ثائر زيورخ: أولريش زوينجلي - خدمات ليجونير
قلعة الحق: مارتن لوثر
۹ ديسمبر ۲۰۲۲
أمير المترجمين: ويليام تيندل
۱۵ ديسمبر ۲۰۲۲
قلعة الحق: مارتن لوثر
۹ ديسمبر ۲۰۲۲
أمير المترجمين: ويليام تيندل
۱۵ ديسمبر ۲۰۲۲

ثائر زيورخ: أولريش زوينجلي

بخلاف مارتن لوثر، وهينريش بولينجر، وجون كالفن، كان أولريش زوينجلي هو أهم مُصلِح من المصلِحين القدامى. ولأنه من الجيل الأول من المُصلِحين، فهو يُحسَب أنه مؤسِّس البروتستانتية السويسرية. علاوة على ذلك، فإن التاريخ يَذكَره باعتباره أول لاهوتي مُصلَح. ومع أن كالفن تفوَّق على زوينجلي لاحقًا كلاهوتي، كان ما حقَّقه كالفن مبنيًّا على جهود زوينجلى.

بعد مجيء لوثر إلى العالم بأقل من شهرين، وُلد زوينجلي في 1 يناير عام 1484، في ويلدهاوس، وهي قرية صغيرة تقع على الجانب الشرقي من سويسرا الحديثة، على بُعد أربعين ميلًا من زيورخ. وكان والده، أولريش الأب، قد ارتقى من فئة الفلاحين، ليصبح رجلًا ميسور الحال، ينتمي إلى الطبقة المتوسطة العليا، وكذلك مزارعًا وراعي غنم ناجحًا، فضلًا عن كونه رئيس قضاة تلك المقاطعة. وقد أتاح له هذا الرخاء توفير مستوى تعليم ممتاز لابنه. وقد كان أيضًا ربًّا لمنزل غُرِست فيه داخل أولريش الأبن القيم السويسرية النموذجية، مثل الاستقلالية الشديدة، والوطنية، والغيرة على الدين، والاهتمام الحقيقي بالدراسة الأكاديمية.

لاحظ أولريش الأب إمكانيات ابنه الفكرية في وقت مبكِّر، فأرسله إلى عمه، الذي كان كاهنًا سابقًا، ليتعلم القراءة والكتابة. وبفضل رخاء والد زوينجلي المادي، تمكَّن من تزويد ابنه بالمزيد من التعليم. ففي عام 1494، أُرسِل أولريش، البالغ من العمر آنذاك عشر سنوات، إلى مكانٍ يعادل المدرسة الثانوية في بازل، حيث درس اللغة اللاتينية، وفن الجدال، والموسيقى. وقد أحرز تقدمًا سريعًا لدرجة أن والده نقله إلى برن في عام 1496 أو 1497، حيث تابع دراسته تحت إشراف واحدٍ من الأتباع المشاهير للمذهب الإنساني، وهو هينريتش ووفلين (Heinrich Woeflin). وهناك، تعرَّض زوينجلي بشكل كبير للأفكار والمنهجيات الأكاديمية لحركة النهضة. وعندما لاحظ رهبان الدومينيكان مواهبه، حاولوا ضمَّه إلى نظامهم الرهباني، لكن والده لم يرغب في أن يصبح ابنه راهبًا.

جامعة فيينا وجامعة بازل 

في عام 1498، قام والد زوينجلي بإرسال ابنه إلى جامعة فيينا، التي كانت قد أصبحت آنذاك مركزًا للتعليم الكلاسيكي، إذ كانت الدراسات الإنسانية قد حلَّت محل المدرسة السكولاستية. وهناك، درس زوينجلي الفلسفة، وعلم الفلك، والفيزياء، والكتابات الكلاسيكية القديمة. وفي عام 1502، التحق بجامعة بازل، وتلقى تعليمًا راقيًا في المذهب الإنساني. وفي أثناء دراسته، تأثَّر بتوماس ويتنباخ (Thomas Wyttenbach)، أستاذ علم اللاهوت، وابتدأ يعي الانتهاكات الحادثة في الكنيسة. كما قام بتعليم اللغة اللاتينية سعيًا منه إلى تلقي مزيد من الدراسات الكلاسيكية. وقد حصل على درجتي البكالوريوس (عام 1504) والماجستير (عام 1506) من هذه الكلية.

