المحاضرة 25: سَيْكُولُوجِيَّةُ الإِلَحْادِ

يطلب الملحدون باستمرار أجوبة على الأسئلة المتعلقة بوجود الله. لماذا؟ هل لم تتم الإجابة على جميع أسئلة الملحد؟ في الواقع، لديهم كل الإجابات التي يحتاجونها، ويفهمونها. إذن، إن كان هناك إله، فلماذا يوجد ملحدين؟ في محاضرة "سيكولوجية الإلحاد"، يوضح د. سبرول أنه ليس هناك نقص في المعلومات تمنع الملحد من الإيمان، بل شيء آخر.

فِي الْمُحَاضَرَةِ السَّابِقَةِ، رَأَيْنَا كَيْفَ أَنَّ مُلْحِدِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، فِي سَعْيِهِمْ لِفَهْمِ سَبَبِ كَوْنِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ مُتَدَيِّنًا عَلَى نَحْوٍ لَا شِفَاءَ مِنْهُ، ابْتَكَرُوا نَظَرِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً تُفِيدُ بِأَنَّ الدِّينَ هُوَ نِتَاجُ الْخَيَالِ الْإِبْدَاعِيِّ لِلْبَشَرِ، الَّذِينَ بِبَسَاطَةٍ لَا يَتَحَلَّوْنَ بِالشَّجَاعَةِ الْأَدَبِيَّةِ لِمُوَاجَهَةِ الْوَاقِعِ الْمُؤْلِمِ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ. فَثَمَّةَ دَافِعٌ نَفْسِيٌّ، وَاحْتِيَاجٌ نَفْسِيٌّ. وَبِسَبَبِهِمَا، وَلِلْهُرُوبِ مِنَ الْوَاقِعِ الْمَرِيرِ، يُصِيغُ الْبَشَرُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلِأَجْلِ رَاحَتِهِمْ، فِكْرَةَ وُجُودِ إِلَهٍ يَرْجُونَ أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنِ انْعِدَامِ الْمَعْنَى.

ذَكَرْتُ فِي بِدَايَةِ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ أَنَّنِي اعْتَدْتُ تَقْدِيمَ مُقَرَّرٍ عَنِ الْإِلْحَادِ، وَكُنْتُ أُطَالِبُ طُلَّابِي بِالْجَامِعَةِ بِقِرَاءَةِ الْمَصَادِرِ الْأَوَّلِيَّةِ لِلْمُلْحِدِينَ. وَأَثْنَاءَ تَحْلِيلِنَا لَهَا، تَنَاوَلْنَا الْأَنْمَاطَ الْمَعْرِفِيَّةَ الَّتِي اسْتَكْشَفْنَاهَا، أَيِ الْمَسَائِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالسَّبَبِيَّةِ، وَالْعَقْلَانِيَّةِ، وَغَيْرِهَا. لَكِنْ أَيْضًا، إِذَا كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ الْمُحَاضَرَاتِ الْأُولَى، أَشَرْتُ إِلَى أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ تَقْرِيبًا، تَطَرَّقَ نُقَّادُ الْإِيمَانِ بِوُجُودِ اللَّهِ إِلَى الْمَبْدَأِ الْقَائِلِ إِنَّ الدَّافِعَ الْحَقِيقِيَّ وَرَاءَ الْإِيمَانِ بِوُجُودِ اللَّهِ يَكْمُنُ فِي سَيْكُولُوجِيَّةِ الْإِنْسَانِ. وَلِهَذَا السَّبَبِ، مُنْذُ سَنَوَاتٍ عِدَّةٍ، اضْطَلَعْتُ بِتَأْلِيفِ كِتَابٍ لِلْعِلْمَانِيِّينَ، لِأُقَدِّمَ مُقَدِّمَةً مُخْتَصَرَةً عَنْ بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ الشُّكُوكِيِّينَ، وَأُبَيِّنَ رَدَّ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَلَيْهِمْ. كَانَ الْعُنْوَانُ الْأَصْلِيُّ لِهَذَا الْكِتَابِ هُوَ "سَيْكُولُوجِيَّةُ الْإِلْحَادِ". وَعُنْوَانُهُ الْحَالِيُّ هُوَ: "إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِلَهٌ، فَلِمَ يُوجَدُ مُلْحِدُونَ؟"

بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، اسْتَخْدَمْتُ الْمَبْدَأَ الَّذِي تَحَدَّثْنَا عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ السَّابِقَةِ، حَيْثُ قَالَ الشُّكُوكِيُّونَ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ: "إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلَهٌ، فَلِمَ يُوجَدُ مُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ إلَهٍ؟" وَكَانَتِ الْإِجَابَةُ هِيَ "الِاحْتِيَاجُ النَّفْسِيُّ". وَلِذَا سَأَلْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ: "إِنْ كَانَ هُنَاكَ إِلَهٌ، فَلِمَ يُوجَدُ مَنْ يُنْكِرُونَ وُجُودَهُ؟" وَهَكَذَا. وَفِي بِدَايَةِ الْكِتَابِ، تَحَدَّثْتُ عَنْ سَبَبِ اخْتِلَافِ الْمُفَكِّرِينَ الْعُظَمَاءِ فِي الرَّأْيِ - سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. فَالْبَعْضُ مِنْ أَبْرَزِ الْمُفَكِّرِينَ فِي كُلِّ التَّارِيخِ تَبَنَّوْا أَحَدَ طَرَفَيْ النَّقِيضِ. وَمَعَ أَنَّنِي أَخْتَلِفُ جَذْرِيًّا مَعَ جَانْ بُولْ سَارْتْرْ فِي مَفْهُومِهِ عَنِ الْوَاقِعِ، لَسْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ غَبِيٌّ. كَانَ جَانْ بُولْ سَارْتْرْ وَاحِدًا مِنْ أَكْثَرِ الْمُفَكِّرِينَ فِطْنَةً وَجَاذِبِيَّةً وَذَكَاءً فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. وَبِالطَّبْعِ، كَانَ جُونْ سْتِيوَارْتْ مِيلْ أَيْضًا عِمْلَاقًا مِنْ حَيْثُ إِمْكَانِيَّاتُهُ الْفِكْرِيَّةُ. فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ كَانَ اسْتِثْنَائِيًّا، مِثْلَهُ مِثْلَ كَانْطْ، وَهِيُومْ، وَفُوِيرْبَاخْ، وَغَيْرِهِمْ، وَمِثْلَ نِيتْشَهْ. لَكِنْ فِي الْمُقَابِلِ، يُوجَدُ أُنَاسٌ مِثْلُ الْأَكْوِينِيِّ، وَأُوغُسْطِينُوسَ، وَأَنْسِلْمْ، وَعَمَالِقَةِ التَّارِيخِ الَّذِينَ دَافَعُوا عَنِ الْحُجَجِ الْمُؤَيِّدَةِ لِوُجُودِ اللَّهِ. إِذَنْ، لَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ فَقَطْ بِالتَّفَوُّقِ الْفِكْرِيِّ. وَقَدْ يَكُونُ الاخْتِلَافُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ هُوَ عَدَمُ اكْتِمَالِ الْبَرَاهِينِ لَدَى فَرِيقٍ أَوِ الْآخَرِ، أَوْ ارْتِكَابُ أَحَدِهِمْ أَخْطَاءً مَنْطِقِيَّةً. نَعْلَمُ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِأُنَاسٍ أَذْكِيَاءَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الرَّأْيِ بِسَبَبِ أَخْطَاءٍ مَعْرِفِيَّةٍ مُتَنَوِّعَةٍ. لَكِنَّنِي قُلْتُ هَذَا: "أَحَدُ الْعَوَامِلِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَهَا هَذَا الْجَدَلُ بِرُمَّتِهِ هُوَ الْعَامِلُ النَّفْسِيُّ. دَعُونَا نَتَّفِقُ إِذَنْ مِنَ الْآنَ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ وُجُودِ اللَّهِ مُحَمَّلَةٌ بِعَوَامِلَ نَفْسِيَّةٍ".

