البرهان الكتابي لجهنم
۲۸ مارس ۲۰۱۹الألم ومجد الله
۸ أبريل ۲۰۱۹ماذا يقول الكتاب المقدس عن الإدمان؟
"يارب، أمنحني العفة وقمع الذات"، هكذا صلى القديس أوغسطينوس في صِغره تلك الصلاة المشهورة وأكمل صلاته "ولكن ليس بعد". حقًا مَنْ أصبح أسقف مدينة هيبو وأحد أعظم علماء اللاهوت في تاريخ الكنيسة وصف حياته المبكره كونه مقيدًا في سلاسل بملذات جسده المميتة. في كتابه اعترافات القديس أوغسطينوس (Confessions)، روي أوغسطينوس كيف طبّق الروح القدس كلمة الله بقوة في قلبه فجدّده من خلال هذا النص من رسالة رومية 13:
لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَد ِبَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ." (الآيات 13-14)
تعلم أوغسطينوس صلاة جديدة من خلال ثقته المتواضعة في نعمة الله القادرة: "يا رب، امنحني ما تأمر به وأمرني بما تريده".
في شرح أوغسطينوس لاختباره من منطلق العبودية والحرية، قيّم حياته من خلال عدسة ومنظور كلمة الله، فأفكاره عبّرت بعمق عن السلوك الكتابي، وأمدتنا بكثير من المساعدة في الموضوع الذي نتناوله.
فبينما تبدو كلمة إدمان وصفًا مناسبًا لأي نوع من أنواع الانخراط القهري والاعتيادي بغض النظر عن أي تأثير سلبي، فالمصطلح نفسه لا يرد في الكتاب المقدس، بل يتحدث الكتاب المقدس عن مبدأ هيمنة وتسلّط الخطية — أي العبودية المسيطرة والسبب الأساسي لكثير من ميولنا المنحرفة. فنقطة الانطلاق إذن التي نبدأ منها نظرتنا الكتابية للإدمان هي المشكلة الأعمق لسقوط البشر وعبودية الخطية الناتجة عنه.
خلق الله القدير البشر على صورته وكشبهه ليستمتعوا بيوم سبت الراحة في الشركة معه ولكي يتسلّطوا كأسياد على الخليقة نيابةً عنه. ولكن تم الازدراء بهذه الحرية والكرامة وتدمريها بالتمرد على الله. فالرغم من وعد الحية بالمساوة مع الله بواسطة الأكل من الثمرة المحرمة، كانت النتيجة المُرة لتعدي آدم كانت هي إفساد جذري لطبيعته: فقد أصبح السيد البشري المتسلّط على الخليقة فاسدًا أخلاقيًا عندما سقط تحت سلطان الخطية. تلك الحالة من الخطية والبؤس لم تكن محدودة فقط لأول زوجين من البشر. فالعقيدة الكتابية للخطية الأصلية، التي تم صياغتها كعقيدة سليمة من خلال مجهودات أوغسطينوس نفسه، تعلّم أن كل الجنس البشري المنحدر من آدم بالتناسل الطبيعي هو مولود بطبيعة ساقطة، وملطخة بمبدأ الخطية. تشرح العقيدة المُشابِهة والتي يُطلق عليها علماء اللاهوت المصلحين تعبير "الفساد الشامل" أن كل جزء من الكيان البشري — عقولنا، وإرادتنا، ومشاعرنا، وحتى أجسادنا — يتخلله قوة الخطية. لا يعني هذا أن البشر أصبحوا أشرارًا عمليًا بقدر إمكانهم، ولكن أن كل جزء من طبيعتنا قد تلوّث وتشوّه بواسطة الخطية. ولأن إرادتنا نفسها ورغباتنا الدفينة تُعزّز من هذه العبودية، فقد أصبحنا عاجزين على أن نخلص أنفسنا. بعزيمتنا على الخطية، صرنا نتبع عواطفنا وأهوائنا التي هي بالطبيعة في هوان ومرفوضة، ونتعمق أكثر فأكثر في مستنقع العار والفساد (رومية 1: 21-32). يشرح لنا الكتاب المقدس ما هو أسوأ بأن عبودية البشر للخطية ما هي إلا علامة على أننا تحت هيمنة الشرير، أي الشيطان، ونسلك حسب خطته، ومقيدين لدينونة أبدية (أفسس 2: 1-3). فقط في ظل هذا الواقع البشع، حيث البشر أموات روحيًّا، ومستعبدون للخطية، وتحت هيمنة الشيطان، ويتجهون نحو الدينونة الرهيبة، يمكن إجراء أي نقاش هادف حول إدمان أي شخص. فمن الواضح أن احتياجنا ليس لوضع خطة سريعة لنبقي بعض الميول المعينة تحت السيطرة، إنما نحتاج إلى التحرّر من العبودية ولإعادة خلق لإنسان جديد.
كم ستكون هذه المحنة مظلمة بشكل يائس إن لم تكن كلمة الله قد أعلنت لنا أيضًا عن هذا القدر محبة الآب غير المحدودة، والأبدية، وغير المتغيرة، الذي وهو غني في الرحمة، قد أتم تحريرنا بواسطة ابنه (يوحنا 3: 16؛ أفسس 2: 4؛ 1 يوحنا 3: 8). لقد سبى المسيح سبيًا كي يعتق شعبه ويحررهم، والروح القدس يطبق عمل المسيح في قلوبنا ويعيد خلقنا، مانحًا لنا ولادة سماوية وحرية. يصف الرسول بولس في رسالته الأولى لكنيسة كورنثوس أنواع كثيرة من الخطاة بداية من الزناة، والفاسقون، والشواذ جنسيًا، وإلى السارقين والسكّيرين ثم يصرّح "وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ" (6: 11). كيف تحطمت تلك القيود الجبارة؟ توضح نفس تلك الآية أن مَنْ كانوا مقيدين بالخطايا لدرجة أنها صارت جزءًا منهم، هم الآن قد اغتسلوا، وتقدسوا، وتبرروا، باسم الرب يسوع وبروح الله.
ولكن كوننا تحررنا من قيود الخطية ليس نهاية المطاف. فالتجديد ينشئ فينا صراعًا روحيًا ضد الرغبات الآثمة، ويعلّمنا الكتاب المقدس الكثير عن احتياجنا لخوض تلك المعركة يوميًا، كذلك يُعلمنا أيضًا عن طبيعة الأسلحة التي نستخدمها في تلك الحرب. بداية، تم تحذير المؤمنين بشدة من حقيقة إمكانية إخضاع أنفسهم لتلك العبودية ثانية. في حين أن هناك حقًا تعزية مدهشة في إعلان بولس في 1 كورنثوس 6: 11، فإن غرضه العامل في هذا السياق هو أن يحذر المؤمنين من إعادة إخضاع أنفسهم لسلطة حتى الممارسات المشروعة فيستطرد قائلاً "لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ" (1كورنثوس 6: 12). وبالمثل يحذر الرسول بولس كنيسة رومية من العبودية التي تنتظر أولئك الذين يفترضوا أن النعمة بشكل ما تجعل الرغبات الفاسدة أقل خطورة، فتقودهم لطاعة الخطية (رومية 6: 16). ولئلا نخدع أنفسنا، فإن تلك التحذيرات تم تدعيمها في الكتاب المقدس بالتأكيد الصريح أنه، بغض النظر عن اعترافنا بالإيمان، مَنْ هم حقًا زناة، وفاسقون، وسكيرون، والكذبة، وشاكلتهم لن يرثوا ملكوت الله (1 كورنثوس 6: 9-10؛ غلاطية 5: 19-21؛ أفسس 5: 5-7؛ الرؤيا 21: 8، 27). لذلك فالمؤمنون مكلّفون بالثبات في الحرية التي في المسيح، لئلا نرتبك ثانية بنير العبودية (غلاطية 5: 1). عندما ينسى الجيل المعاصر أن المؤمنين يشكّلون "الكنيسة المجاهدة" في خضم حرب عدائيّة وأن أعدائنا — العالم، والجسد، والشيطان — يحتدمون من أجل تدميرنا، فإن نكباتنا الروحية ليست مفاجأة.
نظرًا لهذا الاحتمال الواقعي، تدعونا كلمة الله أن نهرب من شهواتنا الطبيعية، والتي ستقيدنا ثانية، وأن نجتهد في التقدم في حياة التقديس. يستخدم الكتاب المقدس عادة ما يعتبره الكثيرون صورة للمعمودية لوصف دورنا في حياة التقديس: فالكتاب المقدس يعلّمنا أن نخلع أعمال الجسد، كذا كل بلايا طبيعتنا الآدميّة العتيقة، وأن نلبس المسيح، شخصيته البارة وطاعته (غلاطية 3: 27؛ أفسس 4: 22-24). يشير هذا "الخلع" للإماتة المتعمدة والمنضبطة للخطية، التي تتطلب الجهد والتضحية الشديدة. مثلًا يروي بولس كيف أقمع جسده كي يجعله خاضعًا (1 كورنثوس 9: 27). يجب أن نميت بلا هوادة أعمال الجسد، فلا نقدم أي فرصة للجسد، وهذا يجب القيام به — في الواقع، لا يمكن أن يتم إلا — من خلال الروح القدس (رومية 8: 13). يقوم الروح القدس بتطبيق موت المسيح عن الخطية علينا، فيُمكننا من إماتتنا للخطية بطريقة أكثر عمقًا مع المسيح وفي المسيح وهكذا نحيا أكثر عمقًا معه وفيه لله. كجنود منضبطين نرتدي سلاح الله الكامل، يجب أن نصمد في المعركة (أفسس 10:6-18)، متذكرين تحذير المسيح أنه يجب تطبيق استخدام التدابير العملية (قاسية جدًا في متى 5: 27-30، حتى كوسائل تعليمية) كي نميت عاداتنا الخاطئة.
يشير "اللبس" إلى التدريب في التقوى، أي الاستبدال عن عمد لعاداتنا الفاسدة بسلوك يليق بإكرام الله. غالبًا ما يتم تشويه السلوك الإيجابي بالأعمال الصالحة من خلال التركيز الزائد عن الحد على الدوافع الخاطئة — ومع ذلك فإن محاولة إنكار العادات الجسدية دون غرس الفضائل المسيحيّة كبديل لها هي محاولة محكوم عليها بالفشل. رغم ذلك، فإن رغبة الله في الحصول على ثمار نفعنا من الإنجيل هي ملحة وجادة (لوقا 13: 6–9؛ يوحنا 15: 5–8). مرة أخرى، يجب عدم تجاهل التدابير العمليّة: إن الاستيقاظ المبكر والعمل الجاد في دعوتنا من أجل ملكوت المسيح هو ترياق أكيد ضد العديد من الخطايا المُهلكة، في حين أن عدم الإثمار يولد الفجور.
أخيرًا، يعلّم الكتاب المقدس أن أسلحة محاربتنا هي نفس الوسائل التي عيّنها الله لنمونا الروحي، فكلها تتدفق من شركتنا مع الله وتقود إليه في العبادة الجماعية. إن التغلب على الإدمان الشرير ينطوي على تعلّم كيفية التمتّع بالرب في يوم راحته كشيء أساسي: نتمتع بحضوره بينما نتغذى من كلمته المعلنة، ونشبع من خلال الفرائض المقدسة التي أسسها، ونتعزى بغفرانه المتجدّد لآثامنا المُعترف بها، ونسكب قلوبنا له في الصلاة، ونشترك في شركة المؤمنين، وننال بسرور بركته، أي حضوره، وقوته، وحفظه الذي يقوينا، للأيام القادمة. وبينما ندرك اعتمادنا المطلق على قوة الروح القدس، الذي سيعيد إحياء أجسادنا كخليقة جديدة، وكما نفهم كيف يمنح النعمة فقط من خلال هذه القنوات، فإننا لن نظن في عجالة أن مثل هذه الأسئلة الرعوية هي روحانية مفرطة: "هل صليت "نجنا من الشر" لأجل هذه الأمر، مع الصيام؟" بدلاً من ذلك، سوف نبدأ بالتعلّم بتواضع أساليب التخطيط في حربنا.
بالعودة إلى نقطة الشركة مع الله، علينا أن نحرص هنا على عدم فصل المسيح عن عطاياه. إن حاجتنا الحقيقية دائمًا هي النظر إلى المسيح نفسه، وسيطنا الكافي، في مجد وظائفه الثلاثة: نبينا الذي يعلن لنا الله؛ رئيس كهنتنا الذي هو حي كي يشفع لنا، وملكنا الذي يُخضع أعدائنا في الداخل والخارج. إن عطية الله الوافرة فيه — كل بركة روحية (أفسس 1: 3) — هي أعظم بما لا يُقاس من ضعفاتنا. عندما ننظر إلى المسيح بالإيمان، نتعلّم مع أوغسطينوس أن الله بالفعل يمنح ما يأمر به.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.