رُسِم زوينجلي كاهنًا تابعًا للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وعلى الفور اشترى منصب الراعي في غلاروس، وهي الكنيسة التي قضى فيها طفولته. كان دفع المال للأمير في سبيل الحصول على منصب كنسي ممارسة شائعة قبل الإصلاح. وكان زوينجلي يقضي وقته في الوعظ، والتعليم، والرعاية، كما كرَّس نفسه لقضاء كثير من الوقت في الدراسة الشخصية، مُعلِّمًا نفسه اللغة اليونانية؛ كما درس كتابات آباء الكنيسة والكتابات الكلاسيكية القديمة. أصبح زوينجلي مفتونًا بالفلاسفة والشعراء الوثنيين القدامى. ومن أهم ما حدث آنذاك هو أنه ابتدأ يقرأ كتابات ديزيديريوس ايرازموس (Desiderius Erasmus) ذات الطابع الإنساني، وأعجب كثيرًا بعلمه الأكاديمي وتقواه. وشكَّل هذا بداية الكثير من المراسلات الثمينة بينه وبين إيرازموس.

خلال فترة خدمة زوينجلي في غلاروس، من عام 1506 إلى 1516، خدم مرتين كاهنًا لجماعات من المرتزقة السويسريين من الشباب. كانت هناك حاجة كبيرة في جميع أنحاء أوروبا إلى توظيف جنود سويسريين، وكان هؤلاء الجنود مصدر دخل رئيسيًّا للمقاطعات السويسرية. بل وقد كان البابا نفسه محاطًا بحرس سويسريين. لكنَّ هذه الممارسة كلَّفت العديد من أفضل الشباب السويسري حياتهم. وبصفته كاهنًا لهم، شهد زوينجلي العديد منهم يقاتلون بعضهم البعض، أي إنه رأى سويسريين يقتلون سويسريين على أرض أجنبية لصالح حُكَّام أجانب، وأُجبِر على إقامة شعائر الطقوس الأخيرة للمحتضرين منهم مرات لا حصر لها. وقد أودت معركة مارينيانو (1515) بحياة نحو عشرة آلاف شابًّا سويسريًّا. ولهذا، أصبح زوينجلي شديد الاستياء من انتهاكات هذا النظام، وابتدأ يعظ ضده.

ويبدو أن عام زوينجلي الأخير في غلاروس كان حاسمًا. ففي ذلك الوقت، توصَّل زوينجلي إلى فهم إنجيلي للكتاب المقدس. فقد أصدر إيرازموس في ذلك العام العهد الجديد باللغة اليونانية، وانكبَّ زوينجلي عليه ينهل فيه بنهمٍ. ويُقال إنه حفظ رسائل بولس باللغة الأصلية عن ظهر قلب. حدث ذلك قبل تسمير لوثر أطروحاته الخمسة والتسعين على باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ بما يزيد قليلًا على السنة. وبفضل دراسة زوينجلي للكتاب المقدس، ودون معرفةٍ منه بأفكار لوثر، ابتدأ يعظ بالرسالة نفسها التي نادى بها لوثر بعد ذلك بوقت قصير، وكتب يقول:

من قبل أن يسمع أحد في تلك المنطقة شيئًا عن لوثر، بدأتُ أكرز بإنجيل المسيح في عام 1516 ... فقد بدأتُ أكرز بالإنجيل قبل حتى أن أسمع باسم لوثر... فإن لوثر، الذي ظللتُ أجهل اسمه لمدة عامين آخرين على الأقل، لم يوجِّهني أو يعلِّمني شيئًا بالتأكيد، لكنني اتَّبعت الكتاب المقدس وحده.

واعظ شهير في إينسيديلن

بسبب الضغوط السياسية، وما ألقاه زوينجلي من عظات معارِضة لخروج الجنود المرتزقة للقتال، أُرغِم زوينجلي على مغادرة غلاروس في عام 1516، وتولَّى منصب كاهنٍ في ديرٍ للرهبان البينديكتيين في إينسيديلن حتى عام 1518. كانت إينسيديلن مدينة منتجعٍ معروفة باحتوائها على مزار للعذراء مريم. وكان هذا المزار يجتذب أعدادًا كبيرة من الحُجَّاج من جميع أنحاء سويسرا ومن خارجها أيضًا. وقد استمع هذا الجمهور الأكبر لوعظ زوينجلي، الأمر الذي جعل صيته ذائعًا، وأسهم في اتساع نطاق تأثيره.

