سنودس دورت - خدمات ليجونير
أكثر العقائد صعوبة في إقرارات دورت
۱٤ مايو ۲۰۱۹
شعب الله في العهد
۲۱ مايو ۲۰۱۹
أكثر العقائد صعوبة في إقرارات دورت
۱٤ مايو ۲۰۱۹
شعب الله في العهد
۲۱ مايو ۲۰۱۹

سنودس دورت

هل لدى الكالفينيّة نقاط خمس؟ هل هذا السؤال سخيف؟ لا. إنه سؤال جيد. وقد تُفاجئنا الإجابة. فالإجابة هي نعم ولا!

نعم، من الواضح أن الكالفينيّة لديها خمس نقاط. لدينا كتب عن النقاط الكالفينية الخمس. لدى مجلة تيبولتوك مقالات عن النقاط الخمس. نتحدث عن TULIP كطريقة تذكّرنا بالنقاط الخمس: الفساد الشامل، الاختيار غير المشروط، الكفارة المحدودة، النعمة التي لا تُقاوم، ومثابرة القديسين.

ولكن أيضًا نستطيع أن نقول: "لا، ليس لدى الكالفينيّة نقاط خمس." فالنقاط الخمس ليست ملخصًا للكالفينيّة. لو أردت ملخّصًا للكالفينيّة، يجب أن تتجه لأحد أعظم وثائق إقرارات الإيمان مثل الإقرار البلجيكي أو إقرار إيمان ويستمنستر. فتلك الإقرارات تغطي مواضيع أكثر من تلك التي تغطيها النقاط الخمس. لدى الكالفينيّة نقاط أكثر من مجرد خمس.

إذًا، من أين أتت "النقاط الخمس الكالفينيّة"؟ من المناسب بشكل خاص أن نسأل هذا السؤال الآن، لأنه ما بين عامي 2018-2019 يمر أربعمئة عام على النقاط الكالفينية الخمس. (لو فاتك الاحتفال بمرور خمسمئة عام على الأطروحات الخمس وتسعين للوثر، فإن هذا سيمنحك فرصة للاحتفال). في حقيقة الأمر نشأت النقاط الخمس كرد كالفيني على الأرمينيين في هولندا بعد موت جاكوب أرمينيوس، الرد الذي بلغ ذروته بانعقاد سنودس دورت (1618-1619).

نشأت الكنيسة المُصلحة في هولندا في وسط صراعات خطيرة. كان أول الوعّاظ الكالفينيّين هناك ناطقين بالفرنسيَّة، وقد أتوا من جينيفا في زمن كالفن، ومن فرنسا. لاقت الكنائس المصلحة هناك في البداية اضطهادًا خطيرًا. وبسبب هذا الاضطهاد والقرارات الاستبدادية أيضًا، بدأت حركة تمرّد ضد الملك فيليب ملك إسبانيا، الذي كان أيضا يحكم هولندا. نشأت كل من الدولة الهولنديّة والكنيسة المُصلَحة الهولنديّة في ذات التوقيت وسط الصراع العظيم. انقسمت حكومة البلدان المنخفضة (Low Countries) في النهاية إلى دولتين تناظر تقريبًا دولة بلجيكا حاليًا في الجنوب (وظلت كاثوليكيّة رومانيّة) وهولندا في الشمال (بأغلبية مُصلَحة). اصبحت الدولة الشماليّة جمهورية معروفة بالمقاطعات المتحدة (United Provinces).

جذبت الكنائس المُصلَحة تابعين من المشاهير الأقوياء، لكنهم لم يكونوا من أغلبية السكان. جاء هذا الموقف المسيطر كجزء من دعم الدولة في المقاطعات المتحدة، التي كانت تفضّل الكنيسة المُصلحة وحرّمت كنيسة روما الكاثوليكيّة. اتّبعت الكنيسة المُصلَحة تعاليم كالفن وما تلاه من تعاليم كالفينيّة مستقيمة. أيضًا اتّبعت كالفن في مطالبتها للإدارة الذاتيّة داخل الكنيسة، واستقلالها عن تدخّل الدولة الكثير. ولكن أراد الكثيرون من داخل حكومة الدولة الإبقاء على حدود صارمة لاستقلال الكنيسة، لأن الكالفينيّين أحيانًا كانوا أكثر تشدّدًا وإلحاحًا.

بينما كانت الكنيسة في مجملها مستقيمة العقيدة تمامًا ومنضبطة، كان هناك بعض المنشقيّن. وقع تأديب كنسي علانية على بعضٍ منهم، لكن يبدو أن أخرين قد انشقّوا في هدوءٍ أو بشكل سرّي. وكان أشهر هؤلاء المنشقّين سرًا هو جاكوب أرمينيوس.

كان أرمينيوس تلميذًا نابغًا درس لبعض الوقت في جينيفا في زمان ثيودور بيزا (Theodore Beza)، أحد تابعي كالفن وأكثر القسوس تأثيرًا هناك. رجع أرمينيوس من جينيفا ليخدم كقسيس مُصلَح في كنيسة أمستردام من عام 1588 وحتى عام 1603. في عام 1603، تم تعيينه كأستاذ للاهوت في أكثر الجامعات الهولنديّة تميّزًا في ليدن (Leiden). وعمل هناك لمدة 6 أعوام حتى وفاته في عام 1609. في خلال تاريخه المهني كراعي وأستاذ، كتب عدة كتب تنتقد جوانب اللاهوت الكالفيني، لكنه لم ينشر أي منها في خلال حياته.

بالرغم من عدم النشر، كان أرمينيوس مؤثرًا على بعض القسوس والتلاميذ بتعليمه. بعد وفاته في عام 1610، كان نحو 42 من القسوس قد وقّعوا طلب للدولة للسماح بآرائهم وحمايتها. لقد علموا أن أراءهم سوف تؤدي للتأديب الكنسي في كنائسهم ولذلك طالبوا الدولة من أجل حمايتهم من التأديب الكنسي.

لخّص هؤلاء الأرمينيين أو "المحتجّين" في طلبهم انحرافاتهم اللاهوتيّة عن الكالفينيّة في خمس نقاط، وطالبوا السماح بها. كانت الخمس نقاط الأصليّة هي الخمس نقاط الأرمينيّة: الاختيار مشروط، الكفارة غير محدودة، الفساد الخطير، النعمة التي يمكن مقاومتها، وعدم اليقين بشأن مثابرة القديسين.

عندما تسرب الخبر عن هذا الاحتجاج، تصرّف الكالفينيّون بحدة وغضب. بدأوا بالإصرار على دعوة سنودس وطني ليقيّم ويحكم على الخمس نقاط الأرمينيّة — وهو أخر ما أراده الأرمينيون أو العديد من قادة الدولة. نُوقشت هذه القضايا لمدة 8 سنوات، وتعرضت الكنائس لضغوط واضطرابات متزايدة.

أخيرًا، بعدما حصل انقلاب في الدولة، تمت الدعوة لانعقاد السنودس الوطني في مدينة دوردريخت في نوفمبر من عام 1618. اشتكى الأرمينيون من أنهم قد لا يحصلون على محاكمة عادلة في مثل هذا السنودس، لذلك دعا الهولنديون ممثلين من الكنائس المُصلَحة في كل نواحي أوروبا ليأتوا كمفوّضين.

تحوّل سنودس دورت العظيم إلى اجتماع دوليٍّ بحق. فقد جاء مُفوَّضون من بريطانيا العظمى، ومن أجزاء عديدة من ألمانيا، وسويسرا المتحدثة باللغة الألمانيّة، ومن جنيف أيضًا. كان هذا السنودس اجتماعًا متميّزًا للغاية جمع بين الكثير من أفضل العقول المُصلَحة في أوروبا. حضر السنودس حوالي تسعون من المُفوَّضين الكنسيّين الذين اجتمعوا لمدة ما يقرب من 6 شهور.

كان أعظم إنجاز لهذا السنودس هو إصدار ما اشتهر بعد هذا باسم "إقرارات دورت". تأتي كلمة "canons" التي تترجَم "إقرارات" من الكلمة اليونانية التي تعني قاعدة أو قانون. وهكذا، فإن إقرارات دورت هي قوانين سنودس دوردريخت، التي تقدِّم الإجابات المُصلَحة عن النقاط الأرمينيّة الخمس.

تنقسم إقرارات دورت إلى "أقسام رئيسية من العقيدة"، تجيب على النقاط الأرمينيّة. ينقسم كل قسم رئيسي إلى العديد من البنود التي تؤكد على التعليم المُصلَح عن هذه النقطة. وفي نهاية كل قسم رئيسي يوجد جزء يُسمّى "رفض الضلالات"، يجيب على ضلالات أرمينيّة مُحددة.

وبحسب ترتيب النقاط الخمس الأرمينيّة، يتحدّث القسم الرئيسي الأول عن الاختيار. أجابت الإقرارات على التعليم الأرميني عن الاختيار المشروط. يعني الاختيار المشروط أن الله يختار مجموعة من البشر للحياة إذا توافرت فيهم شروط اختياره. شدّد الأرمينيون أن الإيمان هو الشرط المُنتَظر كي يتم إحصائهم من بين المختارين. بحسب هذا التعليم اللاهوتي، تحوّل الإيمان إلى عملٍ صالحٍ واحدٍ مطلوب من الإنسان.

على النقيض، تعلّم الإقرارات أن الاختيار يعتمد فقط على مسرة الله الصالحة. فالإيمان هو عطية الله التي تُمنح للمختارين، وليس هو أساس الاختيار. إن الله له السيادة في كل جزء من الخلاص وفقًا لقصده الأزلي.

يتحدّث القسم الرئيسي الثاني عن مدى عمل المسيح الخلاصي على الصليب. أصرّ الأرمينيون على أن المسيح مات لأجل كل خطايا جميع البشر. أرادوا أن يقولوا لكل إنسان: "مات المسيح لأجل كل خطاياك". السؤال الذي يجب أن نسأله هو: إن كان المسيح مات لأجل كل خطايا جميع البشر، فهل يخلص الجميع؟ يقول الأرمينيون لا، لأنه يجب أن تؤمن بالمسيح كي تشترك في مزايا موته. لكن كما أوضح جون أوين (John Owen) بطريقة نابغة في كتابه موت الموت بموت المسيح (The Death of the Death in The Death of Christ)، لو عدم الإيمان خطية، إذًا المسيح مات عنها، وإن لم يكن عدم الإيمان خطية، فإذًا لا يمكن أن تُدان بسببها. لكن خطأ الأرمينيين أكثر من مجرد تعليم لاهوت لا يُعقل. فالخطأ الأعظم أنه يجعل المسيح مخلص مُحتمل بدلاً من مخلص كامل وأكيد.

غالبًا ما يتم وصف رأي إقرارات دورت عن موت المسيح على أنه يُعلّم بكفارة محدودة. لم تعلّم الإقرارات في الأساس عن الطبيعة المحدودة لموت المسيح لكن عن فاعليته. لم يمت المسيح لجعل الخلاص مُمكنًا بل لجعله حقيقيًّا. كما أوضح إقرار الإيمان البلجيكي، المسيح ليس نصف مُخلّص. في حين أن قيمة موت المسيح هي بطبيعتها غير محدودة وكافية جدًا كي تخلّص العالم أجمع، كان غرضه من موته أن يسدد ثمن كل خطايا المختارين وحدهم. فموت المسيح بالتأكيد سيخلّص المختارين.

ضم السنودس القسمين الرئيسيين الثالث والرابع من العقيدة لأن النقطة الثالثة للأرمينيين تبدو أنها تعلّم عن الفساد الشامل، أي العجز التام للجنس البشري الضال في الخطية. فقط بالاقتران مع النقطة الرابعة يصبح من الواضح أن تعليمهم عن مقاومة النعمة يقوّض بالفعل مزاعمهم عن الفساد الشامل.

تؤكد الإقرارات في ردها عن الضلال الكامل للخطاة وعجزهم وبالتالي الضرورة القصوى للنعمة التي لا تُقاوم كي تجدّد وتُحيي قلوب المختارين الأموات في الخطية. بوضعهم معًا، يفحص القسمان الرئيسيان الثالث والرابع من العقيدة بحرصٍ شديد حالة الإنسان الساقط والطرق التي من خلالها تعمل النعمة في قلوب وحياة شعب الله.

يجيب القسم الرئيسي الخامس من العقيدة على عدم يقين الأرمينيّة حول ما إذا كان أولئك الذين تم إحياءهم أو تجديدهم بالنعمة سيثابرون بالتأكيد في النعمة أو قد يرتدّوا عن النعمة والحياة. تعلّم الإقرارات بقوة أن الله يحفظ مختاريه في النعمة لكي يثابروا في النعمة والإيمان حتى النهاية. إن المقصود من كل تلك التعاليم للإقرارات هو تعزية المؤمنين وطمأنتهم "أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (فيلبي 1: 6).

بالنسبة لكثير من المؤمنين اليوم، تبدو تعاليم إقرارات دورت ضيقة وغير مناسبة. في عالمٍ يرفض فيه الكثيرون المسيح تمامًا ويبدو من الهام جدًا تعاون المؤمنين في الإرساليات والمساهمات المجتمعيّة، يعتقد بعض المؤمنين أننا يمكن أن نتجاهل أو على الأقل نهمّش هذه الاهتمامات اللاهوتيّة. إن هذا الرأي جذّاب لكثيرين. لكن هل هو صحيح؟ تعلن إقرارات دورت عن عقيدة مركزها الله، ومركزها المسيح، وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من القرن السابع عشر. إن سيادة الله وكفارة المسيح الكاملة هي رجاؤنا الوحيد وثقتنا. حقًا، حافظ سنودس دورت على الإصلاح. قال لوثر أنه يُفضّل أن يكون خلاصه في يد الله عن أن يكون في يده. أكّد دورت وأوضح هذا الحق. حقًا المسيح وحده والنعمة وحدها. هذا شيء يجب أن نحتفل به حقًا.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت جودفري
روبرت جودفري
الدكتور روبرت جودفري هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير والرئيس الفخري لكليَّة وستمنستر للاهوت في كاليفورنيا والأستاذ الفخري لتاريخ الكنيسة بها. وهو الأستاذ المُميَّز في سلسلة ليجونير التعليميَّة المُكوَّنة من ستَّة أجزاء بعنوان "مسح شامل لتاريخ الكنيسة" A Survey of Church History. تشمل كتبه العديدة "رحلة غير مُتوقَّعة" An Unexpected Journey، و"تعلَّم أن تُحبَّ المزامير" Learning to Love the Psalms.