ذَهَبْتُ إِلَى مُبَارَاةِ كُرَةِ قَدَمٍ بِالْأَمْسِ، وَكُنْتُ جَالِسًا بِجِوَارِ رَجُلٍ كَانَ يَزْدَادُ اسْتِيَاءً مِنْ قَرَارَاتِ الحَكَمِ، لِأَنَّهُ شَعَرَ بِأَنَّ الْحَكَمَ مُنْحَازٌ إِلَى الْفَرِيقِ الْخَصْمِ. وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُبَارَاةِ، فَقُلْتُ: "سَبَقَ أَنْ كُنْتُ حَكَمًا فِي مُبَارَيَاتٍ لِكُرَةِ السَّلَّةِ وَأَنَا فِي كُلِّيَّةِ اللَّاهُوتِ، وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِأَنَّنِي حِينَ كُنْتُ أَحْكُمُ فِي مُبَارَيَاتِ كُرَةِ السَّلَّةِ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ، وَيَكُونُ الْمَكَانُ مُكْتَظًّا بِالْحُضُورِ، كُنْتُ أُدْرِكُ أَنَّ شَخْصَيْنِ فَقَطْ فِي الْمَكَانِ لَا يَهُمُّهُمَا مَنْ سَيَرْبَحُ الْمُبَارَاةَ، أَنَا وَالْحَكَمُ الْآخَرُ". وَقُلْتُ: "لَمْ يَكُنْ لَدَيْنَا أَيُّ تَحَيُّزٍ. لَكِنَّ الْحَاضِرِينَ مُتَحَيِّزُونَ. وَهُمْ يُشَاهِدُونَ الْمُبَارَاةَ مِنْ هَذَا الْمَنْظُورِ، وَيَسْتَبِقُونَ الْأُمُورَ، فَيَظُنُّونَ أَنَّ أَحَدَهُمْ سَيَرْتَكِبُ مُخَالَفَةً بِحَقِّ الْآخَرِ. وَحَتَّى إِنْ لَمْ يَمَسَّهُ، سَيَرَوْنَ الْمُخَالَفَةَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَيَرْغَبُونَ أَنْ يَعْرِفُوا سَبَبَ عَدَمِ إِطْلَاقِي الصَّافِرَةَ". فَنَحْنُ نَعْلَمُ، وَنَخْتَبِرُ جَمِيعًا، حِينَ نُشَجِّعُ فِرَقَنَا الْمُفَضَّلَةَ فِي الرِّيَاضَةِ وَغَيْرِهَا، أَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَى النَّظَرِ إِلَى الْبَرَاهِينِ مِنْ خِلَالِ عَدَسَةِ تَحَيُّزِنَا.

وَيَجِبُ أَنْ أَقُولَ أَمَامَ الْعَالَمِ كُلِّهِ إِنَّ كُلَّ عَظْمَةٍ فِي جَسَدِي تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إِلَهٌ. فَلَا يُمْكِنُنِي تَحَمُّلُ فِكْرَةِ أَنْ تَكُونَ حَيَاتِي عَاطِفَةً عَدِيمَةَ الْجَدْوَى. وَلِذَا، عَلَيَّ الِاعْتِرَافُ لَيْسَ فَقَطْ بِأَنَّ لَدَيَّ تِلْكَ الرَّغْبَةَ، لَكِنَّنِي أَتَّفِقُ أَيْضًا مَعَ الشُّكُوكِيِّينَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ لِلنَّاسِ أَنْ يَبْنُوا نُظُمًا فَلْسَفِيَّةً عَلَى رَغَبَاتِهِمْ، وَأَحْكَامِهِمْ الْمُسْبَقَةِ، وَتَحَيُّزَاتِهِمْ، وَأَنْ يَسْمَحُوا لِذَلِكَ بِالتَّشْوِيشِ عَلَى فِكْرِهِمْ. لَكِنْ أَوَدُّ الْقَوْلَ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُ حَقِيقَةِ وُجُودِ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى مَا أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. وَأَتَّفِقُ مَعَ نُقَّادٍ كَانِطْ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَنَّ الْحَيَاةَ سَتَكُونُ بِلَا مَعْنًى دُونَ اللَّهِ لَيْسَ أَسَاسًا كَافِيًا لِتَأْيِيدِ وُجُودِ اللَّهِ. فَذَلِكَ يُعَبِّرُ فَقَطْ عَنْ ذَاتِيَّتِنَا وَرَغَبَاتِنَا، وَلَا يُثْبِتُ وُجُودَ اللَّهِ بِأَيِّ حَالٍ.

لَكِنْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَرَى أَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَفْهَمَهَا هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَخُوضُ فِي جِدَالٍ حَوْلَ وُجُودِ اللَّهِ يُوَاجِهُ الْعَوَامِلَ النَّفْسِيَّةَ نَفْسَهَا، لِأَنَّ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ اللَّهِ يُحَقِّقُونَ مَصَالِحَ كَبِيرَةً مِنْ إِنْكَارِ وُجُودِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَائِقُ الْأَكْبَرُ فِي الْكَوْنِ أَمَامَ اسْتِقْلَالِي. فَإِذَا أَرَدْتُ حَقًّا أَنْ أَفْعَلَ مَا يَحْلُو لِي، دُونَ مُوَاجَهَةِ عُقُوبَةٍ، أَعْلَمُ أَنَّ أَكْبَرَ عَائِقٍ أَمَامَ ذَلِكَ هُوَ وُجُودُ إِلَهٍ سَرْمَدِيٍّ وَبَارٍّ وَأيضًا عَادِلٍ. وَإِذَا كُنْتُ قَدْ أَخْطَأْتُ قَبْلًا، وَلَمْ أَتُبْ عَنْ خَطِيَّتِي، أَعْلَمُ أَنَّ أَسْوَأَ مَا سَيُصِيبُنِي هُوَ الْوُقُوعُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ الْحَيِّ. وَلِذَا، الْإِنْكَارُ أَمْرٌ نَفْسِيٌّ. فَإِنَّنِي سَأَفْعَلُ كُلَّ مَا بِوِسْعِي لِإِنْكَارِ ذَنْبِي وَمَسْؤُولِيَّتِي، وَلَوْ إِلَى حَدِّ إِنْكَارِ أَنَّنِي سَأُحَاسَبُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ حَيَاتِي.

