المحاضرة 31: أُلُوهِيَّةُ الْمَسِيحِ

هناك الكثير من الناس في العالم الذين يعترفون بأن يسوع الناصري كان شخصًا تاريخيًا حقيقيًا عاش في العالم القديم لفلسطين، وحتى أن البعض منحوه مكانة نبوية. لكن شهادة الكتاب المقدس لا تسمح لنا بالتوقف عند هذا الحد. يقول الكتاب المقدس إن يسوع هو أكثر من نبي، وكمسيحيين يجب أن نكون مستعدين لشرح ذلك. إن ما يجعل يسوع فريدًا حقًا هو بدايته، أو ينبغي لنا أن نقول، عدم بدايته. ينظر د. سبرول إلى هذه الفكرة وهو يستشهد بإنجيل يوحنا الأصحاح الأول عن "ألوهية المسيح".

نَصِلُ الْآنَ إِلَى ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ دِرَاسَتِنَا لِعِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ حَيْثُ نَخْتَتِمُ سِلْسِلَةَ الْمُحَاضَرَاتِ بِالنَّظَرِ فِي النِّهَايَةِ إِلَى دَلَالَاتِ مَا دَرَسْنَاهُ حَتَّى الْآنَ. فَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ نِطَاقَ عِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ يَتَعَدَّى كَثِيرًا الْمَوْضُوعَيْنِ اللَّذَيْنِ دَرَسْنَاهُمَا. فَطَوَالَ الْوَقْتِ، تَنَاوَلْنَا مَوْضُوعَيْنِ فَحَسْبُ، وَهُمَا إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ؛ وَثَانِيًا، إِثْبَاتُ الْأَصْلِ الْإِلَهِيِّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

وَكَمَا ذَكَرْتُ، تَتَعَدَّى قَضَايَا عِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ كَثِيرًا هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ. فَفِي كُلِّ جِيلٍ، وَكُلِّ عَصْرٍ، تَصْطَدِمُ الْفَلْسَفَاتُ الْعِلْمَانِيَّةُ بِتَصْرِيحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَبِالتَّالِي، عَبْرَ الْعُصُورِ، كَانَ عَلَى الدِّفَاعِيِّينَ أَنْ يُبَارِزُوا، إِنْ جَازَ التَّعْبِيرُ، تِلْكَ الْفَلْسَفَاتِ الْمُنَافِسَةَ، لِأَنَّ الْمَسِيحِيَّةَ لَيْسَتْ دِيَانَةً بِقَدْرِ كَوْنِهَا مَا نُسَمِّيهِ بِنَظْرَةٍ إِلَى الْحَيَاةِ وَالْعَالَمِ. أَيْ إِنَّ مَضْمُونَ الْمَسِيحِيَّةِ يُحَدِّدُ مَعْنَى الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ، وَعَلَاقَةَ هَذَا الْعَالَمِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ بِوُجُودِ اللَّهِ.

فِي أَيَّةِ نَظْرَةٍ إِلَى الْعَالَمِ، أَوْ إِلَى الْحَيَاةِ وَالْعَالَمِ، نَتَعَامَلُ مَعَ نِظَامٍ فِكْرِيٍّ. هَذَا النِّظَامُ قَدْ أَوْ قَدْ لَا يَكُونُ مُتَّسِقًا وَمُتَرَابِطًا. لَكِنْ عَلَى الْأَقَلِّ، مُعْظَمُ الْأَنْظِمَةِ تَسْعَى إِلَى أَنْ تَكُونَ مُتَرَابِطَةً، وَإِلَى تَنَاوُلِ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَضَايَا الْمُتَنَوِّعَةِ الَّتِي تَبْرُزُ. وَبِالتَّالِي، لَا تُعْنَى الْمَسِيحِيَّةُ فَقَطْ بِعِبَادَتِنَا، أَوْ تَرْنِيمِنَا، أَوْ صَلَاتِنَا، بَلْ تُعْنَى أَيْضًا بِطَبِيعَةِ اللَّهِ، وَبِمَسَائِلِ عِلْمِ الْكَوْنِيَّاتِ، أَيْ بِالسُّؤَالِ: مَا تَكْوِينُ هَذَا الْعَالَمِ؟ وَهَلْ يَعْمَلُ هَذَا الْعَالَمُ وَفْقًا لِقَوَانِينَ دَاخِلِيَّةٍ ثَابِتَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَنْ سُلْطَانِ اللَّهِ، أَمْ إِنَّ الطَّبِيعَةَ تَعْتَمِدُ فِي قُوَّتِهَا وَعَمَلِيَّاتِهَا كُلَّ لَحْظَةٍ عَلَى هَذَا الْإِلَهِ الْمُتَسَامِي الَّذِي خَلَقَهَا فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ؟ وَتُعْنَى بِمَسَائِلِ عِلْمِ الْإِنْسَانِ: هَلْ نَحْنُ، كَبَشَرٍ، مَخْلُوقُونَ عَلَى صُورَةِ اللَّهِ لِغَرَضٍ مَا، وَبِالتَّالِي لِحَيَاتِنَا مَعْنًى وَأَهَمِّيَّةٌ، أَمْ إِنَّنَا مُجَرَّدُ جَرَاثِيمَ نَاضِجَةٍ، كَمَا ذَكَرْتُ سَابِقًا، وَحَوَادِثَ كَوْنِيَّةٍ لَا أَهَمِّيَّةَ لَهَا فِي النِّهَايَةِ؟ إِذَنْ، فَهْمُنَا لِلَّهِ يُحَدِّدُ فَهْمَنَا لِلْعَالَمِ. وَفَهْمُنَا لِلَّهِ وَالْعَالَمِ يُحَدِّدُ فَهْمَنَا لِمَوْقِعِنَا فِي الْخُطَّةِ الْكُبْرَى.

