُوِيَّتِهَا - ظَنَّتْ أَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْنِي أَقُولُ "حُلُولًا" بَلْ "حَلْوًى". وَلِمَ حَدَثَ سُوءُ الْفَهْمِ هَذَا؟ كَمْ عَدَدُ الْمَرَّاتِ الَتِي سَمِعَتْ فِيهَا مُصْطَلَحَ "حُلُولٍ" مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيٍّ أَوْ لَاهُوتِيٍّ؟ رُبَّمَا لَمْ تَسْمَعْهُ قَطُّ قَبْلًا. فَلَمْ تَكُنْ لَدَيْهَا خِبْرَةٌ مَعَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَخِبْرَتُهَا مَعَهَا، حِينَ سَمِعَتْهَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، لَمْ تَخْتَلِفْ كَثِيرًا عَنْ خِبْرَتِي مَعَهَا حِينَ سَمِعْتُهَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، حَيْثُ أُصِبْتُ بِالدَهْشَةِ الشَدِيدَةِ. وَكُنْتُ لِأُصْبِحَ أَفْضَلَ حَالًا لَوْ سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ يَقُولُ "حَلْوَى"، بَدَلًا مِنْ "حُلُولٍ". وَبِالتَالِي، حِينَ نَسْمَعُ كَلِمَاتٍ أَكْثَرَ غُمُوضًا وَغَرَابَةً، وَأَقَلَّ شُيُوعًا، يَنْهَارُ مَبْدَأُ التَآلُفِ مَعَ الْكَلِمَاتِ، فَنَجِدُ صُعُوبَةً فِي التَوَاصُلِ، لِأَنَّكَ قَدْ لَا تَدْرِي مَاذَا أَقُولُ، إِذَا اِسْتَخْدَمْتُ مُصْطَلَحَاتٍ مُعَقَّدَةً غَيْرَ مَأْلُوفَةٍ لَدَى الْجَمِيعِ. إِذَنْ، نُدْرِكُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلُغَةٍ أَنْ تَنْهَارَ عِنْدَمَا يَقِلُّ تآلُفُنَا مَعَ الْكَلِمَاتِ الَتِي نَسْتَخْدِمُهَا بَعْضُنَا مَعَ بَعْضٍ. مَا عَلَاقَةُ ذَلِكَ بِاللَّهِ وَبِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ؟ مُجَدَّدًا، لَوْ كَانَ اللَّهُ مُخْتَلِفًا عَنَّا تَمَامًا، لَنْ تَكُونَ لَدَيْنَا أَرْضِيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ تَآلُفٌ مُشْتَرَكٌ. وَكُلُّ مَا سَيَقُولُهُ لَنَا عَنْ نَفْسِهِ لَنْ يَمُتَّ لَنَا بِصِلَةٍ لَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا عَنَّا كُلِّيَّةً. فَإِنْ قَالَ: "أَنَا كُلِّيُّ الْقُدْرَةِ"، فَقُلْنَا: "مَهْلًا، أَعْرِفُ بَعْضَ الشَيْءِ عَنِ الْقُدْرَةِ الْكُلِّيَّةِ. لَمْ أَلْتَقِ قَبْلًا بِكَائِنٍ كُلِّيِّ الْقُدْرَةِ، لَكِنْ يُمْكِنُنِي تَحْلِيلُ مُصْطَلَحِ ‘قُدْرَةٌ كُلِّيَّةٌ’ لِأَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَاهَا "كُلِّيُّ الْقُوَّةِ". أَفْهَمُ كَلِمَةَ ‘قُوَّةٍ’ لِأَنَّنَا نُمَارِسُ الْقُوَّةَ. وَقُوَّتُنَا مَحْدُودَةٌ. لَكِنْ مَعَ أَنَّنِي لَمْ أَشْهَدْ قَطُّ قُوَّةً غَيْرَ مَحْدُودَةٍ، يُمْكِنُ عَلَى الْأَقَلِّ أَنْ أَتَخَيَّلَ شَكْلَ الْقُوَّةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ، لِأَنَّنِي أَرَى دَرَجَاتٍ مِنَ الْقُوَّةِ فِي الْعَالَمِ الَذِي أَعِيشُ فِيهِ". إِذَنْ، عِنْدَمَا يُعْلِنُ لَنَا اللَّهُ أَنَّهُ قَوِيٌّ، أَجِدُ لَدَيَّ فِكْرَةً عَنِ الْقُوَّةِ، بِحَيْثُ حِينَ يُكَلِّمُنِي وَيَقُولُ إِنَّهُ قَوِيٌّ، تَكُونُ لَدَيَّ نُقْطَةُ تَوَاصُلٍ مَعَ الْقُوَّةِ. لَكِنْ يَحْدُثُ هَذَا فَقَطْ حِينَ يَكُونُ بَيْنَنَا بَعْضُ التَشَابُهِ.

