سياق صلاة يسوع - خدمات ليجونير
صلاة يسوع لأجلنا
٤ أكتوبر ۲۰۲۲
شخص المسيح
۱۱ أكتوبر ۲۰۲۲
صلاة يسوع لأجلنا
٤ أكتوبر ۲۰۲۲
شخص المسيح
۱۱ أكتوبر ۲۰۲۲

سياق صلاة يسوع

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 2 من سلسلة "صلاة يسوع الكهنوتية"، بمجلة تيبولتوك.

في حين أُطلِق على صلاة يسوع في يوحنا 17 في المعتاد اسم صلاة يسوع الكهنوتية، أطلق آخرون عليها اسم "الصلاة الربانية"، لأنه في هذا الأصحاح انخرط يسوع في واحدة من أطول الصلوات المسجَّلة في الأناجيل. هذا أمر جدير بالملاحظة أيضًا، بما أن إنجيل يوحنا لم يسجِّل "الصلاة الربانية"- التي ربما كانت التسمية الأفضل لها هي "صلاة التلاميذ"- التي علَّمها يسوع لتلاميذه بناءً على طلبهم، والتي وردت في كلٍّ من إنجيل متى وإنجيل لوقا (متى 6: 9-13؛ لوقا 11: 2-4). وبناء على الافتراض المنطقي بأن يوحنا كان على دراية بالفعل بوجود الأناجيل الأقدم منه عندما كتب إنجيله، نستطيع أن نخمن أنه بدلًا من أن يعرض الصلاة الربانية من إنجيل متى أو إنجيل لوقا، عرض صلاة يسوع الأخيرة قبل صلبه.

لاحظ أيضًا أنه بعد صلاة يسوع الأخيرة مباشرة، أشار يوحنا إلى "بستانٍ" دخله يسوع وأتباعه بعدما عبروا وادي قدرون، قبل تحفُّظ الرومان على يسوع بقليلٍ (يوحنا 18: 1-2). وفي حين لم يذكر يوحنا اسم البستان، لن يواجه قراء الأناجيل الأقدم صعوبة في استنتاج أنه كان بستان جثسيماني، حيث صلَّى يسوع قبل إلقاء القبض عليه مباشرة (متى 26: 36-46؛ مرقس 14: 32-42؛ لوقا 22: 40-46). في الأناجيل الأقدم، نقرأ أن يسوع تضرع إلى الآب ثلاث مرات قائلًا: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ" (متى 26: 39، 42، 44؛ مرقس 14: 36، 39، 41؛ لوقا 22: 42). ويبدو أن يوحنا يوسع في إنجيله إلى حد كبير من نطاق معرفتنا بما صلَّى يسوع لأجله قبل دخوله البستان مباشرة في تلك الليلة.

السياق

وبالتالي، فإن حدث صلاة يسوع في بستان جثسيماني، الذي جاء في الأناجيل الثلاثة الأولى، يمدُّنا بخلفية كتابية مذهلة لرواية يوحنا لحدث صلاة يسوع الأخيرة. لكن ما سياق هذه الصلاة في إنجيل يوحنا؟ يقسم يوحنا روايته لقصة حياة يسوع في الأساس إلى فصلين بارزين، دعاهما العلماء والباحثون باسم "سفر الآيات" (الأصحاحات 2-12) و"سفر المجد أو التمجيد" (الأصحاحات 13-21). وبالتالي، تشبه قراءة نصفي إنجيل يوحنا من بعض النواحي مشاهدة مسرحية بها استراحة بين فصولها، أو مباراة كرة القدم بها فاصل بين الشوطين. في النصف الأول من الإنجيل، يَظهَر يسوع وهو يصنع مجموعة من الآيات والعجائب التي تأخذ الأنفاس، والتي تتراوح من تحويل الماء إلى خمر في عرس يهودي (الأصحاح 2) إلى إقامة رجل يُدعَى لعازر من الموت (الأصحاح 11). لكن للأسف، رفضت الأمة اليهودية مسيَّاها (12: 36-41).

