تحديد دعوة الله - خدمات ليجونير
مَثَل الكنز الذي في الحقل ومَثَل اللؤلؤة كثيرة الثمن
۳۱ أغسطس ۲۰۲۱
مجال الطموح الصالح
۲ سبتمبر ۲۰۲۱
مَثَل الكنز الذي في الحقل ومَثَل اللؤلؤة كثيرة الثمن
۳۱ أغسطس ۲۰۲۱
مجال الطموح الصالح
۲ سبتمبر ۲۰۲۱

تحديد دعوة الله

يصف الكتاب المُقدَّس دعوة الله لحياتنا بعدَّة طرق تمتد بين الشامل والآخر المُحدَّد. إذن، من أين نبدأ إذا كنَّا نرغب في صياغة فهمًا كتابيًّا للطرق المختلفة التي يتحدَّث بها الكتاب المُقدَّس عن دعوة الله؟ نحن غالبًا ما نبدأ من المكان الخاطئ، مُفكِّرين في سياقنا وحياتنا ووضعنا المُحدَّدين. لكن بدلًا من ذلك، ينبغي لنا أن نبدأ من الله ومن دعوته. نحن نتحدَّث عن إله الكون القدير، الذي أحكام سيادته وقضائه تنفذ في الخليقة، وفي عنايته الإلهيَّة المُستمرَّة لجميع مخلوقاته ولجميع أفعالهم. لقد فدانا بحسب سيادته. فهذا الإله، إلهنا، قد عيَّن دعوات لحياة كل منَّا، دعوات تُشكِّل هويَّتنا وماذا ينتظر هو منَّا، وبما يأمرنا، وبما يدعونا لفعله في هذا العالم الذي خلقه، هذا العالم الذي نحن فيه خُدَّام لله. فيمكننا إيجاز الطرق التي يستخدم بها الكتاب المُقدَّس هذه الموضوعات –مُلك الله القدير، ومطالبته بحياتنا، وقصده لنا وللعالم، وإنجيل يسوع المسيح– وفقًا لفئتين من الدعوات: الخلق والفداء. وكل من هذين الكلمتين –الخلق والفداء– يفتحان لنا نافذة من خلالها نرى الدعوات المختلفة التي من الله.

حين ننظر أوَّلًا إلى الخلق، نرى دعوة إلى العمل. فالله يدعونا، بصفتنا بشر مخلوقين على صورته، إلى الاجتهاد في العمل في العالم الذي خلقه. لم يخلق الله آدم أو أي من أبنائه كسالى. فهم ما كانوا ليظلُّوا مقيمين في بيوتهم، لا يفعلون شيئًا سوى تخطِّي مستويات جديدة من أحدث ألعاب الفيديو. كما أن لله لم يترك الأمر لآدم من حيث كيف ينخرط في الخليقة أو ماذا يفعل. إنما دعا الله آدم –بل أمر آدم– أن يتسلَّط على الخليقة وأن يعمل في جنَّة عدن وأن يعتني بها (تكوين 1: 28؛ 2: 15). وبعد السقوط، أصبح هذا العمل أشد صعوبة، يملأه الشوك، لكن الدعوة لم تتغيَّر. فبعرق الجبين استمر آدم في التسلُّط على الخليقة بالعمل في العالم الذي وضعه الله فيه وحفظه للعالم (3: 17-19). ويتم هذا العمل من أجل مجد الله. في هذه الدعوة، يجد كل الجنس البشري، كل أبناء آدم، دعوة الله إلى العمل. وبهذا العمل، أنا لا أقصد بالضرورة مهنة بأجر. فالمحاسب العام المُعتَمد، وحفَّار الخنادق، والجندي، والبنَّاء، والمُتقاعد، وطالب المدرسة الابتدائيَّة، كلهم يحقِّقون دعوة الله في حياتهم من خلال العمل الذي يُمجِّد الله.

ثمَّ، بالأخذ في الاعتبار تركيزنا على أن الدعوات مُتأصِّلة في الخلق، سنتأمَّل دعوة الزواج. لم يقصد الله أن يحقِّق البشر دعوتهم إلى العمل الجاد بمفردهم. فقد نظر الله إلى آدم ورآه وحيدًا، ثمَّ صرَّح بأن هذا الوضع ليس حسنًا (تكوين 2: 18). لذلك خلق حوَّاء مُعينًا نظيرًا لآدم، ودعا كلاهما إلى عهد زواج؛ وهو عهد يُكرِّس الرجل والمرأة نفسهما من أجل الآخر مدى الحياة. كانت حوَّاء مُعينة آدم في كلًا من مهام الإكثار والتسلُّط. وعلى النحو ذاته، إن المؤمن مدعو إلى طلب الزواج، ما لم تكن له أو لها دعوة إلى العزوبة (1 كورنثوس 7: 8-9)، وإذا أفاض الله عليهما ببركته، ينجبان أولادًا. هذه الدعوة تخلق دعوات مُشتقَّة مُتعدِّدة تتعلَّق بالدور الاجتماعي –زوج، وزوجة، وأب، وأم، وابن، وابنة، وأخ، وأخت– فكل واحد له أدوار ومسؤوليَّات ينبغي القيام بها لمجد وإكرام الله وحده.

ثالثًا، في الخلق كتب الله ناموسه على قلب كل إنسان (رومية 2: 15)، داعيًا إيَّاهم إلى القداسة (لاويين 20: 26). يصير هذا الناموس أكثر تحديدًا في الوصايا العشر، وفي النهاية اكتمل استعلانه في شخص يسوع المسيح. هذا الناموس يدعو إلى الكمال الذي لا يستطيع أي خاطي بلوغه، لكن عجزنا بسبب السقوط عن طاعة الناموس لا يُبطل دعوة الناموس لنا إلى أن نصير كاملين كما أن الله كامل، أن نفعل هذا فنحيا (غلاطية 3: 10). وهكذا، على الرغم من تمرُّغنا في الخطيَّة، فكل إنسان يدرك دعوة الله له إلى القداسة وإلى الكمال الأخلاقي، ويشعر بالذنب بسبب خطيَّته.

رابعًا، بعدما تضاعفت العائلات إلى شعوب وبعدما شتَّت الله هذه الشعوب ردًا منه على محاولة بناء برج بابل، تطوَّر نظام الحُكم والتجارة داخل الثقافات لتُرسي أسس المُحاسبة والسُلطة. كل هذا قد تعيَّن، خاصة اختيار مَن يحمل السُلطة في أي ثقافة أو جماعة، ليُعلن مشيئة الله وإرادته (رومية 13: 1-4). ولأنَّ الله هو مَن يُعيِّن سلطات المُجتمع، المؤسَّسة لخدمة العائلات، فهو يدعو كل إنسان إلى طاعة السلطات التي وضعها. إن الدعوة إلى طاعة السلطات دعوة موجودة على كل المستويات، من رئاسة الزوج في المنزل إلى حكم الرئيس لأي دولة، ومن المُوظَّف في العمل إلى الابن في المنزل. إنَّما الحالة الوحيدة الني يتبَّرر فيها عصيان السلطة ويكون مطلوبًا هو عندما تطلب السلطة من أي إنسان اقتراف الخطيَّة. فدعوة الله إلى طاعة السلطة تضع أيضًا أمام مَن في السُلطة مسؤوليَّة تحقيق بر وعدل الله في العالم في أثناء ممارستهم للسلطة. بهذه الطريقة، تُقيم دعوة الله إلى طاعة السلطة بناءً وترسي محاسبة أعلى من أسرة الفرد، حامية من اضطراب الفوضى وظلمها.

تكشف دراسة كلمة بسيطة حول موضوع الدعوة في الكتاب المُقدَّس عن العديد من دعوات الله لجميع البشر، ولكن ما نظرنا فيه حتى الآن يلخِّص كيف أن دعوات الله الأساسيَّة موجودة في كل مكان وقابلة للتطبيق على أي إنسان في أي وقت. وتمثَّلت تجربة البشر في أن كل مجال من مجالات الدعوة هذه، بعيدًا عن إظهار قدرة البشريَّة على تحقيقها، أظهر عوضًا عن ذلك كيف كانت هذه الدعوات وسائل للخطيَّة وللفساد. لكن الله، قبل أن يغادر آدم وحوَّاء الجنَّة، كان قد بدأ بالفعل في الحديث عن العمل الفدائي الذي سيصنعه في يوم ما من خلال المسيَّا الذي يسحق الحيَّة (تكوين 5: 15). هذا المسيَّا، الذي بحياته موته وقيامته، سيدفع ثمن خطايا شعبه، ويمنحهم البر الذي لا يستطيعوا بلوغه، ويُتمِّم كل دعوات الله إلى شعبه. هذا المسيَّا هو يسوع المسيح، الذي فيه نجد كلًا من دعوات من الله جديدة وأخرى مُجدَّدة.

عندما نتأمَّل الدعوات من منظور الفداء، نعلم أن الله لطالما كان طويل الأناة على خطيَّة البشر عبر العصور، ولكنَّه الآن يدعو كل إنسان في كل مكان إلى التوبة والإيمان بالمسيح (أعمال الرسل 17: 30). هذه هي دعوة الإنجيل الخارجيَّة التي يحملها المؤمنون إلى العالم. فالرعاة الذين يعظون من المنبر والمؤمنون الذين يكرزون لجيرانهم يقدِّمون لكل إنسان العطيَّة المجانيَّة التي للإنجيل: تُب وآمن بيسوع المسيح وستخلُص. هذه هي دعوة الفداء العُظمى الموضوعة أمام كل رجل وامرأة وطفل. كما أن هذه الدعوة تقود كنيسة العهد الجديد، وتُغذِّي الإرساليَّات إلى العالم، وتقع عل عاتق كل مؤمن.

وكما أن هناك الدعوة الخارجيَّة، هناك أيضًا، عندما يُولَد المرء ثانية، دعوة داخليَّة ترافق تلك الدعوة الخارجيَّة. إن الخلاص هو من الرب؛ وهو عمل يقوم به الله وحده. فالله يعرف خاصته، ويدعوهم بأسمائهم (يوحنا 10: 27). عندما يُفدى الخاطئ، يُولِده الروح القدس ثانيةً كي ينال يسوع المسيح ويتكل عليه كما هو مُعلن في الإنجيل. وعليه، تكون الدعوة الداخليَّة التي للإنجيل فعَّالة دائمًا لأنَّ الله وحده دائمًا هو مَن يقوم بها. إن دعوة الله الخارجيَّة والداخليَّة تُميِّزان عصر العهد الجديد. فهاتان الدعوتان ترسمان وتشرحان انطلاق الكنيسة من مُجرَّد جماعة بسيطة من الجليل إلى جسد عالمي من الخطاة المفديِّين من كل قبيلة ولسان وأمَّة.

أنَّ دعوة الله الفعَّالة من خلال الرب يسوع والتي تغيِّرنا تبدأ أيضًا في تشكيلنا لنصير على صورته (رومية 8: 29). هذا لا يعني أننا سنصير جميعًا مثل النجَّارين الناصريِّين الذين تحوَّلوا إلى كارزين مُتجوِّلين. بل يعني أن عمل قداسة الله فينا يتم في نطاق سياج دعوات الخلق التي تعمل بالفعل في حياتنا. وبقوَّة الروح القدس، نقاوم الآن الخطيَّة ونسعى إلى القداسة. نحن ننال دعوتنا إلى العمل، ونعمل كما للرب بكل قدرتنا. يقبل الزوج دعوته إلى الزواج ويجب زوجته مثلما أحبَّ المسيح الكنيسة. وتقبل الزوجة دعوتها إلى الزواج وتخضع لزوجها كما تخضع الكنيسة للمسيح. ويطيع الابن الأمين والديه كما للرب. ويقبل المؤمن دعوته إلى القداسة، ساعيًا نحوها في استجابةٍ بشكرٍ لنعمة الله. لا يفرض المؤمن الذي في السُلطة سلطته على الآخرين. والمؤمن الواقع تحت السلطة يخضع لها بفرح ويطيعها، عالمًا أنَّ الله هو مَن يقف وراء كل ذلك. بهذا، فإنَّ دعوات الله الرئيسيَّة في حياتنا –الدعوة إلى العمل، والدعوة إلى الزواج، والدعوة إلى الأخلاق، والدعوة إلى الخضوع للسلطة، والدعوة الخارجيَّة للإنجيل، ودعوة الإنجيل الداخليَّة الفعَّالة– تعمل معًا من الخلق ومن خلال الفداء لتحقيق قصد الله في العالم، ومجده من خلال عبادة يسوع المسيح في الكنيسة.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جو هولاند
جو هولاند
القس جو هولاند هو قسيس في الكنيسة المشيخيَّة في أمريكا (Presbyterian Church in America).