دَعُونِي أَتَوَقَّفُ قَلِيلًا لِتَقْدِيمِ دَرْسٍ بَسِيطٍ فِي التَارِيخِ. فَمَسْأَلَةُ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَكَفَاءَةُ اللُّغَةِ الْبَشَرِيَّةِ فِي التَّكَلُّمِ عَنْ إلَهٍ قُدُّوسٍ وَمُتَسَامٍ، لَيْسَتْ وَلِيدَةَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. تَعُودُ الْمَسْأَلَةُ إِلَى تَارِيخِ الْفِكْرِ النَظَرِيِّ. وَكَانَ عَلَى الْقِدِّيسِ تُومَا اَلْأَكْوِينِيِّ التَّعَامُلُ مَعَهَا، إِذْ كَانَ دِفَاعِيًّا فِي أَيَّامِهِ. مَيَّزَ الْأَكْوِينِيُّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ اللُّغَةِ - ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ اللُّغَةِ الْوَصْفِيَّةِ - سَبَقَ أَنْ تَطَرَّقْتُ إِلَيْهَا فِي مُقَرَّرَاتٍ أُخْرَى فِي لِيجُونِيرْ، لَكِنْ سَنَتَنَاوَلُهَا هُنَا مُجَدَّدًا. فَقَدْ مَيَّزَ أَوَّلًا بَيْنَ اللُغَةِ أُحَادِيَّةِ الْمَعْنَى. وَثَانِيًا، تَحَدَّثَ عَنِ اللُغَةِ الْمُلْتَبِسَةِ. وَثَالِثًا، اللُّغَةِ التَشَابُهِيَّةِ.

مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثلَاثَةِ؟ اللُغَةُ أُحَادِيَّةُ الْمَعْنَى هِيَ وَصْفُ طَرَفَيْنِ لِأَمْرٍ مَا فِي تَطَابُقٍ تَامٍّ. فَمَثَلاً، إِنْ كَانَ مَفْهُومِي عَنْ الْكُرْسِيِّ مُطَابِقًا تَمَامًا لِمَفْهُومِكُمْ عَنِ الْكُرْسِيِّ، يَكُونُ التَوَاصُلُ بَيْنَنَا أُحَادِيَّ الْمَعْنَى، أَيْ يَكُونُ لَنَا صَوْتٌ وَاحِدٌ مُتَطَابِقٌ. أَمَّا اللُغَةُ الْمُلْتَبِسَةُ، فَهِيَ حِينَ يَتَغَيَّرُ مَعْنَى اللَّفْظِ جِذْرِيًّا خِلَالَ الْحَدِيثِ. وَالْمِثَالُ لِذَلِكَ هُوَ أَنَّنِي حِينَ أَعَلِّمُ اَلْمَنْطِقَ لِطُلَّابِي بِكُلِّيَّةِ اَللَّاهُوتِ، وَأُعَلِّمُهُمْ مُغَالَطَةَ الِالْتِبَاسِ فِي الْمَعْنَى، أَشْرَحُ لَهُمْ مُغَالَطَةَ الِالْتِبَاسِ فِي الْمَعْنَى عَنْ طَرِيقِ إِثْبَاتِ أَنَّ الْقُطَّةَ لَهَا تِسْعَةُ ذُيُولٍ.