مُجَدَّدًا، دَعُونِي أَقُولُ إِنَّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ نَفْسِيٌّ فِي تَأْيِيدِ وُجُودِ اللَّهِ، فَهَذَا لَا يُثْبِتُ وُجُودَ اللَّهِ. وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ عَامِلٌ نَفْسِيٌّ فِي دَحْضِ وُجُودِ اللَّهِ، فَهَذَا لَا يَدْحَضُ وُجُودَهُ. فَفِي النِّهَايَةِ، عَلَى الْحُجَجِ الْمُؤَيِّدَةِ لِوُجُودِ اللَّهِ أَنْ تُبْنَى عَلَى أَسَاسٍ مَوْضُوعِيٍّ، وَلَيْسَ عَلَى التَّفْضِيلِ الشَّخْصِيِّ. وَهَذَا مَا حَاوَلْتُ أَنْ أُبَيِّنَهُ طَوَالَ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ. لَكِنَّنِي اغْتَنَمْتُ الْفُرْصَةَ لِلرَّدِّ عَلَى الِاتِّهَامِ الْقَائِلِ إِنَّ السَّبَبَ الْوَحِيدَ الَّذِي لِأَجْلِهِ يُؤْمِنُ النَّاسُ بِاللَّهِ هُوَ تَلْبِيَةُ رَغَبَاتِهِمْ النَّفْسِيَّةِ، أَوْ الْإِسْقَاطُ النَّفْسِيُّ. وَأُوَضِّحُ أَنَّهُ يُوجَدُ قَدْرٌ مِنَ الضَّغْطِ النَّفْسِيِّ، أَوْ الرَّغْبَةِ، لَدَى الْمُلْحِدِ أَنْ يُنْكِرَ وُجُودَ اللَّهِ، وَلَدَى الْمُؤْمِنِ بِوُجُودِ اللَّهِ أَنْ يُؤَيِّدَ وُجُودَ اللَّهِ، حَتَّى تَكُونَ الْأُمُورُ وَاضِحَةً. وَالْعَهْدُ الْجَدِيدُ يَتَطَرَّقُ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ فِي عِدَّةِ مَقَاطِعَ. فَمَثَلًا، يَقُولُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ إِنَّ الْإِنْسَانَ السَّاقِطَ - أَيِ الْإِنْسَانَ فِي فَسَادِهِ - لَا يُرِيدُ إِبْقَاءَ اللَّهِ فِي مَعْرِفَتِهِ. وَإِنَّ طَبِيعَتَنَا كَبَشَرٍ فَانِينْ هِيَ أَنَّ لَنَا ذِهْنًا مَرْفُوضًا، وَذِهْنًا صَارَ مُظْلِمًا بِفِعْلِ الْأَحْكَامِ الْمُسْبَقَةِ، حَتَّى إِنَّنَا لَا نُرِيدُ فَتْحَ أَيَّةِ نَافِذَةٍ لِنَسْمَحَ لِأَشِعَّةِ إِعْلَانِ اللَّهِ عَنْ ذَاتِهِ بِاخْتِرَاقِ أَذْهَانِنَا، لِأَنَّنَا نُدْرِكُ مَا هُوَ عَلَى الْمِحَكِّ، وَأَنَّنَا سَنَقَعُ فِي مَأْزِقٍ إِذَا سَمَحْنَا لِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ بِالدُّخُولِ.

تَوَسَّعَ بُولُسُ فِي ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى كَنِيسَةِ رُومِيَةَ. وَفِي كِتَابِي، خَصَّصْتُ فَصْلًا كَامِلًا لِشَرْحِ رُومِيَةَ الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ. لَنْ أَخُوضَ فِي كُلِّ التَّفَاصِيلِ هُنَا، بَلْ سَأُقَدِّمُ فَقَطْ نَظْرَةً عَامَّةً، وَأُذَكِّرُكُمْ أَنَّهُ فِي بِدَايَةِ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ، تَعَلَّمْنَا أَنَّهُ فِي رُومِيَةَ الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ، قَالَ الرَّسُولُ بُولُسُ إِنَّ أُمُورَ اللَّهِ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ يُمْكِنُ أَنْ تُدْرَكَ بِوَاسِطَةِ الْكَوْنِ الْمَخْلُوقِ. وَأُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّنِي أَخْبَرْتُكُمْ بِوُجُودِ تَعَارُضٍ بَيْنَ شُكُوكِيَّةِ إِيمَانُوِيلْ كَانْطْ وَاعْتِقَادِهِ اللَّا أَدْرِيِّ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَبَيْنَ التَّصْرِيحَاتِ الَّتِي أَدْلَى بِهَا الرَّسُولُ بُولُسُ فِي كِتَابَاتِهِ، حَيْثُ قَالَ إِنَّنَا لَسْنَا فَقَطْ نَسْتَطِيعُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ الطَّبِيعَةِ، بَلْ فِي الْوَاقِعِ، نَحْنُ نَعْرِفُ اللَّهَ بِالْفِعْلِ بِوَاسِطَةِ الطَّبِيعَةِ.

مَا يَقُولُهُ بُولُسُ هُنَا بِالْفِعْلِ - رُبَّمَا يُزْعِجُكَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنًا بِوُجُودِ اللَّهِ، لَكِنْ عَلَى الْأَقَلِّ اسْمَعْنِي. يُمْكِنُكَ أَنْ تَخْتَلِفَ مَعَ بُولُسَ فِي الرَّأْيِ إِذَا شِئْتَ - لَسْتُ أَظُنُّ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ دُونَ عَوَاقِبَ - فَأَنْتَ لَنْ تُقَدِّمَ حِسَابًا لِي. لَكِنْ، يَقُولُ الرَّسُولُ هُنَا إِنَّ، فِي النِّهَايَةِ، مُشْكِلَتَكَ مَعَ وُجُودِ اللَّهِ لَيْسَتْ فِكْرِيَّةً، وَلَيْسَ سَبَبُهَا عَدَمَ تَوَافُرِ مَعْلُومَاتٍ كَافِيَةٍ، أَوْ عَدَمَ وُضُوحِ إِعْلَانِ اللَّهِ عَنْ ذَاتِهِ. فَمُشْكِلَتُكَ لَيْسَتْ فِكْرِيَّةً، بَلْ أَخْلَاقِيَّةٌ. لَيْسَتْ مُشْكِلَتُكَ هِيَ عَجْزُكَ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، بَلْ مُشْكِلَتُكَ هِيَ أَنَّكَ لَا تُرِيدُ اللَّهَ. هَذَا هُوَ الِاتِّهَامُ الَّذِي وَجَّهَهُ الرَّسُولُ، وَالَّذِي عَرَضَهُ فِي الْأَصْحَاحِ الْأَوَّلِ مِنَ الرِّسَالَةِ إِلَى رُومِيَةَ، حَيْثُ قَالَ فِي رُومِيَةَ 1: 18، "لِأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمْ".

دَعُونِي أُعَلِّقُ عَلَى ذَلِكَ سَرِيعًا. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى تُزْعِجُ الْكَثِيرِينَ. فَآخِرُ شَيْءٍ يُرِيدُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لَيْسَ فَقَطْ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ، لَكِنَّهُمْ قَطْعًا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِوُجُودِ إِلَهٍ غَاضِبٍ. فَالْكَثِيرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِوُجُودِ اللَّهِ يَعْتَرِفُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ، لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّ الْإِلَهَ الَّذِي يَعْتَرِفُونَ بِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَغْضَبَ. وَالْكَلِمَةُ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا بُولُسُ هُنَا قَوِيَّةٌ، وَهِيَ كَلِمَةُ "orge"، الَّتِي جَاءَتْ مِنْهَا الْكَلِمَةُ الْإِنْجِلِيزِيَّةُ "orgy"، وَمَعْنَاهَا "هِيَاجٌ عَاطِفِيٌّ عَنِيفٌ". يَقُولُ بُولُسُ هُنَا إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ فَقَطْ غَاضِبًا، لَكِنَّهُ مُسْتَشِيطٌ.

