المحاضرة 26: الكتابُ المُقَدَّسُ وَعِلْمُ الدِّفَاعِيَّاتِ (الجُزْءُ الأوَّلُ)
ألا يصح القول إن نقطة البداية الصحيحة في علم الدفاعيات هي الدفاع عن الكتاب المقدس؟ في الجزء الأول من محاضرة "الكتاب المقدس وعلم الدفاعيات"، يوضح د. سبرول أن أول شيء يجب فعله هو إثبات وجود الله. هنا تنتقل الدراسة إلى موضوع كيف ندافع عن ثقة الكنيسة وإيمانها بسلطة الكتاب المقدس ووحيه.
فِيمَا نُتَابِعُ دِرَاسَتَنَا لِعِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ، سَنَنْتَقِلُ الْيَوْمَ إِلَى مَوْضُوعٍ جَدِيدٍ مُهِمٍّ جِدًّا، وَهُوَ كَيْفِيَّةُ الدِّفَاعِ عَنْ ثِقَةِ الْكَنِيسَةِ وَإِيمَانِهَا بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَوَحْيِهِ. لَكِنْ قَبْلَ أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ، دَعُونِي أُقَدِّمُ بَعْضَ الْمُلَاحَظَاتِ التَّمْهِيدِيَّةِ. يَرَى بَعْضُ الدِّفَاعِيِّينَ أَنَّ الْخُطْوَةَ الأُولَى فِي الدِّفَاعِيَّاتِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ إِرْسَاءَ أَسَاسِ الْمَصْدَرِ الرَّئِيسِيِّ لِلسُّلْطَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِادِّعَاءَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ؛ وَأَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَبْدَأَ دِرَاسَةَ الدِّفَاعِ عَنِ الْإِيمَانِ بِتَرْسِيخِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرْسِيخِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، يَصِيرُ الْبَاقِي سَهْلًا، وَيَصِيرُ الْبَاقِي فَقَطْ مَسْأَلَةَ تَفْسِيرٍ، أَوْ جَنْيٍ لِلْحَقَائِقِ الَّتِي نُحَاوِلُ الدِّفَاعَ عَنْهَا مِنْ تَعْلِيمِ النَّصِّ الْكِتَابِيِّ. فَمَثَلًا، إِذَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُثْبِتَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ اسْتَطَعْنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُعَلِّمُ بِأُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ، لَنْ نَكُونَ بِحَاجَةٍ حِينَئِذٍ إِلَى الْخَوْضِ فِي الْحُجَجِ الْفَلْسَفِيَّةِ أَوِ التَّارِيخِيَّةِ الدَّقِيقَةِ مِنْ أَجْلِ الدِّفَاعِ عَنِ الِادِّعَاءِ بِأُلُوهِيَّةِ يَسُوعَ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يُعَلِّمُ بِذَلِكَ، وَنَحْنُ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، تَكُونُ الْمُهِمَّةُ قَدِ انْتَهَتْ. وَلِذَلِكَ، ثَمَّةَ دِفَاعِيُّونَ يَقُولُونَ إِنَّ نُقْطَةَ الِانْطِلَاقِ الصَّحِيحَةَ فِي الدِّفَاعِيَّاتِ هِيَ الدِّفَاعُ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.
أُوَافِقُ بِالتَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَجَدَارَتِهِ بِالثِّقَةِ هُوَ أَوْلَوِيَّةٌ عُظْمَى فِي الدِّفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ، لَكِنَّنِي لَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ هِيَ النُّقْطَةُ الْأُولَى الَّتِي يَجِبُ الِانْطِلَاقُ مِنْهَا. وَلِهَذَا لَمْ أَبْدَأْ مِنْ هَذِهِ النُّقْطَةِ فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ، بَلْ بَدَأْتُ بِمُحَاوَلَةِ إِثْبَاتِ وُجُودِ اللَّهِ، لِأَنَّنِي أَرَى ذَلِكَ سَابِقًا لِإِثْبَاتِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كَكَلِمَةِ اللَّهِ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ شَيْئًا مَا هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ أَوَّلًا أَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ يُمْكِنُ اكْتِشَافُ كَلِمَتِهِ فِي مَكَانٍ مَا.
