3 أنواع من الناموسيّة - خدمات ليجونير
اللاهوت يقود إلى التسبيح
۱٦ فبراير ۲۰۲۳
مكانة الصلاة
۲۳ فبراير ۲۰۲۳
اللاهوت يقود إلى التسبيح
۱٦ فبراير ۲۰۲۳
مكانة الصلاة
۲۳ فبراير ۲۰۲۳

3 أنواع من الناموسيّة

كمسيحيّ، هل سبقَ أنِ اتّهمك أحدُهم بالناموسيّة؟ غالبًا ما يتمّ التلاعب بهذه الكلمة في الثقافة المسيحيّة بشكل خاطئ. مثلًا، قد يقول بعض الناس عن أحدهم إنّه ناموسيّ لأنّهم يعتبرونه محدود الأفق. إلّا أنّ مُصطلح الناموسيّة ليس إشارة إلى ضيق الأفق. في الواقع، تَظهر الناموسيّة بطرق ماكرة مُختلفة.

تتضمّن الناموسيّة بشكل أساسيّ تجريد ناموس الله من قرينته الأصليّة. يبدو أنّ بعض الناس منشغلون في حياتهم المسيحيّة بإطاعة الضوابط والأحكام، ويتخيّلون المسيحيّة بأنّها سلسلة مكوّنة من أمر ونهي، أو مجموعة من المبادئ الأخلاقيّة الباردة والمُميتة. هذا شكل واحد من أشكال الناموسيّة، حيث لا يهتمّ الفرد إلّا بالمحافظة على شريعة الله كغايةٍ في حدّ ذاتها.

إنّ الله بالتأكيد يهتمّ بأن نتبع وصاياه، لكن هنالك تكملة أخرى للقصّة لا ينبغي علينا التغاضي عنها. لقد أعطى الله شرائع كالوصايا العشر في سياق العهد. أوّلًا، كان الله رؤوفًا، فقد خلّص شعبه من العبوديّة في مصر ودخل مع بني إسرائيل في علاقة حُبّ بنويّة. بدأ الله في تحديد الشرائع الخاصّة التي تُرضيه، فقط بعد تأسيس هذه العلاقة القائمة على النعمة. قال لي أحد أساتذتي خلال دراستي العليا: "النعمة هي جوهر اللاهوت المسيحيّ، أمّا جوهر الأخلاق المسيحيّة فهو الامتنان." الناموسيّ يعزل الناموس عن الله، مُعطي الناموس. إنّه لا يسعى إلى طاعة الله أو تكريم المسيح بقدر ما يسعى إلى طاعة القوانين المُجرّدة من أيّ علاقة شخصيّة.

لا يوجد محبّة أو فرح أو حياة أو شغف. إنّه شكل آلي من أشكال تكرار وحفظ الناموس، ونسمّيه بالمظهر الخارجيّ. يركّز الناموسيّ على طاعة القوانين المجرّدة، فيقضي بالتالي على السياق الأوسع لمحبّة الله وفدائه الذي بالأصل أعطانا إيّاه من خلال شريعته.

إنْ أردْنا أنْ نفهمَ النوع الثاني من الناموسيّة، لا بدّ لنا أن نتذكّر أنّ العهد الجديد يميّز بين حرف الناموس (شكله الخارجيّ) وروح الناموس. الشكل الثاني للناموسيّة يفصل نصّ الناموس عن روحه. إنّه يطيع الحرف لكنّه يتعدّى على الروح. لا يوجد سوى تمييز دقيق بين هذا الشكل من الناموسيّة والشكل المذكور سابقًا.

كيف يُحافظ الإنسان على حرفيّة الناموس وينتهك روحَه؟ لنفترض أنّ رجلًا يُحبّ قيادة سيّارته بالحدّ الأدنى من السرعة المطلوبة، بغضّ النظر عن الظروف المحيطة به عند قيادته. إنْ كان يقود في طريقٍ سريع، وكان الحدّ الأدنى للسرعة أربعين ميلًا في الساعة، فسيقود بسرعة أربعين ميلًا في الساعة وليس أقلّ من ذلك. إنّه يقود بهذه السرعة حتّى أثناء هطول الأمطار الغزيرة، وعندما يقود بحسب السرعة الأدنى هذه، فإنّه في الواقع يُعرّض الأشخاص الآخرين للخطر، لأنّهم سيُبطئون سُرعتهم بشكل طبيعيّ ليقودوا بسرعة عشرين ميلًا في الساعة، لئلّا تنزلق سيّاراتهم عن الطريق أو يفقدون السيطرة عليها. الرجل الذي يُصرّ على القيادة بسرعة أربعين ميلًا في الساعة حتّى في ظلّ هذه الظروف، إنّما يقود سيّارته لإرضاء نفسه وحده. على الرغم من أنّه يبدو للمراقب الخارجيّ كشخص دقيق في طاعته للقوانين المدنيّة، إلّا أنّ طاعته هذه خارجيّة فقط، وهو في الواقع شخص لا يهتمّ أبدًا بالسبب الذي من أجله وُضع على الإطلاق بالسبب وراء القانون. هذا النوع الثاني من الناموسيّة يُطيع من الخارج، بينما القلب بعيد جدًّا عن أيّ رغبة في إكرام الله والقصد من شريعته أو مسيحه.

يُمكن توضيح هذا النوع الثاني من الناموسيّة من خلال الفرّيسيّين الذين واجهوا يسوع لأنّه شفى يوم السبت (متّى 12: 9-14). كانوا مُهتمّين فقط بحرفيّة الناموس ليتجنّبوا أيّ شيء قد يبدو وكأنّه عمل بالنسبة إليهم. هؤلاء المعلّمون فقدوا معنى روح الناموس الذي كان مُوجّهًا ضدّ الأشغال العاديّة غير المطلوبة للمحافظة على الحياة، وليس ضدّ الجهود المبذولة لشفاء المرضى.

يُضيف النوع الثالث من الناموسيّة قوانينَنا الخاصّة إلى شريعة الله، ويتعامل معها كما لو أنّها إلهيّة. إنّه الشكل الأكثر شيوعًا وفتكًا للناموسيّة. انتهرَ يسوع الفرّيسيّين على هذا الأمر بالذات حين قال لهم: "أنتم تُعلّمون التقاليد البشريّة كما لو أنّها كلمة الله." لا يحقّ لنا وضع القيود الكثيرة على الناس في الوقت الذي لم يُعلن الله عن قيود مثل هذه.

يحقّ لكلّ كنيسة أن تضعَ سياساتها الخاصّة في مجالات مُعيّنة. مثلًا، لا يقول الكتاب المقدّس شيئًا عن شُرب المشروبات الغازيّة داخل قاعة الاستقبال في الكنيسة، لكن للكنيسة كلّ الحقّ في تنظيم أمور مثل هذه. ولكن، عندما نستخدمُ هذه القوانين البشريّة لتقييد الضمير بطريقة مُطلَقة، وعندما نسمحُ لمثل هذه السياسات في تحديد خلاص الإنسان، فإنّنا بذلك نغامر بشكل خطير في المجالات التي هي من اختصاص الله وحده.

كثيرون يظنّون أنّ جوهر المسيحيّة هو اتّباع القوانين الصحيحة، حتى تلك التي هي من خارج الكتاب المقدّس. مثلًا، لا يقول الكتاب المقدّس إنّه لا يمكننا لعب الورق، أو تناول النبيذ مع العشاء. لا يمكننا أنْ نجعلَ هذه الأمور مقياسًا خارجيًّا للمسيحيّة الأصيلة، وإلّا سيكون هذا انتهاكًا مُميتًا للإنجيل، لأنّ هذا سيجعل التقليد البشريّ يحلّ مكان ثمار الروح الحقيقيّة. إنّنا نقترب بشكل خطير من التجديف عبر تشويه صورة المسيح بهذه الطريقة. عندما يُعطي الله الحريّة، لا ينبغي لنا أبدًا أن نستعبدَ الناس بقوانين من صنع البشر، لا بل يجب أن نكون حريصين على محاربة هذا الشكل من أشكال الناموسيّة.

يدعو الإنجيل الناسَ إلى التوبة والقداسة والتقوى. لهذا السبب، يَعتَبرُ العالمُ أنّ الإنجيل عثرةً بالنسبة إليهم. لكن الويل لنا إنْ شوّهنا الطبيعة الحقيقيّة للمسيحيّة من خلال دمجها بالناموسيّة، مُضيفين بذلك بشكل غير ضروريّ إلى تلك العثرة. وبما أنّ المسيحيّة تهتمّ بالأخلاق والبرّ والصلاح، يُمكننا بكلّ سهولة ومن دون أن نلاحظ، الانتقال من الاهتمام الشغوف بالأخلاق الإلهيّة إلى الناموسيّة، إذا لم نتوخَّ الحذر.

هذا المُقتطف مأخوذ من "كيف يمكنني تنمية ضمير مسيحيّ؟" للدكتور آر. سي. سبرول

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.