المحاضرة 3: ما قَبْلَ الْكِرَازَةِ
يوضح د. سبرول أنه على الرغم من أن الروح القدس هو الوحيد القادر على تغيير قلب الشخص وعقله (قيادته إلى التوبة)، فإننا نرى البعد المهم للغاية لعلم الدفاعيات في ما يسميه "ما قبل الكرازة" وأيضًا ما نسميه "ما بعد الكرازة".
نُتَابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنا لِلدِفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. تَناوَلْنَا قَبْلًا رِسَالَةَ بُطْرُسَ الأُولَى الأَصْحَاحَ الثَالِثَ، حَيْثُ أَوْصَانَا بُطْرُسُ بِأَنْ نَكُونَ مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُنَا عَنْ سَبَبِ الرَجَاءِ الَذِي فِينَا. وَبِالطَبْعِ، سَبَبُ الرَجَاءِ يَعْنِي أَنْ يَسْأَلَنَا أَحَدُهُمْ: "أَعْلَمُ مَا تُؤْمِنُ بِهِ، لَكِنْ لِمَ تُؤْمِنُ بِهِ؟" وَعِنْدَمَا يَطْرَحُ النَاسُ ذَلِكَ السُؤَالَ، يُرِيدُونَ مِنَّا إِثْبَاتَ صِحَّةِ مُحْتَوَى إِيمَانِنَا الَذِي نُنَادِي بِهِ، بِحَيْثُ تَشْمَلُ الْمَسِيحِيَّةُ، كَمَا رَأَيْنَا فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، لَيْسَ فَقَطْ الْمُنَادَاةَ بِحَقِّ اللهِ، وَإِنَّمَا الدِفَاعَ أَيْضًا عَنْ تَصْرِيحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. فَمَثَلاً، بُطْرُسُ نَفْسُهُ، الَذِي أَعْطَى هَذِهِ الْوَصِيَّةَ، قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِقُرَّائِهِ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْنَا نُخْبِرُكُمْ بِخُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةٍ، لَكِنَّنَا نُخْبِرُكُمْ بِمَا رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، وَسَمِعْنَاهُ بِآذانِنا".
وَعِنْدَمَا قَدَّمَ لُوقَا إِنْجِيلَهُ، اسْتَهَلَّهُ بِإطْلاعِنَا عَلَى كَيْفِيَّةِ قِيَامِهِ بِالْبَحْثِ، وَجَمْعِهِ شَهَادَاتِ شُهُودِ الْعِيَانِ عَلَى تِلْكَ الأُمُورِ الَتِي وَقَعَتْ فِي حَيَاةِ الْمَسِيحِ وَخِدْمَتِهِ، بِحَيْثُ كَانَ مَا فَعَلَهُ هُوَ الاسْتِعَانَةُ بِالْمَصَادِرِ الأَصْلِيَّةِ مِنَ الشُهُودِ عَلَى يَسُوعَ. فَكَمَا نَسْتَدْعِي فِي قَاعَاتِ الْمَحَاكِمِ الْيَوْمَ الشُهُودَ لِيَشْهَدُوا عَنْ صِحَّةِ أَوْ كَذِبِ مَا يُصَرَّحُ بِهِ، يَفْعَلُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ الأَمْرَ ذَاتَهُ.
ذَكَرْتُ فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ الْمُعْضِلَةَ الَتِي يُوَاجِهُهَا الَذِينَ يَعْتَنِقُونَ الإِيمَانَ الْمُصْلَحَ، لأَنَّنَا كَمُفَكِّرِينَ مُصْلَحِينَ، نُؤْمِنُ بِأَنَّ لا أَحَدَ يَأْتِي إِلَى الْمَسِيحِ وَيَخْلُصُ مَا لَمْ يُغَيِّرِ اللهُ الرُوحُ الْقُدُسُ أَوَّلاً مُيُولَ نَفْسِهِ، وَبِأَنَّ كُلَّ الْحُجَجِ وَالأَدِلَّةِ وَالشَهَادَاتِ الَتِي نَسْتَعِينُ بِهَا فِي الْكِرَازَةِ سَتَكُونُ بِلا جِدْوَى مَا لَمْ يُحَقِّقِ اللهُ الرُوحُ الْقُدُسُ النُمُوَّ، وَيُغَيِّرْ قَلْبَ السَامِعِ. إِذَنْ، مَعَ أَنَّ الدِفَاعِيَّاتِ هِيَ مُهِمَّةٌ مُوكَلَةٌ إِلَيْنَا، وَمَعَ أَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ مَسْؤُولِينَ عَنِ الدِفَاعِ عَنْ حَقَائِقِ الْمَسِيحِيَّةِ، لَكِنْ كَمَا قَالَ بُولُسُ، قَدْ نَغْرِسُ الْبِذَارَ، وَقَدْ يَسْقِيهَا آخَرُ، لَكِنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَذِي يُنْمِي.
