الهديّة الأعظم - خدمات ليجونير
المسيحيّون أيضًا بحاجة إلى الإنجيل
۱۵ نوفمبر ۲۰۲۳
هل توقّفت المواهب النبويّة؟
۲۰ نوفمبر ۲۰۲۳
المسيحيّون أيضًا بحاجة إلى الإنجيل
۱۵ نوفمبر ۲۰۲۳
هل توقّفت المواهب النبويّة؟
۲۰ نوفمبر ۲۰۲۳

الهديّة الأعظم

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثالث عشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].

عندما كنتُ في كليّة اللاهوت، سأل البروفيسور دوغلاس كيلي صفَّنا ذات مرّة: "ما هي أعظم هديّة يمكننا مشاركتها ككنيسة مع العالم؟"

بقي الكلّ صامتًا، فالكلّ يعلم أنّ إجابتَه ستكون أفضلَ بكثيرٍ من أيّ إجابة نقدّمها. في الواقع، أصبحت إجابتُه أساسيّة جدًّا بالنسبة إليّ، لدرجة أنّني كنتُ أفكّر أحيانًا: "ينبغي إضافة إجابته هذه إلى دليل التعليم الديني الأقصر!"

أمّا إجابته فكانت: "إنّ الهديّة الأعظم التي يُمكننا مشاركتها مع العالم هي الله المثلّث الأقانيم."

شاركَ الرسول بولس هذه الهديّة العُظمى عندما بارك القدّيسين في كورنثوس بهذه الكلمات: "نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ" (2كورنثوس 13: 14). وهذه الهديّة هي نفسها التي يُشرّفنا مشاركتها مع العالم اليوم.

في ثقافة اليوم التي لا تعرف الغفران، تتمتّع الكنيسة بفرصة التميّز أكثر من أيّ وقت مضى كمنارة للنعمة – نعمة ربّنا يسوع المسيح. كمسيحيّين، سقطنا مرارًا كثيرة في الخطيّة بطُرق ودرجات مُختلفة. كلّنا أخطأنا وأعوزنا مجد الله (رومية 3: 23). ومع ذلك، لم يرفضنا إلهنا أبدًا. لماذا؟ لأنّه "لَا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلْآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ" (رومية 8: 1).

بالتأكيد، إنّ الله يُرينا خطايانا، لكنّه لا يطردنا من أمام وجهه بسببها. إنّه يبكّتنا، لكنّه لا يرفضنا ولا يجافينا؛ إنّه يُغيّرنا بنعمته لنُصبح مشابهين ابنه ليبارِكَنا، وليجعلنا بَرَكة للآخرين، ويُمجّد اسمه. في عالم يعمل لإظهار الذنب، إلهنا يعمل ليُظهر نعمته (ميخا 7: 18).

هل نعمل لنُظهر النعمة؟ هل نعمل لنغفر للآخرين كما غُفِر لنا (أفسس 4: 32)؟ هل نتوق أكثر لمشاركة الأخبار السارّة عن نعمة الله المجّانيّة في ابنه، مِنْ أنْ نكون "على اطّلاع" بآخر انحطاط أخلاقيّ أو فضيحةٍ مشهورة؟ هل نكرز بالأخبار السارّة بحريّة وبدون تمييز عن الذي "حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ"، والذي "لا يذكر خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ"، والذي قال: "وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لَا أُخْرِجْهُ خَارِجًا"؟ (١ بطرس ٢: ٢٤؛ عب ٨: ١٢؛ يوحنا ٦: ٣٧)؟ هل نختبرُ بعُمق نعمةَ يسوع الشافية في حياتنا فتُحرّك قلوبَنا لإيصال نعمته للآخرين؟

عالمنا بحاجة إلى نعمة ربّنا يسوع المسيح، وهو أيضًا بحاجة إلى مَحبّة الله الآب.

يُلخّصُ عنوانُ أغنيةٍ لـ بوب ديلان حالةَ عالمِنا الساقط: "كلُّ شيء مُحطّم." ولا شيءَ في الوقت الحاضر مُحطّمٌ أكثر من الأُسَر العاديّة. فالشيطان لا يتحمّل وجود عائلةٍ سعيدةٍ وسليمة، خاصّة العائلات التي تتمتّع بأبٍ مُحبّ وحاضر وأمين. لماذا هو كذلك؟ لأنّ هذا المشهد يُذكّره بـ "الحياة العائليّة" الجميلة للثالوث. لا يستطيع الشيطان أنْ يقضي على تلك "العائلة". لا يستطيع أنْ يُطفئَ محبّةَ الروح. وهو لا يستطيعُ أنْ يفصِلَ بين الآب السماويّ وابنِه الحبيب، مع أنّه حاول بالتأكيد أنْ يفعلَ ذلك في غروره غير المحدود (متى 4: 1-11). لذلك، هو يحاول تدمير ما يعكس المحبّة العائليّة للثالوث. وفي دهشتنا الروحيّة، نسمح له أنْ يفعل ذلك.

بالتالي، يتوق كلّ شخصٍ نلتقي به إلى أبٍ دائمِ الحضور والحنان والانتباه والمحبّة – أبٍ يمدّ يدَه الشافية إليهم فيستعيد ما حطّمته الخطيّة.

منذ بضع سنوات، حدث انفصال بين أب وابنه في مدريد، إسبانيا. هربَ الابنُ، لكنّ أباه كان مُصمّمًا على العثور عليه. استمرّ يبحث لأشهر وأشهر من دون جدوى. وأخيرًا، بعد أنْ شعرَ باليأسِ والإحباط، نشرَ الأب إعلانًا في صحيفة مدريد جاء فيه: "حبيبي خوان، لقد غفرت لك كلّ شيء. أرجوك، قابِلْني أمامَ مكتب هذه الصحيفة ظُهر يوم السبت. أحبُّكَ. المُخْلِص لك، والدُك." وفي يوم السبت، ظهر مئتا رجل يحملون اسم خوان، متشوّقين لإعادة الارتباط بآبائهم.

في كتابه الكلاسيكي بعنوان معرفة الله، قال ج. ي. باكر: ما هو المسيحيّ؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بطُرق مُختلفة، لكنّ الإجابة الأغنى التي أعرفها، هي أنّ المسيحيّ هو من كان اللهُ أباه.

كمسيحيّين، نحن نعرف الآب المحبّ الذي يتوق إليه كلّ قلب بشريّ. دعونا لا نحتفظ به لأنفسنا. فلنشارك الأخبارَ السارّة عن محبّته ونُظهرُ محبّتَه لعالمنا المُحطّم.

عالمنا بحاجة إلى نعمة يسوع، وإلى محبّة أبينا، وإلى شركة الروح القدس.

في عالم يزداد عزلةً، يتوق حاملو صورةَ الله إلى الشَرِكة، وهم أيضًا يبحثون عنها في كلّ الخليقة للعثور عليها. ومع ذلك، في النهاية، الروح القدس هو الوحيد القادر أنْ يفيضَ كأسَ شرِكَتنا. لا يمكن لأيّ شيء مخلوق، ولا حتّى أفضل أصدقائنا وأكثرهم ولاءً، أنْ يُشبعوا شوقَنا العميق إلى الشَرِكَة.

الروح القدس الساكن بنعمته في كلّ مؤمن، هو الذي يأتي بنا إلى شركة مُرضية مع الآب والابن، ويؤكّد لنا محبّة أبينا التي لا تفنى، ويُمكّننا لمشاركة محبّته هذه مع الآخرين (رومية 8: 16؛ أعمال الرسل 1: 8؛ أفسس 2: 18؛ 1 يوحنا 1: 3). لذلك، لنتّكل على الروح، ونطلبَ الامتلاءَ به، ونحيا في فرحه، ونشهدَ عن شركة الروح المُرضية التي عالمنا بأمسّ الحاجة إليها.

في عالمٍ يُسرع إلى إنزال العقاب السريع، وفي عالم من التحطّم والعزلة، فليكن هدفنا اليوميّ المشاركة قولًا وفعلًا بأعظم هديّة تلقّيناها، وأعظم هديّة يجب أنْ نقدّمَها للعالم: نعمة ومحبّة وشركة إلهنا المثلّث الأقانيم.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مانتل نانس
مانتل نانس
الدكتور مانتل نانس هو راعي كنيسة بالِنتين المشيخيَّة (Ballantyne Presbyterian Church) في مدينة تشارلوت، بولاية نورث كارولاينا.