التخطيط للمستقبل والثقة في تدبير الله
۲٤ يونيو ۲۰۲۱الفرح في المسيح وحده
۲۹ يونيو ۲۰۲۱عقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس
"إنَّهم يتعبَّدون بهذه الطريقة لأنه ليس لهم الروح القدس". سمعت هذه العبارة باستمرار خلال ما كنت مسيحيًّا خمسينيًّا كاريزماتيًّا منذ أعوام مضت كلَّما كنَّا نحن الخمسينيُّون نتحدَّث عن المؤمنين غير الخمسينيِّين وخاصةً ممَّن يتبعون منهم نظامًا ليتورجيًّا مُحدَّدًا في العبادة. يؤمن الخمسينيُّون بأن غير الخمسينيِّين مُخلَّصون لكن يعوزهم مسحة الروح القدس، كما يتضح من أسلوب عبادتهم الذي كان ظاهريًّا أقل حيويَّةً وأكثر تنظيمًا من أسلوب عبادتهم. يُعلِّم اللاهوت الخمسيني أن موهبتي التكلُّم بالألسنة والتنبُّؤ لم يتوقَّفا إطلاقًا، لذا فإن أي جماعة لا تُمارس هاتين الموهبتين وتُظهر الحيويَّة الخارجيَّة المرتبطة بهما، تفتقر إلى الروح القدس، أو على الأقل تفتقر إلى ملء حضوره. فمن وجهة نظر الخمسيني، إن الإيمان بأن هاتين الموهبتين توقَّفتا يعني الإيمان بأن الروح القدس لا يعمل وَسْط شعبه. فهم يعارضون عقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس، وهي العقيدة التي تقول إن المواهب الروحيَّة التي تنقل الإعلان الإلهي أو تُثبِّته –وخاصة مواهب التكلُّم بألسنة، والمعجزات، والتنبُّؤ– قد توقَّفت بموت أخر رسول من رسل المسيح.
بكل صدق، غالبيَّة اللوم على ربط عقيدة توقُّف بعض المواهب بعدم الإيمان بحضور الروح القدس وعمله المستمر يقع بشكلٍ مباشرٍ على عاتق أحبَّائي الخمسينيِّين. فنحن لم ندرس عقيدة توقُّف بعض المواهب بتدقيق كما لم نتناقش مع أفضل ممثِّلي هذا الموقف الإيماني. لكن أيضًا، ليس المؤمنون بهذه العقيدة بلا ذنب. فجميعنا يعرف مؤمنين بعقيدة توقُّف بعض المواهب يعتنقونها بحسب التقليد وليس باقتناع. فيكف يكون من العدل إلقاء اللوم على المؤمنين الخمسينيِّين أو الكاريزماتيِّين بعدم فهم عقيدة توقُّف بعض المواهب في حين مَن يعرفوهم من المؤمنين بهذه العقيدة ينكرون الحق الراسخ لما يُطلق عليه علامات مواهب التكلُّم بألسنة، والمعجزات، والتنبُّؤ بسبب خوفهم ممَّا هو غير طبيعي وليس بسبب حجج كتابيَّة مُعدَّة ببراعة؟
إن الأمر ليُسفر عن كتاب كامل لتقديم وجهة نظر شاملة عن عقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس، إنما جوهر هذا الرأي يمكن تقديمه بإيجاز. حين كان يُرسل الله إعلانًا جديدًا خاصًا، كان يستخدم أساليبًا فوق طبيعيَّة مثل النبوَّة والتكلُّم بألسنة لإرسال هذا الإعلان، كما كان يستخدم آيات عجيبة مثل صنع المعجزات ليؤيِّد أولئك مَن يجب أن نقبلهم (الأنبياء والرسل) باعتبارهم ناقلين إعلانه المُوحى به. وبالتالي، حين كان الله لا يُرسل أي إعلان جديد خاص، لم يكن يستخدم أساليبًا فوق طبيعيَّة أو آيات؛ بل كان يعمل بواسطة المُناداة بإعلانه الخاص (الكتاب المُقدَّس) ومن خلاله بواسطة مُعلِّمين موهوبين وشيوخ الكنيسة المُعيَّين بشكلٍ سليم لهذه الخدمة.