مُجَدَّدًا، هُنَاكَ مَنْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُقَدَّمَ أَيُّ دِفَاعٍ مَنْطِقِيٍّ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بَلْ إِنَّ سُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَوُجُودَ اللَّهِ أَيْضًا، يَجِبُ التَّسْلِيمُ بِهِمَا بِاعْتِبَارِهِمَا نُقْطَةَ الِانْطِلَاقِ الْمُزْدَوِجَةَ لِكُلِّ الْحَقِّ الْمَسِيحِيِّ وَكُلِّ الدِّفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. عِنْدَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، يَقُولُ الْبَعْضُ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَتَمَتَّعُ بِالْمَوْثُوقِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ، مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ، بِحُكْمِ طَبِيعَتِهِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْضَعَ لِأَيَّةِ سُلْطَةٍ أَعْلَى مِنْهُ أَوْ خَارِجَهُ. فَإِذَا كَانَ هُوَ كَلِمَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ تَتَمَتَّعُ بِسُلْطَةٍ فِي ذَاتِهَا، وَلَا يُمْكِنُ إِخْضَاعُهَا لِشَيْءٍ أَعْلَى مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ سُلْطَةٌ أَعْلَى مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ.
دَعُونِي أَعُودُ لِلْوَرَاءِ قَلِيلًا. رَأَيْنَا جَمِيعًا الْمُلْصَقَ الَّذِي يَقُولُ: "يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ ذَلِكَ، وَأَنَا أُصَدِّقُهُ، وَهَذَا يَحْسِمُ الْأَمْرَ". أَوْ يَقُولُ: "يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ، وَأَنَا أُصَدِّقُهُ، وَهَذَا يَحْسِمُ الْأَمْرَ". وَكُلُّ مَنْ يَعْرِفُنِي يَعْلَمُ أَنَّنِي أَعْتَرِضُ عَلَى هَذَا الشِّعَارِ، لِأَنَّهُ تُوجَدُ جُمْلَةٌ فِي الْمُنْتَصَفِ لَيْسَتْ فَقَطْ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَوْضُوعِ، لَكِنَّهَا فِعْلِيًّا تُقَوِّضُ مِنَ الْفِكْرَةِ الَّتِي يُحَاوِلُ الْمُلْصَقُ تَوْصِيلَهَا. فَمَا كَانَ يَنْبَغِي قَوْلُهُ هُوَ: "يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ، وَهَذَا يَحْسِمُ الْأَمْرَ"، لِأَنَّ إِذْعَانِي أَوْ عَدَمَ إِذْعَانِي لِمَا يَقُولُهُ اللَّهُ لَا يَمُتُّ بِصِلَةٍ لِحَسْمِ الْأَمْرِ. فَإِذَا فَتَحَ اللَّهُ كُلِّيُّ الْقُدْرَةِ فَاهُ بِشَأْنِ مَوْضُوعٍ مُعَيَّنٍ، يَصِيرُ الْأَمْرُ مَحْسُومًا إِلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَبْقَى مَجَالٌ لِلْجَدَلِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا. وَكَمَا قَالَ الْمُصْلِحُونَ: "مَا أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ فَمَهُ الْقُدُّوسَ، يَنْقَضِي النِّزَاعُ".