إِذَنْ، مُجَدَّدًا، الْمَسِيحِيَّةُ، بِصِفَتِهَا نَظْرَةً إِلَى الْحَيَاةِ وَالْعَالَمِ، هِيَ فِي تَنَافُسٍ وَصِدَامٍ دَائِمَيْنِ مَعَ نُظُمِ الْفِكْرِ الْبَدِيلَةِ. وَبِالتَّالِي، قَدْ يَتَوَجَّبُ عَلَى الدِّفَاعِيِّينَ الْيَوْمَ مُبَارَزَةُ الْوُجُودِيِّينَ، أَوْ الْفَلَاسِفَةِ التَّحْلِيلِيِّينَ، بَيْنَمَا فِي الْمَاضِي، كَانَتِ الْفَلْسَفَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ وَالْفَلْسَفَةُ الْوَضْعِيَّةُ مَثَارَ جَدَلٍ دَاخِلَ الْمَسِيحِيَّةِ. وَأَثِقُ أَنَّهُ أَيًّا كَانَ مَا فِي جُعْبَةِ الْعَالَمِ الْعِلْمَانِيِّ فِي الْغَدِ، فَهُوَ سَيُثِيرُ تَسَاؤُلَاتٍ وَمُشْكِلَاتٍ وَرُدُودًا جَدِيدَةً مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ.

مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُمَيِّزُنَا كَمَسِيحِيِّينَ، بَعْدَ مُرُورِ أَلْفَيْ عَامٍ مِنَ التَّدَرُّبِ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ النُّظُمِ الْبَدِيلَةِ، هُوَ أَنَّنَا حِينَ نُوَاجِهُ تَحَدِّيًا فَلْسَفِيًّا جَدِيدًا لِإِيمَانِنَا الْمَسِيحِيِّ، حَيْثُ يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا الدِّفَاعُ عَنْ أَنْفُسِنَا مُجَدَّدًا فِي جِيلٍ جَدِيدٍ، يُمْكِنُنَا الِاسْتِعَانَةُ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ مِنَ التَّفْكِيرِ فِي الْقَضَايَا الَّتِي تَبْرُزُ مِرَارًا فِي سَاحَةِ الْجِدَالِ الْعَامِّ. فَمِنَ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا الْفَلْسَفَاتُ الْجَدِيدَةُ هِيَ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ هَذَا الْكَمَّ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَوَاطِنِ ضَعْفِهَا، مَا يَمْنَحُهَا أَفْضَلِيَّةً حِينَ تَظْهَرُ عَلَى السَّاحَةِ، إِذْ لَمْ يُفَكِّرْ أَحَدٌ فِي مَوَاطِنِ ضَعْفِهَا الْمُحْتَمَلَةِ. لَكِنْ، بِالْفَحْصِ الْمُتَمَعِّنِ لِهَذِهِ الْفَلْسَفَةِ، تَمِيلُ إِلَى أَنْ تَكُونَ قَصِيرَةَ الْأَجَلِ. وَهَكَذَا، تَظْهَرُ فَلْسَفَاتٌ بَدِيلَةٌ وَتَخْتَفِي عَبْرَ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، فِي حِينِ تَظَلُّ الْمَسِيحِيَّةُ الْقَوِيمَةُ وَاقِفَةً فِي الثَّغْرِ.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَ كُلِّ ذَلِكَ، يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَبَيْنَ مَا دَعَوْنَاهُ سَابِقًا بِالْإِعْلَانِ الطَّبِيعِيِّ، أَيْ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَعْرِفَهُ مِنْ دِرَاسَةِ الْوَاقِعِ، بِمَعْزَلٍ عَمَّا جَاءَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لِأَنَّنَا مَا أَنْ نُثْبِتَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، يُخْبِرُنَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ بِأَنَّهُ إِلَى جَانِبِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي نَسْتَخْلِصُهَا مِنْهُ، يُعْلِنُ اللَّهُ الْحَقَّ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ السَّمَاوَاتِ، وَالطَّبِيعَةِ. وَبِالتَّالِي، بَيْنَمَا نَدْرُسُ فِي الْمُخْتَبَرِ الْعِلْمِيِّ بَعْضَ عَنَاصِرِ وَاقِعِنَا، نَظَلُّ نُحَاوِلُ تَبَنِّي أَفْكَارِ اللَّهِ، وَتَمْيِيزَ بَصْمَةِ الْخَالِقِ فِي عَالَمِ الطَّبِيعَةِ.

