المحاضرة 5: قانونُ التَنَاقُضِ

إن الحق منطقي. وهكذا أيضًا كلمة الله. ومع ذلك، فإن بعض الناس يبذلون جهودًا كبيرة لتشويه الحقائق المسيحيَّة، بل وإنكار وجود الحق المطلقة تمامًا من أجل الهروب من سلطة الكتاب المقدس. في هذه المحاضرة، يشرح د. سبرول مبدأ أساسيًّا للمنطق ضروريًّا إذا أردنا وضع إطار عمل هادف لفهم الواقع. هذا المبدأ، المُسمَّى بقانون التناقض، يقضي على كل مفاهيم التفكير النسبي.

بَدَأْتُ مُمَارَسَةَ مِهْنَةِ التَعْلِيمِ بِالْجَامِعَةِ فِي عَامِ أَلْفٍ وَتِسْعِمَائَةٍ وَسَنَةٍ وَسِتِّينَ. كَانَ هَذَا مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ. وَعَلَى مَرِّ السِنِينَ وَالْعُقُودِ، وَبِمُعَايَشَتِي لِعَقْدِ السِتِّينِيَّاتِ وَالثَوْرَةِ الْحَضَارِيَّةِ، ثُمَّ السَبْعِينِيَّاتِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، شَهِدْتُ تَغَيُّراتٍ تَدْرِيجِيَّةً فِي الطُلَّابِ الَذِينَ يَأْتُونَ إِلَى الصَفِّ، مُنْتَقِلِينَ مِنَ الْمَرْحَلَةِ الثَانَوِيَّةِ إِلَى الْجَامِعَةِ. ثُمَّ حِينَ بَدَأْتُ أُعَلِّمُ بِكُلِّيَّةِ اللاهُوتِ، أَمْكَنَنِي أَيْضًا تَمْيِيزُ اخْتِلافٍ فِي افْتِرَاضَاتِ الطُلَّابِ، لَدَى انْتِقَالِهِمْ مِنَ الْجَامِعَةِ إِلَى كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ.

مُنْذُ بِضْعِ سَنَوَاتٍ، أَلَّفَ آلان بْلُوم كِتَابًا فَاجَأَ الْجَمِيعَ حِينَ أَصْبَحَ سَرِيعًا مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ مَبِيعًا، بِعُنْوَانِ "The Closing of the American Mind" ("انْغِلاقُ الْعَقْلِ الأَمْرِيكِي")، وَفِيهِ قَالَ الأُسْتَاذُ بْلُوم مُنْذُ الصَفْحَةِ الأُولَى إِنَّ خَمْسًا وَتِسْعِينَ بِالْمَائَةِ مِنْ خِرِّيجِي الْمَرْحَلَةِ الثَانَوِيَّةِ، الَذِين يَدْخُلُونَ عَامَهُمْ الأَوَّلَ بِالْجَامِعَاتِ الْيَوْمَ، يَدْخُلُونَ الْجَامِعَةَ وَهُمْ مُسَلِّمُونَ بِالْفِعْلِ بِفَلْسَفَةِ النِسْبِيَّةِ. وَقَالَ: "ثُمَّ فِي السَنَوَاتِ الأَرْبَعِ التَالِيَةِ، تِلْكَ الافْتِرَاضَاتُ الَتِي أَتَوْا بِهَا مِنَ الْمَرْحَلَةِ الثَانَوِيَّةِ إِلَى الْجَامِعَةِ تَتَثَبَّتُ، لأَنَّ عَقْلَ الْمُجْتَمَعِ الأَكَادِيمِيِّ فِي أَمْرِيكَا الْحَدِيثَةِ مُنْغَلِقٌ ضِدَّ الْحَقِّ الْمُطْلَقِ. وَصَارَ يُنْظَرُ الْيَوْمَ إِلَى الْحَقِّ عَلَى أَنَّهُ نِسْبِيٌّ، أَيْ إِنَّهُ مَسْأَلَةُ تَفْضِيلٍ".

هَذَا خَبَرٌ سَيِّئٌ مِنْ نَاحِيَةٍ؛ لَكِنْ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، أُكَرِّرُ أَنَّكُمْ رُبَّمَا تَجِدُونَ أَنَّ خَمْسًا وَتِسْعِينَ بِالْمَائَةِ مِنَ الْبَشَرِ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ نِسْبِيُّونَ، لَكِنْ لا أَحَدَ يَظَلُّ نِسْبِيًّا لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً. فَلَنْ تَتَمَكَّنَ مِنَ الثَبَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى مَبْدَأِ النِسْبِيَّةِ لأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةٍ. فَإِنْ وَصَلْتَ بِسَيَّارَتِكَ إِلَى مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، ثُمَّ رَأَيْتَ شَاحِنَةً قَادِمَةً نَحْوَكَ فَقُلْتَ: "كُلُّ شَيْءٍ نِسْبِيٌّ، وَلِهَذَا أَخْتَارُ أَنْ أُصَدِّقَ أَنَّهُ لا تُوجَدُ شَاحِنَةٌ عَلَى الطَرِيقِ"، فَسَأَقُودُ سَيَّارَتِي أَمَامَ وَهْمِي الشَخْصِيِّ وَأَمُوتُ. إِذَنْ، يُسَلِّمُ النَاسُ - حَتَّى وَإِنْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ - بِوُجُودِ إِطَارٍ مَنْطِقيٍّ لِلْعَالَمِ الَذِي يَعِيشُونَ فِيهِ. وَفِي الْوَاقِعِ، ذَلِكَ التَسْلِيمُ بِوُجُودِ إِطَارٍ مَنْطِقِيٍّ مُطْلَقٍ لِلْوَاقِعِ هُوَ افْتِرَاضٌ لا غِنًى عَنْهُ لِوُجُودِ أَيِّ عِلْمٍ.