كانت إينسيديلن مدينة أصغر من غلاروس، ولذلك كانت واجبات زوينجلي الكهنوتية أقل، الأمر الذي أتاح له المزيد من الوقت لدراسة الكتاب المقدس وكتابات آباء الكنيسة، فقرأ كتابات أمبروسيوس، وجيروم، ويوحنا ذهبي الفم، وأوغسطينوس، بالإضافة إلى كتابات إيرازموس. علاوة على ذلك، نسخ باليد العهد الجديد الذي أصدره إيرازموس باللغة اليونانية. وفيما كان زوينجلي يتفوَّق ليصير واعظًا ذي شعبية، ابتدأ يهاجم أيضًا بعض انتهاكات الكنيسة، وتحديدًا ممارسة بيع صكوك الغفران، وابتدأ وعظه يحمل نبرة إنجيلية أقوى. لكن، لم يكن زوينجلي آنذاك قد رأى بعد أنه توجد حاجة إلى إحداث تغييرات في معتقدات الكنيسة، لكنه شعر بالأحرى بأن الإصلاح ينبغي أن يكون إصلاحًا مؤسسيًّا وأخلاقيًّا في المقام الأول. كما ظل في تعليمه معتمدًا على آباء الكنيسة أكثر من الكتاب المقدس. فهو لم يكن متأهبًا بعد لما يستلزمه عمل الإصلاح.

في ديسمبر عام 1518، استطاع تأثير زوينجلي المتزايد أن يُكسِبه منصب "كاهن الشعب" في كنيسة غروسمنستر (الكاتدرائية الكبرى) في زيورخ. كان هذا المنصب رفيعًا للغاية. وفي الحال، توقف زوينجلي عن المُزاولة الاعتيادية للوعظ وفقًا لتقويم الكنيسة؛ وفي المقابل، أعلن أنه سيعظ على التوالي عبر أسفار كاملة في الكتاب المقدس. وفي 1 يناير عام 1519، في ذكرى ميلاد زوينجلي الخامسة والثلاثين، ابتدأ يقدِّم سلسلة من العظات التفسيرية في إنجيل متى بأكمله، مستمَدَّة من تفسيره للنص اليوناني لهذا الإنجيل. وقد واصل هذا الأسلوب التتابعي في الوعظ إلى أن انتهى من الوعظ عبر العهد الجديد بأكمله. وقد استغرق منه هذا المشروع المفعم بالطموح ست سنوات، ومهَّد السبيل لعمل الإصلاح الذي أعقب ذلك.

وفي خريف عام 1519، عانت زيورخ من تفشِّي مرض الطاعون، فمات ألفان من مواطنيها الذين كان عددهم يبلغ سبعة آلاف. واختار زوينجلي البقاء في المدينة لرعاية المرضى والمحتضرين. وفي غضون ذلك، أصيب هو أيضًا بالمرض، وكاد يفقد حياته. وقد عَلَّمته فترة تعافيه التي دامت ثلاثة أشهر الكثير عن الاتكال على الله. كما زادت هذه التضحية الشخصية من شعبيته لدى الناس.

إدخال الإصلاح

بينما كان زوينجلي يعظ عبر الكتاب المقدس، كان يوضح ويشرح بعض الحقائق التي يلتقي بها في النص، حتى وإن كانت مختلفة عن التقليد التاريخي للكنيسة. لم يكن هذا النوع من الوعظ المباشر خاليًا من التحديات. ففي عام 1522، عارض بعض أعضاء كنيسته قانون الكنيسة بشأن تناول اللحم خلال فترة الصوم الكبير، وأيَّد زوينجلي هذه المعارضة بناءً على الحقائق الكتابية المختصة بالحرية المسيحية، لأنه رأى أن هذه القيود هي من صُنع الإنسان. وفي تلك السنة نفسها، ألَّف زوينجلي أول كتاباته الكثيرة عن الإصلاح، وهو المؤلَّف الذي أسهم في نشر أفكاره في كلِّ أنحاء سويسرا.