لَاحِظُوا أَنَّ سَبَبَ غَضَبِهِ الْمُعْلَنِ هُنَا لَيْسَ أَنَّ اللَّهَ غَاضِبٌ عَلَى أَبْرَارٍ، أَوْ غَاضِبٌ عَلَى أَبْرِيَاءَ، بَلْ إِنَّ غَضَبَهُ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مَاذَا؟ عَلَى الْفُجُورِ وَالْإِثْمِ. تُوجَدُ فِي هَذَا النَّصِّ صِيَاغَةٌ لُغَوِيَّةٌ تُسَمَّى بِالْإِسْهَابِ، حَيْثُ تُسْتَخْدَمُ كَلِمَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بِالْمَعْنَى نَفْسِهِ. يَقُولُ الرَّسُولُ إِنَّهُ تُوجَدُ خَطِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَشْعَلَتْ غَضَبَ اللَّهِ، وَتِلْكَ الْخَطِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ تُوصَفُ بِأَنَّهَا إِثْمٌ وَفُجُورٌ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَمَا هِيَ الْخَطِيَّةُ؟ عَرَّفَهَا قَائِلًا: "جَمِيعُ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمُهُمْ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالْإِثْمِ". يَصِفُ بُولُسُ هُنَا حَجْزًا أَوْ كَبْحًا شِرِّيرًا لِلْحَقِّ. وَالْفِعْلُ "يَحْجِزُونَ" هُوَ أَحَدُ التَّرْجَمَاتِ. فَصِيغَةُ الْفِعْلِ فِي الْيُونَانِيَّةِ تَأْتِي مِنْ الْجَذْرِ "katakein". لَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ. كَلِمَةُ "katakein" تُتَرْجَمُ إِلَى "يَضْغَطُ عَلَى، يَخْنُقُ، يُعِيقُ، يَكْبِتُ، يَقْمَعُ". فَمَا يُثِيرُ غَضَبَ اللَّهِ هُوَ أَنَّهُ أَعْطَى الْبَشَرَ مَعْرِفَةً لَيْسَتْ غَامِضَةً أَوْ مُبْهَمَةً. فَالْكَلِمَةُ هُنَا هِيَ "phaneros" - وَالْكَلِمَةُ اللَّاتِينِيَّةُ هِيَ "manifestum". فَاللَّهُ أَعْلَنَ عَنْ ذَاتِهِ بِوُضُوحٍ شَدِيدٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ. كَانَ تَأْكِيدُ بُولُسَ جَذْرِيًّا، إِذَا قَالَ إِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مَوْجُودٌ - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ - يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ، لِأَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ ذَاتَهُ لَكُمْ بِوَاسِطَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خَلَقَهَا، وَأَظْهَرَ ذَاتَهُ لَكُمْ بِوُضُوحٍ وَجَلَاءٍ. لَكِنْ مَا يَفْعَلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالطَّبِيعَةِ هُوَ أَنَّنَا نَقْمَعُ ذَلِكَ، وَنُقَاوِمُهُ، لِدَرَجَةِ أَنَّنَا نَأْخُذُ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَنَدْفِنُهَا. فَإِنَّنَا نَحْجِزُهَا أَوْ نَكْبِتُهَا.

وَإِذَا أَرَدْنَا التَّحَدُّثَ بِلُغَةِ عِلْمِ النَّفْسِ، سَنُتَرْجِمُ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَصِفُهَا بُولُسُ بِمُفْرَدَاتِ عِلْمِ النَّفْسِ الْحَدِيثَةِ. فَمَا نَوْعُ الْمَعْرِفَةِ، بِحَسْبِ عُلَمَاءِ النَّفْسِ وَالْأَطِبَّاءِ النَّفْسِيِّينَ، الَّتِي نَقْمَعُهَا أَوْ نَكْبِتُهَا نَحْنُ الْبَشَرَ بِالطَّبِيعَةِ؟ أَهِيَ الْأَفْكَارُ السَّعِيدَةُ؟ كَلَّا، بَلِ "الصُّوَرُ أَوْ الذِّكْرَيَاتُ مِنْ خِبْرَاتِنَا الْمُؤْلِمَةِ وَالْمُوجِعَةِ". وَلِذَلِكَ، إِذَا ذَهَبْتَ لِزِيَارَةِ طَبِيبِكِ النَّفْسِيِّ لِأَنَّكَ تُعَانِي قَلَقًا غَيْرَ مُبَرَّرٍ، أَوْ خَوْفًا مُزْعِجًا، أَوْ كُنْتَ مُنْزَعِجًا مِنْ أَمْرٍ مَا وَلَا تَعْرِفُ السَّبَبَ، سَتَطْلُبُ مِنَ الطَّبِيبِ النَّفْسِيِّ أَنْ يَكْتَشِفَ الْمُشْكِلَةَ. وَرُبَّمَا يُخْضِعُكَ لِاخْتِبَارِ الشَّخْصِيَّةِ، وَيَسْأَلُكَ عَنْ أَحْلَامِكَ. وَقَدْ يَسْتَخْدِمُ رُمُوزًا، وَيَطْرَحُ عَلَيْكَ أَسْئِلَةً، مَثَلًا، عَنْ عَلَاقَتِكَ بِوَالِدَيْكَ، وَيَسْأَلُكَ: "كَيْفَ كَانَتْ عَلَاقَتُكَ بِأُمِّكَ؟" فَتُجِيبُ الطَّبِيبَ النَّفْسِيَّ قَائِلًا: "أُمِّي؟ كَانَتْ عَلَاقَتِي بِأُمِّي رَائِعَةً، وَكُنَّا عَلَى وِفَاقٍ شَدِيدٍ. أَعْتَقِدُ أَنَّ أُمِّي هِيَ أَرْوَعُ شَخْصٍ فِي الْعَالَمِ. لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ أُمِّي؟" لَنْ يَكْتَفِيَ الطَّبِيبُ النَّفْسِيُّ بِالْإِصْغَاءِ إِلَى كَلِمَاتِكَ، لَكِنَّهُ سَيُعِيرُ اهْتِمَامًا كَبِيرًا لِلرِّسَالَةِ غَيْرِ الشَّفَهِيَّةِ الَّتِي تُوصِلُهَا، لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنَا إِذَا دَفَنَّا ذِكْرًى مُؤْلِمَةً، فَهَذَا الْحَجْزُ أَوْ الْكَبْتُ لَهَا لَنْ يُبِيدَهَا أَوْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا. فَهِيَ مَدْفُونَةٌ لَكِنَّهَا تَوَدُّ الظُّهُورَ مُجَدَّدًا. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، مَعْنَى "katakein" هُوَ دَفْعُ الشَّيْءِ أَوْ ضَغْطُهُ لِأَسْفَلَ، بِمُمَارَسَةِ ضَغْطٍ مُقَاوِمٍ لِلضَّغْطِ الْمُضَادِّ. وَأَفْضَلُ تَشْبِيهٍ يُمْكِنُنِي التَّفْكِيرُ فِيهِ هُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَدَيْكَ زُنْبُرُكٌ حَلَزُونِيٌّ، مُكَوَّنٌ مِنْ سِلْكٍ حَلْزُونِيٍّ سَمِيكٍ جِدًّا، سَيَكُونُ عَلَيْكَ أَنْ تَضْغَطَ عَلَيْهِ بِكُلِّ قُوَّتِكَ كَيْ تَكْبِسَهُ، عَالِمًا أَنَّكَ إِذَا أَوْقَفْتَ الضَّغْطَ الَّذِي تُمَارِسُهُ عَلَيْهِ، سَيَعُودُ هَذَا الزُّنْبُرُكُ إِلَى وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ. هَذَا هُوَ مَا يَحْدُثُ مَعَ الْخِبْرَاتِ الْمُؤْلِمَةِ. فَإِنَّنَا نَدْفِنُهَا، لَكِنَّهَا تَعُودُ لِلظُّهُورِ مِنْ خِلَالِ الْأَحْلَامِ، وَمِنْ خِلَالِ إِشَارَاتٍ رَمْزِيَّةٍ. وَإِلَيْكَ الْمِفْتَاحَ: هِيَ سَتَعُودُ لِلظُّهُورِ فِي شَكْلٍ أَقَلَّ تَهْدِيدًا مِنَ الشَّكْلِ الَّذِي دَخَلَتْ بِهِ أَوَّلًا إِلَى وَعْيِكَ. وَلَاحِقًا فِي هَذَا النَّصِّ، اسْتَخْدَمَ الرَّسُولُ بُولُسُ كَلِمَةً يُونَانِيَّةً أُخْرَى، مُصَاغَةً مِنَ الْفِعْلِ "metallasso"، الَّذِي مَعْنَاهُ الْمُقَايَضَةُ أَوْ الِاسْتِبْدَالُ، قَائِلًا إِنَّ الْبَشَرَ "لَمَّا عَرَفُوا اللَّهَ" مِنْ خِلَالِ إِعْلَانِهِ عَنْ ذَاتِهِ، وَبِمُجَرَّدِ حَجْزِهِمْ أَوْ دَفْنِهِمْ لِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، "ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللهِ بِٱلْكَذِبِ، وَٱتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، الَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ".