يُؤْمِنُ الْبَعْضُ بِأَنَّهُ بِمَا أَنَّ تَجْدِيدَ الْبَشَرِ هُوَ مُهِمَّةُ الرُوحِ الْقُدُسِ، لا مُهِمَّتُنَا نَحْنُ، وَبِمَا أَنَّ الأَمْرَ يَتَجَاوَزُ إِمْكَانِيَّاتِنَا، يَقُولُونَ: "لا حَاجَةَ بِنَا إِذَنْ إِلَى الانْخِرَاطِ فِي الدِفَاعِ عَنِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَفِي الْوَاقِعِ، سَيَكُونُ تَقْدِيمُ الْحُجَجِ الْمُؤَيِّدَةِ لِصِحَّةِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَتَقْدِيمُ أَسْبَابٍ لإيمَانِنَا، بِمَثَابَةِ تَقْوِيضٍ لِلْعَمَلِ الرُوحِيِّ الَذِي يُجْرِيهِ اللهُ الرُوحُ الْقُدُسُ". أَسْمَعُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ دَائِمًا: "لا أُرِيدُ دِرَاسَةَ الْفَلْسَفَةِ، لأَنَّنِي لا أُرِيدُ اعْتِرَاضَ سَبِيلِ الرُوحِ الْقُدُسِ. وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يَقُولُ: احْذَرُوا الْفَلْسَفَاتِ البَاطِلَةَ". أَقُولُ لِهَؤُلاءِ: "كَيْفَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَحْتَرِسُوا مِنْ شَيْءٍ لا تَدْرُونَ عَنْهُ شَيْئًا؟ إِذَا كُنْتُمْ لا تَدْرُونَ شَيْئًا عَنْ هَذِهِ الْفَلْسَفَاتِ الْوَثَنِيَّةِ، فَرُبَّمَا تُضَلِّلُكُمْ، وَتَقُودُكُمْ فِي الاتِّجَاهِ الْخَاطِئِ كَمُؤْمِنِينَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تُعِيرُوهَا انْتِبَاهَكُمْ".
إِذَنْ، مَعَ أَنَّنِي أُؤْمِنُ بِأَنَّ الرُوحَ الْقُدُسَ وَحْدَهُ هُوَ الْقَادِرُ أَنْ يُغَيِّرَ قَلْبَ الإِنْسَانِ، وَذِهْنَهُ - أَيْ يَقْتَادُهُ إِلَى التَوْبَةِ - نَرَى بُعْدًا مُهِمًّا لِلْغَايَةِ لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ فِيمَا أُسَمِّيهِ "مَا قَبْلَ الْكِرازَةِ"، وَكَذَلِكَ فِيمَا نُسَمِّيهِ "مَا بَعْدَ الْكِرَازَةِ". سَبَقَ أَنْ تَحَدَّثْتُ عَنْ أَهَمِّيَّةِ سَدِّ أَفْوَاهِ الْمُشَاكِسِينَ، كَمَا قَالَ جُونْ كَالْفِنْ، وَكَمَا تَحَدَّثَ بُطْرُسُ عَنْ إِصَابَةِ أَعْدَاءِ الْمَسِيحِ بِالْخِزْيِ؛ لأَنَّنَا بِدِفَاعِنَا عَنْ حَقِّ الْمَسِيحِ، نُدَافِعُ عَنْ شَخْصِهِ، وَعَنْ كَرَامَةِ اللهِ - لَيْسَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ أَنْ نُدَافِعَ عَنْ كَرَامَتِهِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ إِحْدَى طُرُقِ إِكْرَامِنَا لِلْمَسِيحِ، أَنْ نُظْهِرَ أَنَّ حَقَائِقَ الإِيمَانِ لَيْسَت هُراءً أَوْ مُنَافِيَةً لِلْعَقْلِ.
وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَ الْكِرَازَةِ، إِلَيْكُمْ دَوْرَ الدِفَاعِيَّاتِ. يَلْزَمُ أَنْ أُرَاجِعَ سَرِيعًا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي سِلْسِلَتِنَا عَنِ الْعَقِيدَةِ، حَيْثُ دَرَسْنَا التَبْرِيرَ. فَعَقِيدَةُ الإِصْلاحِ - الَتِي أُؤْمِنُ بِأَنَّهَا الْعَقِيدَةُ الْكِتَابِيَّةُ لِلتَبْرِيرِ -هِيَ الَتِي تُسَمَّى بِالتَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَعِنْدَمَا أَعْلَنَ لُوثَرُ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ أَنَّ التَبْرِيرَ هُوَ بِالإِيمَانِ، وَبِالإيمانِ وَحْدَهُ، مِنَ الأَسْئِلَةِ الَتِي أُثِيرَتْ آنَذاكَ عَلَى الْفَوْرِ هُوَ: "وَمَا نَوْعُ الإِيمَانِ الَذِي يُخَلِّصُ؟" لأَنَّ يَعْقُوبَ يَقُولُ فِي الأَصْحَاحِ الثَانِي مِنْ رِسَالَتِهِ: "مَا الْمَنْفَعَةُ إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟" قدَّمَ لُوثَرُ رَدًّا حَاسِمًا عَلَى هَذَا السُؤالِ، قَائِلًا: "إِنَّ إِقْرَارًا بِالإِيمَانِ خَاليًا تَمَامًا مِنْ أَيَّةِ اسْتِجَابَةِ طَاعَةٍ للهِ هُوَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الإِيمَانَ مَيِّتٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ إِيمانًا عَلَى الإِطْلَاقِ". إِذَنْ، كَانَ رَدُّ لُوثَرَ عَلَى النُّقَّادِ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ هُوَ: "التَبْرِيرُ هُوَ بِالإيمانِ وَحْدَهُ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِإيمانٍ يَظَلُّ وَحْدَهُ". فَالإِيمَانُ الْوَحِيدُ الَذِي يُخَلِّصُ هُوَ الَذِي دَعَاهُ لُوثَرُ "فِيدِيسْ فِيفَا"، أَيِ الإيمانَ الْحَيَّ وَالنَشِطَ، الَذِي يَصْنَعُ ثَمَرَ الإِيمَانِ، أَيْ أَعْمَالًا. هَذِهِ الأَعْمَالُ، بِالتَأْكِيدِ، لا تُبَرِّرُ، لأَنَّنَا نَتَبَرَّرُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَسِيحِ وَحْدَهُ. لَكِنْ دُونَ ثَمَرِ الإِيمَانِ، لا وُجُودَ لإِيمانٍ حَقِيقِيٍّ مِنَ الأَسَاسِ. هَذِهِ هِيَ الْفِكْرَةُ.
إِذَنْ مُجَدَّدًا، فِي الْجَدَلِ الَذِي دَارَ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، سَأَلَ عُلَماءُ اللاهُوتِ: "مَا الَذِي يَتَضَمَّنُهُ الإِيمانُ المُخَلِّصُ؟" وَلِذَا، مَيَّزَ مُفَكِّرُو الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ بَيْنَ دَرَجَاتٍ بَسِيطَةٍ أَوْ مُسْتَوَياتٍ أَوْ عَنَاصِرَ مُتَعَدِّدَةٍ لِلإيمَانِ، تُشَكِّلُ مَعًا الإِيمَانَ الْمُخَلِّصَ. لَكِنْ تُوجَدُ ثَلاثُ مُسْتَوَيَاتٍ رَئِيسِيَّةٍ، وَهِيَ مُسْتَوَى "نُوتِيشْيَا"، أَوْ مَا يُسَمَّى أَحْيَانًا "نُوتَايْ"؛ وَمُسْتَوَى "أَسِينْسُوسْ" - أُكَرِّرُ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ مَأْلُوفٌ لَدَى الَذِينَ دَرَسُوا سِلْسِلَةَ التَبْرِيرِ. ثُمّ الْمُسْتَوَى الثَالِثُ هُوَ "فِيدُوكِيَا". أَوَدُّ مُرَاجَعَةَ ذَلِكَ لِنَرَى أَيْنَ يَقَعُ دَوْرُ الدِفَاعِيَّاتِ فِي مَرْحَلَةِ "مَا قَبْلَ الْكِرَازَةِ".
"فِيدُوكْيَا" - دَعُونِي أَتَنَاوَلُهَا بِالْعَكْسِ. "فِيدُوكْيَا" هِيَ الثِقَةُ الشَخْصِيَّةُ، أَيْ ذَلِكَ الْجَانِبُ مِنَ الإِيمَانِ الَذِي يَنْطَوِي عَلَى عَاطِفَةٍ صَادِقَةٍ تُجَاهَ الْمَسِيحِ، نَابِعَةٍ مِنْ قَلْبٍ جَدِيدٍ وَذِهْنٍ جَدِيدٍ. وَنَعْتَقِدُ أَنَّ "فِيدُوكْيَا"، ذَلِكَ الْمُسْتَوَى مِنَ الإِيمَانِ الْمُخَلِّصِ، هُوَ الَذِي لا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِعَمَلِ الرُوحِ. إِذَنْ، سَأَفْصِلُ "فِيدُوكْيَا" عَنِ الْمُسْتَوَيَيْنِ الآخَرَيْنِ. وَلْنَعُدِ الآنَ إِلَى الْبِدَايَةِ.
"نُوتِيشْيَا" - عِنْدَمَا نَقُولُ إِنَّنَا نَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الإِيمَانِ الَذِي يُبَرِّرُ مُحْتَوًى. وَلِذَا، فَالسُؤَالُ الَذِي يُثَارُ فَوْرًا إِنْ قُلْتُ: "يَنْبَغِي أَنْ تَخْلُصَ بِالإِيمَانِ" هُوَ: "الإِيمَانُ بِمَاذَا؟" أَهُوَ إِيمَانٌ بِالْهَامْبِرْغِرْ؟ أَمْ إِيمَانٌ بِبُوذَا؟" تَسُودُ فِي مُجْتَمَعِنا فِكْرَةٌ تَقُولُ: "لا يَهُمُّ مَا تُؤْمِنُ بِهِ مَا دُمْتَ صَادِقًا". هَلْ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ بِإِمْكَانِي أَنْ أُؤْمِنَ بِالشَيْطَانِ وَأَخْلُصَ؟ أَوْ أَنَّ الشَعْبَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ آمَنُوا بِالْبَعْلِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَخْلُصُوا؟ كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا. فَثَمَّةَ مُحْتَوًى مُعَيَّنٌ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الْمَسِيحِيَّةِ، أَيْ مُسْتَوًى أَسَاسِيٌّ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، بِحَيْثُ حِينَ خَرَجَ الرُسُلُ لِيَكْرِزُوا بِإِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قدَّمُوا مُلَخَّصًا مُكَوَّنًا مِنْ نِقَاطٍ رَئِيسِيَّةٍ عَنْ شَخْصِ يَسُوعَ وَعَمَلِهِ - أَنَّهُ وُلِدَ بِحَسَبِ الْكُتُبِ، وَتَألَّمَ عَلَى الصَلِيبِ لأَجْلِ خَطَايَاهُمْ، وَأُقِيمَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، إِلَى آخِرِهِ. هَذِهِ كُلُّها جُزْءٌ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ أَوْ "نُوتِيشْيَا". هَذِهِ هِيَ الْمَعْلُومَاتُ، وَقَبْلَ أَنْ أَتَمَكَّنَ مِنْ دَعْوَةِ أَحَدِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ الْمُخَلِّصِ، يَجِبُ أَنْ أُقَدِّمَ لَهُ الْمَعْلُومَاتِ أَوِ الْمُحْتَوَى الَذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الإيمَانُ بِهِ. وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالذِهْنِ، وَيَتَعَلَّقُ بِتَوْصِيلِ مَعْلُومَاتٍ يُمْكِنُ لِلنَاسِ فَهْمُهَا.
فَمَثَلًا، قَبْلَ أَنْ أَدْعُوَ الْمَسِيحَ مُخَلِّصًا، يَجِبُ أَنْ أُدْرِكَ حَاجَتِي إِلَى مُخَلِّصٍ. وَيَجِبُ أَنْ أُدْرِكَ أَنَّنِي خَاطِئٌ. إِذَنْ، يَجِبُ أَنْ أَحْظَى بِبَعْضِ الْفَهْمِ عَنْ طَبِيعَةِ الْخَطِيَّةِ. وَيَجِبُ أَنْ أُدْرِكَ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ. وَيَجِبُ أَنْ أُدْرِكَ أَنَّنِي مُتَغَرِّبٌ عَنْ ذَلِكَ الإِلَهِ، وَأَنَّنِي تَحْتَ دَيْنُونَةِ ذَلِكَ الإِلَهِ، حَتَّى يُمْكِنَنِي أَنْ أَهْرَعَ إِلَى الْمَسِيحِ كَمُخَلِّصٍ. مُجَدَّدًا، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّنِي لَنْ أَطْلُبَ مُخَلِّصًا مَا لَمْ أَقْتَنِعْ أَوَّلًا بِأَنَّنِي مُحْتَاجٌ إِلَى مُخَلِّصٍ. إِذَنْ، أُسَمِّي كُلَّ هَذَا "مَا قَبْلَ الْكِرَازَةِ". وَكُلُّ هَذَا مُتَضَمَّنٌ فِي الْمَعْلُوماتِ الَتِي عَلَى أَيِّ شَخْصٍ اسْتِيعَابُهَا بِذِهْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ التَجَاوُبِ مَعَهَا بِإِيمانٍ، أَوْ رَفْضِهَا فِي عَدَمِ إِيمَانٍ.
العُنْصُرُ الثَانِي هُوَ مَا يُسمَّى "أَسِينْسُوسْ". هَذِهِ بِبَسَاطَةٍ كَلِمَةٌ لاتِينِيَّةٌ مَعْنَاها الْمُوَافَقَةُ الْعَقْلِيَّةُ. إِذَا سَأَلْتُكَ: "هَلْ تُؤْمِنُ بِأَنَّ جُورْج وَاشِنْطُنْ كَانَ أَوَّلَ رَئِيسٍ لِلْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ؟" بِمَ سَتُجِيبُ؟ نَعَمْ! لَكِنَّ هَذَا لا يَعْنِي أَنَّكَ وَضَعْتَ إِيمانَكَ وَثِقَتَكَ فِي جُورْج وَاشِنْطُنْ مُخَلِّصًا أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ. فَقَدْ سَأَلْتُكَ إِذَا كُنْتَ تُؤْمِنُ بِجُورْج وَاشِنْطُنْ بِمَعْنَى: هَلْ يُوَافِقُ عَقْلُكَ عَلَى التَصْرِيحِ الْقَائِلِ إِنَّ "جُورْج وَاشِنْطُنْ هُوَ أَوَّلُ رَئِيسٍ لِلْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ"؟
تُوجَدُ حَرَكَةٌ كَامِلَةٌ فِي عِلْمِ اللَّاهُوتِ الْيَوْمَ تَقُولُ إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَمُتُّ بِصِلَةٍ لِلتَّصْرِيحَاتِ، وَإِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ مُجَرَّدُ كِتَابٍ يَشْهَدُ عَنِ الْعَلَاقَاتِ. وَالْعَلَاقَاتُ وَلَيْسَ التَّصْرِيحَاتِ هِيَ الَّتِي تَهُمُّ. مُجَدَّدًا، هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ "كُلَّ مَا يَلْزَمُنِي لِأَكُونَ مُؤْمِنًا هُوَ أَنْ تَكُونَ لِي عَلَاقَةٌ شَخْصِيَّةٌ بِيَسُوعَ. لَسْتُ بِحَاجَةٍ إِلَى عَقِيدَةٍ، وَلَسْتُ بِحَاجَةٍ إِلَى لَاهُوتٍ. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ أُصَادِقَ عَلَى أَيِّ قَانُونِ إِيمَانٍ". "لَا عَقِيدَةَ سِوَى الْمَسِيحِ!" هَذَا هُوَ الشِّعَارُ. وَمَعْنَاهُ "لَسْتُ أُؤْمِنُ بِتَصْرِيحَاتٍ، بَلْ أُؤْمِنُ بِيَسُوعَ. فَهُوَ شَخْصٌ وليسَ تَصْرِيحًا". نَسْمَعُ هَذَا الْكَلَامَ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَالْأَمْرُ الْمُهِمُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ هُوَ إِنَّكَ قَدْ تَعْرِفُ التَصْرِيحَاتِ، دُونَ أَنْ تَعْرِفَ يَسُوعَ. وَقَدْ تَعْرِفُ عَنْ يَسُوعَ دُونَ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَلَاقَةٌ شَخْصِيَّةٌ بِيَسُوعَ. وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ أَهَمَّ شَيْءٍ فِي الْحَيَاةِ الْمَسِيحِيَّةِ هُوَ عَلَاقَتُنَا الشَّخْصِيَّةُ بِيَسُوعَ.
لَكِنْ، عِنْدَمَا أُكَلِّمَ النَّاسَ عَنْ يَسُوعَ الَّذِي تَرْبُطُنِي بِهِ عَلَاقَةٌ شَخْصِيَّةٌ، يَجِبُ أَنْ أَقُولَ أُمُورًا عَنْهُ. قَدْ أَقُولُ: "يَسُوعُ هُوَ ابْنُ اللَّهِ الْأَزَلِيُّ". فَيُجِيبُنِي أَحَدُهُمْ: "حَسَنًا، هَذَا تَصْرِيحٌ. لَسْتُ أَكْتَرِثُ بِهَذَا. فَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا أَوْ خَاطِئًا". فَأَقُولُ: "كَلَّا، كَلًّا، كَلَّا، كَلَّا. إنَّ يَسُوعَ الَّذِي أُرِيدَ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَلَاقَةٌ بِهِ هُوَ حَقًّا ابْنُ اللَّهِ الْأَزَلِيُّ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَرْبُطَكَ بِيَسُوعَ عَلَاقَةٌ شَخْصِيَّةٌ خَلَاصِيَّةٌ مَا لَمْ تَعْرِفْ مَنْ هُوَ يَسُوعُ، وَمَا لَمْ تُصَادِقْ عَلَى حَقِّ يَسُوعَ - أَيْ بِأَنَّهُ مَاتَ حَقًّا عَلَى الصَّلِيبِ، مَوْتًا كَفَّارِيًّا، وَقَامَ حَقًّا مِنَ الْقَبْرِ". إِذَا قُلْتَ إِنَّ لَكَ عَلَاقَةً شَخْصِيَّةً بِالْمَسِيحِ، دُونَ أَنْ تُؤْمِنَ بِحَقِّ قِيَامَتِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ، فَإِنَّكَ تَقُولُ إِنَّ لَكَ عَلَاقَةً شَخْصِيَّةً بِجُثَّةٍ. يَخْتَلِفُ ذَلِكَ تَمَامًا عَنْ قَوْلِكَ بِأَنَّ لَكَ عَلَاقَةً شَخْصِيَّةً بِالْمَسِيحِ الْقَائِمِ، وَبِالرَّبِّ الْقَائِمِ. إِذَنْ، كُلُّ الْأُمُورِ الَّتِي نَقُولُهَا عَنْ يَسُوعَ، وَنَقُولُ إِنَّنَا نُصَدِّقُهَا عَنْ يَسُوعَ، تَنْطَوِي عَلَى مُوَافَقَةِ الْعَقْلِ عَلَى تَصْرِيحٍ مَا.