وعندما يُرفَع الستار (أو ينزل الفريقان إلى الملعب مرة أخرى) في النصف الثاني من إنجيل يوحنا، تكون الأوضاع قد تغيَّرت على نحو لافت. فقد جمع يسوع الآن البقية المؤمنة - وهم التلاميذ الاثنا عشر، أو جماعته المسيانية الجديدة (الذين يُدعَون "خاصته" في 13: 1؛ انظر 1: 11). وتبنَّى يوحنا في هذا الجزء منظور ما بعد القيامة، أو منظور التمجيد. وبالتالي، يبدأ "سفر التمجيد" اليوحناوي كالتالي (لاحظ الافتتاحية المنفصلة، التي توجد في تناظُر مع الافتتاحية التمهيدية في 1: 1-18):

"أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى ... يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجَ، وَإِلَى اللهِ يَمْضِي، قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ". (يوحنا 13: 1-4)

يأتي بعد ذلك مشهد غسل الأرجل الشهير، الذي فيه أظهر يسوع محبته لخاصَّته، تلك المحبة نفسها التي أظهرها بعد ذلك بقليلٍ بموته على الصليب لأجل خطاياهم (19: 30؛ انظر 3: 16). وبهذا، يُعَد مشهد غسل الأرجل بمثابة "عرضٍ مسبَقٍ" للصليب (13: 1: "أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى"، حيث معنى كلمة "المنتهى" على الأرجح هو "حتى النهاية" وكذلك "إلى أقصى حدٍّ").

تُعَد الأصحاحات 13-17 من إنجيل يوحنا فريدةً من نوعها تمامًا، وهي تعرض العشاء الأخير الذي أقامه يسوع مع تلاميذه الاثني عشر (لاحظ أن يوحنا لم يُشر صراحةً إلى تأسيس يسوع العهد الجديد بجسده ودمه، مفترضًا إشارة الأناجيل الإزائية الأقدم إلى ذلك بالفعل، مع أن الحديث عن خبز الحياة في يوحنا 6 ربما يلقي بالضوء على العشاء الأخير). وفي هذا الجزء، نقرأ تعليمات يسوع الوداعية لأقرب أتباعه، والتي اشتملت على تعليمات بشأن مجيء الروح القدس (الأصحاحات 14، 16)، وتعليمات بشأن كيفية الثبات في المسيح بعد رحيله (الأصحاح 15). والتقسيم العام للأصحاحات 13-17 (التي يُطلَق عليها اسم الخطاب الوداعي أو حديث العلية)، التي تسبق رواية يوحنا لأحداث الآلام والصلب، هو كالتالي. يروي يوحنا 13: 1-30 حدث غسل الأرجل باعتباره مقدمة قصصية من نوعٍ ما لكلٍّ من الخطاب الوداعي وسفر التمجيد بأكمله (بما في ذلك أحداث الصلب والآلام في الأصحاحات 18-21).

ثم ما أن تطهَّرت الجماعة، وغادر يهوذا الخائن العلية (13: 30)، انتقل يسوع إلى تعليم الأحد عشر تلميذًا، في الخطاب الوداعي الأساسي، الذي يمتد من 13: 31 إلى 16: 33. ومن آنٍ لآخر، كانت أسئلة من التلاميذ تقاطع كلام يسوع (على سبيل المثال، 13: 36-37 [بطرس]؛ 14: 5 [توما]، 8 [فيلبس]، 22 [يهوذا الآخر])؛ لكن في الجزء الأكبر من الخطاب، كان يسوع يُعِدُّ أتباعه للحياة دون حضوره معهم بالجسد. دون شك، ظن أتباع يسوع أن فقدانهم لمعلِّمهم المحبوب سيكون أمرًا كارثيًّا بكلِّ معنى الكلمة. ومع ذلك، حاول يسوع أن يقنعهم بأن هذا سيؤول فعليًا إلى الأفضل. فبمجرد خروجه من المشهد، سيرسل هو- والآب - الروح القدس ليسكن في المؤمنين. وبهذا، بدلًا من أن يكون الرب يسوع معهم، سيصير الروح القدس فيهم، الأمر الذي سيؤدي إلى حضور إلهي أشد وأقوى في وسطهم، بل وفي أعماق كيانهم.

قطعًا، نحن قد اختبرنا شخصيًّا، بصفتنا مؤمني العهد الجديد، الذين آمنَّا بالمسيح وبموته على الصليب نيابة عنا، ملء خدمة الروح القدس. أما بالنسبة للتلاميذ في العلية، فقد كان ملء خدمة الروح القدس لا يزال أمرًا مستقبليًّا. وفي هذا الجزء، نرى يسوع يخبرهم بما سيحدث قريبًا في أول يوم خمسين مسيحي (أعمال الرسل 2؛ انظر يوحنا 20: 22، حيث مثَّل يسوع هذه الحقيقة بشكل مبدئي عند تكليف أتباعه بالإرسالية). ثم اختتم يسوع تعاليمه بتشبيه ما سيمرُّ به التلاميذ من حزن وقتي عند صلبه بما تمرُّ به امرأة وهي تلد طفلها: ففي حين يكون الأمر مؤلمًا على المدى القصير، سرعان ما يفسح الألم المجال للفرح عند ولادة الطفل (16: 16-33). وبالمثل، سيحزن التلاميذ لفترة وجيزة على موت يسوع، لكن سرعان ما سيغمرهم الفرح الشديد عندما يرونه قائمًا من بين الأموات.

وبهذا اختتم يسوع حديثه قائلًا: "قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (16: 33). فقد طمأن يسوع أتباعه من جهة الضيق القادم، وأنبأ بغلبته للعالم والشيطان، "رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ" (12: 31؛ 14: 30؛ 16: 11).

الصلاة نفسها

في العهد الجديد، كانت الرسالة إلى العبرانيين هي السفر الأساسي الذي يعرض بتوسُّع دور يسوع كرئيس كهنة. يصف العهد الجديد بأكمله يسوع في أدواره الثلاثة، أي بصفته نبيًّا، وكاهنًا، وملكًا. فيما يتعلق بالوظيفة النبوية، أدَّى يسوع دور النبي عند تطهيره للهيكل خلال زيارته الأولى لأورشليم بمناسبة عيد الفصح الأول، المُسجَّلة في إنجيل يوحنا (2: 13-22). ففي تماشٍ مع الصورة التي رسمها كاتب المزمور، يظهر يسوع وقد أكلته غيرته على مجد الله وعلى طهارة عبادة الشعب (يوحنا 2: 17؛ انظر مزمور 69: 10). فإن الهيكل هو "بَيْتَ أَبي" يسوع (يوحنا 2: 16؛ انظر لوقا 2: 49)، والموضع الذي سيمضي إليه – بصفته العريس المسياني (يوحنا 3: 9) – كي يعد مكانًا لأتباعه بعد رحيله (14: 2-3).

كذلك، عندما رأى الشعب الآية المسيانية التي صنعها يسوع بإشباعه الخمسة آلاف، قالوا: "إِنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ!" (6: 14)، وذلك في تماشٍ مع التوقع السائد بمجيء "نبيٍّ مثل موسى" (تثنية 18: 15-19). لكن لاحظ أنه عند تطهير يسوع للهيكل، تعرَّض للرفض، فنطق بدينونة على الأمة اليهودية. وعندما جرى التعرُّف عليه على أنه "النَّبِيُّ الآتِي إِلَى الْعَالَمِ"، انسحب من المشهد "إِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا" (يوحنا 6: 14-15). وبالتالي، فقد انطبق عليه ما قاله يوحنا عنه قبل صُنعه واحدة من آياته المسيانية في الجليل، قائلًا: "لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ" (4: 44؛ انظر متى 13: 57؛ مرقس 6: 4؛ لوقا 4: 24). وهكذا، كان يسوع نبيًّا بالفعل في إنجيل يوحنا، لكنه نبيٌّ مرفوضٌ، سواء من السلطات اليهودية في أورشليم، أو من أبناء موطنه أنفسهم في شمال الجليل.

أما فيما يتعلق بدور يسوع كملك، فقد رأينا لتوِّنا أن الشعب، بعد إشباع الخمسة آلاف مباشرة، كانوا عازمين على إجبار يسوع بالقوة أن يصير ملكهم (يوحنا 6: 15). ولاحقًا، في دخول يسوع الانتصاري إلى أورشليم، قبيل صلبه مباشرة، امتطى جحشًا، ودخل إلى المدينة على الطريقة السليمانية (12: 12-19؛ انظر 1ملوك 1: 38)، الأمر الذي يرمز إلى اتضاعه الملوكي (يوحنا 12: 14)، وفي تتميمٍ أيضًا لنبوة زكريا النبي في العهد القديم، الذي قال: "لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ" (الآية 15؛ انظر زكريا 9:9). وقد خرجت جموع غفيرة للقائه، ملوِّحين بسعوف النخل في لفتة تعبِّر عن القومية اليهودية – حيث كانت أريحا، المدينة المجاورة، تُعرف باسم "مدينة النخيل"، وكان سعف النخل رمزًا للفخر القومي اليهودي - وكانوا يهتفون، قائلين: "أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!" (يوحنا 12: 13).

لكن، كما نادى الشعب بيسوع ملكًا عليهم، انضمت جموع غفيرة مشابهة إلى السلطات اليهودية بعد ذلك بقليل في إدانتهم ليسوع. وعندما قدَّم لهم بيلاطس يسوع بعد محاكمة صورية، قائلًا: "هُوَذَا مَلِكُكُمْ!" صرخوا قائلين: "خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!" (19: 14-15). وعندما ردَّ بيلاطس بحسم قائلًا: "أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟" أجاب رؤساء الكهنة بشكل مخيف، قائلين: "لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!" (الآية 15). وبعد النطق بحُكم الإدانة عليه، أمر بيلاطس بعمل لافتة مكتوب عليها بثلاث لغات تقول: "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ"، وأمر بتثبيتها على الصليب، لتدل على التهمة الموجَّهة إلى يسوع (الآية 19). لم يرضِ هذا رؤساء اليهود، فحاولوا إقناع الوالي الروماني بتعديل الكتابة بحيث تقول: "إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!"، لكن بيلاطس تجاهلهم (الآيتان 21-22). وبالتالي، ففي مفارقة عميقة ومؤسفة، أكَّد بيلاطس ما رفضه اليهود، أي إنه أكد دور يسوع كملك. فكما أن يسوع هو النبي الحقيقي رغم رفض الشعب له، هو أيضًا ملكهم الحقيقي، رغم رفضهم له.

لا يعرض إنجيل يوحنا وظيفة يسوع الكهنوتية بالدرجة نفسها من الوضوح التي يعرض بها دوريه كنبيٍّ وملك. ومع ذلك، يوصف موته على الصليب بمفردات الذبيحة. فهو "حَمَلُ اللهِ" الذي مات كي "يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (1: 29، 36)؛ وهو "الرَّاعِي الصَّالِحُ" الذي يبذل نفسه عن "خِرَافِه" (10: 15، 17-18). وإن قيافا، الذي كان رئيس الكهنة اليهودي في تلك السنة، تنبَّأ بالصواب – وإن كان في جهل منه - بأن يسوع هو "الإنسان الواحد" الذي سيموت عن خطايا الشعب. وبالتالي، صار من الممكن تقديم الخلاص ليس للشعب اليهودي وحده، بل للأمم أيضًا (11: 50-52؛ انظر 10: 16). وبتتميم يسوع لهذه الوظيفة الكهنوتية والشفاعية – حيث من المفارقة العجيبة أنه خدم بصفته رئيس الكهنة والذبيحة الكاملة في الوقت نفسه - كان هو رئيس الكهنة الحقيقي مع أن قيافا كان يشغل هذا المنصب رسميًّا.

كذلك، كان وصف يوحنا لإرسالية يسوع مصحوبًا باستمرار بالإشارة إلى الفصح، مشيرًا إلى أن يسوع تمَّم رموز الفصح في علاقته بخروج شعب إسرائيل من أرض مصر وعتقهم من العبودية. وفي هذا السياق، لا شك أن يوحنا ردَّد صدى قول بولس إن "فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا" (1كورنثوس 5: 7). ومن هذه النواحي جميعها، وصف يوحنا يسوع بأنه النبي الحقيقي، والكاهن الحقيقي، والملك الحقيقي، رغم رفض شعبه له. وفي حقيقة الأمر، إن رفض الشعب له كنبي، وكاهن، وملك كان جزءًا لا يتجزأ من إرساليته المسيانية (انظر يوحنا 12: 38-41). وداخل هذا الإطار، روى يوحنا تلاوة يسوع لصلاته الأخيرة، حيث يُرى وهو يشفع، عن نفسه أولًا (17: 1-5)، ثم عن أتباعه (17: 6-19)، وأخيرًا عن أولئك الذين سيصيرون مؤمنين بواسطة شهادة أتباعه الأوائل (17: 20-26).

توجُّه يسوع

إن توجُّه يسوع في بداية صلاته - التي اختتمت الخطاب الوداعي اليوحناوي – تميَّز ليس فقط بالخلو من الخطية، بل بإنكار الذات أيضًا. فمن المذهل أن يسوع كان مهتمًّا، في ساعته الأخيرة، ليس فقط بإكمال إرساليته المسيانية، بل أيضًا بالصالح الروحي لأتباعه، وبإرساليتهم المستقبلية. وبهذا، اتخذ الوضع الكهنوتي للشفيع. فقد كان مهتمًّا بمنح "حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ [أي الآب]"، وهي أن يعرفوا كلًّا من الإله الحقيقي وحده ويسوع الذي أرسله (يوحنا 17: 2-3). وكان مهتمًّا أيضًا بتمجيد الآب، بدلًا من السعي إلى تمجيد ذاته (الآيتان 4-5).

لم يأتِ يسوع ليأخذ - أي ليحقق مخططه الشخصي، أو يسعى إلى رفع مكانته الشخصية – لكنه أتى بالأحرى ليعطي، أي ليعطي الحياة الأبدية لخطاة ضالين، وليعطي المجد للآب الذي كلَّفه بهذه الإرسالية الواهبة الحياة. وباهتمام يسوع بما للآخرين، كما تجلَّى بالفعل في حدث غسل الأرجل، قدَّم للمؤمنين مثالًا (يوحنا 13: 15-16؛ انظر فيلبي 2: 1-11). فبحسب "الوصية الجديدة" التي أعطاها يسوع، ينبغي أن نحبَّ بعضنا بعضًا كما أحبنا هو (يوحنا 13: 34-35). فإن مثال يسوع من إنكار الذات والاهتمام الفائق بصالح الآخرين - أي المحبة غير المحدودة والباذلة – هو مثال مبكِّت للغاية في عالم يسود فيه السعي إلى تعظيم الذات وتحقيق المصالح الشخصية، حتى بين كثيرين ممَّن يقولون إنهم مؤمنون.

كذلك، كان يسوع مهتمًّا بأن يحفظ الآب أولئك الذين ائتمنه عليهم سالمين روحيًّا في عالمٍ يبغضه ويبغضهم أيضًا، فقال: "احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ ... لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ" (يوحنا 17: 11). فالتلاميذ موجودون في العالم لكنهم ليسوا من العالم (الآيات 11، 14، 16). كان يسوع قد أعطاهم كلمة الله بالفعل (الآية 14)، وكان من شأنه أن يرسل إليهم روحه القدوس قريبًا. فهو لم يصلِّ ليأخذ الآب المؤمنين من العالم، بل ليحفظهم بينما هم باقون في العالم- أن "تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ" (الآية 15). ومن ثَمَّ، كانت صلاته هي لأجل تقديس المؤمنين بواسطة حق كلمة الله (الآية 17).

الأكثر من ذلك أن تقديس هؤلاء المؤمنين لم يكن لأغراض أنانية، أي ليتسنَّى لهم الاستمتاع بقداستهم الشخصية، بل كان الغرض من هذا التقديس هو الإرسالية (يوحنا 17: 18). يتعرَّض هذا الهدف المرسلي للتقديس كثيرًا للتجاهل، وهو الأمر المؤسف للغاية، لأنه ينبغي ليس فقط أن يؤدي التقديس إلى الإرسالية، بل العكس صحيح أيضًا، بمعنى أن الإرسالية يجب أن تمارَس على يد أناس مقدَّسين - أي أناس يسكن فيهم الروح القدس، ويطيعون كلمة الله، ويحبون بعضهم بعضًا، ويتَّحدون معًا في ولائهم المشترك للمسيح، وفي هدفهم من الإرسالية إلى العالم (الآيات 20-26؛ انظر أفسس 4: 1-6). وهكذا، فإن الإرسالية الموحَّدة لجماعة المؤمنين، المدعَّمة بمحبتهم بعضهم لبعضٍ التي أنشأها فيهم الروح القدس، كانت هي الرؤية الكامنة وراء صلاة الرب يسوع الأخيرة في يوحنا 17.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

أندرياس كوستنبرجر
أندرياس كوستنبرجر
الدكتور أندرياس كوستنبرجر هو أستاذ وباحث في العهد الجديد واللاهوت الكتابي بكليَّة اللاهوت المعمدانيَّة الجنوبيَّة الشرقيَّة في مدينة ويك فورست، بولاية نورث كارولاينا. وقد ألَّف العديد من الكتب، بما في ذلك "يسوع بحسب الأناجيل" (The Jesus of the Gospels) و"دليل إرشادي للرسالة إلى العبرانيين حتى سفر الرؤيا" (Handbook on Hebrews through Revelation).