وفي نوفمبر عام 1522، ابتدأ زوينجلي يعمل مع قادة دينيين آخرين، ومع مجلس المدينة، من أجل إجراء إصلاحات كبرى في الكنيسة والدولة. وفي يناير عام 1523، كتب زوينجلي أطروحاته السبعة والستين، التي رفض فيها العديد من معتقدات القرون الوسطى، مثل الصوم الإجباري، وعدم زواج الكهنة، والمطهر، والقداس، والوساطة الكهنوتية. علاوة على ذلك، ابتدأ يشكِّك في استخدام الأيقونات في الكنيسة. وفي يونيه عام 1524، قضت مدينة زيورخ، تمثُّلًا بزوينجلي واتباعًا لآرائه، بإزالة كلِّ الأيقونات الدينية من الكنائس. وفي عام 1524 أيضًا، اتخذ زوينجلي خطوة أخرى أيضًا من الإصلاح، حيث تزوَّج من آنا راينهارد، التي كانت أرملةً. ويبدو أن كل هذا حدث قبل أن يسمع زوينجلي شيئًا عن لوثر. فقد كان ذلك عملًا إلهيًّا مستقلًّا بحقٍّ.

وبحلول عام 1525، كانت حركة الإصلاح في زيورخ قد اكتسبت شعبية كبيرة. ففي 14 أبريل عام 1525، أُلغِي القداس الإلهي رسميًّا، وابتدأت خدمات العبادة البروتستانتية تقام في زيورخ وما حولها. واختار زوينجلي ألا يطبِّق سوى ما يُعَلِّمه الكتاب المقدس، رافضًا أيَّ شيء آخر ليس له سند كتابي صريح. وكانت كلمات الكتاب المقدس تُقرأ، ويوعظ بها بلغة الشعب. وكانت الكنيسة بأكملها، وليس رجال الدين وحدهم، يتناولون الخبز والخمر في ممارسة بسيطة للعشاء الرباني. وكان الكاهن يرتدي ثيابًا شبيهة بتلك التي تُرتدَى في قاعات المحاضرات، وليس قدام المذابح الكنسية الكاثوليكية. وتم حظر تبجيل العذراء مريم والقديسين، وحظر بيع صكوك الغفران، ومُنِعت الصلوات لأجل الموتى. وبهذا، صار الانفصال عن روما كاملًا.

معيدو المعمودية: مُصلِحون متشدِّدون

خاض زوينجلي أيضًا جدالًا مع جماعة جديدة عُرِفت باسم "معيدي المعمودية" أو الأنابابتيست (Anabaptists)، وهي حركة إصلاح أكثر تشددًا، نشأت في زيورخ عام 1523. ومع أن زوينجلي أحدث تغييرات كبيرة، لم يرَ هؤلاء المؤمنون أنه حقَّق ما يكفي. فبالنسبة لمعيدي المعمودية، كانت قضية معمودية المؤمنين تلي في الأهمية مسألة الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وسعى معيدو المعمودية إلى إعادة بناء كاملة للكنيسة، كانت أشبه بالثورة.

رأى زوينجلي أن مقترحات معيدي المعمودية مفرطة التشدُّد. وردًّا على مطالبهم بالإصلاح الفوري للكنيسة والمجتمع، حثَّ زوينجلى على الاعتدال والتحلِّي بالصبر في تلك المرحلة الانتقالية للانفصال عن كنيسة روما، وأشار على معيدي المعمودية أن يحتملوا الإخوة الأضعف، الذين كانوا لا يزالون يقبلون تعاليم المُصلحين بشكل تدريجي. لكن هذا الأسلوب تسبَّب فقط في اتساع فجوة الخلاف بين زوينجلي وهؤلاء المتشدِّدين.

وكان أمرٌ أصدره حُكام زيورخ يقضي بتعميد كل الأطفال الرضع في المدينة هو ما فجَّر الأحداث. فقد تجاوب معيدو المعمودية مع هذا الأمر بأنهم جابوا شوارع زيورخ في احتجاجات ومظاهرات صاخبة. وبدلًا من أن يعمِّدوا أطفالهم الرضع، عمَّدوا بعضهم البعض بسكب المياه أو التغطيس في عام 1525. كما رفضوا تأكيد زوينجلي سلطة مجلس المدينة على شئون الكنيسة، وأيَّدوا الفصل التام بين الكنيسة والدولة.

أُلقِي القبض على قادة طائفة معيدي المعمودية، واتُّهموا بالترويج لتعاليم تحرِّض على الثورة. وأُعدِم البعض منهم غرقًا. وليس معروفًا لدينا ما إذا كان زوينجلي قد أيَّد أحكام الإعدام هذه أم لا، لكنه على الأقل لم يعارضها.

الجدل حول العشاء الرباني

في تلك الأثناء، ابتدأ جدلٌ يختمر بين زوينجلي ولوثر حول العشاء الرباني. تبنَّى لوثر الرأي الذي يُدعَى الحضور المزدوج [consubstantiation]، وهو الاعتقاد بأن جسد المسيح ودمه يكونان حاضرين في، أو من خلال، أو تحت، عنصري الخبز والخمر. فقد أكَّد وجود حضور فعلي للمسيح في العناصر، لكنه حضورٌ يختلف عن التعليم الكاثوليكي الروماني المعروف بالاستحالة [transubstantiation]، والذي يقول إن عناصر الخبز والخمر تتغيَّر إلى جسد المسيح ودمه عندما يباركها الكاهن في أثناء القداس الإلهي. أما زوينجلى، فتبنَّى الرأي القائل إن العشاء الرباني هو في الأساس تذكارٌ لموت المسيح، أي إنه تذكار رمزي.

وفي محاولة لتحقيق الوحدة داخل حركة الإصلاح، عُقد اجتماع في ماربورج في أكتوبر عام 1529، التقى فيه هذان المُصلحان وجها لوجه، مع كلٍّ من مارتن بوسر، وفيليب ميلانكثون، ويوهانس أوكولامباديوس، وغيرهم من القادة البروتستانتيين. وفي هذا الاجتماع، وافق جميعهم من حيث المبدأ على أربعة عشر بندًا من البنود الخمسة عشر التي طُرِحت أمامهم، ومن بينها العلاقة بين الكنيسة والدولة، ومعمودية الأطفال، والاستمرارية التاريخية للكنيسة، وغيرها أيضًا. لكنهم لم يتوصلوا إلى اتفاق بشأن العشاء الرباني. قال لوثر إن "زوينجلي ‘رجل صالح جدًا’، لكنه من ‘روح أخرى’". وبالتالي، رفض لوثر يد زوينجلي الممدودة إليه بدموعٍ بهدف تحقيق الشركة". وعلَّق لوثر على زوينجلي ومؤيِّديه بين زملائه قائلًا: "أعتقد أن الله قد أعمى عيونهم".

وفي واحدة من المفارقات التاريخية العجيبة، حدث أن زوينجلي، الذي كان معارضًا فيما سبق لممارسة استخدام الجنود المرتزقة في الحرب، مات هو نفسه في ساحة المعركة في عام 1531. فبسبب تصاعد النزاع بين البروتستانتيين والكاثوليكيين، حملت المقاطعات الأسلحة، وسرعان ما اندلعت الحرب. فذهبت مدينة زيورخ إلى المعركة للدفاع عن نفسها ضد خمسة أقاليم كاثوليكية أغارت عليها من الجنوب. ورافق زوينجلي جيش زيورخ إلى أرض المعركة بصفته قسًا يخدم في الحرب. ومع أنه كان يرتدي دروعًا، ومتسلحًا بفأس الحرب، أصيب بجروح بالغة في 11 أكتوبر عام 1531. وعندما وجده جنود العدو منطرحًا وجريحًا، قتلوه. ثم قامت القوات الجنوبية بالتمثيل بجثته، حيث قطعوا جسده إلى أربعة أجزاء، ومزقوا رفاته إلى أشلاء، وأحرقوها، ثم خلطوا رماده بالروث ونثروه في الهواء.

واليوم، في كنيسة ووتر بمدينة زيورخ، نجد تمثالًا لزوينجلى في مكان ظاهر، يقف حاملًا الكتاب المقدس في إحدى يديه، وسيفًا في اليد الأخرى. يعبِّر هذا التمثال عن تأثير زوينجلي الشديد على الإصلاح السويسري القوي. ومع أن خدمته في زيورخ كانت قصيرة الأمد نسبيًا، لكنه حقق الكثير. ومن خلال موقفه البطولي في الدفاع عن الحق، استطاع إصلاح الكنيسة في زيورخ، ومهد السبيل للمُصلحين الآخرين كي يتبعوا خطاه.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

ستيفن لوسان
ستيفن لوسان
الدكتور ستيفن لوسان هو مؤسس هيئة خدمات وانباشون (OnePassion). وهو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير، ومدير برنامج الدكتوراه في الخدمة في كلية لاهوت (The Master’s Seminary)، ومدير لمعهد الوعظ التفسيري. وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا.