المحاضرة 29: الكِتابُ الْمُقَدَّسُ وَعِلْمُ الدِّفَاعِيَّاتِ (الجُزْءُ الرابِعُ)

يقول يسوع نفسه أمرًا لا ينبغي لأي معلم بشري أن يقوله أبدًا ما لم يكن قولاً حقيقيًّا. يقول، "لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً". هنا في الجزء الرابع من محاضرة "الكتاب المقدس وعلم الدفاعيات" السؤال هو "هل كان تعاليم يسوع على كاتب أسفار موسى الخمسة والمسائل التاريخية الأخرى صحيحة؟" يقضي د. سبرول بعض الوقت في شرح ادعاءات العديد من اللاهوتيين عن يسوع وكيف ترتبط طبيعتيه بتعاليمه.

فِي الْمُحَاضَرَةِ السَّابِقَةِ، لَاحَظْنَا تَنَاقُضًا اسْتِثْنَائِيًّا نَوْعًا مَا، بِسَبَبِ اتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ نَظْرَةً سَامِيَةً جِدًّا عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، إِذْ قَبِلَ النَّظَرِيَّةَ السَّائِدَةَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي أَيَّامِهِ، وَهِيَ أَنَّهُ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، الْكَلَامُ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ. وَمَعَ ذَلِكَ، أَقَرَّ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ مَعَ أَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ بِهَذِهِ النَّظْرَةِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، كَانَ تَعْلِيمُهُ غَيْرَ صَحِيحٍ. وَأَسْرَعُوا مُضِيفِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ يَسُوعُ مُخْطِئًا فِي وَصْفِهِ لِطَبِيعَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّهُ فِي نَاسُوتِهِ، كَانَ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقِيقَةَ الْفِعْلِيَّةَ لِهُوِيَّةِ كَاتِبِ أَسْفَارِ مُوسَى الْخَمْسَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَسَائِلِ التَّارِيخِيَّةِ الشَّبِيهَةِ. هَذِهِ حُجَّةٌ كْرِيسْتُولُوجِيَّةٌ، تَقُولُ إِنَّ يَسُوعَ، فِي نَاسُوتِهِ، لَمْ يَكُنْ يَتَمَتَّعُ بِصِفَةِ الْعِلْمِ الْكُلِّيِّ، وَإِنَّ نَسْبَ صِفَةِ الْعِلْمِ الْكُلِّيِّ إِلَى نَاسُوتِ الْمَسِيحِ سَيَكُونُ انْتِهَاكًا لِلرَّأْيِ الْمَسِيحِيِّ الْمُحَافِظِ بِشَأْنِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ طَبِيعَتَيْ الْمَسِيحِ.

يَعُودُ هَذَا الْجَدَلُ إِلَى حَادِثَةٍ سَابِقَةٍ، تَتَعَلَّقُ بِفَهْمِ الْكَنِيسَةِ لِتَعْلِيقَاتِ يَسُوعَ فِي إِنْجِيلِ مَرْقُسَ، حِينَ سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ يَوْمِ مَجِيئِهِ ثَانِيَةً، فَأَجَابَ تَلَامِيذَهُ قَائِلًا إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْيَوْمَ وَلَا السَّاعَةَ، وَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَعْلَمُ الْيَوْمَ وَالسَّاعَةَ هُوَ الْآبُ، وَلَيْسَ الِابْنَ، أَوْ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ. إِذَنْ، فِي هَذَا النَّصِّ، قَالَ يَسُوعُ بِوُضُوحٍ إِنَّهُ ثَمَّةَ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ.