مُجَدَّدًا، قَالَ يَعْقُوبُ: "أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!" فَمَثَلًا، إِذَا كَانَتْ لَدَيْكَ مَعْلُومَاتٌ عَنْ يَسُوعَ، وَكُنْتَ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ اَلْمَعْلُومَاتِ صَحِيحَةٌ وَسَلِيمَةٌ، وَأَمْكَنَكَ اَلْمُصَادَقَةُ عَلَيْهَا كَتَصْرِيحَاتٍ، يَقُولُ الدُّكْتُورُ "كِينِيدِي": "هَذَا فَقَطْ يُؤَهِّلُكَ لِتَكُونَ شَيْطَانًا"، لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَعْرِفُونَ اَلْحَقَّ. كَانَتِ الشَّيَاطِينُ أَوَّلَ مَنْ تَعَرَّفَ عَلَى هُوِيَّةِ يَسُوعَ، حِينَ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ. إِذَنْ، هُمْ مُقْتَنِعُونَ بِحَقِيقَةِ هُوِيَّتِهِ، لَكِنَّهُمْ يُبْغِضُونَ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ. وَمَا قَصَدَهُ الدُّكْتُورُ كِينِيدِي، مُجَدَّدًا، هُوَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَنْقُلْكَ اَللَّهُ اَلرُّوحُ اَلْقُدُسُ مِنْ هَذَيْنِ الْمُسْتَوِيَيْنِ إِلَى هَذَا الْمُسْتَوَى، لَنْ تَصِلَ إِلَى الْإِيمَانِ الْمُخَلِّصِ.
أكرِّرُ أَنَّ وُجُودَ هَذَيْنِ الْمُسْتَوَيَيْنِ دُونَ الثَالِثِ لَنْ يُخَلِّصَ أَحَدًا. لَكِنْ لا يُمْكِنُ أَنْ تَقْتَنِيَ هَذَا دُونَ الاثْنَيْنِ الأَوَّلَيْنِ. هَذِهِ هِيَ الْفِكْرَةُ الَتِي أُحَاوِلُ تَوْضِيحَهَا، وَهُنَا يَظْهَرُ دَوْرُ الدِفَاعِيَّاتِ. ذَكَرْتُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ أَنَّهُ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، كَانَ عِلْمُ الدِفَاعِيَّاتِ وَثِيقَ الصِلَةِ بِالْكِرَازَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَفَاهِيمِ الْخَاطِئَةِ عَنْ طَبِيعَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. كَانَ الناسُ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ مِنْ آكِلِي لُحُومِ البَشَرِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ سِرًّا، وَيَأْكُلُونَ جَسَدَ أَحَدِهِمْ، وَيَشْرَبُونَ دَمَهُ. وَلِذَا، كَانَ عَلَى اللاهُوتِيِّينَ أَنْ يَقُولُوا: "كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا؛ هَذِهِ مَعْلُومَاتٌ خَاطِئَةٌ، أَنْتُمْ تَرْفُضُونَ تَحْرِيفًا لِلْحَقِيقَةِ، دَعُونَا نُوَضِّحُ لَكُمْ مَا يَقُولُهُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ فِعْلِيًّا، حَتَّى تَفْهَمُوا الْمَعْلُومَاتِ فَهْمًا صَحِيحًا. مُجَدَّدًا، يُمْكِنُ الْقَوْلُ: "هَذَا مَا نَقُولُهُ حَقًّا، لِئَلَّا تَرْفُضُوا وَهْمًا. يَحُقُّ لَكُمُ الاسْتِمْرَارُ فِي الرَفْضِ، لَكِنْ عَلَى الأَقَلِّ صِرْتُمْ تَعْرِفُونَ مَا الَذِي تَرْفُضُونَهُ".
الْخُطْوَةُ التَالِيَةُ هِيَ مُحَاوَلَةُ الإِثْبَاتِ، أَوْ تَقْدِيمُ الْبَرَاهِينِ الْمُؤَيِّدَةِ لِتَصْرِيحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. مُجَدَّدًا، نَحْنُ نَعِيشُ فِي زَمَنِ الإِيمَانِ الْأَعْمَى، الَذي يقُولُ: "لا دَاعِي أَنْ أُقَدِّمَ سَبَبًا لِمَا أُؤْمِنُ بِهِ. فَقَطْ أُغْمِضُ عَيْنَيَّ مِثْلَ آلِيس الصَغِيرَةِ، وَأَلْتَقِطُ نَفَسًا عَمِيقًا، وَأُقَطِّبُ أَنْفِي. وَإِنْ بَذَلْتُ جَهْدًا كَافِيًا، يُمْكِنُ أَنْ أُؤْمِنَ، فَأَرْتَمِيَ بَيْنَ ذِرَاعَيْ يَسُوعَ، وَأُقومَ بِقَفْزَةِ إِيمَانٍ عَمْيَاءَ". أَسْمَعُ ذَلِكَ التَعْبِيرَ طَوالَ الْوَقْتِ. وَكُلَّمَا أَسْمَعُ النَاسَ يَقُولُونَ: "قُمْ بِقَفْزَةِ إِيمَانٍ"، أَشْعُرُ بِنَخْرٍ فِي كُلِّ عِظَامِي. وَأُجِيبُ دَائِمًا: "كَلَّا، كَلَّا، كَلَّا. لَمْ يُوصِكَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ قَطُّ بِالْقِيَامِ بِقَفْزَةِ إِيمانٍ فِي الظَلامِ، رَاجِيًا أَنْ يَلْتَقِطَكَ أَحَدٌ. بَلْ يَدْعُوكَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِلَى الْقَفْزِ مِنَ الظَلامِ إِلَى النُورِ. وَهَذِهِ لَيْسَتْ قَفْزَةً عَمْيَاءَ. فَالإِيمَانُ الَذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ هُوَ إِيمَانٌ مُتَأَصِّلٌ فِي أُمُورٍ يَفْعَلُهَا اللهُ، تُبَيِّنُ بِكُلِّ وُضُوحٍ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ".
فَمَثَلاً، حِينَ وَاجَهَ بُولُسُ الْفَلاسِفَةَ فِي أَرْيُوس بَاغُوس، قَالَ لَهُمْ: "تَغَاضَى اللهُ عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ الْمَاضِيَةِ، وَالآنَ يَأْمُرُ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا ... لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْمًا هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ"، بِمَنْ؟ "بِذَاكَ الَذِي بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُهُ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ". لَيْسَ الأَمْرُ أنَّ اللهَ نَزَلَ فِي صُورَةِ الْمَسِيحِ، ثُمَّ دَخَلَ يَسُوعُ إِلَى خِزَانَةٍ مَا، وَقَدَّمَ كَفَّارَةً. وَبَعْدَمَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ، أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ دَاخِلَ الْخِزَانَةِ، فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ شَيْئًا عَنْهُ. يُشْبِهُ ذَلِكَ جُوزِيف سْمِيث الَذِي اخْتَبَأَ تَحْتَ الأَغْطِيَةِ، وَقَرَأَ سِرًّا الرِسَالَةَ السِرِّيَّةَ الَتِي تَسَلَّمَها مِنَ الْمَلاكِ مُورُونِي. لا وُجُودَ لِذَلِكَ فِي الْمَسِيحِيَّةِ. فَعِنْدَمَا وَقَفَ بُولُسُ أَمَامَ أَغْرِيبَاسَ، قَالَ: "أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسَ، هَذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ. صُلِبَ يَسُوعُ عَلانِيَةً. وَنَحْنُ لَمْ نَذْهَبْ إِلَى قَبْرٍ فَارِغٍ قَائِلِينَ: ’لا نَفْهَمُ مَاذَا حَدَثَ هُنَا. أَحَدُهُمْ سَرَقَ الْجُثْمَانَ‘. لَكِنَّ الْمَسِيحَ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبْرِ، لَيْسَ سِرًّا بَلْ عَلانِيَةً. وَلَدَيْنَا شُهُودُ عِيَانٍ كَثِيرُونَ، أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمَائةِ شَخْصٍ رَأَوْهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَكَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ، أَيُّها الْمَلِكُ، رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي".
وَالآنَ أَيُّهَا السَادَةُ، رُبَّمَا تَعْتَبِرُونَ شَهَادَةَ بُولُسَ شَهادَةً مِنْ مَخْبُولٍ، وَلا تَرْغَبُونَ فِي تَصْدِيقِهَا. لَكِنْ، أَتَرَوْنَ الْفَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ بَرَاهِينَ عَلى ادِّعَاءٍ مَا، وَبَيْنَ الْقَوْلِ: "حَسَنًا، لَمْ يرَهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَمُوتُ أَوْ يَقُومُ، بَلْ فَعَلَ اللهُ كُلَّ ذَلِكَ فِي زَاوِيَةٍ، أَوْ خِزَانَةٍ، وَفَقَطْ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تُصَدِّقَ. أَغْمِضْ عَيْنَيْكَ، وَخُذْ نَفَسًا عَمِيقًا، وَاقْبَلْ ذَلِكَ بِالإِيمَانِ". لَيْسَ هَذَا إِيمَانًا، بَلْ سَذَاجَةٌ وَخُرَافَةٌ. ومُجَدَّدًا، مُهِمَّةُ عِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ هِيَ إِظْهَارُ أَنَّ الْبُرْهَانَ الَذِي يَدْعُو الْعَهْدُ الْجَدِيدُ النَاسَ إِلَى تَكْرِيسِ حَيَاتِهِمْ لَهُ هُوَ بُرْهَانٌ مُقْنِعٌ، وَجَدِيرٌ بِتَكْرِيسِنَا التَامِّ. يَتَطلَّبُ ذَلِكَ عَادَةً الْكَثِيرَ مِنَ الْعَمَلِ. نُفَضِّلُ أَحْيَانًا التَهَرُّبَ مِنْ مَسْؤُولِيَّةِ أَنْ نُؤدِّيَ وَاجِبَنا، وَنُصَارِعَ مَعَ الْمُشْكِلاتِ، وَنَرُدُّ عَلَى الاعْتِرَاضَاتِ، مُكْتَفِينَ بِالْقَوْلِ: "فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ تَقْبَلَ كُلَّ ذَلِكَ بِالإِيمَانِ". هَذِهِ قِمَّةُ التَهَرُّبِ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّةِ. وَهَذَا لا يُكْرِمُ الْمَسِيحَ. فَإِنَّنَا نُكْرِمُ الْمَسِيحَ حِينَ نُبَيِّنُ لِلآخَرِينَ قُوَّةَ حُجَّةِ تَصْرِيحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، مِثْلَمَا فَعَلَ اللهُ. فَحِينَ أَرْسَلَ مُوسَى إِلَى بَلاطِ فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ: "قُلْ لِفِرْعَوْنَ أَنْ يُطْلِق شَعْبِي، لِيَخْرُجُوا إِلَى حَيْثُ يُمْكِنُهُمْ عِبَادَتِي عِنْدَ هَذَا الْجَبَلِ". فَسَأَلَهُ مُوسَى: "كَيْفَ أَعْلَمُ ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ أَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ؟ وَمَنْ أَنَا لأَقُولَ ذَلِكَ لِفِرْعَوْنَ؟ وَهَلْ سَيَتْبَعُنِي الشَعْبُ؟ وَكَيْفَ يَعْلَمُونَ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي؟" أَجَابَهُ اللهُ: "هَكَذَا سَيَعْلَمُون يَا مُوسَى. أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ". فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ. ثُمَّ قَالَ: "أَخْرِجْهَا"، فَأَخْرَجَهَا وَإِذَا هِيَ بَرْصَاءُ! فَارْتَعَبَ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ اللهُ: "أَدْخِلْ يَدَكَ ثَانِيَةً إِلَى عُبِّكَ". فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَعَادَتْ سَلِيمَةً. "خُذْ عَصَاكَ وَاطْرَحْهَا إِلَى الأَرْضِ". فَصَارَتِ الْعَصَا حَيَّةً. فَقَالَ لَهُ: "هَكَذَا سَيَعْلَمُونَ. سَأُؤَيِّدُكَ بِالْقُوَّةِ لِدَرَجَةِ أَنَّ فِرْعَوْنَ نَفْسَهُ لَنْ يَسَعَهُ إِنْكَارُ أَنَّ الرَبَّ الإِلَهَ وَرَاءَ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ". وَلِهَذَا، يَنْبَغِي أَنْ نَتَكَبَّدَ عَنَاءَ الْقِيَامِ بِعَمَلِنَا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الرُوحُ بِعَمَلِهِ، لأَنَّ الرُوحَ لا يَطْلُبُ مِنَ النَاسِ أَنْ يَضَعُوا ثِقَتَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ وَمَحَبَّتَهُمْ فِي الْهُرَاءِ، أَوْ فِيمَا يُنَافِي الْعَقْلَ، أَوْ فِي ادِّعَاءاتٍ غَيْرِ مُثْبَتَةٍ. وَلِهَذَا لَدَيْنَا شَهَادَةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.