لَكِنْ قَطَعًا، مِنَ الْمَنْظُورِ الدِّفَاعِيِّ، نَتَحَدَّثُ هُنَا لَيْسَ فَقَطْ عَمَّا إِذَا كَانَ اللَّهُ مَوْجُودًا أَمْ لَا، بَلْ مَا إِذَا كَانَ هَذَا الْإِلَهُ الْمَوْجُودُ أَعْلَنَ عَنْ ذَاتِهِ بِطَرِيقَةٍ مَكْتُوبَةٍ أَمْ لَا. فَإِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ يَخْتَلِفُ تَمَامًا عَنْ إِثْبَاتِ أَنَّ اللَّهَ الْمَوْجُودَ تَكَلَّمَ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي وَمِنْ خِلَالِ صَفَحَاتِ الْكَلِمَةِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَكْتُوبَةِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، مَنْ يُحَاوِلُونَ تَأْيِيدَ الْمَوْثُوقِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ يُؤَيِّدُونَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُودِ سُلْطَةٍ أَعْلَى يُمْكِنُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنْ يَخْضَعَ لَهَا. وَإِذَا تَنَاوَلْنَا ادِّعَاءَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَأَرَدْنَا إِخْضَاعَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لِاخْتِبَارَاتِ الْمَنْطِقِ أَوْ الْعَقْلَانِيَّةِ، أَوْ لِلتَّحْقِيقِ الْعِلْمِيِّ التَّجْرِيبِيِّ، فَإِنَّنَا بِهَذَا نُسَاوِمُ فِي نَقَاءِ الْإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ، بِإِخْضَاعِ اللَّهِ لِاخْتِبَارَاتِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الْبَشَرِيِّ. لَيْسَتْ هَذِهِ بِالتَّأْكِيدِ رَغْبَةَ أَيِّ دِفَاعِيٍّ يَشْرَعُ فِي الدِّفَاعِ عَنْ جَدَارَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالثِّقَةِ. لَكِنَّ سَبَبَ اعْتِرَاضِي عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ نَصٍّ مَوْثُوقٍ ذَاتِيًّا - فِي الْوَاقِعِ يُوجَدُ أَكْثَرُ مِنْ سَبَبٍ. السَّبَبُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّ الْأَسَاسَ الْمَنْطِقِيَّ لِذَلِكَ دَائِرِيٌّ، وَبِالتَّالِي مَغْلُوطٌ. فَالْحُجَّةُ الدَّائِرِيَّةُ تَهْدِمُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا. وَيُمْكِنُ صِيَاغَةُ حُجَّةِ الْمَوْثُوقِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ كَالتَّالِي: الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ. وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، لِكَوْنِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ، يُعْلِنُ أَنَّهُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ؛ وَبِالتَّالِي، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ. أَوْ يُمْكِنُ صِيَاغَتُهَا كَالتَّالِي: كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ صَحِيحٌ؛ وَيَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ؛ وَبِالتَّالِي، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ بِالْفِعْلِ كَلِمَةُ اللَّهِ. تَرَوْنَ أَنَّهُ فِي كِلْتَا الصِّيَاغَتَيْنِ لِلْمُعَادَلَةِ، الِاسْتِنْتَاجُ مَوْجُودٌ بِالْفِعْلِ فِي الْفَرَضِيَّاتِ، وَهَذَا مَنْطِقٌ دَائِرِيٌّ، يُعَدُّ مُغَالَطَةً مَنْطِقِيَّةً. وَلِهَذَا لَا أُحِبُّ تَأْيِيدَ الْمَوْثُوقِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ لِأَنَّهَا تُوقِعُنِي فِي طَرِيقَةِ تَفْكِيرٍ مَغْلُوطَةٍ، يُمْكِنُ لِأَيِّ شَخْصٍ غَيْرِ مُؤْمِنٍ أَنْ يَرْصُدَ خَطَأَهَا.
ثَانِيًا، يُوَرِّطُنَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مَوْثُوقٌ ذَاتِيًّا فِي الْمُشْكِلَةِ التَّالِيَةِ: يَدَّعِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ الْكِتَابَ الْوَحِيدَ الَّذِي يَدَّعِي ذَلِكَ. فَكِتَابُ الْمُورِمُونِ يَدَّعِي ذَلِكَ. وَالْقُرْآنُ يَدَّعِي ذَلِكَ. وَنَعْلَمُ أَنَّ مُحْتَوَى كِتَابِ الْمُورِمُونِ، مَثَلًا، لَا يُمْكِنُ، بِرَأْيِي، تَوْفِيقُهُ مَعَ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. يَرَى الْمُورِمُونُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ مُتَوَافِقَانِ تَمَامًا. لَكِنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا. لَكِنْ بِأَيِّ حَالٍ، بِمَا أَنَّ كُتُبًا أُخْرَى تَدَّعِي أَنَّهَا كَلِمَةُ اللَّهِ، وَنَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّ ادِّعَاءَاتِهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَنُدْرِكُ أَيْضًا أَنَّ مُجَرَّدَ ادِّعَاءِ كِتَابٍ مَا بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ لَا يُثْبِتُ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيْنَا إِذَنْ بَعْضُ الْمَعَايِيرِ الَّتِي نُمَيِّزُ بِهَا ادِّعَاءً صَحِيحًا بِالْأَصْلِ الْإِلَهِيِّ عَنْ ادِّعَاءٍ كَاذِبٍ أَوْ زَائِفٍ بِالسُّلْطَةِ الْإِلَهِيَّةِ؛ وَتِلْكَ هِيَ مُهِمَّةُ الدِّفَاعِيِّينَ، عِنْدَ فَحْصِ ادِّعَاءَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالْمِصْدَاقِيَّةِ. وَمُجَدَّدًا، مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ كِتَابٍ مَا بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ لَا يَجْعَلُهُ كَلِمَةَ اللَّهِ.
مُجَدَّدًا، يَقُولُ أَصْدِقَائِي الَّذِينَ يُؤَيِّدُونَ الْمَوْثُوقِيَّةَ الذَّاتِيَّةَ: "صَحِيحٌ أَنَّهُ حِينَ يَدَّعِي كِتَابُ الْمُورِمُونِ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، هُوَ لَيْسَ كَلِمَةَ اللَّهِ، وَهَذَا الِادِّعَاءُ كَاذِبٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةَ اللَّهِ. لَكِنْ حِينَ يَدَّعِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، فَهَذَا الِادِّعَاءُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ. وَبِهَذَا نَقَعُ مُجَدَّدًا فِي الْمُشْكِلَةِ الْأُولَى، عِنْدَمَا نَسْلُكُ هَذَا الْمَنْحَى فِي حُجَّتِنَا.
السَّبَبُ الثَّالِثُ - ادِّعَاءَاتٌ أُخْرَى - السَّبَبُ الثَّالِثُ لِعَدَمِ اقْتِنَاعِي بِالْحَقِّ ذَاتِيِّ الْمَوْثُوقِيَّةِ هُوَ أَنَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ نَفْسِهِ، حِينَ يَقُولُ اللَّهُ إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ، وَدُونَ أَنْ يُخْضِعَ نَفْسَهُ لِاخْتِبَارِ عَقْلَانِيَّةٍ أَسْمَى، كَانَ يُقَدِّمُ مَعَ ذَلِكَ بَرَاهِينَ وَأَدِلَّةً عَلَى أَنَّهُ هُوَ مَنْ يَتَكَلَّمُ. وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: فَهُوَ يُبَرْهِنُ عَلَى أَنَّ الرِّسَالَةَ آتِيَةٌ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْمُعْجِزَةِ.
نَعُودُ الْآنَ مُجَدَّدًا إِلَى إِعْلَانِ اللَّهِ عَنْ ذَاتِهِ لِمُوسَى فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ. كَلَّم اللَّهُ مُوسَى مِنَ الْعُلَّيْقَةِ الْمُتَّقِدَةِ، فَطَرَحَ مُوسَى بَعْضَ الْأَسْئِلَةِ، قَائِلًا: "كَيْفَ سَيُصَدِّقُ بَنُو إِسْرَائِيلَ كَلَامِي حِينَ أَذْهَبُ إِلَيْهِمْ قَائِلًا إِنَّنِي تَكَلَّمْتُ مَعَ اللَّهِ، وَهُوَ أَمَرَنِي بِأَنْ أُوصِيَهُمْ بِبَدْءِ إِضْرَابٍ ضِدَّ أَقْوَى حَاكِمٍ فِي الْعَالَمِ؟ سَيَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَيَّ وَيَظُنُّونَ أَنَّنِي مَخْبُولٌ. فَكَيْفَ سَيَعْلَمُونَ أَنَّنِي أَتَكَلَّمُ بِكَلَامِكَ يَا رَبُّ، وَلَسْتُ أُعَبِّرُ عَنْ رَأْيِي الشَّخْصِيِّ؟"
أَجَابَ اللَّهُ مُوسَى قَائِلًا: "أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ"، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ؛ ثُمَّ قَالَ "أَخْرِجْهَا"، وَإِذَا هِيَ بَرْصَاءُ! ثُمَّ قَالَ: "رُدَّ يَدَكَ إِلى عُبِّكَ". فَرَدَّ يَدَهُ إِلى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا وَإِذَا هِيَ طَاهِرَةٌ. مَاذَا فَعَلَ اللَّهُ هُنَا؟ مَنَحَ مُوسَى الْقُدْرَةَ عَلَى صُنْعِ الْمُعْجِزَاتِ. وَقَالَ: "خُذْ عَصَاكَ وَاطْرَحْهَا إلَى الْأَرْضِ". فَطَرَحَهَا إلَى الْأَرْضِ، فَتَحَوَّلَتْ إلَى حَيَّةٍ. ثُمَّ نَعْلَمُ كَيْفَ خَاضَ مُوسَى مَعْرَكَةً مَعَ سَحَرَةِ بَلَاطِ فِرْعَوْنَ، الَّذِينَ مَارَسُوا حِيَلَهُمْ السِّحْرِيَّةَ - مِثْلَمَا يَفْعَلُ السَّحَرَةُ الْيَوْمَ. لَكِنْ بَعْدَ مُوَاجَهَةِ مَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ فَائِقٌ لِلطَّبِيعَةِ بِفَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، نَفَذَتْ جُعْبَتُهُمْ، فَانْتَصَرَ مُوسَى. ثُمَّ لِإِقْنَاعِ فِرْعَوْنَ، نَقْرَأُ عَنْ جَمِيعِ الضَّرَبَاتِ الَّتِي أَلْحَقَتْهَا قُوَّةُ اللَّهِ عَلَى شَعْبِ مِصْرَ، إِلَى أَنْ اسْتَسْلَمَ فِرْعَوْنُ أَخِيرًا.
وَفِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الْتَقَى يَسُوعُ بِنِيقُودِيمُوسَ. جَاءَ إِلَيْهِ نِيقُودِيمُوسُ قَائِلًا: "يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّمًا، بِسَبَبِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْنَعُهَا. وَقَالَ نِيقُودِيمُوسُ: "لِأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ". وَرَبُّنَا نَفْسُهُ، فِي تَرْدِيدٍ لِصَدَى رَأْيِ نِيقُودِيمُوسَ، وَفِي حَدِيثِهِ مَعَ خُصُومِهِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، قَالَ: "وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِكَلَامِي فَآمِنُوا بِالْأَعْمَالِ الَّتِي أَصْنَعُهَا". ثُمَّ نُلَاحِظُ أَيْضًا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الِادِّعَاءَ بِأَنَّ سُلْطَانَ الرُّسُلِ تَأَكَّدَ بِالْقُوَّاتِ وَالْعَجَائِبِ الَّتِي صَنَعُوهَا، مَا مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ أَمْكَنَهُمْ إِدْرَاكُ أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ مِنْ خِلَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ، بِقُوَّةِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ، اسْتَطَاعُوا أَنْ يَصْنَعُوا أُمُورًا لَا يَسْتَطِيعُ سِوَى اللَّهِ أَنْ يَصْنَعَهَا.
دَعُونِي الْآنَ أُكْمِلُ تِلْكَ الْفِكْرَةَ قَلِيلًا. يَظُنُّ كَثِيرُونَ أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تُثْبِتُ وُجُودَ اللَّهِ، لَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ دِفَاعِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُ شَيْءٍ بِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ، أَيْ بِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ سِوَى اللَّهِ أَنْ يَصْنَعَهُ، مَا لَمْ نُثْبِتْ أَوَّلًا وُجُودَ إِلَهٍ. إِذَنْ، لَيْسَ دَوْرُ الْمُعْجِزَاتِ هُوَ إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ. بَلْ كِتَابِيًّا، دَوْرُ الْمُعْجِزَةِ هُوَ التَّوْثِيقُ، أَوْ تَقْدِيمُ أَوْرَاقِ اعْتِمَادٍ ظَاهِرِيَّةٍ، لِلَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ.
سَأَتَجَاوِزُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ حَالِيًّا. وَأَرْجُو أَنْ يُتَاحَ لِي الْوَقْتُ لِتَنَاوُلِهَا قَبْلَ نِهَايَةِ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ. لِأَنَّ إِحْدَى أَكْبَرِ نِقَاطِ الْخِلَافِ الَّتِي عَلَى الْكَنِيسَةِ التَّعَامُلُ مَعَهَا الْيَوْمَ، فِي ضَوْءِ نَقْدِ دَافِيدْ هِيُومْ، مَثَلًا، لِلْمُعْجِزَاتِ، هِيَ الْأَحْدَاثُ الْفَائِقَةُ لِلطَّبِيعَةِ الْمُدَوَّنَةُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. بَدَأَتِ الْفَلْسَفَةُ الطَّبِيعِيَّةُ بِافْتِرَاضِهَا الْمُسْبَقِ لِعَدَمِ وُجُودِ عَالَمٍ فَائِقٍ لِلطَّبِيعَةِ. وَبِمَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ عَالَمٌ فَائِقٌ لِلطَّبِيعَةِ، فَلَا يُوجَدُ إِلَهٌ. وَأَيَّةُ مُعْجِزَةٍ مَزْعُومَةٍ، سَوَاءٌ آنَذَاكَ أَوِ الْآنَ، لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ. وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ حَتْمًا كِتَابٌ خُرَافِيٌّ، تَحْدِيدًا لِأَنَّهُ يُعْلِنُ وُجُودَ الْمُعْجِزَاتِ. وَبِالتَّالِي، فَبِحَسْبِ الْمُؤَيِّدِ الْعَصْرِيِّ لِلْمَذْهَبِ الطَّبِيعِيِّ، الْأَمْرُ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْ كَوْنِ الْمُعْجِزَاتِ تُثْبِتُ مِصْدَاقِيَّةَ الْمَسِيحِيَّةِ، بَلْ مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ وُجُودِ مُعْجِزَةٍ تَسَبَّبَ فِي رَفْضِ الْكَثِيرِينَ فِي الْعُصُورِ الْحَدِيثَةِ لِرِسَالَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. مِنَ اللَّافِتِ - بَلْ وَمِنَ الْمُفَارَقَةِ - أَنْ نُلَاحِظَ هَذَا التَّحَوُّلَ فِي دَوْرِ الْمُعْجِزَةِ. سَأُعَاوِدُ التَّطَرُّقَ إِلَى ذَلِكَ لَاحِقًا، كَمَا ذَكَرْتُ.
لَكِنَّنِي أُحَاوِلُ الْآنَ أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ سَبَبَ اعْتِرَاضِي عَلَى اعْتِبَارِ التَّوْثِيقِ الذَّاتِيِّ وَسِيلَةً لِلدِّفَاعِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَقَدَّمْتُ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ لِذَلِكَ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، أُوَافِقُ عَلَى الْأَهَمِّيَّةِ الْمُلِحَّةِ لِإِثْبَاتِ جَدَارَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالثِّقَةِ، فِي مَرْحَلَةٍ مُبَكِّرَةٍ مِنْ عَمَلِيَّةِ الدِّفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَأَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ نَحْنُ مُلْزَمُونَ بِالدِّفَاعِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ - أَهَمَّ أَمْرَيْنِ - هُمَا وُجُودُ اللَّهِ أَوَّلًا؛ وَثَانِيًا، الْأَصْلُ الْإِلَهِيُّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَيَقَعُ ثَمَانٍ وَتِسْعُونَ بِالْمَائَةِ مِنْ عِبْءِ الدِّفَاعِيَّاتِ عَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
حَتَّى الْآنَ فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ، قَدَّمْنَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مُحَاضَرَةً حَاوَلْنَا فِيهَا إِثْبَاتَ الْفَرْضِيَّةِ الْأُولَى - أَيْ وُجُودَ اللَّهِ. وَالْآنَ، سَنَنْتَقِلُ إِلَى الْفَرْضِيَّةِ الثَّانِيَةِ الْأَهَمِّ، وَهِيَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ.
نُقْطَةُ الِانْطِلَاقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ شَهَادَةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَنْ نَفْسِهِ. لَنْ أَتَرَاجَعَ نَحْوَ تَأْيِيدِ التَّوْثِيقِ الذَّاتِيِّ، لَكِنَّ إِحْدَى الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي نُوَاجِهُهَا مَعَ مَفْهُومِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَوَحْيِهِ هُوَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ. يَرْفَعُ هَذَا فَجْأَةً مِنَ الْمِعْيَارِ الدِّفَاعِيِّ لِادِّعَاءَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ، لِأَنَّهُ تُوجَدُ ادِّعَاءَاتٌ أُخْرَى فَائِقَةٌ لِلطَّبِيعَةِ - مِثْلَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ الْأُقْنُومُ الثَّانِي فِي الثَّالُوثِ الَّذِي تَجَسَّدَ. هَذَا ادِّعَاءٌ مُذْهِلٌ عَنْ حَقٍّ فَائِقٍ لِلطَّبِيعَةِ. لِنَنْظُرْ أَيْضًا إِلَى الِادِّعَاءِ الْأَسَاسِيِّ لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَهُوَ أَنَّنَا، عَلَى الصَّلِيبِ، لَا نَشْهَدُ مَوْتَ مُجْرِمٍ مُدَانٍ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَيْدِي الرُّومَانِ، بَلْ نَشْهَدُ حَدَثًا لَهُ دَلَالَةٌ كَوْنِيَّةٌ، أَيْ كَفَّارَةً كَانَ الْغَرَضُ مِنْهَا هُوَ مُصَالَحَةَ الْمَخْلُوقَاتِ السَّاقِطَةِ إِلَى إِلَهٍ عَادِلٍ وَقُدُّوسٍ. هَذَا هُوَ مَفْهُومُ وَتَفْسِيرُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لِمَوْتِ يَسُوعَ. وَفِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَقْرَأُ التَّصْرِيحَ الْمُذْهِلَ بِأَنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صُلِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْعَظِيمَةِ، خَرَجَ مِنَ الْقَبْرِ ثَانِيَةً، وَقَامَ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ مِحْوَرُ الْإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ - أَيِ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ صَعِدَ بِالْجَسَدِ إِلَى السَّمَاءِ، إِلَى آخِرِهِ. هَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ فَائِقَةٌ لِلطَّبِيعَةِ تُشَكِّلُ جَوْهَرَ رِسَالَةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنِ الْمَسِيحِ. يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، رِسَالَةُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ مَغْرُوسَةٌ فِيمَا هُوَ فَائِقٌ لِلطَّبِيعَةِ. وَيَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّهُ يُقَدِّمُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ بِسُلْطَةٍ لَا تَقِلُّ عَنْ سُلْطَةِ اللَّهِ ذَاتِهِ.
لَنَفْتَرِضْ أَنَّ ادِّعَاءَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّهُ مُوحًى بِهِ، أَيْ بِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ، وَبِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ انْطِلَاقًا مِنْ أَفْكَارِهِمْ الْبَشَرِيَّةِ، بَلْ تَكَلَّمُوا بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ، بِحَيْثُ أَمْكَنَهُمْ الْقَوْلُ: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ". لِنَفْتَرِضْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. فَهَلْ يُمْكِنُ، مَنْطِقِيًّا، أَنْ يَكُونَ بَاقِي الْمُحْتَوَى صَحِيحًا؟ نَعَمْ. أَسْتَطِيعُ الْقَوْلَ إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا شُهُودَ عِيَانٍ عَلَى يَسُوعَ أَصَابُوا فِي تَفْسِيرِهِمْ لِكَوْنِهِ مَاتَ كَفَّارَةً، وَلِكَوْنِهِمْ رَأَوْهُ يَخْرُجُ مِنَ الْقَبْرِ حَيًّا. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَاعٍ أَنْ يُوحَى لَهُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ حَتَّى يُمَيِّزُوا الْقِيَامَةَ، إِنْ شَهِدُوهَا بِالْفِعْلِ. وَإِذَا كَانُوا وَاقِفِينَ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَعَايَنُوا صُعُودَ يَسُوعَ بِشَكْلٍ مَنْظُورٍ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا دَاعِيَ لِوُجُودِ شَاهِدٍ مُوحًى لَهُ بِالرُّوحِ الْقُدْسِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ صَحِيحًا. لَكِنْ مُجَدَّدًا، تَذَكَّرُوا أَنَّ تِلْكَ أَحْدَاثٌ فَائِقَةٌ لِلطَّبِيعَةِ بِشَكْلٍ مُذْهِلٍ، دُوِّنَتْ مَكْتُوبَةً. وَإِذَا كَانَ مَصْدَرُنَا الرَّئِيسِيُّ، وَشُهُودُنَا الرَّئِيسِيُّونَ عَلَى هَذِهِ الْأَحْدَاثِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ وَالْفَائِقَةِ، مُخْطِئِينَ بِشَأْنِ سُلْطَانِهِمْ، يُثِيرُ ذَلِكَ شَكًّا كَبِيرًا فِي صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ.
فَإِذَا جِئْتُ إِلَيْكُمُ الْيَوْمَ قَائِلًا: "كُنْتُ فِي الْمَقَابِرِ لِتَوِّيَ، وَرَأَيْتُ شَخْصًا يَخْرُجُ مِنَ الْقَبْرِ"، سَتُوَاجِهُونَ صُعُوبَةً فِي نَسْبِ مِصْدَاقِيَّةٍ إِلَى كَلَامِي. ثُمَّ قُلْتُ: "لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تُصَدِّقُونِي لِأَنَّ كَلَامِي مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ نَفْسِهِ". ثُمَّ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ تَقْرِيرِي مَلِيءٌ بِشَتَّى أَنْوَاعِ التَّنَاقُضَاتِ، فَاسْتَنْتَجْتُمْ أَنَّ التَّفَاصِيلَ تُبَيِّنُ أَنَّنِي لَسْتُ شَاهِدًا مَعْصُومًا مِنَ الْخَطَأِ؛ فَهَلْ يَدْحَضُ ذَلِكَ تِلْقَائِيًّا الِادِّعَاءَ الْأَسَاسِيَّ الَّذِي أَدْلَيْتُ بِهِ؟ كَلَّا، لَكِنَّهُ قَدْ يُبَيِّنُ حَتْمًا أَنَّنِي لَسْتُ شَاهِدًا جَدِيرًا بِالثِّقَةِ يُمْكِنُ أَنْ تَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ لِبَقِيَّةِ أَيَّامِ حَيَاتِكُمْ. فَسَتَرْغَبُونَ فِي دَلِيلٍ أَفْضَلَ، عَلَى مَا أَرْجُو، مِنَ الَّذِي يُقَدِّمُهُ شَخْصٌ يَجُولُ مُدَّعِيًا أَنَّ لَدَيْهِ سُلْطَانًا لَا يَتَمَتَّعُ بِهِ حَقًّا.
إِذَنْ، مُجَدَّدًا أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مُجَرَّدَ ادِّعَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّهُ مُوحًى بِهِ، بِرَأْيِي، لَا يَجْعَلُهُ مُوحًى بِهِ، لَكِنَّهُ يَرْفَعُ مِنْ سَقْفِ الْمَعَايِيرِ، وَيُضْفِي أَهَمِّيَّةً أَكْبَرَ عَلَى مُحْتَوَاهُ. وَبِالتَّالِي، عَلَيْنَا فَحْصُ أَيِّ ادِّعَاءٍ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي ضَوْءِ ادِّعَائِهِ بِأَنَّهُ مُوحًى بِهِ، عِنْدَ تَقْدِيمِنَا دِفَاعًا عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.