العلّة الوسيليّة للتبرير
۸ فبراير ۲۰۲۳كليّ الوجود
۱٤ فبراير ۲۰۲۳ما معنى البدليّة والاستيفاء؟
عندما نتكلّم عن الجانب النيابيّ في كفّارة المسيح، يظهرُ أمامَنا مرارًا وتكرارًا مصطلحان تقنيّان وهما البدليّة والاستيفاء. تثير هاتان الكلمتان جميع أنواع الجدالات بشأن أيّهما ينبغي استخدامها كمرادف لإحدى الكلمات اليونانيّة، فتستخدم بعض ترجمات الكتاب المقدَّس الكلمة الأولى، في حين تستخدم ترجماتٌ أخرى الكلمة الثانية. غالبًا ما يطلب منّي الناس توضيح الفرق بين المصطلحَين. غير أنّه على الرغم من استخدام الكتاب المقدَّس لهاتين الكلمتين، فإنّ الصعوبة تكمن في كونهما غير مستخدمتَين) في سياق أحاديثنا اليوميّة، لذلك فنحن لسنا نعرف يقينًا كامل المعنى المقصود منهما في كلمة الله. إنّنا نفتقر إلى نقاط مرجعيّة لهما.
البدليّة والاستيفاء
لنتمعّن في معنى هاتين الكلمتين بدءًا بالأولى: "البدليّة" أو الكفّارة البدليّة، بالإنجليزيّة "expiation". في اللغة الإنجليزيّة، إنّ حرفيْ البادئة "ex" يُعطيان معنى "الإبعاد عن" أو "الإخراج من"، لذلك فإنّ مصطلح البدليّة يصف ما له علاقة بإزالة أو إخراج شيء ما. يصف هذا المصطلح في السياق الكتابيّ، إزالة الذنب ومحوه عن طريق دفع عقاب أو تقديم كفّارة. في حين أنّ الاستيفاء "propitiation" يصف هدف الكفّارة البدليّة. البادئة "pro" تعني "من أجل"، لذلك فإنّ استيفاء العدل الإلهيّ هو ما يصنع تغييرًا في موقف الله فينتقل من موقف العداوة اتّجاهنا، من كونه ضدّنا إلى كونه معنا. إنّ عمليّة استيفاء العدل الإلهيّ تجعل العودة إلى علاقة الرضى والشركة مع الله ممكنة.
إنّ استيفاء العدل الإلهيّ "propitiation" يرتبط بشكل ما بتهدئة غضب الله أو باسترضائه. نحن نعلم جميعنا معنى لفظة "استرضاء" في الصراعات العسكريَّة والسياسيَّة. إذ نتحدّث عمَّا يُسَمَّى بسياسة الاسترضاء أو فلسفة الاسترضاء إذا ما كان يوجد طاغٍ عنيف يريد احتلال العالم بقوّة عسكريَّة غاشمة، فعوضًا عن المخاطرة بمواجهة تهديد حرب خاطفة ضدّه، يُعطى جزءًا من أرض البلد. يحاول المرء أن يُسكّن غضبه بإعطائه شيئًا يُرضيه كيلا يهاجم البلد ويفنيه. هذا المثال هو أحد مظاهر الاسترضاء البشري غير المشابه لما لله. أمّا الاسترضاء المقصود هنا أشبه بإذا ما كنت غاضبًا أو تعرّضت للتعدّي، وقام المعتدي بالتخفيف من غضبك أو تهدئتك، لتعود عندها علاقة الرضى وتُمحى المشكلة.
إنّ مُصطلحَي البدليّة والاستيفاء هما ترجمة لكلمة يونانيَّة واحدة تختلف ترجمتها من مكان لآخر، لكنّ الاختلاف بسيط بين المصطلحَين. فالبدليّة هي الفعل الذي نتج عنه تغيير في موقف الله من نحونا. أمَّا الكفارة البدليّة فهي ما فعله المسيح بموته على الصليب، ونتيجة لموت المسيح البدليّ عنا حصل الاستيفاء للعدل الإلهيّ، أي حوّل الله غضبه عنّا. إنّ الفرق بين الاثنين هو تمامًا كالفرق بين الفدية التي يتمّ دفعها، وموقف الشخص الذي يستلمها.
عمل المسيح كان فعل تهدئة ومصالحة
إنّ البدليّة والاستيفاء للعدل الإلهيّ يشكّلان معًا فعل تهدئة ومصالحة. لقد مات المسيح على الصليب ليهدئ غضب الله ويصالحنا. لكن فكرة تهدئة غضب الله لم تنجح في تهدئة غضب اللاهوتيّين المعاصرين، بل على العكس، استشاطوا غضبًا من فكرة تهدئة غضب الله برمّتها. إنّهم يعتبرون أنّ هذه الفكرة تَحُطّ من كرامة الله إذ تعني أنّه يجب تهدئته، وينبغي علينا فعل شيء يسكّنه أو يسترضيه. علينا توخّي الحذر الشديد في فهمنا لماهيّة غضب الله، لكن دعوني أذكّركم أنّ مفهوم تهدئة غضب الله لا يتعلّق هنا بنقطة لاهوتيّة خارجيّة عابرة، بل إنّه يتعلّق بجوهر الخلاص.
ما هو الخلاص؟
دعوني أطرح سؤالًا أوّليًّا جدًّا: ما معنى مُصطلح خلاص؟ إنّ محاولة تفسير معناه سريعًا قد تجعلك تُصاب بالإرهاق، لأنّ كلمة خلاص مُستخدمة في الكتاب المقدَّس في حوالي سبعين صياغة مختلفة. فإنّ إنقاذ أحدهم من هزيمة أكيدة في المعركة، يعني خلاصًا. وتعافي المريض من مرض مُميت، يعني خلاصًا. وعودة النباتات للحياة بعد ذبولها، يعني خلاصًا. هذه هي لغة الكتاب المقدَّس، وهي لا تختلف كثيرًا عن لغتنا في استخداماتها المتعدّدة. فنحن نخلُص إلى أمر ما أي نستنتجه، ويُقال إنّ الجرس خلّص المُصارع بمعنى أنّه أنقذه من خسارة المعركة بالضربة القاضية وليس بمعنى أنّه أودى به إلى الأبديّة. باختصار، إنّ أيّ اختبار للنجاة من أيّ خطر صريح قائم يُعدُّ خلاصًا.
حين نتكلّم عن الخلاص بحسب منظور الكتاب المقدَّس، ينبغي أن نحرص على توضيح ما نخلص منه في الأساس. هذا ما يفعله تمامًا الرسول بولس في 2 تسالونيكي 1: 10 في قوله: "يَسُوعَ، الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي". في الأساس، لقد مات الربّ يسوع ليخلِّصنا من غضب الله. وببساطة، لا يُمكننا فهم تعاليم يسوع الناصري وعظاته بدون هذه الحقيقة، فهو قد نبَّه الناس باستمرار بأنّ العالم بأكمله سيخضع يومًا ما للدينونة الإلهيَّة. فيما يلي بعض التحذيرات التي قدّمها بشأن الدينونة: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْم" (متى 5: 22)؛ "وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ" (متى 12: 36)؛ و"رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لِأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا!" (متى 12: 41). لقد عُرف لاهوت المسيح بلاهوت الأزمة. إنّ الكلمة اليونانيّة للأزمة "crisis" تعني "دينونة". والأزمة التي كرز المسيح بها كانت دينونة العالم الوشيكة، التي سيسكب فيها الله غضبه على غير المُخلَّصين والضالين وغير التائبين. والرجاء الوحيد للهروب من ذلك الفَيض من الغضب هو في التستُّر بكفّارة المسيح.
لذلك، فإنّ أعظم إنجاز للمسيح على الصليب هو أنّه هدَّأ غضب الله، الذي من شأنه أن يُهلكنا إذا كنّا لا نتغطّى بذبيحة المسيح. لذلك احذروا إنْ جادل أحدهم ضدّ مبدأ التهدئة والمصالحة أو فكر استرضاء المسيح لغضب الله، لأنّ الإنجيل يكون على المحكّ. هذا الأمر يتعلّق بجوهر الخلاص، إذ إنّنا كأناس مغطّين بكفّارة المسيح نحظى بالخلاص من أشدّ أنواع الغضب التي قد يتعرّض لها إنسان. إنّه لأمر مُرهب الوقوع بين يدي إله قدّوس غاضب. لكن ما من غضب على مَن دُفع ثمن خطاياهم. هذا هو الخلاص وجوهره.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.