هَلْ تَذْكُرُ حِينَ أَثْبَتُّ لَكَ يَا رُوجِر أَنَّ الْقِطَّةَ لَهَا تِسْعَةُ ذُيُولٍ؟ سَنَفْعَلُ ذَلِكَ مُجَدَّدًا. فَرَضِيَّتِي الْأُولَى فِي الْمُعَادَلَةِ هِيَ: لَا قِطَّةَ لَهَا ثَمَانِيَةُ ذُيُولٍ. أَتُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ يَا رُوجِر؟ فَأَنْتَ لَمْ تَرَ قَطُّ قَطَّةً لَهَا ثَمَانِيَةُ ذُيُولٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ حَسَنًا، سَأُثْبِتُ لَكَ الْآنَ أَنَّ الْقِطَطَ لَهَا تِسْعَةُ ذُيُولٍ. لَا قِطَّةَ لَهَا ثَمَانِيَةُ ذُيُولٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَإِلَيْكَ سُؤَالِي. إنْ كَانَ لَدَيَّ صُنْدُوقَانِ، وَفِي أَحَدِ الصُنْدُوقَيْنِ قَطَّةٌ، وَكَانَ الْآخَرُ فَارِغًا. لَدَيْنَا إِذَنْ صُنْدُوقٌ فَارِغٌ هُنَا، وَآخَرُ فِيهِ قِطَّةٌ. وَالْآنَ سَأَخْتَبِرُ مَعْلُومَاتِكُمْ فِي الْحِسَابِ. كمْ عَدَدُ الْقِطَطِ الَذِي يَزِيدُ فِي هَذَا الصُنْدُوقِ عَنِ الصُنْدُوقِ الْآخَرِ يَا رُوجِرْ؟ وَاحِدٌ، شُكْرًا جَزِيلًا. وَكَمْ عَدَدُ ذُيُولِ الْقِطَطِ الَذِي يَزِيدُ فِي هَذَا الصُنْدُوقِ عَنِ الصُنْدُوقِ الْآخَرِ؟ وَاحِدٌ. وَكَمْ عَدَدُ الْقِطَطِ فِي هَذَا الصُنْدُوقِ؟ صِفْرٌ. إِذَنْ لَا قِطَّةَ فِي هَذَا الصُنْدُوقِ، وَتُوجَدُ قِطَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الصُنْدُوقِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِذَنْ، لَدَيَّ ذَيْلٌ إِضَافِيٌّ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ عَنِ الْآخَرِ. إِذَنْ، سَأَقُولُ إِنَّ قِطَّةً وَاحِدَةً لَدَيْهَا ذَيْلٌ إِضَافِيٌّ عَنْ مَاذَا؟ عَنْ لَا قِطَّةَ. هَذِهِ مَسْأَلَةٌ بَسِيطَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِنْتَاجِ. فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ لَا قَطَّةَ لَهَا ثَمَانِيَةُ ذُيُولٍ، وَقَطَّةٌ وَاحِدَةٌ لَهَا ذَيْلٌ وَاحِدٌ إِضَافِيٌّ عَنْ لَا قَطَّةٍ، فَكَمْ عَدَدُ ذُيُولِ الْقَطَّةِ الْوَاحِدَةِ؟ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إِثْبَاتُهُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ ثَمَانِيَةٌ زَائِدُ وَاحِدٍ يُسَاوِي مَاذَا؟ تِسْعَةً. إِذَنْ، نَسْتَنْتِجُ بِمَنْطِقٍ لَا يُقَاوَمُ أَنَّ قِطَّةً وَاحِدَةً لَهَا تِسْعَةُ ذُيُولٍ. خَدَعْتُكُمْ. وَمَا الْخُدْعَةُ؟ مَاذَا حَدَثَ فِي هَذَا التَسَلْسُلِ الْمَنْطِقِيِّ؟ مَعْنَى عِبَارَةِ "لَا قِطَّةَ" تَغَيَّرَ فِي مُنْتَصَفِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَلَفَ مَعْنَاهُ هُنَا تَمَامًا عَنْ مَعْنَاهُ هُنَا، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِمُغَالَطَةِ الِالْتِبَاسِ فِي الْمَعْنَى.

سَأُقَدِّمُ مَثَلًا آخَرَ. ذَهَبَ رَجُلٌ إِلَى الْمَسْرَحِ لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى قِرَاءَةٍ أَدَبِيَّةٍ لمَسْرَحِيَّةٍ، وَعِنْدَمَا عَادَ مِنَ الْمَسْرَحِ، سَأَلْتُهُ: "كَيْفَ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الْمَسْرَحِيَّةُ؟" أَجَابَنِي: "كَانَتْ قِرَاءَةً جَافَّةً". قِرَاءَةً جَافَّةً. أَتَقْصِدُ أَنَّ الرَّاوِيَ كَانَ يُمْسِكُ بِوَرَقٍ مُجَفَّفٍ؟ كَلَّا، لَيْسَ هَذَا مَا سَتَفْهَمُهُ مِنْ كَلَامِهِ. بَلْ سَتَفْهَمُ أَنَّ شَيْئًا مَا كَانَ نَاقِصًا، رُبَّمَا بَعْضُ التَعْبِيرِ أَوِ الِانْفِعَالَاتِ. لَمْ تَكُنِ الْقِرَاءَةُ مُشَوِّقَةً، وَلِهَذَا نَقُولُ إِنَّهَا جَافَّةٌ. هَذَا مَا يُعْرَفُ بِالِاسْتِخْدَامِ الْمُلْتَبِسِ لِلَفْظِ "جَافٍّ"، حَيْثُ إِنَّنَا نَسْتَخْدِمُ بِالطَبِيعَةِ اللَفْظَ "جَافٍّ" بِمَعْنَى غَيْرِ مُبْتَلٍّ. لَكِنَّنَا غَيَّرْنَا مَعْنَاهُ عَنِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ، وَاسْتَخْدَمْنَاهُ لِوَصْفِ الْقِرَاءَةِ. وَبِهَذَا، تَغَيَّرَ مَعْنَى اللَفْظِ جِذْرِيًّا. إِذَنْ، الْفَرْقُ بَيْنَ اللُّغَةِ أُحَادِيَّةِ الْمَعْنَى وَاللُغَةِ الْمُلْتَبِسَةِ هُوَ أَنَّ اللُغَةَ أُحَادِيَّةَ الْمَعْنَى تَحْمِلُ تَشَابُهًا دَقِيقًا فِي الْمَعْنَى، أَيْ تَطَابُقًا. أَمَّا فِي اللُغَةِ الْمُلْتَبِسَةِ، فَتَتَغَيَّرُ الْمَعَانِي جِذْرِيًّا مِنْ شَخْصٍ إِلَى الْآخَرِ.

لَكِنَّ الْأَكْوِينِيَّ قَالَ إِنَّهُ يُوجَدُ نَوْعٌ مِنَ اللُغَةِ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ اللُغَةُ التَشَابُهِيَّةُ. وَاللُغَةُ التَشَابُهِيَّةُ تَعْنِي أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ يَتَغَيَّرُ بِالتَنَاسُبِ مَعَ اخْتِلَافِ الْكَائِنَاتِ الَتِي تُوصَفُ. دَعُونِي أُكَرِّرُ هَذَا. يَتَغَيَّرُ مَعْنَى اللَفْظِ بِالتَنَاسُبِ مَعَ اخْتِلَافِ الْكَائِنَاتِ الَتِي تُوصَفُ. سَأُقَدِّمُ مِثَالًا لِهَذَا. هَلْ لَدَيْكَ كَلْبٌ؟ هَلْ لَدَيْكَ كَلْبٌ؟ مَنْ لَدَيْهِ كَلْبٌ؟ هَلْ كَلْبُكَ صَالِحٌ؟ لَدَيَّ كَلْبٌ صَالِحٌ. فَحِينَ يَقُولُ لِي أَحَدُهُمْ إِنَّ كَلْبَهُ صَالِحٌ، هَلْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّ كَلْبَهُ لَدَيْهِ وَعْيٌ أَخْلَاقِيٌّ، وَضَمِيرٌ حَسَّاسٌ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَوَابِ وَالْخَطَأِ؟ هَلْ هَذَا مَا تَقْصِدُهُ؟ كَلَّا، فَأَنْتَ لَا تَقْصِدُ أَنَّ كَلْبَكَ يَجْلِسُ وَيُفَكَّرُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. فَعِنْدَمَا قُلْتَ إنَّ كَلْبَكَ صَالِحٌ، كُنْتَ تَقْصِدُ أَنَّهُ يَأْتِي إِلَيْكَ عِنْدَمَا تُنَادِيهِ، وَأَنَّهُ مُدَرَّبٌ عَلَى الْعَيْشِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهُ لَا يَعُضُّ سَاعِيَ الْبَرِيدِ فِي قَدَمِهِ. هَذَا مَعْنَى "صَالِحٍ" هُنَا. لَكِنْ إِذَا قُلْتُ إِنَّ فَرِيدَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَهَلْ أَقْصِدُ أَنَّهُ يَأْتِي حِينَ أُنَادِيهِ، وَأَنَّهُ مُدَرَّبٌ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهُ لَا يَعُضُّ سَاعِي الْبَرِيدِ فِي قَدَمِهِ؟ كلَّا الْبَتَّةَ. فَبِقَوْلِي إِنَّ فَرِيدَ رَجُلٌ صَالِحٌ، أَقْصِدُ مَعْنًى مُخْتَلِفًا عَمَّا أَقْصِدُهُ بِقَوْلِي إِنَّ كَلْبِي كَلْبٌ صَالِحٌ، لِأَنَّ الصِفَةَ "صَالِحٌ" تَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْكَائِنَاتِ الَتِي تُوصَفُ.

نَقُولُ أَيْضًا إِنَّ اللَّهَ صَالِحٌ. فَصَلَاحُ اللَّهِ يُشْبِهُ صَلَاحَنَا، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لَهُ، بَلْ هُوَ أَسْمَى وَأَفْضَلُ. فَلَيْسَ فِي صَلَاحِهِ أَيُّ عُيُوبٍ، بَيْنَمَا صَلَاحُنَا مَلِيءٌ بِالْعُيُوبِ. إِذَنْ، حَتَّى حِينَ أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ صَالِحٌ، لَسْتُ أسْتَخْدِمُ اللَفْظَ "صَالَحٍ" بِشَكْلٍ أُحَادِيِّ الْمَعْنَى، بَلْ أَسْتَخْدِمُهُ بِالْمَعْنَى التَشَابُهِيِّ. لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَهُ مَعْنًى. وَيَصِيرُ لَهُ مَعْنًى كِتَابِيٌّ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا عَلَى صُورَتِهِ وَكَشَبَهِهِ، بِحَيْثُ أَمَدَّنَا اللَّهُ فِي الْخَلْقِ بِالْأُسُسِ وَالْإِمْكَانِيَّاتِ اللَّازِمَةِ لِيَصِلَنَا مِنْهُ كَلَامٌ لَهُ مَعْنًى، نَفْهَمُهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ.