المحاضرة 6: قَانُونُ السَبَبِيَّةِ
على مدار التاريخ، تم استخدام "قانون السببية" للدفاع عن وجود الله من خلال التفكير بشكل منطقي بداية من شكل هذا العالم إلى استنتاج سبب كاف أو مقبول يفسر هذا العالم أو هذا الكون. ينص القانون نفسه على "أن كل تأثير يجب أن يكون له سبب سابق". لذلك نسأل، "هل لدى الله سبب لوجوده؟" يبحث د. سبرول في هذا القسم من علم الدفاعيات عن طريق الوعظ نيابة عن إلهنا الذي هو قائم بذاته، كائن سرمدي مستقل، ولكنه سرمدي.
نُواصِلُ دِرَاسَتَنا لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ. نَدْرُسُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ أَرْبَعَةَ مَبادِئَ لِلْمَعْرِفَةِ، تُعَدُّ حَيَوِيَّةً جِدًّا لأَيِّ دِفَاعٍ سَلِيمٍ عَنِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَهِيَ مَبَادِئُ تَتَعرَّضُ لِلْهُجُومِ الْمُسْتَمِرِّ مِنَ الَذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ اللهِ. وَحَتَّى الآنَ، ذَكَرْنَا أَرْبَعَةً مِنَ الْمَبَادِئِ الَتِي أُسَمِّيهَا بِالْمَبَادِئِ غَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلتَفَاوُضِ، وَاللازِمَةِ لِلْمَعْرِفَةِ الْبَشَرِيَّةِ، أَوَّلاً. وَهِيَ أَيْضًا مَبَادِئُ مُسَلَّمٌ بِهَا مِنَ الْجَمِيعِ، وَمُسَلَّمٌ بِهَا أَيْضًا فِي صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَأُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّ الْمَبَادِئَ الأَرْبَعَةَ الَتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ؛ وَثَانِيًا، قَانُونُ السَبَبِيَّةِ. وَثَالِثًا، الْمَوْثُوقِيَّةُ الأَسَاسِيَّةُ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ. وَرَابِعًا، الاسْتِخْدَامُ التَشَابُهِيُّ لِلُّغَةِ.
تَنَاوَلْنَا بِالْفِعْلِ قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ. وَكَمَا تَذْكُرُونَ، قُلْتُ إِنَّهُ يُمْكِنُ لِلنَّاسِ قَطْعًا أَنْ يُنْكِرُوا صِحَّةَ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ. وَهُمْ يَفْعَلونَ ذَلِكَ كَثِيرًا. لَكِنَّنِي أَشَرْتُ إِلَى أَنَّ أَيَّ إِنْكارٍ لِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ مُتَكَلِّفٌ وَمُؤَقَّتٌ، لأَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ تَعِيشَ، أَوْ حَتَّى أَنْ تَصْمُدَ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً، وَأَنْتَ تُنْكِرُ بِاسْتِمْرَارٍ صِحَّةَ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ. فَلا يُمْكِنُكَ أَنْ تَقُودَ سَيَّارَتَكَ إِلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، ثُمَّ تَرَى شَاحِنَةً كَبِيرَةً مُقْبِلَةً نَحْوَكَ عَلَى الطَرِيقِ السَرِيعِ، فَتَقُولُ لِنَفْسِكَ: "يَا نَفْسِي، تُوجَدُ وَلا تُوجَدُ شَاحِنَةٌ هُنَاكَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَدَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا". فَمَعَ أَنَّكَ أَنْكَرْتَ بِفَمِكَ قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ، سَتَضْغَطُ عَلَى الْكَوَابِحِ، لأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ الصُمودَ فِي عَالَمٍ مُتَنَاقِضٍ.
حَسَنًا، لِنَنْتَقِلِ الآنَ إِلَى الْمَبْدَأِ الثَانِي، وَهُوَ مَبْدَأُ السَبَبِيَّةِ. وَمَبْدَأُ السَبَبِيَّةِ اسْتُخدِمَ بِطَرِيقَةٍ مُذْهِلَةٍ عَبْرَ تَارِيخِ الْفِكْرِ النَظَرِيِّ الْغَرْبِيِّ، لإِثْبَاتِ وُجُودِ اللهِ، انْطِلاقًا مِنْ شَكْلِ هَذَا الْعَالَمِ، وَرُجُوعًا إِلَى سَبَبٍ كَافٍ، يُمْكِنُ أَنْ يُفَسِّرَ وُجُودَ هَذَا الْعَالَمِ أَوْ هَذَا الْكَوْنِ. وَهَكَذَا، انْطَلَقَ الْمُفَكِّرُونَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى - بَلْ وَقَبْلَ ذَلِكَ - مِنْ قَاعِدَةٍ سَبَبِيَّةٍ، رُجُوعًا إِلَى اللهِ بِصِفَتِهِ السَبَبَ الأَوَّلَ. وَفِي الْوَاقِعِ، يَعُودُ ذَلِكَ حَتَّى إِلَى أَيَّامِ أَرِسْطُو، الَذِي قَالَ إِنَّ اللهَ هُوَ السَبَبُ الأَوَّلُ، لأَنَّ الأَشْيَاءَ تَسْتَلْزِمُ سَبَبًا.
لَكِنْ مُنْذُ عَصْرِ التَنْوِيرِ، أَيِ الْقَرْنِ الثَامِنَ عَشَرَ، ظَهَرَ تَشَكُّكٌ كَبِيرٌ فِي قَانُونِ السَبَبِ وَالنَتِيجَةِ، أَوْ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ. فَإِذَا قَرَأْتُمْ، مَثَلًا، كُتيِّبَ بِرْتْرَانْد رَاسِل، بِعُنْوَانِ "لِمَ لَسْتُ مَسِيحِيًّا؟"، سَتَجِدُونَهُ يَرْوِي خِبْرَتَهُ الشَخْصِيَّةَ عَنْ رِحْلَتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالإِيمَانِ بِوُجُودِ اللهِ. فَقَالَ إِنَّهُ فِي صِبَاهُ، انْبَهَرَ بِشِدَّةٍ بِالْحُجَّةِ الْمُؤَيِّدَةِ لِوُجُودِ اللهِ، الْمُؤَسَّسَةِ عَلَى ضَرُورَةِ وُجُودِ سَبَبٍ أَوَّلٍ، بِنَاءً عَلَى قَانُونِ السَبَبِيَّةِ. وَبِالتَالِي، آمَنَ فِي صِبَاهُ بِوُجُودِ اللهِ، إِلَى أَنْ قَرَأَ مَقَالًا كَتَبَهُ الْفَيْلَسُوفُ جُون سْتِيوَارْت مِيل، حَيْثُ أَبْدَى اعْتِرَاضًا مُهِمًّا عَلَى الْفِكْرِ السَبَبِيِّ. وَعَبَّرَ "مِيل" عَنِ اعْتِرَاضِهِ كَالتَالِي: "إِذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ سَبَبٍ، فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ وُجُودَ اللهِ سَيَسْتَلْزِمُ وُجُودَ سَبَبٍ. وَمَنْ سَبَّبَ اللهَ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ لَهُ. وَبِهَذَا، لا يُمْكِنُ أَنْ نَسْتَنْتِجَ وُجُودَ اللهِ بِنَاءً عَلَى الْمَبْدَأِ الْقَائِلِ إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ".
عِنْدَمَا قَرَأَ بِرْتْرَانْد رَاسِل ذَلِكَ الْمَقَالَ وَهُوَ فِي السَابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، قَالَ إِنَّ عَقْلَهُ اسْتَنَارَ فَجْأَةً، فَأَدْرَكَ أَنَّ قَانُونَ السَبَبِ وَالنَتِيجَةِ لَنْ يَقُودَ إِلَى اسْتِنْتَاجِ وُجُودِ سَبَبٍ أَوَّلٍ، بَلْ سَيَقُودُ إِلَى رُجُوعٍ لا نِهَائِيٍّ إِلَى الْوَرَاءِ، لَنْ يُوصِلَ فِي النِهَايَةِ إِلَى اللهِ، أَوْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ. وَلِذَا، رَفَضَ جَدْوَى مُحَاوَلَةِ إِثْبَاتِ وُجُودِ اللهِ بِنَاءً عَلَى قَانُونِ السَبَبِ وَالنَتِيجَةِ.
دَعُونِي أَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ فِي إِيجَازٍ وَبَسَاطَةٍ. هَذَا مِثَالٌ حَيٌّ لِكَبْوَةِ جَوَادٍ. لا جِدَالَ عَلَى أَنَّ جُون سْتِيوارْت مِيل كَانَ فَيْلَسُوفًا بَارِعًا، وَخَبِيرًا فِي الْمَنْطِقِ، وَمَاهِرًا فِي التَفْكِيرِ وَالْمَعْرِفَةِ التَحْلِيلِيَّةِ. لَكِنَّهُ ارْتَكَبَ هُنَا خَطَأً جَوْهَرِيًّا فِي فِكْرِهِ عَنِ السَبَبِيَّةِ. وَالْخَطَأُ الرَئِيسِيُّ هُوَ خَطَأٌ فِي التَعْرِيفِ. فَقَدِ افْتَرَضَ أَنَّ تَعْرِيفَ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ هُوَ بِبَسَاطَةٍ أَنَّهُ "لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ". وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ قَانُونُ السَبَبِيَّةِ التَقْلِيدِيُّ بِالْفِعْلِ، سَيَكُونُ نَقْدُهُ لِلرُّجُوعِ بِالأَسْبَابِ إِلَى سَبَبٍ أَوَّلٍ صَحِيحًا.
دَعُونِي أُصِيغُ ذَلِكَ فِي كَلِمَاتٍ بَسِيطَةٍ. سَمِعْتُ قِصَّةً قَبْلًا عَنْ وَلَدَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَانَا يَتَنَاقَشَانِ. فَقَالَ الصَبِيُّ الأَوَّلُ للثانِي: "مِنْ أَيْنَ جَاءَتِ الأَشْجَارُ؟" أَجَابَهُ صَدِيقُهُ: "اللهُ خَلَقَ الأَشْجَارَ". ثُمَّ قَالَ: "وَمِنْ أَيْنَ جَاءَتِ الزُهُورِ؟" أَجَابَهُ صَدِيقُهُ: "اللهُ خَلَقَ الزُهُورَ". فَقَالَ صَدِيقُهُ: "وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ أَنْتَ؟" أَجَابَهُ: "اللهُ خَلَقَنِي". عِنْدَئِذٍ سَأَلَهُ صَدِيقُهُ: "وَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟" أَجَابَهُ صَدِيقُهُ: "اللهُ خَلْقَ نَفْسَهُ".
أَتَذَكَّرُ أَنَّ وَالِدَتِي أَخْبَرَتْنِي بِأَنَّنِي حِينَ كُنْتُ فِي الثَالِثَةِ مِنْ عُمْرِي تَقْرِيبًا، سَأَلْتُ رَاعِي كَنِيسَتِنا: "مَنْ خَلَقَ اللهَ؟" انْبَهَرَ الرَاعِي بِسُؤَالِي، وَقَالَ لِوَالِدَتِي: "تَحْمِلِينَ فِي يَدِكِ طِفْلًا مُعْجِزَةً. عِنْدَمَا يَكْبُرُ هَذَا الصَبِيُّ، سَيُصْبِحُ لاهُوتِيًّا، أَوْ فَيْلَسُوفًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ". أَخْبَرَتْنِي وَالِدَتِي بِذَلِكَ عِنْدَمَا بَدَأْتُ أَسْعَى إِلَى مُمَارَسَةِ عِلْمِ اللاهُوتِ. وَقالَتْ: "لَطَالَمَا عَلِمْتُ أَنَّكَ سَتَفْعَلُ ذَلِكَ، لأَنَّ الرَاعِي أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ، وَأَنْتَ فِي الثَالِثَةِ مِنْ عُمْرِكَ". فَأَجَبْتُها: "أُمِّي، دَعِينِي أُخْبِرُكِ بِشَيْءٍ". فَسَأَلَتْنِي: "مَا هُوَ؟" قُلْتُ: "كُلُّ الأَطْفَالِ فِي الثَالِثَةِ مِنْ عُمْرِهِمْ يَسْأَلُونَ: مِنْ أَيْنَ جَاءَ اللهُ؟ هَذَا سُؤَالٌ مُعْتادٌ يَطْرَحُهُ جَمِيعُهُمْ، وَلا يَنِمُّ عَنْ ذَكَاءٍ خَاصٍّ لَدَيَّ، سَوَاءٌ كُنْتُ فِي الثَالِثَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ مِنْ عُمْرِي". لَكِنَّنَا نَتَوَقَّفُ أَحْيَانًا وَنَقُولُ: "هَذَا الصَبِيُّ عَمِيقٌ"، حِينَ يَسْأَلُ: "مَنْ خَلَقَ اللهَ؟" وَهَلِ الْجَوَابُ هُوَ: "اللهُ خَلَقَ نَفْسَهُ"؟ كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا.
حَتَّى اللهُ نَفْسُهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ. وَمَا نَقْصِدُهُ هُنَا أَنَّهُ لا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدُ سَبَبٌ سَابِقٌ للهِ. فَاللهُ، بِحَسَبِ فَهْمِ أَرِسْطُو الصَحِيحِ لَهُ، سَبَبٌ دُونَ مُسَبِّبٍ. لَسْنَا بِحَاجَةٍ أَنْ نُقَدِّمَ سَبَبًا لِكَائِنٍ أَزَلِيٍّ، كَمَا سَنَرَى فِي هَذِهِ الدِرَاسَةِ. لَكِنِ الآنَ، وَبِاخْتِصَارٍ، دَعُونِي أَقُولُ إِنَّ الْخَطَأَ يَكْمُنُ فِي التَعْرِيفِ. فَقَانُونُ السَبَبِيَّةِ لَمْ يَقُلْ قَطُّ إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُ قَانُونُ السَبَبِيَّةِ، فِي صِيَاغَتِهِ الصَحِيحَةِ: "كُلُّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَها سَبَبٌ يَسْبِقُهُا". كلُّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ يَسْبِقُهَا. وَلَوْ كَانَ جُون سْتِيوَارْت مِيل قَدِ اتَّبَعَ هَذَا التَعْرِيفَ لِلسَبَبِيَّةِ، لَمَا أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْفَوْضَى، وَلَمَا أَضَلَّ بِرْتْرَانْد رَاسِل، وَأَسْقَطَهُ فِي شَرَكِ التَشْوِيشِ. وَبِالْمُنَاسَبَةِ، ظَلَّ بِرْتْرانْد رَاسِل، بِقَدْرِ بَرَاعَتِهِ، ثَابِتًا عَلَى الْمَبْدَأِ الَذِي تَبَنَّاهُ فِي السَابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ حَتَّى يَوْمِ مَمَاتِهِ. ظَلَّ هَذَا الْخَطَأُ جُزْءًا مِنْ فِكْرِهِ، لأَنَّ تَعْرِيفَ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ، مُجَدَّدًا، لَيْسَ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَنْبَغِي وُجُودُ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ، سَيَتَحَتَّمُ وُجُودُ سَبَبٍ للهِ. لَكِنَّ الْقَانُونَ يَقُولُ بِبَسَاطَةٍ إِنَّ كُلَّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ. وَإِنْ أَمْكَنَنَا إِيجَادُ شَيْءٍ هُوَ لَيْسَ نَتِيجَةً، أَيْ شَيْءٍ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْكَيْنُونَةِ فِي ذَاتِهِ، وَكَائِنٍ مُنْذُ الأَزَلِ، فَهْوَ قَطْعًا لَنْ يَكُونَ نَتِيجَةً. وَعِنْدَمَا نَصِفُ طَبِيعَةَ اللهِ، نَقُولُ إِنَّ اللهَ كَائِنٌ أَزَلِيٌّ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ، وَمُسْتَقِلٌّ، وَغَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ مَنُوطٌ بِشَيْءٍ، لَكِنَّهُ أَزَلِيٌّ. فَلا شَيْءَ يُسَبِّبُهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ نَتِيجَةً. الأَشْيَاءُ الْمَخْلُوقَةُ وَحْدَها هِيَ نَتَائِجُ.
إِنْ نَظَرْنَا إِلَى هَذَا التَعْرِيفِ، سَنَرَى - وَقَدْ يَشُوبُ كَلامَنا التَالِي بَعْضُ التَعْقِيدِ - أَنَّ هَذَا التَعْرِيفَ -"كلُّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ" -هُوَ تَصْرِيحٌ نَصِفُهُ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ شَكْلِيًّا. وَصَحِيحٌ شَكْلِيًّا يَعْنِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَكْلِيَّةٌ. وَمَا الْحَقِيقَةُ الشَكْلِيَّةُ؟ الْحَقِيقَةُ الشَكْلِيَّةُ هِيَ حَقِيقَةٌ - إِنْ حَاوَلْتُ تَسْهِيلَ ذَلِكَ سَأَزِيدُ مِنْ صُعُوبَتِهِ - الْحَقِيقَةُ الشَكْلِيَّةُ هِيَ حَقِيقَةٌ صَحِيحَةٌ تَحْلِيلِيًّا. يَا لَلْهَوْلِ! حَاوَلْتُ التَبْسِيطَ فَازْدَادَ الأَمْرُ سُوءًا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِذَا كَانَ أَمْرٌ مَا صَحِيحًا شَكْلِيًّا، فَهُوَ صَحِيحٌ تَحْلِيلِيًّا. يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ. فَإِذَا حَلَّلْتُمُ التَصْرِيحَ "كُلُّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ"، فَقَطْ بِتَحْلِيلِ الْكَلِمَاتِ، وَالْعَلاقَةِ بَيْنَهَا فِي الْجُمْلَةِ، سَتَجِدُونَ أَنَّ هَذَا التَصْرِيحَ لَيْسَ صَحِيحًا فَحَسْبُ، لَكِنَّهُ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا.
التَصْرِيحُ التَحْلِيلِيُّ شَبِيهٌ بِمَا يَلِي: "العَازِبُ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ". فِي تَصْرِيحٍ تَحْلِيلِيٍّ كَهَذَا: "العازِبُ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ"، لَدَيْنَا الْمُبْتَدَأُ وَهُوَ كَلِمَةُ "العَازِبُ"، ثُمَّ نَصِفُ العازِبَ بِشَيْءٍ، أَيْ نَنْسِبُ خَبَرًا إِلَى العازِبِ، فَنَقُولُ: "العازِبُ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ". لَكِنْ مَاذَا اكْتَشَفْتَ عَنِ العازِبِ مِنْ عِبَارَةِ "رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ" لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ بِالْفِعْلِ مِنْ كَلِمَةِ "العازِبِ"؟ فَفِي التَصْرِيحِ التَحْلِيلِيِّ، لا تُعْطَى مَعْلُومَاتٌ جَدِيدَةٌ فِي الْخَبَرِ، تَخْتَلِفُ عَنِ الْمَوْجُودَةِ بِالْفِعْلِ فِي الْمُبْتَدَأِ. إِنْ قُلْتُ مَثَلاً: "لِلْمُثَلَّثِ ثَلاثَةُ أَضْلاعٍ"، فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ خَاطِئٌ؟ هَذَا صَحِيحٌ بِالتَأْكِيدِ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، لأَنَّ الْمُثَلَّثَ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ، لَهُ ثَلاثَةُ أَضْلاعٍ، كَمَا أَنَّ العازِبَ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ، هُوَ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ. لَيْسَ جَمِيعُ الرِجَالِ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِينَ عُزَّابًا، فَبَعْضُهُمْ أَرَامِلُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَكِنَّ جَمِيعَ الْعُزَّابِ هُمْ رِجَالٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجِينَ. إِذَنْ، حِينَ نَقُولُ إِنَّ أَمْرًا مَا صَحِيحٌ شَكْلِيًّا أَوْ تَحْلِيلِيًّا، فَهَذَا أُسْلُوبٌ آخَرُ نَقُولُ بِهِ إِنَّهُ صَحِيحٌ مَنْطِقِيًّا، أَوْ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ.
لِنَنْظُرْ مُجَدَّدًا إِلَى التَعْرِيفِ. إِذَا قُلْنَا "كُلُّ نَتِيجَةٍ" وَتَوَقَّفْنَا، لِتَعْرِيفِ كَلِمَةِ "نَتِيجَةٍ". فَمَاذَا سَنَقُولُ؟ كَيْفَ يُمْكِنُ تَعْرِيفُ "النَتِيجَةِ"؟ مَا هِيَ النَتِيجَةُ؟ هِيَ شيْءٌ حَدَثَ أَوْ سَيَحْدُثُ. هَذَا صَحِيحٌ. لَكِنَّهَا أَيْضًا شَيْءٌ أُحْدِثَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ أَوْ بِمُفْرَدَاتِنَا السَابِقَةِ، هِيَ شَيْءٌ سَبَّبَهُ شَيْءٌ آخَرُ.
وَمَا السَبَبُ؟ مَا هُوَ السَبَبُ؟ مَا الَذِي يَفْعَلُهُ السَبَبُ؟ يُحْدِثُ السَبَبُ نَتِيجَةً. وَلِهَذَا نُسَمِّيهَا نَتِيجَةً. وَلا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبٌ لا يُسبِّبُ شَيْئًا. وَمَا يُسَبِّبُهُ السَبَبُ هُوَ نَتِيجَةٌ. إِذَنْ، لا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبٌ دُونَ نَتِيجَةٍ. وَكُلُّ مَا يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ نَتِيجَةٌ يَجِبُ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ. وَلِذَا، هَذَا التَصْرِيحُ - "كلُّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبَبٌ" - هُوَ بِبَسَاطَةٍ امْتِدادٌ لِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَا نَتيجَةً، وَلَيْسَ نَتِيجَةً، فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَفِي الْعَلاقَةِ نَفْسِها. وَلا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا - أَيْ لا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبٌ - دُونَ نَتِيجَةٍ. وَلا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ نَتِيجَةٌ دُونَ سَبَبٍ، وَإِلَّا كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا.
الْجَوَابُ الرَئِيسِيُّ الَذِي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ، إِذَا سَأَلْتُ: "لِمَ هَذَا الْبِسَاطُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ؟" أَبْسَطُ جَوَابٍ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ هُوَ "بِسَبَبِ". لَنْ يُرْضِيَكُمْ هَذَا الْجَوابُ، وَسَتَطْلُبُونَ الْمَزِيدَ. وَسَتَقُولُونَ: "بِسَبَبِ مَاذَا؟" فَأُجِيبُكُمْ: "بِسَبَبِ أَنَّ مُخْرِجَ هَذَا الْبَرْنَامَجِ أَرَادَ أَنْ يُؤَسِّسَ دِيكورًا يَبْدُو مِثْلَ مَكْتَبٍ أَوْ غُرْفَةِ اجْتِمَاعَاتٍ، فَذَهَبَ وَاشْتَرَى هَذَا الْبِسَاطَ الْقَدِيمَ، وَوَضَعَهُ عَلَى الأَرْضِ، كَجُزْءٍ مِنَ الدِيكُورِ". وَبِهَذَا قَدَّمْتُ لَكُمْ مَزِيدًا مِنْ أَسْبَابِ وُجُودِ هَذَا الْبِسَاطِ تَحْتَ قَدَمَيَّ الآنَ. هَلْ هَذَا وَاضِحٌ؟ لَمْ يُسَبِّبِ الْمُخْرِجُ الْبِسَاطَ. وَإِنْ سَأَلْتُ: "مَا الَذِي سَبَّبَ الْبِسَاطَ؟" سَيَكُونُ عَلَيْنَا الْعَوْدَةُ إِلَى صَانِعِهِ، إِلَى آخِرِهِ. لَكِنَّنَا نُدْرِكُ جَيِّدًا أَنَّنَا نَتَحَدَّثُ بِبَسَاطَةٍ. مِنْ أَوَّلِ الأَشْيَاءِ الَتِي يَتَعَلَّمُ الأَبُ أَنْ يَقُولَهَا لابْنِهِ، عِنْدَمَا يَسْأَلُهُ الْوَلَدُ سُؤَالاً، هُوَ "بِسَبَبِ". هَذَا هُوَ الْجَوَابُ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، نَقُولُ "هَذِهِ الزَهْرَةُ لَهَا سَبَبٌ، وَهَذِهِ الشَجَرَةُ لَهَا سَبَبٌ، فَقَدْ جَاءَ بِهَا شَيْءٌ مَا"، لأَنَّنَا نُدْرِكُ أَيْضًا أَنَّ لا شَيْءَ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْعَدَمِ.
مُجَدَّدًا - وَأُرِيدُ أَنْ تُفَكِّرُوا مَعِي جَيِّدًا، لأَنَّنِي سَأُجْهِدُ أَذْهَانَكُمْ قَلِيلًا. عِنْدَمَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا مَبْدَأٌ شَكْلِيٌّ، أَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لا يُعَرِّفُنَا شَيْئًا عَنِ الْوَاقِعِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ. فَهُوَ لا يُخْبِرُنَا بِوُجُودِ أَسْبَابٍ فِي الْعَالَمِ الْوَاقِعِيِّ. وَلا يُخْبِرُنَا بِوُجُودِ نَتَائِجَ فِي الْعَالَمِ الْوَاقِعِيِّ. فَرُبَّمَا كَانَ كُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ أَزَلِيًّا وَبِلا مُسَبِّبٍ. لا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّنِي أَقُولُ، افْتِرَاضِيًّا، إِنَّنَا نَجْلِسُ الآنَ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ، وَتُوجَدُ كَافَّةُ أَنْوَاعِ الأَشْيَاءِ بِالْخَارِجِ. تُوجَدُ سَيَّارَاتٌ، وَشَاحِنَاتٌ، وَطَائِرَاتٌ، وَنَحْلٌ، وَأَشْجَارٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَيُمْكِنُنِي أَنْ أُؤَكِّدَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَيٌّ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الَتِي ذَكَرْتُها أَوْ كُلُّهَا - كَالشَاحِنَاتِ، وَالأَشْجَارِ، وَالسَيَّارَاتِ، وَغَيْرِهَا - نَتِيجَةً، فَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ قَطْعًا أَنَّ لَهَا ماذا؟ لَها أَسْبابٌ. لَكِنَّهَا قَدْ لا تَكُونُ نَتَائِجَ. لَكِنَّ الْمَبْدَأَ الْمَنْطِقِيَّ يَقُولُ إِنَّهُ إِنْ كَانَ شَيْءٌ ما نَتِيجَةً، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَاذَا؟ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ. وَبِالتَالِي، إِذَا أَمْكَنَكُمْ إِثْبَاتُ أَنَّ شَيْئًا مَا نَتِيجَةٌ، تَكُونُ قَدْ أَثْبَتَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ يَسْبِقُهُ.
مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، عِنْدَمَا أَصْدَرْنَا كِتَابَنَا عَنِ الدِفَاعِيَّاتِ الْكْلاسِيكِيَّةِ، وَخَضَعَ لِلتَقْيِيمِ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَبْرَ أَنْحَاءِ الْبِلادِ. أَحَدُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ فَيْلَسُوفًا أَيْضًا، وَجَّهَ نَقْدًا قَوِيًّا لِلْحُجَجِ الْمُقَدَّمَةِ فِي الْكِتَابِ. وَانْتَقَدَنِي قَائِلًا - وَلَنْ أَنْسَى ذَلِكَ أَبَدًا. قَالَ: "مُشْكِلَةُ سْبْرُول" - لَنْ أَتْرُكَ لَكُمْ مَجالًا لاسْتِكْمَالِ الْجُمْلَةِ. قَالَ - وَكَانَ فَقَطْ يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْكِتَابِ، وَلَيْسَ إِلَى حَيَاتِي عُمُومًا - قَالَ: "مُشْكِلَةُ سْبْرول وَكِتَابِهِ هِيَ أَنَّ سْبْرُول لَمْ يُفْسِحْ مَجَالًا لِوُجُودِ نَتِيجَةٍ بِلا سَبَبٍ". كَانَ هَذَا نَقْدَهُ. وَأَتَّبِعُ مَبْدَأً فِي حَيَاتِي، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ تَعَرَّضَ أَحَدُ كُتُبِي لِلنَقْدِ فِي أَثْنَاءِ تَقْيِيمِهِ، لا أَتَكَبَّدُ عَنَاءَ خَوْضِ جِدَالٍ أَوْ نِقَاشٍ مَعَ الْمُقَيِّمِ. فَوَظِيفَتُهُمْ تَسْتَلْزِمُ مِنْهُمْ تَقْيِيمَهُ. وَأَتَقَبَّلُ كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ. وَلا أُجَادِلُ. لَكِنَّنِي لَمْ أَسْتَطِعِ الْتِزَامَ الصَمْتِ أَمَامَ هَذَا النَقْدِ. وَلِذَا أَرْسَلْتُ إِلَى هَذَا الْفَيْلَسُوفِ رِسَالَةً لَطِيفَةً، تَقُولُ: "ذَكَرْتَ فِي تَقْيِيمِكَ أَنَّ الْمُشْكِلَةَ الْوَحِيدَةَ الَتِي وَاجَهْتَهَا مَعَ كِتَابِي هِيَ أَنَّنِي لَمْ أُفْسِحِ الْمَجَالَ لِوُجُودِ نَتِيجَةٍ بِلا سَبَبٍ". وَقُلْتُ: "أَنْتَ مُحِقٌّ. لَمْ أُفْسِحْ مَجَالًا لِوُجُودِ نَتِيجَةٍ بِلا سَبَبٍ. لَكِنَّنِي ظَنَنْتُ أَنَّ رَفْضِي بِإِصْرَارٍ إِفْسَاحَ الْمَجَالِ لِوُجُودِ نَتَائِجَ بِلا أَسْبَابٍ هُوَ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ رَذِيلَةً. سَيُسْعِدُنِي تَقَبُّلُ وُجُودِ نَتِيجَةٍ بِلا سَبَبٍ، إِنْ تَفَضَّلْتَ وَقدَّمْتَ لِي مِثالاً وَاحِدًا فِي كلِّ الْكَوْنِ لِنَتِيجَةٍ بِلا سَبَبٍ". وَبِالطَبْعِ، لا زِلْتُ أَنْتَظِرُ رَدَّهُ، لأَنَّنِي أَعْلَمُ، وَهُوَ سَيَعْلَمُ إِنْ فَكَّرَ قَلِيلًا، أَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ نَتِيجَةٌ بِلا سَبَبٍ، لأَنَّ النَتِيجَةَ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهَا، هِيَ شَيْءٌ لَهُ سَبَبٌ يَسْبِقُ. هَذَا وَاحِدٌ فَقَطْ مِنْ أَسْبَابِ إِثَارَةِ وَابِلٍ مِنَ الشُكُوكِ ضِدَّ الْفِكْرِ السَبَبِيِّ التَقْلِيدِيِّ.
السَبَبُ الآخَرُ، الَذِي سَنَدْرُسُهُ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْقَادِمَةِ، هُوَ التَحْلِيلُ النَقْدِيُّ لِلسَبَبِيَّةِ، الَذِي بَدَأَهُ الْفَيْلَسُوفُ التَجْرِيبِيُّ الْبَرِيطَانِيُّ دَافِيد هِيُوم. فَالنَقْدُ الَذِي يُعَدُّ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ، الَذي أَثَارَهُ دَافِيد هْيُوم ضِدَّ السَبَبِيَّةِ، دَفَعَ الْعَدِيدَ مِنَ الْمُفَكِّرِينَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى الظَنِّ بِأَنَّ دَافِيد هْيُوم قَضَى عَلَى السَبَبِيَّةِ تَمَامًا. وَفِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ، سَأَتَنَاوَلُ تَحْلِيلَ "هْيُوم"، وَالافْتِرَاضَ الْمُصَاحِبَ لَهُ، بِأَنَّهُ دَحَضَ بِهَذَا النَقْدِ حُجَّةَ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ بِرُمَّتِها. وَأَرْجُو أَنْ أُثْبِتَ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عَلَى الإِطْلاقِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، دَعُونِي أُكَرِّرُ بِاخْتِصَارٍ أَنَّ رَفْضَ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ يَصْدُرُ فِي غَالِبِيَّةِ الأَحْيَانِ عَنْ مُعَارِضِي الإِيمَانِ الْكْلاسِيكِيِّ بِوُجُودِ اللهِ، الَذِينَ يُرِيدُونَ تَجَنُّبَ التَأْثِيرِ الْهَائِلِ لِلْفِكْرِ السَبَبِيِّ، الَذِي يَدْفَعُ النَاسَ إِلَى تَقْدِيمِ سَبَبٍ كَافٍ لِلنَتَائِجِ الَتِي نُقِرُّ بِأَنَّهَا نَتَائِجُ.