وَفِي الْوَاقِعِ، الرَّسُولُ بُولُسُ، يَا أَصْدِقَائِي، وَصَفُ مَا يَقُومُ بِهِ الذِّهْنُ الْبَشَرِيُّ وَالْقَلْبُ الْبَشَرِيُّ بِأَنَّهُ الْعَمَلُ الشِّرِّيرُ الْأَسَاسِيُّ، وَالرَّئِيسِيُّ، وَالْأَصْلِيُّ الَّذِي يَرْتَكِبُهُ الْإِنْسَانُ السَّاقِطُ، وَهُوَ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ - أَيْ تَغْيِيرُ الْحَقِّ، وَالْمُقَايَضَةُ بِهِ، وَقَبُولُ الْكَذِبِ. وَمُجَدَّدًا، إِذَا وَصَفْنَا ذَلِكَ بِمُفْرَدَاتٍ حَدِيثَةٍ، فَهَذَا تَحْدِيدًا هُوَ مَا يَقُولُ الطَّبِيبُ النَّفْسِيُّ إِنَّنَا نَفْعَلُهُ. فَإِنَّنَا لَا نَقْضِي عَلَى الصُّورَةِ أَوْ الْفِكْرَةِ أَوْ الذِّكْرَى الْأَصْلِيَّةِ، بَلْ نُقَايِضُهَا، بِحَيْثُ إِنْ كُنْتُ أُوَاجِهُ مُشْكِلَاتٍ مَعَ أُمِّي، سَتَظْهَرُ هَذِهِ الْمُشْكِلَةُ فِي حَدِيثِي الْوَاعِي، مِنْ خِلَالِ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءَةٍ، أَسْتَطِيعُ التَّعَامُلَ مَعَهَا الْيَوْمَ بِطَرِيقَةٍ آمِنَةٍ.

يَقُولُ الرَّسُولُ إِنَّهُ ثَمَّةَ سَيْكُولُوجِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِالْإِلْحَادِ، وَتَابَعَ مُشِيرًا إِلَى مَا نَخَافُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَأَكْثَرَ مِنِ انْعِدَامِ الْمَعْنَى. فَأَكْبَرُ خَوْفٍ يُعَانِي مِنْهُ أَيُّ إِنْسَانٍ بِالطَّبِيعَةِ هُوَ أَنْ يَخْضَعَ لِلْمُسَاءَلَةِ أَمَامَ إِلَهٍ قُدُّوسٍ، لِأَنَّ فِي مَحْضَرِ الْقُدُّوسِ تَنْكَشِفُ نَجَاسَتُنَا عَلَى الْفَوْرِ.

إِذَنْ، إِلَهُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ إِلَهٌ كُلِّيُّ الْعِلْمِ، يَعْرِفُ عَنَّا كُلَّ شَيْءٍ. وَهُوَ إِلَهٌ كُلِّيُّ الْقُدْرَةِ، قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَإِلَهٌ كُلِّيُّ الْقَدَاسَةِ. وَالْأَسْوَأُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّغْيِيرِ. فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ ضَعِيفًا، وَيَفْقِدَ قُدْرَتَهُ الْكُلِّيَّةَ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَشِيخَ، وَيَفْقِدَ مَعْرِفَتَهُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتَهُ. فَهُوَ لَنْ يُصَابَ الْبَتَّةَ بِمَرَضِ الْأَلْزَهَايْمَرِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاوِمَ فِي بِرِّهِ أَوْ قِدَاسَتِهِ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي قِدَاسَتِهِ، وَفِي قُدْرَتِهِ الْكُلِّيَّةِ، وَفِي عِلْمِهِ الْكُلِّيِّ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مُعْلَنَةٌ بِوَاسِطَةِ الطَّبِيعَةِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُهَا بِالطَّبِيعَةِ. وَلِأَنَّ هَذَا مُرْعِبٌ جِدًّا، نَمِيلُ، كَمَخْلُوقَاتٍ سَاقِطَةٍ، إِلَى الرَّغْبَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الْهُرُوبِ، مُنْذُ هَرَبَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي الْجَنَّةِ، وَاخْتَبَآ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا عُرْيَانَيْنِ، وَشَعَرَا بِالْخَجَلِ. فَأَكْبَرُ عَائِقٍ أَمَامَ فَهْمِنَا الْكَامِلِ لِلَّهِ هُوَ أَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُرَاةٌ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ ذَلِكَ.