مُجَدَّدًا، وَتَارِيخِيًّا، اتَّفَقَ اللَّاهُوتِيُّونَ وَالدِّفَاعِيُّونَ الْعُظَمَاءُ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ كُلَّهُ وَاحِدٌ، وَكُلُّ الْحَقِّ يَتَلَاقَى عِنْدَ الْقِمَّةِ، بِحَيْثُ لَنْ يَتَعَارَضَ مَا يُعْلِنُهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي النِّهَايَةِ مَعَ مَا يُعْلِنُهُ لَنَا خَارِجَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي عَالَمِ الطَّبِيعَةِ. وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ، فَإِنْ أَعْلَنَ اللَّهُ بَعْضَ الْحَقِّ فِي الطَّبِيعَةِ، فَهَذَا الْحَقُّ الْمُعْلَنُ مِنْ خِلَالِ الطَّبِيعَةِ لَنْ يَتَعَارَضَ مَعَ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

بَعْدَمَا أَثْبَتْنَا الْفَرَضِيَّتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ اللَّتَيْنِ سَعَيْنَا إِلَى دِرَاسَتِهِمَا - أَيْ وُجُودَ اللَّهِ وَسُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ - فَكَمَا ذَكَرْتُ، نَكُونُ قَدْ أَنْجَزْنَا تِسْعِينَ بِالْمَائَةِ مِنْ مُهِمَّةِ الدِّفَاعِيَّاتِ، مَعَ أَنَّهُ لَا تَزَالُ هُنَاكَ عَشَرَةُ آلَافِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى يَلْزَمُ تَنَاوُلُهَا. لَكِنْ بِإِثْبَاتِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، سَتَتَضَمَّنُ الْعَشَرَةُ بِالْمِئَةِ الْمُتَبَقِّيَةِ قَضَايَا يُمْكِنُ التَّعَامُلُ مَعَهَا بِالدِّرَاسَةِ الْمُتَمَعِّنَةِ لِمَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ، مُجَدَّدًا، يُخْبِرُنَا بِمَعْلُومَاتٍ عَنْ أَصْلِ الْإِنْسَانِ، وَأَصْلِ الْكَوْنِ، وَيُطْلِعُنَا عَلَى طَبِيعَةِ الْحَقِّ نَفْسِهِ، وَيُكَلِّمُنَا عَنْ مَسَائِلَ أَخْلَاقِيَّةٍ نَنْقَسِمُ حَوْلَهَا بِشَرَاسَةٍ - كَالْمِثْلِيَّةِ، وَالْإِجْهَاضِ، وَغَيْرِهَا. هَذِهِ الْقَضَايَا كُلُّهَا يَتَنَاوَلُهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ. لَكِنْ إِلَيْكُمُ الْمُشْكِلَةَ: يَخْتَلِفُ أُنَاسٌ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ حَوْلَ قَضَايَا تَتَعَلَّقُ بِالزَّوَاجِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْحَيَاةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، تِلْكَ الْجِدَالَاتِ الَّتِي نَرَاهَا يَوْمِيًّا فِي الصُّحُفِ. وَتَتَعَقَّدُ الْمُشْكِلَةُ لِأَنَّ الْبَعْضَ فِي الْكَنِيسَةِ يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّ السُّلْطَةَ الْمِعْيَارِيَّةَ لِحَسْمِ هَذِهِ الْقَضَايَا هِيَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، فِيمَا يَقُولُ آخَرُونَ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ: "كَلَّا، لَسْتُ أَخْضَعُ لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الْمِعْيَارِيَّةِ"؛ وَلِذَلِكَ، يَلْجَأُونَ إِلَى أَسَاسٍ آخَرَ لِادِّعَاءَاتِهِمْ. فَمَثَلًا، فِي الْجِدَالَاتِ حَوْلَ الْحَيَاةِ الْجِنْسِيَّةِ، الَّتِي مَزَّقَتْ طَوَائِفَ كُبْرَى أَشْلَاءً فِي هَذَا الْعَصْرِ، تَصْدُرُ تَقَارِيرُ عَنِ الطَّوَائِفِ مُسْتَنِدَةً إِلَى النَّظَرِيَّاتِ النَّفْسِيَّةِ الْحَدِيثَةِ، أَوْ نَظَرِيَّاتِ الطِّبِّ النَّفْسِيِّ، وَتَتَجَاهَلُ تَمَامًا تَعْلِيمَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّ مُؤَيِّدِي آرَاءَ مُمَاثِلَةٍ يَقُولُونَ إِنَّ النَّظَرِيَّةَ النَّفْسِيَّةَ الْحَدِيثَةَ تَتَفَوَّقُ عَلَى أَيَّةِ فِكْرَةٍ قَدِيمَةٍ يَطْرَحُهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، مُفْتَرَضِينَ بِهَذَا قَطْعًا أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ كَلِمَةَ اللَّهِ؛ لِأَنَّنَا، بِرَأْيِي، نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ سُمِعَ اللَّهُ نَفْسُهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَسْأَلَةٍ مَا، وَخَالَفَهُ الْمُجْتَمَعُ النَّفْسِيُّ الْأَمِيرِكِيُّ الرَّأْيَ، فَمَنْ سَنُصَدِّقُ؟ قَطْعًا، سَنُذْعِنُ لِكَلِمَةِ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَنَعْتَبِرُهَا نِهَائِيَّةً.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، الْمُشْكِلَةُ هِيَ أَنَّهُ لَيْسَ الْجَمِيعُ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ، نَاهِيكَ عَنْ خَارِجِهَا، يَقْبَلُونَ كَوْنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِعْيَارًا. وَلِذَلِكَ، يَجِبُ إِثْبَاتُ مَوْثُوقِيَّتِهِ فِي مَرْحَلَةٍ مُبَكِّرَةٍ مِنْ عَمَلِيَّةِ فَحْصِ ادِّعَاءَاتِهِ، حَتَّى تَصِيرَ لَدَيْنَا سُلْطَةٌ يَخْضَعُ لَهَا الطَّرَفَانِ. لَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ تَزْدَادُ تَعْقِيدًا حِينَ نُدْرِكُ أَنَّ الْكَثِيرِينَ بِدَاخِلِ الْكَنِيسَةِ مِمَّنْ يَقْبَلُونَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اَللَّهِ، وَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِلْخُضُوعِ لِسُلْطَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ، يَتَبَنَّوْنَ فَهْمًا مُخْتَلِفًا كَثِيرًا لِمَا يُعَلِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ فِعْلِيًّا. إِذَنْ، لَمْ تَعُدِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِطَبِيعَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بَلْ صَارَتْ تَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ، وَالْفَحْصِ الْمُتَمَعِّنِ لِمَا يُعَلِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ. وَبِالتَّالِي، يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِرُمَّتِهِ بِالنَّهْجِ الَّذِي نَتْبَعُهُ لِتَمْيِيزِ مَا يُعَلِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، وَبِالْعِلْمِ الَّذِي يُدْعَى عِلْمَ التَّفْسِيرِ، أَوْ مَبَادِئَ التَّفْسِيرِ، الَّتِي يَبْرُزُ تَأْثِيرُهَا حِينَ نَتَنَاوَلُ قَضَايَا التَّفْسِيرِ الْكِتَابِيِّ.

مِنْ أَصْدِقَائِي الْمُقَرَّبِينَ فِي الْخِدْمَةِ هُوَ جُونْ مَاكْآرْثِرْ مِنْ كَالِيفُورْنِيَا. وَقَدْ عَمِلْنَا جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ لِلدِّفَاعِ عَنْ حَقِيقَةِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَلَا أَعْرِفُ شَخْصًا يَتَبَنَّى نَظْرَةً سَامِيَةً لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَكْثَرَ مِنْهُ، أَوْ مُكَرَّسًا أَكْثَرَ مِنْهُ لِدِرَاسَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لَكِنْ، بِالرَّغْمِ مِنِ اتِّفَاقِنَا فِي آرَاءَ كَثِيرَةٍ جِدًّا، ثَمَّةَ نِقَاطٌ نَخْتَلِفُ حَوْلَهَا. فَمَثَلًا، مِنْ بَيْنِ الْمُؤْمِنِينَ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، يُؤْمِنُ الْبَعْضُ بِوُجُوبِ مُمَارَسَةِ مَعْمُودِيَّةِ الْأَطْفَالِ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: "كَلَّا، يَجِبُ أَلَّا نَفْعَلَ ذَلِكَ"، لِعَدَمِ وُجُودِ وَصِيَّةٍ صَرِيحَةٍ بِتَعْمِيدِ الْأَطْفَالِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَكَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ نَهْيٍ صَرِيحٍ عَنْ ذَلِكَ. وَبِالتَّالِي، يُضْطَرُّ الطَّرَفَانِ الْمُنْقَسِمَانِ حَوْلَ مَسْأَلَةٍ كَهَذِهِ لِلِاسْتِنَادِ إِلَى اسْتِنْتَاجَاتٍ يَسْتَخْلِصُونَهَا مِمَّا يُقَدِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ مِنْ بَرَاهِينَ ضِمْنِيَّةٍ.

وَجُونْ مَاكْآرْثَرْ، صَدِيقِي الْمُقَرَّبُ، أَجْرَى دِرَاسَاتِهِ، فَدَرَسَ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ، وَتَارِيخَ الْكَنِيسَةِ، وَالْقَضَايَا اللَّاهُوتِيَّةَ، ثُمَّ اسْتَنْتَجَ أَنَّهُ عَلَى الْكَنِيسَةِ أَلَّا تُعَمِّدَ الْأَطْفَالَ. فِي الْمُقَابِلِ، أَنَا مُقْتَنِعٌ بِأَنَّ الْبَرَاهِينَ الضِّمْنِيَّةَ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تُؤَيِّدُ بِقُوَّةٍ مَعْمُودِيَّةَ الْأَطْفَالِ. وَهَكَذَا، كِلَانَا مُلْتَزِمٌ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَكِنَّنَا نَخْتَلِفُ حَوْلَ نُقْطَةٍ كَهَذِهِ. لَكِنْ إِلَيْكُمُ الْخَبَرَ السَّارَّ عَنْ تِلْكَ النِّزَاعَاتِ: أَعْلَمُ حِينَ أَخُوضُ نِقَاشًا كَهَذَا مَعَ صَدِيقِي جُونْ مَاكْآرْثَرْ أَنَّنِي إِذَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أُثْبِتَ لَهُ أَنَّ مَعْمُودِيَّةَ الْأَطْفَالِ أَمْرٌ كِتَابِيٌّ، لَيْسَ لَدَيَّ أَدْنَى شَكٍّ فِي أَنَّهُ بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا عَلَّمَهُ فِي الْمَاضِي، وَعَنْ عَلَاقَاتِهِ بِالطَّوَائِفِ الدِّينِيَّةِ، وَعَنْ تَقَدُّمِ عُمْرِهِ، لَنْ يَتَرَدَّدَ فِي تَأْيِيدِ مَعْمُودِيَّةِ الْأَطْفَالِ. وَهُوَ مُتَأَكِّدٌ بِالْقَدْرِ ذَاتِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَطَاعَ إِقْنَاعِي بِأَنَّ مَعْمُودِيَّةَ الْأَطْفَالِ لَيْسَتْ مَبْدَأً كِتَابِيًّا، سَأَتَخَلَّى عَنْهَا فِي لَمْحِ الْبَصَرِ. إِذَنْ، نَحْنُ نَخْتَلِفُ حَوْلَ مَسْأَلَةٍ يَرَاهَا كِلَانَا مُهِمَّةً، لَكِنَّنَا عَلَى الْأَقَلِّ، نَحْتَكِمُ إِلَى السُّلْطَةِ نَفْسِهَا، وَيُمْكِنُنَا أَنْ نَخُوضَ نِقَاشًا مَعًا كَمُؤْمِنَيْنِ يَثِقُ كِلَاهُمَا فِي الْتِزَامِ الْآخَرِ بِسُلْطَةِ كَلِمَةِ اللَّهِ. هَذَا يَخْتَلِفُ تَمَامًا عَنْ مُجَادَلَةِ شَخْصٍ لَا يُصَادِقُ عَلَى كَلِمَةِ اللَّهِ.

دَعُونِي أُقَدِّمُ مَثَلًا آخَرَ، كَالْإِجْهَاضِ. أَلَّفْتُ كِتَابًا مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ مُنَاهِضًا لِلْإِجْهَاضِ. وَبِمَا أَنَّنِي كُنْتُ أُخَاطِبُ لَيْسَ فَقَطْ جُمْهُورًا مَسِيحِيًّا مُحَافِظًا، بَلْ الْمُجْتَمَعَ الْأَوْسَعَ، حَاوَلْتُ تَأْسِيسَ حُجَّتِي لَيْسَ فَقَطْ عَلَى التَّفْسِيرِ الْكِتَابِيِّ، بَلْ أَيْضًا عَلَى الْمَنْطِقِ الطَّبِيعِيِّ. وَاحْتَكَمْتُ إِلَى الطَّبِيعَةِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ لِمُعَارَضَةِ مَبْدَأِ "الْإِجْهَاضِ بِحَسَبِ الطَّلَبِ". وَتَنَاوَلْتُ الْبَرَاهِينَ الطِّبِّيَّةَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْجَنِينُ شَخْصًا عَاقِلًا، وَمَا إِذَا كَانَ حَيًّا، وَمَا إِذَا كَانَ يَسْتَوْفِي مَعَايِيرَ عِلْمِ الْأَحْيَاءِ. إِذَنْ، فِي ذَلِكَ السِّيَاقِ، كَانَ عَلَيَّ الِاحْتِكَامُ إِلَى أُمُورٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لَكِنْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْتُ سَأَتَقَيَّدُ فَقَطْ بِالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَلَيْسَ عَلَيْنَا الْخُرُوجُ إِلَى الْعَالَمِ الطَّبِيعِيِّ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَمْ يَصْمُتْ عَنْ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، أَوَدُّ أَنْ أَخْتَتِمَ حَدِيثِي بِالْقَوْلِ إِنَّهُ تُوجَدُ تَسَاؤُلَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَمَثَلًا، هَلْ يُعَلِّمُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيَّا؟ فَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَكَانَ يُعَلِّمُ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيَّا، فَهَذَا يُثْبِتُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيَّا. مِنَ النِّزَاعَاتِ الْكُبْرَى الَّتِي خَاضَتْهَا الْكَنِيسَةُ عَبْرَ التَّارِيخِ هُوَ مَوْضُوعُ أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ. وَصَارَعَتِ الْكَنِيسَةُ مَعَ مَسْأَلَةِ أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ طَوَالَ السَّنَوَاتِ الثَّلَاثِمِئَةِ الْأُولَى مِنْ وُجُودِهَا، لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى كَانُوا قَطْعًا حَسَّاسِينَ تُجَاهَ التُّهْمَةِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَى اللَّاهُوتِ الْمَسِيحِيِّ، بِأَنَّ الْمَسِيحِيَّةَ تَنْتَهِكُ مَبْدَأً أَسَاسِيًّا لِلْحَقِّ الْكِتَابِيِّ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ، الَّذِي هُوَ السِّمَةُ الْأَبْرَزُ لِإِيمَانِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. فَالْيَهُودِيَّةُ الْقَدِيمَةُ تُعْلِنُ بِوُضُوحٍ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. وَإِذَا كُنَّا نُؤْمِنُ بِالتَّوْحِيدِ، فَكَيْفَ نَنْسُبُ الْأُلُوهِيَّةَ لَيْسَ فَقَطْ إِلَى اللَّهِ الْآبِ، بَلْ نَنْسُبُ الْأُلُوهِيَّةَ أَيْضًا إِلَى يَسُوعَ الْمَسِيحِ؟ أَلَا يَهْدِمُ ذَلِكَ بِوُضُوحٍ التَّوْحِيدَ الْقَدِيمَ؟ لِذَلِكَ، خَرَجَتِ الْكَنِيسَةُ بِعَقِيدَةِ الثَّالُوثِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ أَقَانِيمِ الثَّالُوثِ الثَّلَاثَةِ، قَائِلَةً إِنَّ أَقَانِيمَ الثَّالُوثِ الثَّلَاثَةِ، مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ أُقْنُومِيًّا، لَكِنَّ اللَّاهُوتَ مَعَ ذَلِكَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ، بِحَيْثُ مَعَ أَنَّ التَّمَايُزَاتِ بَيْنَ أَقَانِيمِ الثَّالُوثِ - الْآبِ، وَالِابْنِ، وَالرُّوحِ الْقُدُسِ - حَقِيقِيَّةٌ وَمُهِمَّةٌ، تِلْكَ التَّمَايُزَاتُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْمُهِمَّةُ فِي اللَّاهُوتِ لَيْسَتْ جَوْهَرِيَّةً.

دَعُونِي أَتَوَقَّفُ قَلِيلًا. حِينَ أَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ "جَوْهَرِيٍّ"، أَوَدُّ أَنْ أَتَوَخَّى الْحَذَرَ، لِأَنَّنَا نَقُولُ أَحْيَانًا إِنَّ أَمْرًا مَا جَوْهَرِيٌّ، وَنَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ فَائِقُ الْأَهَمِّيَّةِ وَبَالِغُ الْأَهَمِّيَّةِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّفَاوُضُ فِيهِ. لَيْسَ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُصْطَلَحِ هُنَا. فَحِينَ أَقُولُ إِنَّ التَّمَايُزَاتِ فِي اللَّاهُوتِ بَيْنَ الْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ لَيْسَتْ جَوْهَرِيَّةً، لَا أَقْصِدُ أَنَّهَا غَيْرُ مُهِمَّةٍ أَوْ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ. فَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ، وَمُهِمَّةٌ، لَكِنَّهَا لَا تَعْنِي تَمَايُزًا فِي الْجَوْهَرِ أَوِ الْكَيْنُونَةِ. فَاللَّهُ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ.

مُجَدَّدًا، لِمَ عَلَّمَتِ الْكَنِيسَةُ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ؟ دَعُونِي أَصْرِفُ بَعْضَ الْوَقْتِ لِتَقْدِيمِ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْكِتَابِيَّةِ. فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، وَفِي افْتِتَاحِيَّتِهِ، أَوْ الْآيَاتِ الِافْتِتَاحِيَّةِ، نَجِدُ تَصْرِيحًا اسْتِثْنَائِيًّا عَنِ الْمَسِيحِ، وَهُوَ اسْتِثْنَائِيٌّ لِدَرَجَةِ أَنَّ هَذَا النَّصَّ شَغَلَ الْمُفَكِّرِينَ الْمَسِيحِيِّينَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ نَصٍّ آخَرَ فِي السَّنَوَاتِ الثَّلَاثِمِئَةِ الْأُولَى مِنْ صِيَاغَةِ عَقِيدَةِ الثَّالُوثِ. يَبْدَأُ إِنْجِيلُ يُوحَنَّا بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ".

دَعُونِي أَتَوَقَّفُ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْأُولَى مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. تَحْوِي هَذِهِ الْكَلِمَاتُ قُنْبُلَةً سَقَطَتْ فَوْقَ مَلْعَبِ الْمُفَكِّرِينَ الْقُدَامَى، حَيْثُ بَدَأَ يُوحَنَّا كَلَامَهُ بِأَمْرٍ يَبْدُو، لِلْوَهْلَةِ الْأُولَى، مُتَنَاقِضًا. فَبَدَأَ قَائِلًا: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ" - أَوِ اللُّوجُوسْ - En arche ein o logos. "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ". "وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ". لَاحِظُوا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ - "وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ" - نَرَى تَمْيِيزًا وَاضِحًا بَيْنَ الْكَلِمَةِ وَاَللَّهِ. إِذَنْ، يَبْدُو وَاضِحًا فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنَ النَّصِّ أَنَّ يُوحَنَّا يُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْبَدْءِ، وَيَجِبُ تَمْيِيزُهُ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّ مَا هُوَ عِنْدَ شَيْءٍ لَيْسَ مُطَابِقًا لِهَذَا الشَّيْءِ. ثُمَّ فِي اللَّحْظَةِ التَّالِيَةِ مُبَاشَرَةً، قَالَ: "وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهُ". إِذَنْ، مِنْ نَاحِيَةٍ، اللُّوجُوسْ يَخْتَلِفُ عَنِ اللَّهِ؛ وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، اللُّوجُوسْ مُطَابِقٌ لِلَّهِ. إِذَنْ، هَذَا اللُّوجُوسْ الْأَزَلِيُّ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ يَخْتَلِفُ عَنِ اللَّهِ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى مُطَابِقٌ لِلَّهِ. أَتَرَوْنَ بِدَايَاتِ الثَّالُوثِ وَهِيَ تَظْهَرُ هُنَا؟

بِالْمُنَاسَبَةِ، حِينَ اسْتُخْدِمَتْ كَلِمَةُ "عِنْدَ" هُنَا، اسْتُخْدِمَتْ بِمَعْنًى مُخْتَلِفٍ. تُوجَدُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ يُونَانِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى الْأَقَلِّ تُتَرْجَمُ - أَوْ يُمْكِنُ تَرْجَمَتُهَا - إِلَى كَلِمَةٍ "عِنْدَ". وَهِيَ كَلِمَةُ "sun"، وَتُنْطَقُ "سَنْ"، لَكِنَّهَا تَحَوَّلَتْ فِي الْإِنْجِلِيزِيَّةِ إِلَى الْبَادِئَةِ "syn". فَنَحْنُ نَجْعَلُ سَاعَاتِنَا مُتَزَامِنَةً (synchronize)، أَوْ نَجْمَعُهَا مَعًا؛ وَلَدَيْنَا كَلِمَةُ "synonyms" (مُتَرَادِفَاتٌ)، أَيْ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَحْمِلُ الْمَعْنَى نَفْسَهُ. وَsynagogue (مَجْمَعُ إِسْرَائِيلَ)، وَهُوَ الْمَكَانُ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الشَّعْبُ مَعًا. إِذَنْ، كَلِمَةُ "sun" مَعْنَاهَا الْوُجُودُ سَوِيًّا. ثُمَّ تَأْتِي "عِنْدَ" بِمَعْنَى meta أَوْ para، اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا "جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ". فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَخْصَيْنِ يَسِيرَانِ فِي الشَّارِعِ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، فَهُمَا مَعًا، فِي عَلَاقَةِ meta أَوْ para مِنَ التَّجَاوُرِ. لَكِنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي اسْتُخْدِمَتْ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، وَتُرْجِمَتْ "عِنْدَ" هِيَ الْكَلِمَةُ الْيُونَانِيَّةُ "pros"، الَّتِي هِيَ، بِالْمُنَاسَبَةِ، جَذْرُ كَلِمَةِ "prosopon" الْيُونَانِيَّةِ، الَّتِي مَعْنَاهَا "وَجْهٌ". يُشِيرُ ذَلِكَ إِلَى مَعِيَّةٍ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْوُجُودِ مَعًا ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، بَلْ فِي عَلَاقَةٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ.

إِذَنْ، يَقُولُ يُوحَنَّا إِنَّهُ مُنْذُ الْبَدْءِ، كَانَ الْكَلِمَةُ مَعَ اللَّهِ فِي أَوْثَقِ عَلَاقَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَنْعَمَ بِهَا شَخْصَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَهِيَ عَلَاقَةٌ وَجْهًا لِوَجْهٍ. لَكِنْ حِينَ نَفْحَصُ جَوْهَرَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ، يَنْهَارُ الِاخْتِلَافُ فَجْأَةً، لِأَنَّ اللُّوجُوسْ هُوَ اللَّهُ. إِذَنْ، مُجَدَّدًا، نَرَى سَبَبًا لِصِيَاغَةِ عَقِيدَةِ الثَّالُوثِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ، لَكِنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ.

لَكِنْ بِالطَّبْعِ، لَيْسَ هَذَا هُوَ النَّصُّ الْوَحِيدُ. كَانَ هَذَا هُوَ النَّصُّ الرَّئِيسِيُّ الَّذِي شَغَلَ النَّاسَ طَوَالَ ثَلَاثِمِئَةِ سَنَةٍ. لَكِنْ ثَمَّةَ عَدَدٌ ضَخْمٌ مِنَ النُّصُوصِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تُشِيرُ إِلَى أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ، أَبْرَزُهَا قَبُولُ يَسُوعَ الْيَهُودِيِّ عِبَادَةً مِنَ الْبَشَرِ. فَبَعْدَ الْقِيَامَةِ، جَاءَ تُومَا وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: "رَبِّي وَإِلَهِي". تَذْكُرُونَ حِينَ تَلَقَّى الرُّسُلُ عِبَادَةً مِنَ الْبَشَرِ، رَفَضُوهَا رَفْضًا قَاطِعًا. وَحِينَ تَلْقَّى الْمَلَائِكَةُ عِبَادَةً مِنَ الْبَشَرِ، وَبَّخُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ. لَكِنْ حِينَ تَلَقَّى الْمَسِيحُ عِبَادَةً، رَحَّبَ بِهَا وَقَدَّرَهَا. كَمَا قَالَ: "قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ". وَطَوَالَ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، صِيغَةُ "ego eimi" - "أَنَا هُوَ" - وَهِيَ الِاسْتِعْمَالُ الْمُزْدَوِجُ لِفِعْلِ الْكَيْنُونَةِ، وَتَرْجَمَةُ الْكَلِمَةِ الْعِبْرِيَّةِ "يَهْوَه" فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، اسْتَخْدَمَهَا يَسُوعُ فِي وَعْيٍ مِنْهُ بِذَاتِهِ. فَقَدِ اتَّخَذَ يَسُوعُ اسْمَ اللَّهِ، وَقَالَ لِلَّذِينَ مَعَهُ إِنَّهُ رَبُّ السَّبْتِ، وَإِنَّ لَهُ السُّلْطَانَ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا. وَالرِّسَالَةُ الَّتِي عَلَّمَهَا يَسُوعُ عَنْ أُلُوهِيَّتِهِ لَمْ تَفُتْ مُعَاصِرِيهِ. فَلِأَنَّهُمْ فَهِمُوا قَصْدَهُ، الْتَقَطُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ، قَائِلِينَ: "فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهًا".

هَذِهِ مُجَرَّدُ أَمْثِلَةٍ قَلِيلَةٍ يَتَوَجَّبُ فِيهَا عَلَى الدِّفَاعِيِّ فَحْصُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كُلِّهِ، وَتَقْدِيمُ الدِّفَاعِ عَنْ أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ، بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّنَا، كَمَا تَذْكُرُونَ، حِينَ أَثْبَتْنَا سُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، انْطَلَقْنَا مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَثِيقَةً تَارِيخِيَّةً مَوْثُوقَةً. وَمِنْ هُنَاكَ، عَرَفْنَا يَسُوعَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ حَقِيقِيٌّ. ثُمَّ انْتَقَلْنَا مِنْ تَعْرِيفِ يَسُوعَ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ حَقِيقِيٌّ إِلَى شَهَادَتِهِ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ فَقَطْ مَوْثُوقًا بِوَجْهٍ عَامٍّ، لَكِنَّهُ لَا يَقِلُّ عَنْ كَوْنِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ. ثُمَّ انْتَقَلْنَا إِلَى الْخُطْوَةِ التَّالِيَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي أَثْبَتْنَا الْآنَ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ يَسُوعَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ نَبِيٍّ، لَكِنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ ابْنُ اللَّهِ، وَاللُّوجُوسْ الْأَزَلِيُّ.

مُجَدَّدًا، هَذَا مُجَرَّدُ مِثَالٍ يُبَيِّنُ أَنَّنَا مَا أَنْ نُثْبِتَ سُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، يُمْكِنُ أَنْ نَحْتَكِمَ إِلَيْهِ لِحَسْمِ الْخِلَافَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي تَبْرُزُ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ، وَبِالْأَخَصِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِادِّعَاءِ الْمَسِيحِيَّةِ الْمِصْدَاقِيَّةَ.