كَانَ أَرِسْطُو، فِي بَحْثِهِ الْفَلْسَفِيِّ مُنْذُ قُرُونٍ مَضَتْ، هُوَ مَنْ وَضَعَ نَظَرِيَّاتِ الْفِيزْيَاءِ، وَالْكِيمْيَاءِ، وَالدْرَامَا، وَالأَخْلَاقِيَّاتِ، وَعِلْمِ الأَحْيَاءِ. وَكَانَ مُذْهِلاً فِي نِطَاقِ مَعْرِفَتِهِ. لَكِنْ إِلَى جَانِبِ تَأْسِيسِهِ لِهَذِهِ الْعُلُومِ الَتِي تَفَرَّدَ بِهَا، أَسَّسَ أَيْضًا مَا صَارَ يُعْرَفُ - الْيَوْمَ، بَعْدَ صُدُورِ مُؤَلَّفِهِ - بِالْمَنْطِقِ الأَرِسْطِي. وَعِنْدَمَا وَضَعَ أَرِسْطُو نَظَرِيَّاتِ الْمَنْطِقِ، دَعَا الْمَنْطِقَ "أُورِجَانُون" كُلِّ الْعُلُومِ. فَالْمَنْطِقُ نَفْسُهُ لَيْسَ عِلْمًا، لَكِنَّ الْمَنْطِقَ وَسِيلَةٌ، أَيْ أَدَاةٌ لا غِنَى عَنْهَا لأَيِّ عِلْمٍ. وَقَالَ أَرِسْطُو إِنَّ الْمَنْطِقَ مَطْلَبٌ أَسَاسِيٌّ لأَيِّ تَوَاصُلٍ هَادِفٍ. فَإِنْ قُلْتُ، مَثَلاً، إِنَّ هَذِهِ الطَبْشُورَةَ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً، لَنْ أُوَصِّلَ بِهَذا التَصْرِيحِ كَلامًا مَفْهُومًا.

الْمِثَالُ الْمُفَضَّلُ لَدَيَّ هُوَ مَا حَدَثَ عِنْدَمَا كُنْتُ أُعَلِّمُ فِي فِيلادِلْفْيَا مُنْذُ عِدَّةِ عُقُودٍ. كُنْتُ أُعَلِّمُ صَفَّ الْعَامِ الأَخِيرِ مُقرَّرَ الْفَلْسَفَةِ فِي عِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ. وَفِي إِحْدَى الْمَرَّاتِ، قَدَّمْتُ هَذَا الْمِثَالَ التَوْضِيحِيَّ. الْتَقَطْتُ طَبْشُورَةً، وَكُنَّا نَدْرُسُ فَلْسَفَةَ إِيمَانْوِيل كَانْط، وَتَحْلِيلَ كَانْط لأَنْوَاعِ التَصْرِيحَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ - وَالأَحْكَامَ الاِخْتِبَارِيَّةَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَقُلْتُ: "حَسَنًا، قَدْ أَطْلَعْتُكُمْ عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ التَصْرِيحَاتِ التَحْلِيلِيَّةِ. فَمَا نَوْعُ التَصْرِيحِ التَالِي؟" وَالْتَقَطْتُ طَبْشُورَةً وَقُلْتُ: "هَذِهِ الطَبْشُورَةُ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً". كُنْتُ حَرِيصًا جِدًّا عَلَى التَحَدُّثِ بِصَوْتٍ خَافِتٍ، عَاقِدًا حَاجِبَيَّ، حَتَّى يَبْدُوَ كَلامِي عَمِيقًا وَفَلْسَفِيًّا. "هَذِهِ الطَبْشُورَةُ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً".

كَانَ عَمِيدُ الْمَعْهَدِ جَالِسًا فِي الصَفِّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. فَسَأَلْتُ الطُلَّابَ: "مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟" فَرَفَعَ أَحَدُ الطُلَّابِ الْمُتْفَوِّقِينَ يَدَهُ وَقَالَ: "أَنْتَ تَقْصِدُ أَنَّ تِلْكَ الطَبْشُورَةَ بِالذَاتِ الَتِي تَحْمِلُهَا فِي يَدِكَ لا تَشْتَرِكُ بِالكَامِلِ فِي الْجَوْهَرِ الْعَامِّ لِلطَبْشَرَةِ". فَقُلْتُ: "عَنْ أَيَّةِ طَبْشُورَةٍ تَحْدِيدًا تَتَحدَّثُ؟" فَأَشَارَ إِلَى الطَبْشُورَةِ الَتِي كُنْتُ أَحْمِلُهَا فِي يَدِي. فَقُلْتُ: "لَكِنَّنِي أَقُولُ عَنْ هَذِهِ الطَبْشُورَةِ بِالذَاتِ إِنَّهَا لَيْسَتْ طَبْشُورَةً، فَلِمَ تَدْعُوهَا إِذَنْ طَبْشُورَةً؟". فَتَمْتَمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ جَلَسَ. فَقُلْتُ: "هَيَّا، فَلْيُسَاعِدْنَا أَحَدٌ". فَابْتَدَأَ الْعَمِيدُ يَشْعُرُ بِالْحَرَجِ. وَرَاحَ الطُلَّابُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَقَالَ: "حَسَنًا، هَذَا مُرْتَبِطٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَدِيمَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنُومِينَا وَالْجِنْسِ - أَيْ بِالْوَاقِعِيَّةِ وَالإِسْمِيَّةِ. وَابْتَدَأَ يُرَدِّدُ كَلامًا، مِنْ قَبِيلِ التَصَوُّرِ الْعَقْلِيِّ عَنِ الطَبْشَرَةِ فِي مُقَابِلِ حَقِيقَتِهِ الْمُطْلَقَةِ. فَقُلْتُ: "عَنْ أَيِّ ...". فَقَالَ: "لَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الطَبْشُورَةَ بِالذَاتِ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ". فَقُلْتُ: "لَكِنَّنِي أَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الطَبْشُورَةَ بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ". فَتَوَقَّفَ عَنِ الْحَدِيثِ وَاسْتَسْلَمَ. فَقُلْتُ: "هَيَّا، لا نُرِيدُ أَنْ نَصْرِفَ وَقْتًا طَويلًا فِي ذَلِكَ".

وَفِي الصَفِّ الأَمَامِيِّ، كَانَ يَجْلِسُ أُسْقُفُ الْكَنِيسَةِ الْمِيثُودِيَّةِ الأُسْقُفِيَّةِ الأَفْرِيقِيَّةِ فِي نُورِيسْتَاوْن بِبِنْسِلْفَانْيَا. وَهُوَ طَالِبٌ مُمْتَازٌ، وَرَجُلٌ أَسْوَدُ الْبَشَرَةِ جَاءَ مِنْ شَوَارِعِ فِيلادِلْفْيا. فَقُلْتُ لَهُ: "هَيَّا سَاعِدْنَا". ظَلَّ الأُسْقُفُ يَتَمَلْمَلُ فِي مَقْعَدِهِ، وَازْدَادَ انْفِعَالُهُ، فَقُلْتُ: "هَيَّا، سَاعِدْنَا أَيُّهَا الأُسْقُفُ وَالْتِرْزْ. مَا مَعْنَى قَوْلِي إِنَّ هَذِهِ الطَبْشُورَةَ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً؟" فَأَجَابَ: "لا أَجِدُ مَعْنًى لِهَذَا الْكَلامِ الْفَارِغِ!" فَقُلْتُ: "أَخِيرًا! هُنَاكَ مَخْلُوقٌ مَنْطِقِيٌّ فِي هَذِهِ الْقَاعَةِ". ثُمَّ قُلْتُ: "قَدْ خَدَعْتُكُمْ جَمِيعًا بِصَوْتِي الْخَافِتِ، بَيْنَمَا أَتَفَوَّهُ بِالْهَرَاءِ. لَكِنَّ هَذَا الرَجُلَ أَدْرَكَ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ تِلْكَ خُدْعَةٌ، وَأَنَّنِي أُدْلِي بِتَصْرِيحٍ بِلا مَعْنَى مِنَ الأَسَاسِ".

يَفْعَلُ النَاسُ ذَلِكَ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَمَا فَعَلْتُهُ هُوَ أَنَّنِي انْتَهَكْتُ عَمْدًا قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ. وَبِانْتِهاكِي قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ بِقَوْلِي: "هَذِهِ الطَبْشُورَةُ لَيْسَتْ طَبْشُورَةً"، أَدْلَيْتُ بِتَصْرِيحٍ بِلا مَعْنَى، وَغُصْتُ فِي بَحْرٍ مِنَ السَخَافَةِ وَاللا عَقْلانِيَّةِ. يَفْعَلُ النَاسُ ذَلِكَ طَوالَ الْوَقْتِ. وَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ بِجُرْأَةٍ، يَنْجُونَ بِفَعْلَتِهِمْ. تَرَوْنَ ذَلِكَ عَلَى مَلايِينِ الْجَبْهَاتِ. وَفِيمَا نُتَابِعُ دِرَاسَتَنَا لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ، سَأُحَاوِلُ أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ مِرَارًا وَتَكْرَارًا كَيْفَ يُنْتَهَكُ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ وَمَبَادِئُ الْمَنْطِقِ فِي الْمُحَاوَلاتِ لِلتَقْوِيضِ مِنَ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ بِوُجُودِ اللهِ.

ذَاتَ مَرَّةٍ، دَارَ حَدِيثٌ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَانَ الأَبْرَزَ فِي مَعْهَدِ كَارْنِيجِي مِيلُون فِي مَجَالِ الْهَنْدَسَةِ الْكِيمْيَائِيَّةِ، وَكَانَ يُجَادِلُ ضِدَّ وُجُودِ اللهِ. وَرُحْنَا نَتَحَدَّثُ عَنِ الأَمْرِ بَيْنَمَا نَتَنَاوَلُ الطَعَامَ فِي مَطْعَمٍ. فَاسْتَهَلَّ حَدِيثَهُ قَائِلًا بِجُرْأَةٍ إِنَّهُ لا يُوجَدُ أَيُّ دَلِيلٍ عِلْمِيٍّ أَوْ مَنْطِقِيٍّ عَلَى وُجُودِ اللهِ. فَبَدَأْتُ أُنَاقِشُهُ، حَتَّى أَوْصَلْتُهُ إِلَى مَرْحَلَةٍ أَدْرَكَ فِيهَا، مِثْلِي تَمامًا، أَنَّ الْمَنْطِقَ يُطَالِبُهُ، فِي ضَوْءِ الافْتِرَاضَاتِ الَتِي اتَّفَقْنَا عَلَيْهَا، بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى اسْتِنْتَاجِ وُجُودِ اللهِ. لَكِنَّهُ رَفَضَ. فَقُلْتُ: "كَيْفَ يُمْكِنُكَ مُقَاوَمَةُ هَذَا الاسْتِنْتَاجِ؟" أَجَابَنِي: "أَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْحُجَّةَ مُقْنِعَةٌ، وَبِأَنَّ الْمَنْطِقَ يُطَالِبُنِي بِالاعْتِرَافِ بِوُجُودِ اللهِ، لَكِنَّنِي لا أُؤْمِنُ بِالْمَنْطِقِ".

أَعْلَمُ أَنَّنِي لَوْ كُنْتُ قَدْ دَخَلْتُ ذَلِكَ الْمَطْعَمَ قَبْلَ خَوْضِي نِقَاشًا مَعَ هَذَا الْعَالِمِ، وَسَأَلْتُهُ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ: "هَلْ تُؤْمِنُ بِالْمَنْطِقِ؟" كَانَ سَيُجِيبُ: "بِالتَأْكِيدِ! فَهُوَ نِصْفُ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ! كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ أَكُونَ عَالِمًا وَأَرْفُضَ قَوَاعِدَ الْمَنْطِقِ؟" كَانَ هَذَا مَا سَيُجِيبُنِي بِهِ. لَكِنَّنِي لَمْ أَسْأَلْهُ ذَلِكَ مُقَدَّمًا، بَلْ فِي وَسَطِ نِقَاشِنَا، وَلَمَّا رَأَى أنَّ الْمَنْطِقَ يُطَالِبُهُ بِتَأْيِيدِ أَمْرٍ لَمْ يَشَأْ تَأْيِيدَهُ، لَجَأَ إِلَى رَفْضِ صَلاحِيَةِ الْمَنْطِقِ. فَقُلْتُ: "إِذَنْ، أَلا تُؤْمِنُ بِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ؟" أَجَابَ: "كَلَّا". فَقُلْتُ: "حَسَنًا". وَتَوَقَّفْتُ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِّ وَلَمْ أَتَفَوَّهْ بِحَرْفٍ آخَرَ. وَرَاحَ هُوَ يَسْأَلُنِي وَيُكَلِّمُنِي، لَكِنَّنِي تَجَاهَلْتُهُ، وَفَقَطْ رُحْتُ أَتَنَاوَلُ طَعَامِي. فَتَزَايَدَ ضِيقُهُ مِنِّي، لأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أُجِيبُهُ، أَوْ أَتَجَاوَبُ مَعَهُ. وَأَخِيرًا، نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ: "مِنْ فَضْلِكَ، هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُمَرِّرَ لِي الْمِلْحَ؟"  فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَ المَمْلَحَةَ وَأَعْطَانِي إِيَّاهَا، قَائِلًا: "تَفَضَّلْ". فَقُلْتُ لَهُ: "مَهْلاً! أَتَقْصِدُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ التَمْيِيزَ بَيْنَ مَمْلَحَةٍ هِيَ مَمْلَحَةٌ وَلَيْسَتْ مَمْلَحَةً فِي الآنِ ذاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا؟" وَقُلْتُ: "إِذَنْ، أَنْتَ تُؤْمِنُ حَقًّا بِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، لأَنَّنِي أَسْتَطِيعُ خَوْضَ نِقَاشٍ لَهُ مَعْنًى مَعَكَ مَا دَامَ لا يَدُورُ حَوْلَ اللهِ. فَإِنْ أَرَدْتُ التَحَدُّثَ مَعَكَ عَنِ الْمَمْلَحَةِ، تُصْبِحُ فَجْأةً مَنْطِقِيًّا".

أَحَدُ الْفَلاسِفَةِ الَذِينَ دَرَسْتُ عَنْهُمْ فِي كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ أَبْدَى الْمُلاحَظَةَ الْقَائِلَةَ إِنَّهُ مِنَ السَهْلِ عَلَى النَاسِ إِنْكَارُ صِحَّةِ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ. لَكِنَّ أَيَّ إِنْكَارٍ لِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ يَكُونُ مُتَكلِّفًا وَمُؤَقَّتًا. مُتَكَلِّفًا وَمُؤَقَّتًا. أَيْ إِنَّ النَاسَ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هَذَا القَانُونِ فَقَطْ عِنْدَما يُنَاسِبُهُمْ ذَلِكَ، وَعِنْدَمَا يَرْغَبُونَ فِي تَفَادِي اسْتِنْتَاجِ لا يُرِيدُونَ أَنْ يُضْطَرُّوا لِقَبُولِهِ. وَتَعلَّمْتُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ فِي النِقَاشِ اللاهُوتِيِّ وَالْجِدَالِ الْفَلْسَفِيِّ، عِنْدَمَا يُنْكِرُ الْخَصْمُ قَانُونَ التْنَاقُضِ، يَنْتَهِي النِقَاشُ، وَلا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي الْمُتَابَعَةِ. فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: "لا أُؤْمِنُ بِالْمَنْطِقِ"، يُمْكِنُنِي الْقَوْلُ: "حَسَنًا، أَنْتَ تَقُولُ عَلَى الأَقَلِّ إِنَّ بَدِيلَكَ لِلإيمانِ الْمَسِيحِيِّ بِوُجُودِ اللهِ، وَبِاعْتِرَافِكَ، غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ". هَذَا هُوَ كُلُّ مَا نُحَاوِلُ أَنْ نُبَيِّنَهُ فِي عِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ - أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ عَقْلانِيًّا، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مَنْطِقِيًّا، عَلَيْكَ أَنْ تُؤَيِّدَ وُجُودَ اللهِ. وَإِذَا كَانَتْ وَسِيلَتُكَ الْوَحِيدَةُ لِتَجَنُّبِ الاعْتِرَافِ بِوُجُودِ اللهِ هِيَ إِنْكَارُ الْمَنْطِقِ، فَهَيَّا، افْعَلْ ذَلِكَ. هَذَا مَا نُحَاوِلُ أَنْ نُبَيِّنَهُ فِي الْمَقَامِ الأَوَّلِ.

لَكِنَّ أَخْطَرَ مَا نُوَاجِهُهُ فِي يَوْمِنَا هَذَا هُوَ تَغَلُّبُ اللا عَقْلانِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْعَقْلِيَّةِ الْعِلْمَانِيَّةِ، بَلْ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ، حَيْثُ نَرَى تَأْثِيرَ الْفَلْسَفَةِ الْوُجُودِيَّةِ وَقَدْ تَغَلْغَلَ دَاخِلَ الْفِكْرِ الْمَسِيحِيِّ، حَتَّى إِنَّهُ فِي كُلِّيَّاتِ اللاهُوتِ الْيَوْمَ، عِنْدَمَا أَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ، أَجِدُ أَنَّ مُعْظَمَ الطُلَّابِ يَدْخُلُونَ مِنْ بَابِ كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ الْيَوْمَ وَقَدْ أَقْنَعَهُمُ الْعالَمُ الْعِلْمَانِيُّ بِالْفِعْلِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ لِلْحَقِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَنْطِقِيٍّ، وَبِأَنَّهُ يُمْكِنُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاقِضًا وَأَنْ يَظَلَّ مَعَ ذَلِكَ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. هَذَا مُذْهِلٌ. فَفِي الأُرْثُوذُكْسِيَّةِ الْحَدِيثَةِ، مَثَلًا، اثْنَانِ مِنْ أَبْرَزِ مُمَثِّلِيهَا - وَهُمَا  كَارْل بَارْت وَإِمِيل بْرُونَر، اللَذَانِ تَأَثَّرا كَثِيرًا بِالْفِكْرِ الْوُجُودِيِّ، وَلا سِيَّمَا بِفَلْسَفَةِ سُورِين كِيرْكِيجَارْد، الَذِي قَالَ إِنَّ الْحَقَّ نِسْبِيٌّ فِي الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ - تَبَنَّيَا هَذَا الْمَوْقِفَ الْجَدِيدَ تُجَاهَ الْمَنْطِقِ. لَكِنَّ هَذَا الْمَوْقِفَ لَيْسَ بِجَدِيدٍ. فَفِي أَيَّامِ تِرْتِلْيَانُوسَ، فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، طَرَحَ تِرْتِلْيَانُوسُ السُؤالَ التَالِي: "مَا لأُورُشَلِيمَ بِأَثِينَا؟" أَرَادَ تِرْتِلْيَانُوسُ تَحْرِيرَ الْمَسِيحِيَّةِ مِنْ أَيِّ تَأْثِيرٍ غَيْرِ مُلائِمٍ لِلْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ. وَلأَنَّ أَرِسْطُو كَانَ فَيْلَسُوفًا يُونَانِيًّا، وَكَانَ أَرِسْطُو هُوَ مَنْ عرَّفَ قَوَانِينَ الْمَنْطِقِ، فَمُنْذُ وَقْتٍ مُبَكِّرٍ قَالَ الناسُ: "هَذَا كَلامٌ يُونَانِيٌّ وَغَيْرُ مَسِيحِيٍّ. وَالْمَسِيحِيَّةُ حُرَّةٌ مِنْ تَحَكُّمِ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ فِيهَا". لَكِنَّنِي أُذَكِّرُ هَؤلاءِ بِأَنَّ أَرِسْطُو لَمْ يَخْتَرِعِ الْمَنْطِقَ، مِثْلَمَا لَمْ يَخْتَرِعْ كُولُومْبُوسُ أَمْرِيكَا. فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ هُوَ اكْتِشَافُ الْقَوَانِينِ الْمَوْجُودَةِ بِالْفِعْلِ، وَالْمُدْمَجَةِ فِي الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ، وَالَتِي هِيَ الشُرُوطُ الأَسَاسِيَّةُ لِيَتَمَكَّنَ الْبَشَرُ مِنْ إِجْرَاءِ حَدِيثٍ لَهُ مَعْنًى. فَقَدِ اكْتَشَفَ وَعَرَّفَ مَبَادِئَ التَفْكِيرِ الْمَنْطِقِيِّ الَتِي أُدْمِجَتْ فِي بَشَرِيَّتِنَا عَلَى يَدِ خَالِقِنَا، الَذِي هُوَ لَيْسَ إِلَهَ تَشْوِيشٍ، وَلَيْسَ إِلَهًا غَيْرَ عَقْلانِيٍّ أَوْ مُنَافِيًّا لِلْعَقْلِ. وَإِنَّمَا الإِلَهُ الَذِي يَتَكَلَّمُ إِلَيْنَا يَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ مُتَرَابِطَةٍ، وَمَفْهُومَةٍ، وَوَاضِحَةٍ. وَالْغَرَضُ مِنْ كَلِمَةِ اللهِ هُوَ أَنْ تَفْهَمَهَا مَخْلُوقَاتُ اللهِ. وَالْمَطْلَبُ الأَسَاسِيُّ لِذَلِكَ الْفَهْمِ هُوَ أَلَّا يُكَلِّمَنا اللهُ بِكَلامٍ خَادِعٍ أَوْ مُتَنَاقِضٍ.

لَكِنْ كَمَا ذَكَرْتُ مُنْذُ قَلِيلٍ، كَانَ تَأْثِيرُ لاهُوتِ الأُرْثُوذُكْسِيَّةِ الْحَدِيثَةِ، مِنْ خِلالِ كَارْلْ بَارْتْ وَإِمِيلْ بْرُونَر، كَبِيرًا عَلَى أَيَّامِنَا. فَفِي السَنَوَاتِ الْعِشْرِينَ الأُولَى مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، أَصْدَرَ كَارْلْ بَارْت مُؤَلَّفَهُ Romerbrief، أَيْ تَفْسِيرَهُ لِلرِسَالَةِ إِلَى رُومِيَةَ، الَذِي وُصِفَ بِأَنَّهُ "قُنْبِلَةٌ سَقَطَتْ فَوْقَ أَرْضِ اللاهُوتِيِّينَ". وَفِي كِتَابِهِ، أَدْلَى د. بَارْت بِالْمُلاحَظَةِ التَالِيَةِ: "مَا لَمْ تَتَمَكَّنِ الْمَسِيحِيَّةُ مِنْ قَبُولِ كِلا طَرَفَيْ النَقِيضِ، لَنْ تَبْلُغَ مَرْحَلَةَ النُضُوجِ". إِذَنْ، كَانَتْ عَلامَةُ النُضُوجِ، بِحَسَبِ بَارْت، هِيَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمَسِيحِيُّ مِنْ قَبُولِ كِلا طَرَفَيْ النَقِيضِ.

وَعَلَى الْمِنْوَالِ ذَاتِهِ، زَمِيلُهُ إِمِيل بْرُونَر، فِي كِتَابِهِ الصَغِيرِ بِعُنْوَانِ Wahreit als Begegnen - "الْحَقُّ كَمَا نُوَاجِهُهُ" - أَدْلَى بِالْمُلاحَظَةِ الَتِي اشْتَهَرَتْ فِي الْعَالَمِ اللاهُوتِيِّ: "التَنَاقُضُ هُوَ سِمَةُ الْحَقِّ". لا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ كَثِيرًا عَنْ قَوْلِنَا إِنَّ "التَنَاقُضَاتِ مَسْمُوحٌ بِهَا وَجَائِزَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً، وَيُمْكِنُ التَعَايُشُ مَعَهَا. وَيَلْزَمُ أَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ قَبُولِهَا، وَلَيْسَ فَقَطْ قَبُولَهَا، بَلْ الافْتِخَارُ بِهَا، لأَنَّهَا سِمَةُ الْحَقِّ".

دَعُونَا الآنَ نُطَبِّقُ هَذَا الْمَبْدَأَ عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَالتَطْبِيقُ الْمُفَضَّلُ لَدَيَّ هُوَ الْعَوْدَةُ إِلَى تَكْوِين 3، حَيْثُ كَلَّمَ اللهُ آدمَ وَحَوَّاءَ فِي الْجَنَّةِ، وَوَضَعَ أَمَامَ آدَمَ وَحَوَّاءَ بَعْضَ الْمَبَادِئِ، وَقَالَ: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا". لَكِنَّهُ وَضَعَ لَهُمَا حُدُودًا وَقَالَ: "إِنْ أَكَلْتُمَا مِنْ هَذِهِ الشَجَرَةَ مَوْتًا تَمُوتَانِ". إِذَا تَرْجَمْنَا ذَلِكَ إِلَى مُعَادَلاتٍ مَنْطِقِيَّةٍ، نَرَى أَنَّ اللهَ قَالَ لآدَمَ وَحَوَّاءَ: "إِنْ حَدَثَ أ، سَيَحْدُثُ ب". "إِنْ أَكَلْتُمَا تَمُوتَانِ". هَذِهِ هِيَ الْمُعَادَلَةُ. ثُمَّ جَاءَتِ الْحَيَّةُ. وَبَعْدَمَا طَرَحَتْ بَعْضَ الأَسْئِلَةِ الْخَادِعَةِ وَالْمَاكِرَةِ عَلَى حَوَّاءَ، دَخَلَتْ فِي صُلْبِ الْمَوْضُوعِ وَقَالَتْ لِحَوَّاءَ: "لَنْ تَمُوتَا. بل تَكُونَانِ كَاللهِ". أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ إِذَنْ، قَالَتِ الْحَيَّةُ لِحَوَّاءَ: "إِنْ أَكَلْتُمَا" - "إِنْ حَدَثَ أ، لَنْ يَحْدُثَ ب".

لِنَفْتَرِضِ الآنَ أنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَلَّمَا فِي مَدْرَسَةِ أَرِسْطُو. فَفَكَّرَ آدَمُ فِي الأَمْرِ وَقَالَ - أَوْ فَكَّرَتْ حَوَّاءُ فِي الأَمْرِ وَقَالَتْ: "مَهْلاً أَيَّتُهَا الْحَيَّةُ، هَذَا تَنَاقُضٌ مُبَاشِرٌ مَعَ مَا قَالَهُ خَالِقِي مُنْذُ بِضْعِ دَقَائِقَ. لَكِنَّنِي تَعَلَّمْتُ الدَرْسَ اللاهُوتِيَّ الْقَائِلَ إِنَّ التَنَاقُضَ هُوَ سِمَةُ الْحَقِّ. وَبِمَا أَنَّ الْحَيَّةَ هِيَ الَتِي نَطَقَتْ بِهَذَا التَنَاقُضِ، وَبِمَا أَنَّ التَنَاقُضَ هُوَ سِمَةُ الْحَقِّ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنَّ الْحَيَّةَ سَفِيرَةٌ لِلْحَقِّ - أَيْ مُمَثِّلَةٌ لله. إِذَا كَانَ هَذَا صَحِيحًا، وَإِذَا أَرَدْتُ حَقًّا أَنْ أَكُونَ ابْنَةً نَاضِجَةً للهِ، قَادِرَةً عَلَى قَبُولِ كِلا طَرَفَيِ النَقِيضِ، فَسَيَكُونُ مَسْمُوحًا لِي لَيْسَ فَقَطْ بِالأَكْلِ مِنْ هَذِهِ الشَجَرَةِ، بَلْ "مَاذَا؟" يَنْبَغِي أَنْ آكُلَ مِنْ هَذِهِ الشَجَرَةِ لأَكُونَ مَسِيحِيَّةً طَائِعَةً وَنَاضِجَةً".

حَاوَلْتُ هُنَا نَقْضَ هَذَا الْمَبْدَأِ عَنْ طَرِيقِ إِثْبَاتِ سَخَافَةِ فَرَضِيَّتِهِ. فَلَوْ كَانَ التَنَاقُضُ هُوَ سِمَةُ الْحَقِّ، كَمَا ذَكَرْتُ قَبْلًا، سَتَسْتَحِيلُ التَفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْكَذِبِ، وَبَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَبَيْنَ الطَاعَةِ وَالْعِصْيَانِ، وَبَيْنَ التَقْوَى وَالْفُجُورِ، وَبَيْنَ الْمَسِيحِ وَضِدَّ الْمَسِيحِ. مَاذَا؟ أَتَقُولُ إِنَّكَ تَسْتَطِيعُ قَبُولَ كِلا طَرَفَيْ النَقِيضِ؟ أَتَقُولُ إِنَّهُ يُمْكِنُ لِلْمَسِيحِ أَنْ يَكُونَ الْمَسِيحَ وَضِدَّ الْمَسِيحِ، فِي الآنِ ذَاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِها؟ يَا أَصْدِقَائِي الأَعِزَّاءَ، لا شَيْءَ يُفْسِدُ حَقَّ اللهِ أَكْثَرَ مِنَ الإِضْرَارِ بِنَسِيجِ الْحَقِّ نَفْسِهِ.

لَيْسَ لِقَانُونِ التَنَاقُضِ وَالْمَنْطِقِ مُحْتَوًى. فَإِذَا قَبِلْتَ الْمَنْطِقَ، لَسْتَ بِهَذَا تَقْبَلُ مَعْلُومَاتٍ أَوْ مُحْتَوًى أَوْ فَرَضِيَّاتٍ. فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْمَنْطِقُ هُوَ قِيَاسُ الْعِلاقَةِ بَيْنَ الْفَرَضِيَّاتِ وَالتَصْرِيحَاتِ، بِحَيْثُ إِنْ أَدْلَيْتُ بِتَصْرِيحَيْنِ، سَأَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا إِذَا كَانَا مُتَوَافِقَيْنِ، أَمْ مُتَنَاقِضَيْنِ. وَلِهَذَا أُطَبِّقُ أَدَوَاتِ الْمَنْطِقِ لأَرَى مَا إِذَا كَانَتِ اسْتِنْتَاجَاتِي نَابِعَةً حَقًّا مِنْ فَرَضِيَّاتِي أَمْ لا. فَمَثَلًا، فِي الْمُعَادَلَةِ الاسْتِدْلالِيَّةِ الشَهِيرَةِ: "جَمِيعُ الْبَشَرِ فَانُونَ. وَسُقْرَاطُ إِنْسَانٌ". لَدَيْنَا الْفَرَضِيَّةُ الأُولَى وَالْفَرَضِيَّةُ الثَانِيَةُ. لَدَيْنَا تَصْرِيحَانِ. وَمَا الْعلاقَةُ بَيْنَهُما؟ يَقُولُ الْمَنْطِقُ إِنَّهُ إِنْ كَانَ جَمِيعُ الْبَشَرِ فَانِينَ، وَإِنْ كَانَ سُقْرَاطُ إِنْسَانًا، سَيَكُونُ الاسْتِنْتَاجُ أَكِيدًا. فَإِذَا كَانَ جَمِيعُ الْبَشَرِ فَانِينَ، وَسُقْرَاطُ إِنْسَانًا، فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُقْرَاطُ فانِيًا. إِذَنْ، تَتَحَدَّدُ صِحَّةُ اسْتِنْتَاجِنا بِحَسَبِ صِلاحِيَةِ الْحُجَّةِ. وَهُنَاكَ قَوَانِينُ تَقِيسُ الْعلاقَةَ بَيْنَ الأَفْكَارِ. فَالْمَنْطِقُ أَشْبَهُ بِشُرْطِيٍّ وَضَعَهُ اللهُ دَاخِلَ عَقْلِ الْبَشَرِ، لِيُطْلِقَ جَرَسَ الإِنْذَارِ، وَيَتَعَرَّفَ عَلَى الْكِذْبَةِ. فَالْجَرَسُ يَنْطَلِقُ عِنْدَمَا لا تَتَوَافَقُ بَعْضُ الأُمُورُ مَعًا، مِثْلَمَا يَعْمَلُ حَاسُوبُكَ بِشَكْلٍ غَرِيبٍ عِنْدَمَا تَطْلُبُ مِنْهُ تَنْفِيذَ أَمْرٍ غَيْرِ مَنْطِقِيٍّ.

إِذَنْ، وَضَعَ اللهُ دَاخِلَ الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ وَظِيفَةَ الْعَقْلانِيَّةِ، لاخْتِبَارِ التَرَابُطِ الْمَنْطِقِيِّ وَالْعَقْلانِيَّةِ. وَفِي لُبِّ الإِيمانِ الْمَسِيحِيِّ، مَعَ أَنَّ مُحْتَوى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ يَتَجَاوَزُ كَثيرًا مَا يُمْكِنُ اكْتِشَافُهُ بِالتَفْكِيرِ الْمَنْطِقِيِّ - لأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الإِعْلانِ الإِلَهِيِّ - لَكِنَّ ذَلِكَ الإِعْلانَ الإِلَهِيَّ لا يَأْتِينَا مُغَلَّفًا بِمَا يَتَنَافَى مَعَ الْعَقْلِ. فَكَلِمَةُ اللهِ لَيْسَتْ غَيْرَ مَنْطِقِيَّةٍ. وَهِيَ مُوَجَّهَةٌ إِلَى مَخْلُوقَاتٍ لَدَيْهِمْ عُقُولٌ تَعْمَلُ وَفْقًا لِهَذِهِ الْمَبَادِئِ.