لذا ينبغي النظر في بعض الدلائل الكتابيَّة على توقُّف بعض مواهب الروح القدس. أولًا، لقد عاش شعب الله قرونًا وليس في وسطهم نبي في حقب عديدة من التاريخ. على سبيل المثال، لم يتكلَّم الله إلى شعبه بواسطة أنبياء –على الأقل بواسطة الأنبياء كما نتصوَّرهم عادةً– منذ إبراهيم وحتى موسى. فضلًا عن ذلك، أدرك يهود القرن الأول أن الرب لم يرسل أنبياء خلال الأربعمئة سنة الأخيرة أو قرابة ذلك منذ ملاخي وحتى يوحنَّا المعمدان. لكن الله كان يعمل في أثناء هذه الحقب حين لم يكن هناك أنبياء.
ثانيًا، لم تكن المعجزات تحدث يوميًّا في عصور الكتاب المُقدَّس. لم تكن تحدث سوى عندما يُسلِّم الله إعلانًا جديدًا إلى شعبه سيتم تدوينه. بالنظر إلى الكتاب المُقدَّس ككل، نجد ثلاث حقب عظمى للمعجزات: خلال زمن موسى، وزمن إيليا وإليشع، وزمن الرب يسوع ورسله. ويتَّسم كل زمن منهم بإعلان جديد خاص من الله. فموسى قد تسلَّم الناموس، كما كان وسيطًا للعهد العتيق. وكان يمثِّل إيليا وإليشع المكانة الرسميَّة للدور النبوي والنبوَّات العديدة التي سيعطيها الأنبياء. وقد أسَّس الرب يسوع العهد الجديد والرسل أرسوه وقدَّموا الوصايا الضروريَّة لزمن العهد الجديد. وبما أنَّه حتى المعجزات الكتابيَّة كانت محدودة للغاية، فما من سبب لتوقُّع أنه سيكون هناك أشخاص في كل جيل موهوبين بإجراء المعجزات.
ثالثًا، تخبرنا عبرانيِّين 1: 1–4 بأن أخر كلمة من الله إلينا هي في ابنه وأن طريقته في الكلام من خلال ابنه –وكذلك من خلال الرسل الذين تكلَّمون بسلطانه إلى الكنيسة– ليست مثل الطرق العديدة التي تكلَّم بها قبل مجيء الرب يسوع. وبما أن الرب يسوع هو نبينا وأن الرسل في القرن الأول قاموا بخدمة نبويَّة، فإن الاختلاف بين الرب يسوع ورسله من جهة وأنبياء العهد القديم من جهة أخرى لا يكمن في أن الرب يسوع ورسله طبَّقوا أساليب جديدة في التعليم بل في أنَّهم تحدَّثوا بشكلٍ نهائي حاسم. فهم من أرسوا أساس الكنيسة (أفسس 2: 18-22)، لذلك لا نتوقَّع إعلانًا مستمرًا، لأن الأساس قد أُرسيَ مرَّة واحدة فقط. ولا حاجة إلى تقديم الرب يسوع الإرشاد من خلال أنبياء أو رسل بعد الآن.
رابعًا وأخيرًا، حين ننظر إلى التعليم الذي قدَّمه الرب يسوع والرسل عن حِقْبَة ما بعد الرسل، لا نجد أي دعوة للكنيسة لتبحث عن أنبياء أو تتوقَّع من الشعب إجراء معجزات أو تبحث عن متكلمي بالألسنة لتقديم رسالة جديدة أو إرشاد جديد من الرب. والبرهان الدامغ على هذا تلك النصوص مثل وداع بولس لشيوخ كنيسة أفسس في أعمال الرسل 20 والرسائل الأخيرة لبعض الرسل قبل انتقالهم لا سيَّما الرسالتين إلى تيموثاوس ورسالة تيطس من بولس، ورسائل يوحنا الثلاث. بماذا أوصت هذه النصوص الكنيسة لتفعله؟ أوصت أن تحفظ التقليد –أي التعليم الرسولي– الذي قد تسلَّمته الكنيسة بالفعل، ولا تنتظر أي إعلان جديد.
في ضوء كل هذا، وبما أن عقيدة الكتاب المُقدَّس مهمَّة للغاية في اللاهوت المُصلَح، فلا عجب في أن عقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس هي الرأي المُصلَح الطبيعي. في الواقع، إن الإيمان بأن مواهب التكلُّم بألسنة، والنبوَّات، والمعجزات قد توقَّفت هو إيمان يُغَلِّفه الفهم اللاهوتي المُصلَح بشأن كلمة الله المكتوبة والسلطان الإعلاني لكنيسة ما بعد العصر الرسولي بحيث يستحيل أن تكون مُصلَحًا ومؤمنًا في الوقت ذاته باستمراريَّة المواهب المذكورة أعلاه. إن لم يكن الإعلان الإلهي الخاص قد انتهى، وإن كان التنبُّؤ والمواهب ذات الصلة لا تزال مستمرَّة، فلن يكون أمامنا خيار سوى تدوين هذا الإعلان وطاعته، لأن الله أمرنا بأن نحفظ كلمته وأن نتبعها. وإن لم يكن الإعلان الإلهي الخاص قد انتهى، فإن الله لم يتكلَّم أخيرًا في ابنه، ولا يمكن أن تكون قانونيَّة الكتاب المُقدَّس المُكتمَلة والمُغلقة هي قانوننا النهائي للإيمان والأعمال. إن عمليَّة دمج عقيدة استمراريَّة مواهب التنبُّؤ، والمعجزات، والتكلُّم بألسنة مع اللاهوت المُصلَح سينتج عنها مزيج متقلقل ومتنافر من عناصر مُتضاربة.
لكن هذا لا يستلزم أن ينكر المؤمنون بتوقُّف بعض مواهب الروح القدس استمراريَّة حضور الروح القدس وعمله. فنحن المؤمنون بهذه العقيدة لا نؤمن أن الروح القدس غير قادر أن يتكلَّم اليوم على لسان أنبياء، لكن الأمر يكمن في أنه اختار ألَّا يقوم بذلك. نحن المؤمنون بعقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس نؤمن أن الروح القدس يمكنه أن يشفي المرضى وكثيرًا ما يشفي بطرق غير مُتوقَّعة حين نصلِّي من أجلهم. ونؤمن أن الروح القدس يتكلَّم إلينا من خلال الوعظ القويم لكلمته. ونؤمن أنه يفتح الأبواب ويغلقها أمامنا، بل حتى يُرتِّب بعنايته "المصادفات" في حياتنا. في الواقع، أنا أؤمن أن عقيدة توقُّف بعض مواهب الروح القدس المُصلَحة التقليديَّة تنظر إلى سلطان الروح القدس وحرَّيته بشكل أسمى من نظرة عقيدة استمراريَّة بعض مواهب الروح القدس التقليديَّة. هذا لأننا نعترف بأن الروح القدس لا بد وحتمًا يُحي النفوس المائتة لكي نؤمن؛ وأنه لا بد وحتمًا يفعل ذلك دون أن نطلب، لأنَّنا في حالة موتنا الروحي خارج المسيح لن نطلب الحياة الجديدة؛ وأنه يفعل ذلك فقط لمَن يختارهم بإرادته الحرَّة وفي اللحظة التي يُعيِّنها بنفسه.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.