رَدًّا عَلَى تِلْكَ الْمُشْكِلَةِ، قَدَّمَ الْقِدِّيسُ تُومَا الْأَكْوِينِيُّ نَظَرِيَّةً دُعِيَتْ "نَظَرِيَّةَ التَّكَيُّفِ"، لِأَنَّ الْقِدِّيسَ تُومَا قَالَ إِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ لَاهُوتِ يَسُوعَ وَنَاسُوَتِهِ كَانَتْ عَلَاقَةَ وَحْدَةٍ كَامِلَةٍ، حَتَّى إِنَّ تُومَا قَالَ إِنَّ أَيَّ شَيْءٍ يَعْرِفُهُ اللَّاهُوتُ يَعْرِفُهُ النَّاسُوتُ أَيْضًا. وَبِالتَّالِي، كَانَ مِنَ الْمُحَتَّمِ أَنْ يَعْلَمَ يَسُوعُ الْيَوْمَ وَالسَّاعَةَ. وَإِنَّمَا لِأَسْبَابٍ يَعْرِفُهَا هُوَ وَحْدَهُ، لَمْ تَكُنْ لَدَيْهِ الْحُرِّيَّةُ أَنْ يَنْقُلَ تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ إِلَى تَلَامِيذِهِ. وَلِذَلِكَ، حَسَمَ نَوْعًا مَا الْمُشْكِلَةَ، وَتَكَيَّفَ مَعَ جَهْلِهِمْ، قَائِلًا "لَا أَعْلَمُ". مُشْكِلَةُ ذَلِكَ، بِالتَّأْكِيدِ، هِيَ أَنَّ يَسُوعَ قَالَ إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَمْرًا بَيْنَمَا هُوَ يَعْلَمُهُ بِالْفِعْلِ، الْأَمْرُ الَّذِي يُثِيرُ الشَّكَّ فِي مِصْدَاقِيَّتِهِ كَنَبِيٍّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلِ الصِّدْقَ هُنَا.

وَرَدًّا مِنَ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ عَلَى رَأْيِ تُومَا الْأَكْوِينِيِّ، وَرَأْيِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ الَّتِي عَلَّمَتْ بِتَنَاقُلِ الصِّفَاتِ، أَيْ بِأَنَّ صِفَاتِ اللَّاهُوتِ تَنْتَقِلُ إِلَى النَّاسُوتِ. أَتَاحَ ذَلِكَ لِعَقِيدَةِ الْقُدَّاسِ الْإِلَهِيِّ أَنْ تُؤَكِّدَ أَنَّ يَسُوعَ، بِجَسَدِهِ وَدَمِهِ، يَكُونُ مَوْجُودًا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَكَانٍ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، لِأَنَّنَا نَعْتَقِدُ عَادَةً أَنَّ الشَّخْصَ الْبَشَرِيَّ مَحْدُودٌ مَكَانِيًّا، وَبِالتَّالِي، لَا يُمْكِنُ لِجَسَدِ إِنْسَانٍ أَنْ يَكُونَ فِي بُوسْطِنْ وَدِيتْرُويْتْ وَسَانْ فْرَانْسِيسْكُو فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَكَيْ يَحْدُثَ ذَلِكَ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَخْضَعَ النَّاسُوتُ لِنَوْعٍ مِنَ التَّأْلِيهِ. وَتَعَلِّمُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بِأَنَّ طَبِيعَةَ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ - أَوْ صِفَةَ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ لِلَّاهُوتِ - انْتَقَلَتْ إِلَى نَاسُوتِ يَسُوعَ، بِحَيْثُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُوجَدَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَكَانٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَبِالْمِثْلِ، الْعِلْمُ الْكُلِّيُّ لِلَّاهُوتِ انْتَقَلَ إِلَى النَّاسُوتِ.

أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ، الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ يَسُوعَ كَانَ مُخْطِئًا فِي نَظْرَتِهِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَإِنَّهُ لَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ، بَنَوْا حُجَّتَهُمْ عَلَى أَسَاسِ أَنَّ الْمَسِيحِيَّةَ التَّقْلِيدِيَّةَ الْمُحَافِظَةَ، كَمَا نَرَاهَا فِي مَجْمَعِ خَلْقِيدُونِيَّةَ لِعَامِ أَرْبَعِمَائَةٍ وَوَاحِدٍ وَخَمْسِينَ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ، قَالَتْ عَنِ الطَّبِيعَتَيْنِ إِنَّ "طَبِيعَتَيْ الْمَسِيحِ لَيْسَتَا مُخْتَلِطَتَيْنِ، أَوْ مُمْتَزِجَتَيْنِ، أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ، أَوْ مُنْقَسِمَتَيْنِ، وَكُلُّ طَبِيعَةٍ تَحْتَفِظُ بِصِفَاتِهَا"، مَا يَبْدُو أَنَّهُ يَتَعَارَضُ بِوُضُوحٍ مَعَ أَيَّةِ فِكْرَةٍ عَنِ الْخَلْطِ بَيْنَ النَّاسُوتِ وَاللَّاهُوتِ، بِحَيْثُ يَنْقُلُ اللَّاهُوتُ الْأُلُوهِيَّةَ لِلنَّاسُوتِ. وَتَارِيخِيًّا، الْهَرْطَقَةُ - أَوْ إِحْدَى الْهَرْطَقَاتِ - الَّتِي هَاجَمَتْهَا الْكَنِيسَةُ، بِسَبَبِ تَجَاهُلِهَا لِنَاسُوتِ يَسُوعَ الْحَقِيقِيِّ، هِيَ الْهَرْطَقَةُ الدُوسِيتِيَّةُ الْقَدِيمَةُ. وَفِي أَبْسَطِ الصُّوَرِ، كَانَ الدُّوسِيتِيُّونَ الْأَوَائِلُ شَكْلًا - أَوْ فَرْعًا - مِنَ الْغْنُوسِيِّينَ، الَّذِينَ تَحْتَ تَأْثِيرِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِأَنَّ اللَّهَ، فِي جَوْهَرِهِ الْبَحْتِ، يُمْكِنُ أَنْ يَتَّخَذَ جَسَدًا مَادِّيًّا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ، وَبِحَسَبِ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ، يُلَوِّثُ ذَاتَهُ. وَبِالتَّالِي، قَالَ الدُّوسِيتِيُّونَ إِنَّ يَسُوعَ الَّذِي نَرَاهُ عَبْرَ صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ حَقِيقِيٌّ، لَكِنَّهُ فَقَطْ بَدَا أَوْ ظَهَرَ كَمَا لَوْ أَنَّ لَهُ جَسَدًا بَشَرِيًّا. كَلِمَةُ "دُوسِيتِي" مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ "دُوكْيُو"، وَمَعْنَاهَا "يَبْدُو، أَوْ يَظُنُّ، أَوْ يَظْهَرُ". وَهَكَذَا، كَانَتْ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ الْقَدِيمَةُ تُؤْمِنُ بِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ حَقِيقِيٌّ. تُوَاجِهُ رَسَائِلُ يُوحَنَّا ذَلِكَ، حَيْثُ قَالَ يُوحَنَّا إِنَّ رُوحَ ضِدِّ الْمَسِيحِ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ جَاءَ فِي الْجَسَدِ.

كَمَا ذَكَرْتُ، هَذِهِ هِيَ الدُّوسِيتِيَّةُ فِي أَبْسَطِ صُوَرِهَا، الَّتِي تُنْكِرُ أَنْ يَسُوعَ كَانَ لَدَيْهِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ. لَكِنْ لِلدُّوسِيتِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ شَكْلٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَشَدَّ مَكْرًا وَلَبَاقَةً. وَالْأَشْكَالُ الْأَشَدُّ لَبَاقَةً لِلدُّوسِيتِيَّةِ هِيَ أَيَّةُ نَظَرِيَّةٍ عَنْ يَسُوعَ تَنْفِي بِمَكْرٍ، وَبِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ، الْمَحْدُودِيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ لِنَاسُوتِهِ. قَالَ كَارْلْ بَارْتْ، مَثَلًا، إِنَّ الِافْتِرَاضَ بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ كُلِّيَّ الْعِلْمِ، حَتَّى مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ كَانَ لَدَيْهِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ حَقِيقِيٌّ، يَظَلُّ هُوَ إِعَادَةَ صِيَاغَةٍ لِلْهَرْطَقَةِ الدُّوسِيتِيَّةِ الْقَدِيمَةِ، لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ إِخْفَاقٍ فِي إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ النَّاسُوتِ. وَبِالطَّبْعِ، تَمَادَى بَارْتْ إِلَى حَدٍّ أَبْعَدَ أَرْجُو أَنْ نَرَاهُ بَعْدَ قَلِيلٍ.

كَيْ نُلَخِّصَ ذَلِكَ، نَقُولُ إِنَّ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةَ الْقَدِيمَةَ تَقْبَلُ بِأَنَّ يَسُوعَ فِي نَاسُوتِهِ لَمْ يَكُنْ كُلِّيَّ الْعِلْمِ، وَبِأَنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ الْكُلِّيِّ الْإِلَهِيَّةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى يَسُوعَ. قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ صَعْبًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْعَادِيِّينَ، لِأَنَّنَا، مِنْ نَاحِيَةٍ، نَرَى يَسُوعَ يُظْهِرُ مَا قَدْ نُسَمِّيهِ بِالْمَعْرِفَةِ الْفَائِقَةِ. فَقَبْلَ لِقَائِهِ بِنَثَنَائِيلَ، كَانَ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ عَنْهُ. وَأَخْبَرَ امْرَأَةَ سُوخَارَ بِقِصَّةِ حَيَاتِهَا كَامِلَةً. وَكَانَتْ لَدَيْهِ بَصِيرَةٌ نَبَوِيَّةٌ، حَيْثُ تَنَبَّأَ بِالْمُسْتَقْبَلِ بِدِقَّةٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، لَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا، كِتَابِيًّا، حَتَّى يُظْهِرَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، الَّذِينَ لَا يُوجَدُ أَيُّ بُرْهَانٍ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِمْ، أَظْهَرُوا أَيْضًا مَعْرِفَةً اسْتِثْنَائِيَّةً.

تَارِيخِيًّا، تُدْرِكُ الْكَنِيسَةُ أَنَّ اللَّاهُوتَ، أَوْ اللَّهَ، يُمْكِنُ أَنْ يَنْقُلَ مَعْلُومَاتٍ إِلَى إِنْسَانٍ، دُونَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ إِلَهًا. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اللَّهَ، فِي اللَّاهُوتِ، نَقَلَ بَعْضَ الْمَعْلُومَاتِ إِلَى يَسُوعَ، مَا كَانَ يَسُوعُ لِيَعْرِفَهَا فِي بَشَرِيَّتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ. فَمَا كَانَ لِيَعْرِفَ أَنَّ هَيْكَلَ أُورُشَلِيمَ سَيَخْرُبُ فِي عَامِ سَبْعِينَ مِيلادِيَّةً، لَكِنَّهُ تَنَبَّأَ عَنْ ذَلِكَ بِدِقَّةٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ. لَكِنْ، لِكَوْنِهِ نَبِيًّا، تَلَقَّى مَعْلُومَاتٍ مِنَ اللَّهِ، دُونَ أَنْ يُفْسِدَ أَوْ يَقْضِيَ ذَلِكَ بِأَيِّ شَكْلٍ عَلَى مَحْدُودِيَّةِ نَاسُوَتِهِ. إِذَنْ، دَعُونِي أُلَخِّصُ ذَلِكَ. يُمْكِنُ لِنَبِيٍّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، أَوْ لِيَسُوعَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، أَنْ يُظْهِرَ مُسْتَوَيَاتٍ اسْتِثْنَائِيَّةً مِنَ الْمَعْرِفَةِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا سِوَى اللَّهِ، وَلَا يُمْكِنُ سِوَى لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ مَعْلُومَاتِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ كُلِّيَّ الْعِلْمِ.

إِذَنْ، أَعْتَقِدُ أَنَّ النُّقَّادَ مُحِقُّونَ لَاهُوتِيًّا فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ يَسُوعَ، فِي نَاسُوتِهِ، لَمْ يَكُنْ كُلِّيَّ الْعِلْمِ. لَكِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ خُطْوَةً أَبْعَدَ قَائِلِينَ: "بِمَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلِّيَّ الْعِلْمِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْطِئَ فِي تَعْلِيمِهِ". وَهَذِهِ هِيَ الْفِكْرَةُ الَّتِي أَوَدُّ مُعَارَضَتَهَا، وَهِيَ أَنَّ يَسُوعَ، فِي النَّاسُوتِ، وَكَيْ يَكُونَ مُؤَهَّلًا لِيَكُونَ حَمَلَ اللَّهِ، وَآدَمَ الْجَدِيدَ، وَلْيُقَدِّمَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةً لِلَّهِ، كَانَ مُطَالَبًا بِالْكَمَالِ فِي نَاسُوتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ بِلَا خَطِيَّةٍ. وَالْآنَ، السُّؤَالُ الْبَسِيطُ هُوَ: هَلْ مِنَ الْخَطِيَّةِ أَنْ أَرْتَكِبَ خَطَأً إِذَا لَمْ تَكُنْ لَدَيَّ وَسِيلَةٌ لِمَعْرِفَةِ الصَّوَابِ؟

