المُحاباة داخل الكنيسة

يبدو أن المُحاباة كانت مشكلة وأزمة في الكنيسة الأولى، حيث كان الأشخاص الأغنى أو ذوي المكانة الأرفع يتلقُّون معاملة أفضل من الآخرين. هاجم الرسول يعقوب تلك النزعة في رسالته، قائلًا:

يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ. فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا». وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ» فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟ (يعقوب 2: 1-4)

ثم تابع حديثه قائلًا:

فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ. (يعقوب 2: 8-9)

حل مبكِّر لمشكلة المُحاباة 

من المثير للاهتمام أنه من بين الرسل الاثني عشر الأصليين، كان أربعةٌ صيادين، وواحدٌ عشارًا؛ أما الآخرون، فليست لدينا فكرة عن عملهم قبل أن يدعوهم المسيح. استخدم الرب هؤلاء التلاميذ "عديمي العلم والعاميين" ليكونوا الأدوات المحفِّزة لتكوين الكنيسة في كلِّ أنحاء العالم. وكان مفتاح تحقيق ذلك هو الأمانة، وعمل الروح القدس، والكرازة بالمسيح وإياه مصلوبًا. يَكمُن جمال سفر أعمال الرسل في رؤيتنا للكنيسة وهي تنمو أولًا في أورشليم، ثم في اليهودية والسامرة، ثم في العالم الروماني بأكمله وخارجه أيضًا.

لكن، وقعت حادثة في تلك الأيام كادت تقسم الكنيسة، وتسبَّبت في أذى كبير لفترة من الوقت، وكانت ناتجة عن المُحاباة. نقرأ عن هذه الحادثة في أعمال الرسل 6، حيث تعرَّضت أرامل الْيُونَانِيِّينَ للتجاهل والإهمال من قبل الكنيسة:

وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. (أعمال الرسل 6: 1)

على الأرجح، كان سوء المعاملة الذي تعرَّض له اليونانيُّون غير متعمَّد، لكن أرامل الْعِبْرَانِيِّينَ كنَّ يتلقين الرعاية، في حين لم يُفعَل الأمر نفسه لأرامل الْيُونَانِيِّينَ. أظهر ذلك وجود مُحاباة. وعندما نسلك في مُحاباة، لا بد لطرفٍ ما أن يخسر. وتمثَّل حلُّ هذه المشكلة في انتخاب سبعة رجال أتقياء، كي يلبُّوا احتياجات هؤلاء السيدات. وبالتالي، أقيم أول الرجال الذين تولُّوا منصب شمامسة، ليخدموا الفقراء والمرضى، أولًا للذين من أهل الإيمان، ثم للذين من خارج الإيمان (غلاطية 6: 10).

قيمة البشر

إن الكنيسة مجتمعٌ صمَّمه الرب ليشمل الجميع. وقد أوصينا بأن نحب أولًا الرب من كلِّ قلبنا، وفكرنا، ونفسنا، وقدرتنا (مرقس 12: 30). ومن تلك المحبة لله تفيض محبتنا تجاه إخوتنا (1يوحنا 4: 21)، أي تجاه القريب. لا يولي الله اهتمامًا خاصًا لأشخاص بعينهم؛ فهو لا يبدي أيَّ محاباة في عهد النعمة. لمَ إذن نصنِّف نحن البشر؟

إن حُكمك المسبَق على أحدهم معناه أنك تحدِّد قيمته من عدمها. وذوو القيمة العالية في المعتاد هم المعلِّم الموهوب، والعضو الثرى، والأسرة الشابة التي ستنجب أولادًا أو ستأتي بعائلات شابة أخرى. أما المحتاجون والمعوزون، الذين يتطلبون منا الكثير من الوقت، ويحتاجون إلى الكثير من التلمذة، فلا يجدون في كثير من الأحيان نعمةً في الحال في أعين الآخرين في الكنيسة. فما مصير الأرامل المسنِّين إذن؟ فهؤلاء قد يكونون أفضل المحاربين في الصلاة لأجلك، وأكثر المرحبِّين بحرارة بالزوار الجدد. فالقديس الذي يبلغ من العمر سبعين عامًا أو أكثر، والذي اتَّبع الرب طوال حياته، وعاش لمجده، إنما هو شهادة فعالة ومؤثرة عن بركات الله، ورحمته، وإحسانه تجاه قدِّيسيه. وبالنسبة لأولئك الأطفال الموجودين في كنيستنا، الذين ليس لديهم أجداد مؤمنون في عائلتهم البيولوجية، يمكن لهؤلاء القديسين المسنين في الكنيسة أن يتولُّوا بشكل كبير مهمة القيام بهذا الدور في حياتهم. كذلك، غير المتزوجين الذين يكوِّنون صداقات مع الزوار الجدد، ويساعدون كبار السن، ويبذلون من وقتهم في الإرساليات، أو يشاركون في مشاريع عمل، يمثِّلون أهمية هائلة لجسد المسيح.

جسد واحد، وأعضاء كثيرة 

يعلِّمنا رومية 12 أننا يجب أن ندرك أن للأشخاص المختلفين مواهب مختلفة، لكننا جميعًا أعضاء في جسد المسيح. ولذلك، على اليد ألا تزدري بالعين، ولا الأذن بالقدم. فجميعنا مهمُّون، لأننا نشكِّل حجارة تاج المسيح (زكريا 9: 16؛ ملاخي 3: 16-18). ربما نميل بسهولة إلى تفضيل الشخص الجديد، الذي نعتقد أنه قد يضيف شيئًا رائعًا وضروريًّا بشدة إلى حياة الكنيسة. وربما ننبهر برجال الأعمال الناجحين، أو بالأكاديميين، مفضِّلين إياهم على الطلاب، أو المتقاعدين، أو الشباب.

هل يُمكنك أن تتخيَّل وجود مُحاباة في السماء؟ هل سيتجنَّب قدِّيسو القرن الحادي والعشرين الدخول في شركة مع القديسين البسطاء الذين عاشوا، على سبيل المثال، في القرن السابع قبل الميلاد؟ ألا يرسم ذلك أمامنا صورة سخيفة ومنافية للعقل؟ لمَ إذن نمارس هذه السخافة في الحاضر؟ إن المؤمنين يتجدَّدون ليصيروا مشابهين صورة المسيح أكثر فأكثر؛ ولذلك، نستطيع أن نقبل، بل وإننا مدعوون إلى أن نقبل، جميع البشر، بغض النظر عن مكانتهم، أو ظروفهم، أو تاريخ حياتهم. ذهب يسوع المسيح في أثناء خدمته الأرضية إلى كل مكان في إسرائيل، وخدم كلًّا من المؤمنين وغير المؤمنين، وأبدى تحننًا ورحمة تجاه الجميع. فهو لم يميِّز بين الناس، لِأَنْ لَيْسَ عِنْدَ ٱللهِ مُحَابَاةٌ (غلاطية 2: 6).

وإننا صرنا أبناءً بالتبني في عائلة الله. وإذا كنا مؤمنين حَقِيّقِيّين، فإن الله يحبنا. ألا ينبغي إذن أن نكنَّ هذه المحبة عديمة المُحاباة نفسها للذين هم بحاجة إلى المسيح، ولا سيما أهل الإيمان؟

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.