دَعُونِي أَعُودُ لِلْوَرَاءِ قَلِيلًا، وَأُوَضِّحُ دَوْرِي كَمُعَلِّمٍ وَأُسْتَاذٍ فِي كُلِّيَّةِ اللَّاهُوتِ، حَيْثُ أَدْخُلُ الصَّفَّ، وَلَا أَقُولُ إِنَّنِي مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَهَذَا أَمْرٌ بَدِيهِيٌّ، إِذْ يُدْرِكُ الطُّلَّابُ أَنَّنِي مُجَرَّدُ إِنْسَانٍ، وَأَنَّنِي أَرْضِيٌّ، وَأَرْتَكِبُ الْأَخْطَاءَ. نَعْلَمُ ذَلِكَ. وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، نَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الطُّلَّابَ هُمْ، إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، تَحْتَ رَحْمَةِ أَسَاتِذَتِهِمْ. وَالْعَهْدُ الْجَدِيدُ يُحَذِّرُنَا قَائِلًا: "لَا تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دِينُونَةً أَعْظَمَ!" هَذَا تَحْذِيرٌ أَيْضًا لِلْمُعَلِّمِينَ الَّذِينَ بِتَعْلِيمِهِمِ الْخَاطِئِ يُفْسِدُونَ صِغَارَ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَيْرٌ لَهُمْ لَوْ لَمْ يُولَدُوا، أَوْ أَنْ تُطَوَّقَ أَعْنَاقُهُمْ بِحَجَرِ رَحًى، مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، أَيْ أَنْ يُضِلُّوا الْخِرَافَ.

أَشْعُرُ بِإِلْزَامٍ دَاخِلَ الصَّفِّ، حِينَ أُجِيبُ عَنِ الْأَسْئِلَةِ، بِأَلَّا أُلَفِّقَ الْإِجَابَاتِ الْبَتَّةَ. فَإِذَا طَرَحَ عَلَيَّ طَالِبٌ سُؤَالًا لَا أَعْرِفُ إِجَابَتَهُ، أَرَى أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِي الْأَخْلَاقِيِّ أَنْ أُخْبِرَهُ بِأَنِّي لَا أَعْرِفُ الْجَوَابَ، وَأَلَّا أُحَاوِلَ إِبْهَارَهُ بِأَجْوِبَةٍ مُنَمَّقَةٍ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ أَيْضًا أَنْ أَفْعَلَ التَّالِيَ: مِنْ جِهَةِ كُلِّ مَا أُعَلِّمُهُ فِي اللَّاهُوتِ، مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّنِي لَا أَتَمَتَّعُ بِالْمُسْتَوَى ذَاتِهِ مِنَ الْيَقِينِ أَوِ الِاقْتِنَاعِ بِصِحَّةِ آرَائِي بِشَأْنِ كُلِّ فِكْرٍ أَتَبَنَّاهُ. فَإِنْ سَأَلْتُمُونِي مَا إِذَا كُنْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ أَنَّ الْمِيلَادَ الثَّانِيَ يَسْبِقُ الْإِيمَانَ، سَأُجِيبُ: "أَجَلْ، أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ تَأَكُّدِي مِنَ الْهَوَاءِ الَّذِي أَتَنَفَّسُهُ". وَإِنْ سَأَلْتُمُونِي إِذَا كُنْتُ أَتَمَتَّعُ بِهَذَا الْيَقِينِ ذَاتِهِ بِشَأْنِ الْأُمُورِ الْأَخِيرَةِ، سَأُجِيبُ بِالنَّفْيِ. لِذَا، أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَقُولَ لِطُلَّابِي: "أَرَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْفِكْرُ الصَّحِيحُ، لَكِنَّنِي لَسْتُ مُتَأَكِّدًا. أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الدِّرَاسَةِ". فَإِنَّنِي أَرَى أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الْأَخْلَاقِيَّةُ لِأَيِّ شَخْصٍ مُنِحَ سُلْطَةً تَعْلِيمِيَّةً فِي مَجَالِ التَّعْلِيمِ.

فِي الْمُقَابِلِ، بَرَزَ يَسُوعُ عَلَى السَّاحَةِ التَّارِيخِيَّةِ، وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "لَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي"، مُدْلِيًا بِهَذَا بِتَصْرِيحٍ يَجِبُ أَلَّا يُدْلِيَ بِهِ أَيُّ مُعَلِّمٍ بَشَرِيٍّ، إِلَّا إِذَا كَانَ تَصْرِيحًا صَحِيحًا. فَهُوَ لَمْ يَكْتَفِ بِالْقَوْلِ: "أَنَا أَشْهَدُ لِلْحَقِّ"، بَلْ قَالَ "أَنَا هُوَ الْحَقُّ، وَقَدْ أَتَيْتُ إلَى الْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي". فَالْمُعَلِّمُونَ يَعَرِّضُونَ مُؤَهِّلَاتِهِمْ الَّتِي تُعْطِيهِمْ مِصْدَاقِيَّةً. لَكِنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ يَفُوقُ مَا يُمْكِنُ لِأَيِّ مُعَلِّمٍ الْإِدْلَاءُ بِهِ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ التَّجْسِيدُ الْحَقِيقِيُّ لِلْحَقِّ نَفْسِهِ.

إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ إِلَى هُنَا قَائِلًا: "لَسْتُ أَتَكَلَّمُ إِلَّا بِمَا يُخْبِرُنِي بِهِ اللَّهُ. أَنَا هُوَ الْحَقُّ"، ثُمَّ أُمْكَنَكُمْ إِثْبَاتُ ارْتِكَابِهِ خَطَأً تِلْوَ الْآخَرِ تِلْوَ الْآخَرِ، فَكَيْفَ سَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ عَلَى ادِّعَائِهِ بِأَنَّهُ الْحَقُّ مُتَجَسِّدًا؟ وَالْأَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ، كَيْفَ سَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ عَلَى عِصْمَةِ يَسُوعَ، لَوْ كَانَ يُضِلُّ شَعْبَهُ، وَيُضِلُّ كَنِيسَتَهُ، مُدَّعِيًا أُمُورًا لَا يَتَمَتَّعُ بِهَا فِعْلِيًّا، وَمُدَّعِيًا صِحَّةَ أُمُورٍ هِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. فَقَدِ انْتَقَدَ الْفَرِّيسِيِّينَ ذَاتَ مَرَّةٍ قَائِلًا: "أَنْتُمْ تُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَتَبْلَعُونَ الْجَمَلَ!"، ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا "إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الْأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟" وَمَعَ ذَلِكَ، يُوجَدُ جِيلٌ كَامِلٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ مَسِيحِيِّينَ، مِمَّنْ يَقُولُونَ: "نُؤْمِنُ بِيَسُوعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّمَاوِيَّاتِ، لَكِنْ حِينَ يُخْبِرُنَا بِأُمُورٍ أَرْضِيَّةٍ - مِثْلِ كَيْفِيَّةِ تَكَوُّنِ قَائِمَةِ الْأَسْفَارِ الْقَانُونِيَّةِ، وَهُوِيَّةِ كَاتِبِ الْأَسْفَارِ الْخَمْسَةِ الْأُولَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ - لَا يَسَعُنَا الْوُثُوقَ بِهِ". أَقُولُ لِهَؤُلَاءِ: "أَنْتُمْ أَكْثَرُ مَنْ تُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَتَبْلَعُونَ الْجَمَلَ".

أَعْتَرِفُ بِوُجُودِ صُعُوبَاتٍ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ بَعْضِ التَّفَاصِيلِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَأَرَى أَنَّ 99.9% مِنْهَا جَرَى التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا بِشَكْلٍ كَافٍ. لَكِنْ تَظَلُّ هُنَاكَ بَعْضُ الْمُشْكِلَاتِ الصَّغِيرَةِ الْمُزْعِجَةِ الَّتِي تَحُومُ حَوْلَ رَأْسِي كَالْبَعُوضِ. وَتَعَامُلِي مَعَ ذَلِكَ الْبَعُوضِ يَخْتَلِفُ تَمَامًا، مِنَ الْمَنْظُورِ الْأَكَادِيمِيِّ، عَنْ قَوْلِي: "بِسَبَبِ ذَلِكَ الْبَعُوضِ، سَأَتَخَلَّى عَنْ نَظْرَتِي لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَلَى أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ الْحَقِيقِيَّةُ، لَكِنْ سَأَظَلُّ أُؤْمِنُ بِصِحَّةِ تَصْرِيحَاتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". هَذَا الْجِيلُ بِأَكْمَلِهِ صَفَّى عَنِ الْبَعُوضَةِ وَبَلَعَ الْجَمَلَ. فَإِذَا أَقْنَعْتُمُونِي، مَثَلًا، بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ مُخْطِئًا فِي تَعَالِيمِهِ، أَيْ تَعَالِيمِهِ الْمَوْثُوقَةِ بِشَأْنِ طَبِيعَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَنْ أُولِيَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ خَمْسَ دَقَائِقَ إِضَافِيَّةٍ مِنِ اهْتِمَامِي، بِبَسَاطَةٍ لِأَنَّ هَذَا سَيُجَرِّدُ أَهْلِيَّتَهُ بِأَنْ يَكُونَ وَيَفْعَلَ مَا يَقُولُهُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ عَنْهُ وَعَنْ عَمَلِهِ مِنْ أَيَّةِ مِصْدَاقِيَّةٍ.

إِذَنْ، أَظُنُّ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ يَسُوعَ الْكُلِّيِّ، بَلْ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الْخَطَأِ، وَمَسْؤُولِيَّتِهِ عَنْ أَلَّا يَدَّعِيَ تَمَتُّعَهُ بِسُلْطَةٍ أَوْ صِدْقٍ يَفُوقَانِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ فِعْلِيًّا. وَتِلْكَ هِيَ الْفِكْرَةُ الَّتِي أَثَارَهَا مِرَارًا أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا فِي بِنْسِلْفَانْيَا فِي أَوَائِلِ السَّبْعِينِيَّاتِ.

كَذَلِكَ، مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِ وَحْيِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، قَالَ كَارْلْ بَارْتْ إِنَّ عَقِيدَةَ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ مَا يُسَمِّيهِ بِالدُّوسِيتِيَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. وَقَدَّمَ التَّشْبِيهَ التَّالِيَ: كَمَا فِي الْهَرْطَقَاتِ الْقَدِيمَةِ جَرَتِ الْمُسَاوَمَةُ فِي طَبِيعَةِ يَسُوعَ الْحَقِيقِيَّةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَأْلِيهِ النَّاسُوتِ، يَنْطَبِقُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى عَقِيدَةِ وَحْيِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، لِأَنَّنَا نَعْلَمُ بِالتَّأْكِيدِ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ كَتَبَهُ بَشَرٌ. فَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ جَانِبٍ مِنَ التَّأْلِيفِ الْبَشَرِيِّ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَلَدَيْنَا سِفْرُ إِرْمِيَا، وَسِفْرُ حِزْقِيَالَ، وَالْإِنْجِيلُ بِحَسَبِ يُوحَنَّا، وَالْإِنْجِيلُ بِحَسَبِ لُوقَا، وَالْإِنْجِيلُ بِحَسَبِ مَتَّى. فَاللَّهُ لَمْ يَكْتُبْ كِتَابًا بِإِصْبَعِهِ، ثُمَّ أَنْزَلَهُ مِنْ مِظَلَّةٍ مِنَ السَّمَاءِ، بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْبَشَرِ أَيُّ دَوْرٍ فِي إِصْدَارِ ذَلِكَ الْكِتَابِ.

ثُمَّ تَابَعَ بَارْتْ قَائِلًا إِنَّهُ مِنَ الْبَدِيهِيِّ فِي مَفْهُومِنَا عَنِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، هَذِهِ الْجُمْلَةُ الشَّائِعَةُ، صَحِيحَةً: "Errare humanum est" - "الْخَطَأُ سِمَةُ الْبَشَرِ". وَقَالَ إِنَّ عَقِيدَةَ الْوَحْيِ هِيَ نَظْرَةٌ دُوسِيتِيَّةٌ لِلْكُتَّابِ الْبَشَرِيِّينَ، لِأَنَّهَا تَفْتَرِضُ أَنَّ الْكُتَّابَ الْبَشَرِيِّينَ أَمْكَنَهُمْ إِصْدَارُ شَيْءٍ لَا يَحْوِي خَطَأً. وَبِذَلِكَ، تَمَّتِ الْمُسَاوَمَةُ فِي بَشَرِيَّةِ الْكُتَّابِ بِطَرِيقَةٍ رُوحِيَّةٍ.

نَرُدُّ عَلَى كَارْلْ بَارْتْ سَرِيعًا كَالتَّالِي: فَمَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمُعْتَادِ وَالطَّبِيعِيِّ بِالْفِعْلِ أَنْ يُخْطِئَ الْبَشَرُ، لَا يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّنَا كَيْ نَكُونَ بَشَرًا بِالْفِعْلِ، يَجِبُ أَنْ نُخْطِئَ. فَنَحْنُ نَرَى طُلَّابًا فِي الْمَدْرَسَةِ يَحْصُلُونَ عَلَى الدَّرَجَةِ النِّهَائِيَّةِ فِي الْإِمْلَاءِ دُونَ أَخْطَاءٍ. وَيُمْكِنُنِي كِتَابَةُ قَائِمَةِ تَبَضُّعٍ بِلَا أَخْطَاءٍ، دُونَ الْمُسَاوَمَةِ بِذَلِكَ فِي مَحْدُودِيَّةِ بَشَرِيَّتِي. وَقَطْعًا، لَطَالَمَا أَدْرَكَ التَّعْلِيمُ الْقَوِيمُ صِحَّةَ مَقُولَةِ "erroris humanum est"، وَأَنَّ الْبَشَرَ لَدَيْهِمْ نَزْعَةُ ارْتِكَابِ الْأَخْطَاءِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، تَدَخَّلَ الرُّوحُ الْقُدُسُ لِلْإِشْرَافِ عَلَى كِتَابَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَلِهَذَا اجْتَهَدَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ لِيُوَضِّحَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْفَارَ الَّتِي كَتَبَهَا بِالْفِعْلِ كُتَّابٌ بَشَرِيُّونَ كُتِبَتْ لَيْسَ فَقَطْ بِالْإِمْكَانِيَّاتِ الْبَشَرِيَّةِ لِهَؤُلَاءِ الْكُتَّابِ الْبَشَرِيِّينَ، وَإِنَّمَا حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسَ عَلَيْهِمْ، وَأَيَّدَهُمْ، وَحَفِظَهُمْ مِنَ الْمَيْلِ الْبَشَرِيِّ إِلَى ارْتِكَابِ الْأَخْطَاءِ، بِحَيْثُ لَدَيْنَا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَظِيرُ طَبِيعَتَيِ الْمَسِيحِ، طَبِيعَةٌ ثُنَائِيَّةٌ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بِسَبَبِ بَشَرِيَّةِ الْكُتَّابِ الْبَشَرِيِّينَ، الْحَقِيقِيَّةِ، وَأُلُوهِيَّةِ الْكَاتِبِ الْأَسَاسِيِّ، الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. فَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ.

مُجَدَّدًا، نَرَى فِي الْكَنِيسَةِ الْيَوْمَ أَنَّ بَارْتْ، مَثَلًا، يَقُولُ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ "كَلِمَاتِ اللَّهِ". فَهُوَ كَلِمَاتُ بَشَرٍ، لَكِنْ تَحْتَ تَأْثِيرِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَحِينَ نَقْرَأُهُ، يَصِيرُ كَلِمَةَ اللَّهِ. فَهُوَ لَيْسَ "verbum Dei" - "كَلِمَةَ اللَّهِ" - فِي حَدِّ ذَاتِهِ، أَوْ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ، لَكِنْ فَقَطْ حِينَ تَقْرَأُهُ، بِمَعُونَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَاسْتِخْدَامِهِ لِلنَّصِّ، يَصِيرُ مَا هُوَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِهِ. لَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، لَكِنْ لِلْأَسَفِ، هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الَّتِي تُخْطِئُ. وَهَذَا بِمَثَابَةِ ابْتِلَاعِ الْجَمَلِ. فَلَا أُصَدِّقُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِشَخْصٍ عَاقِلٍ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ وَثِيقَةً بِهَا أَخْطَاءٌ هِيَ كَلِمَةُ اللَّهِ. فَإِذَا كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ، فَهِيَ لَنْ تُخْطِئَ. وَلَوْ كَانَتْ تُخْطِئُ، لَنْ تَكُونَ كَلِمَةَ اَللَّهِ.

فِي مُحَاضَرَتِنَا التَّالِيَةِ وَالْأَخِيرَةِ، سَنَتَنَاوَلُ بَعْضَ الْبَرَاهِينِ الْأُخْرَى عَلَى ادِّعَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ.