هل توقّفت المواهب النبويّة؟ - خدمات ليجونير
الهديّة الأعظم
۱٦ نوفمبر ۲۰۲۳
عِشْقُ الكتابِ المقدّس
۲۱ نوفمبر ۲۰۲۳
الهديّة الأعظم
۱٦ نوفمبر ۲۰۲۳
عِشْقُ الكتابِ المقدّس
۲۱ نوفمبر ۲۰۲۳

هل توقّفت المواهب النبويّة؟

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الرابع عشر] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ صفات الله التي أسيء فهمها].

هل مواهب الروح القدس النبويّة ما زالت موجودة حتّى يومنا هذا؟ بكلمات أخرى، هل ما زال الله يَهَبُ بعضَ الناسِ القدرةَ الفريدةَ على التنبّؤ والتكلّم بألسنة لإعطاء وحي جديد؟

بالنسبة إلى السؤال عمّا إذا كانت المواهب النبويّة قد توقّفت مع نهاية العصر الرسوليّ، لا بدّ أنْ تكونَ الإجابةُ الكتابيّة واللاهوتيّة والتاريخيّة هي: نعم.

كتابيًّا، تُشدّد الآيات في الرسالة إلى العبرانيّين ١: ١-٢ على أنّ الإعلانَ في يسوع المسيح قد أتى بعد خدمة الأنبياء كما دوّنه الرُسل في العهد الجديد. إنّ مسألةَ النبوّة وارتباطها بالكتاب المقدّس هي مسألة أساسيّة بالنسبة للمسيحيّ. يوجد سياق له علاقة بالعهد عن الوحي والنبوّة في العهدَيْن القديم والجديد، والذي يجب أنْ يشكّلَ رؤيتَنا إلى هذا السؤال. النبوّة ترتبط في كلّ الكتاب المقدّس بخدمة عامّة وكلمة الله هي مسؤولة عنها.

لاهوتيًّا، بما أنّ الابنَ هو "بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ" (عبرانيين ١: ٣) فإنّ هذا لا يتركُ مجالًا للشكّ في أنّ أوجَ النبوّة ينتهي عند شخص المسيح وعمله. لا توجد نبوّة أعظم لكي يتمّ إضافتها، ولا يوجد إعلان خاصّ إضافيّ، كما جاء في التحذير الوارد في رؤيا يوحنّا 22: 18-19. قال الربّ يسوع المسيح عند الانتهاء من خدمته الأرضيّة إنّ الروح القدس هو المعين "ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلْآبُ بِٱسْمِي" والذي "يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يوحنّا 14: 26). وهنا نرى أنّ عملَ الروح القدس بين شعب الله هو من خلال تطبيق فوائد عمل المسيح المنجَز نيابةً عنّا في عقولنا وحياتنا. يشمل عمل الروح القدس بين شعب الله تجديد ودعوة كلّ الذين أعطاهم الآب للابن، استجابة للإنجيل بالإيمان بالمسيح. في المؤمنين الأفراد، تنشأ من عمل الروح القدس المتجدّد هذا الراحة والجرأة بشهادة داخليّة بأنّ كلمة الله حقّة، وأنّ عملَ المسيح هو من أجلهم، وأنّ الربّ لنْ يتركَهم أبدًا أو يتخلّى عن وعوده.

ولكن ما علاقةُ كلّ هذا بالمواهب النبويّة؟ في الواقع، العلاقة بها وثيقة جدًّا. ففي الجدل الدائر بين استمراريّة المواهب النبويّة وتوقّفها، قد يغفل البعض عن حقيقةِ أنّ كلّ المسيحيّين يؤمنون بأنّ الروح القدس يعمل الآن في منح الإيمان لكلّ من دعاهم الربّ لنفسه من خلال خدمة الإنجيل. لا يوجد اختلافٌ بين المؤمنين حول ما إذا كان الروح القدس يعمل أم لا؛ لكنّ السؤال هو كيف يعمل. ولا يجب علينا أنْ ننسى هذه المسألة، حتّى مع وجود اختلاف بين المسيحيّين وبين الكنائس.

بما أنّ الحركة الخمسينيّة هي من أكبر الحركات المسيحيّة التي ظهرت في القرنَيْن العشرين والحادي والعشرين، وهي متواجدة بين جميع الطوائف البروتستانتيّة والكاثوليكيّة، وهي قضيّة لا يُمكن تجنّبها في الإرساليّات العالميّة، إلّا أنّ إجابتي بالنفي على السؤال أعلاه قد تفاجئكم. يؤمن عددٌ كبير من المسيحيين المعاصرين بكلّ شيء بدءًا من استمراريّة المواهب النبويّة إلى توقّفها. استمرارية المواهب النبويّة هي الادّعاء بأنّ هذه المواهب هي ضرورية وأساسيّة ومستمرّة لحضور الروح القدس في الكنيسة وفي المؤمنين كأفراد. في نظريّة الاستمراريّة القويّة هذه، قد تكون الكنائس، وحتّى المسيحيّين المؤمنين الذين لا يتمتّعون بهذه المواهب النبويّة، كنائس مزيّفة ومسيحيّين مزيّفين. أو لأعبّرَ عن ذلك بطريقة إيجابيّة، يؤكّد أتباع نظريّة استمراريّة المواهب النبويّة على أنّ برهان حيويّة الكنيسة هو في عمل الروح القدس المستمرّ الذي يظهر في الأفراد بمواهب نبويّة كالتكلّم بألسنة والنبوّة المستمرّة.

بالنسبة إلى وجهات نظر المؤمنين باستمراريّة المواهب، أصبح من الشائع لا بل من المألوف في الأوساط المسيحيّة اليوم التأكيد على وجهة نظر لطيفة لاستمراريّة المواهب تَدينُ من منبر الكنيسة ومقاعدِها من حيث المبدأ الاستمراريّة الكاملة للمواهب. وفي حين أنّ وجود كنائس تؤمن باستمراريّة المواهب بطريقة لطيفة وتعترض على الممارسة الكاملة لوجهات النظر الخمسينيّة حول المواهب النبويّة في العبادة العامّة، إلّا أنّ الاعتراض ليس على المبدأ، إنّما هو فقط مبنيّ على أسس عمليّة أو عقلانيّة لما هو أفضل للعبادة العامّة.

من جهة أخرى، إنّ نظريّة توقّف المواهب هي وجهة النظر التي تنادي بأنّ المواهب النبويّة كانت فقط لعصر الرسل خلال حياتهم، وتوقّفت مع اختتام قانونيّة أسفار الكتاب المقدّس. وهكذا، بالنسبة إلى الذين ينادون بتوقّف المواهب، فإنّ تركيزهم الأساسيّ هو على توقّف المواهب عند اكتمال الكتاب المقدس مع اكتمال أسفار العهد الجديد. وفوق هذا، إنّ التلفّظ في الكتاب المقدس بعبارة "كلمة من الربّ" أو التكلّم بـ "كلمة نبويّة باسم الربّ" لا يترك مجالًا للخطأ. مثلًا، ينصّ سفر التثنية 18: 21-22 بوضوح على ما يلي:

"وَإِنْ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ ٱلرَّبُّ؟ فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ ٱلنَّبِيُّ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ، فَهُوَ ٱلْكَلَامُ ٱلَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ ٱلرَّبُّ، بَلْ بِطُغْيَانٍ تَكَلَّمَ بِهِ ٱلنَّبِيُّ، فَلَا تَخَفْ مِنْهُ."

لا يُمكن المغالاة في أهميّة هذه النقطة، فما يقوله الربّ من خلال أنبيائه الحقيقيّين معصوم من الخطأ. بالإضافة إلى ما ذُكر آنفًا عن نهائيّة إعلان الله في المسيح على الصعيدَيْن الكتابيّ واللاهوتيّ، من المهمّ مُلاحظة أنّه إلى جانبِ العقيدة المتينة لعصمة الكتاب المقدّس، فإنّ الموقف القائل بتوقّف المواهب النبويّة يلتزم بمتطلّباتٍ عالية مماثلة لصدق ودقّة وعصمة النبوّة الحقيقيّة.

على الرغم من ادّعاء أصحاب موقف استمراريّة المواهب النبويّة بعمل أكمل للروح في العهد الجديد، إلّا أنّه يجب عليهم التمسّك بنظرة أقلّ كمالًا للنبوّة ممّا حدث في العهد القديم. قد يجادل بعض الداعمين الأقوياء جدًّا لموقف استمراريّة المواهب النبويّة- ولكن بالتأكيد ليس جميعهم - بشأن تكافؤ الإعلانات الخاصّة بهم مع وحي الكتاب المقدّس، لدرجة أنّهم يُشيرون إلى أنفسِهم على أنّهم رسلُ عصرنا الحاليّ. إنّ مثلَ هذا التأكيد سيُحرجُ مُعظم أصحاب موقف استمراريّة المواهب النبويّة، سواء كانوا مُعتدلين في مواقفهم أم غير معتدلين. لماذا؟ لأنّ مُعظمَهم يريد إظهار الفرق الكبير بين مستوى وأولويّة وحي الرُسل ونبوّات ما بعد عهد الرسل. قد يقبل أصحاب موقف استمراريّة المواهب النبويّة بوجود مواهب نبويّة من الروح القدس بعد عهد الرُسل، والتي قد تكون غير معصومة من الخطأ. لنفكّر مليًّا للحظات: لا يتوقّع المؤمنون في عالم الكنائس الخمسينيّة أنْ تكونَ كلّ كلمة من الربّ يقولها شخص ما بعد عهد الرسل من الذين يتمتّعون بموهبة النبوّة بأنّها صحيحة تمامًا. قد يتبيّن لاحقًا أنّ أغلب كلماته قد تكون صحيحة، وبأنّها قد تتحقّق أو لا تتحقّق أبدًا. قد تعكس كلماته انطباعًا وجدانيًّا يُقصد به حقيقة ما، لكن لا يمكن اعتبارها صحيحة تمامًا بشكلها الظاهريّ. ضمنيًّا، إنّ العلامة المستمرّة لحضور الروح القدس الحقيقيّ في الكنيسة، وبالتالي في المؤمنين، يمكن اختصارها في إشارة مُحتمَلة وغير معصومة من الخطأ. هل يمكن لنبوّة حقيقيّة من الروح القدس أنْ تكون خاطئة؟ بالطبع لا. وإنْ ظهرَ في الكنيسة ممارسة "تنبّؤ" غير معصوم من الخطأ، ألن تميل في ممارستها ومبادئها نحو تبنّي وجهة نظر أدنى للكتاب المقدّس؟

إضافة إلى الجدل الدائر حول المواهب النبويّة في العهد الجديد، سيكون من المفيد جدًّا بحسب اعتقادي مناقشة ما يُسمّى غالبًا بالتنوير. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التنويرَ والوحيَ ليسا بالشيء نفسه. الوحي هو الحقيقة الموضوعيّة التي تشير إلى الله. بالنسبة إلى علماء اللاهوت المُصلِحين الكلاسيكيّين من القرن السادس عشر فصاعدًا، يُعرّفون الوحي في أغلب الأحيان بالمقارنة مع إلهام النبيّ أو الرسول وبعلاقته بوحي الكتاب المقدّس. في هذا الإطار، يُعتبر مناقشة مسألة النبوّة كإعلان خاصّ أكثر أمانةً وملاءَمةً. الاستنارة هي تأكيد من الروح القدس لشخص ما على الحقّ الكتابيّ. بالنسبة إلى المؤمن الذي اختبر حديثًا الولادة الجديدة، هو يُدركُ المسيحَ بإيمان قلبيّ وفهم عقليّ. بالنسبة إلى المؤمن الراسخ في إيمانه، فإنّ عملَ إنارة الروح القدس يبني الإيمانَ في الكتاب المقدّس وفهمه بهدف الوصول إلى نُضج وقداسة المؤمن المسيحيّ. إنّ عقيدةَ الاستنارة بين المُصلِحين هي وجهة النظر القائلة بأنّ الأمر يتطلّب عمل الروح القدس لفهم الكتاب المقدّس للخلاص، وأنّ المختارين مدعوّون إلى الحياة الأبديّة. بالمعنى الصحيح للكلمة، الاستنارة ليست إعلانًا. تسعى عقيدة الاستنارة إلى شرح كيف يُطبّق الروح القدس الأسفار المقدّسة في قلب المؤمن لينتج عنها تبكيتًا على الخطيّة وتوبةً وإيمانًا وقلبًا لطاعة جديدة. إنّ الشهادة الداخليّة للروح القدس هي جانب مهمّ جدًّا في الحياة المسيحيّة بينما ندرك مثلًا في ضوء كلمة الله، أنّه لدينا تأكيد عمل روح الله القدوس الذي يشجّع قلوبنا على الثقة بالله، وبأنّه قد تُبنّينا في عائلة الله، وأنّه أصبح لدينا إمكانيّة الدخول إلى الله من خلال المسيح بصلاة جريئة وحرّة. عقيدة الاستنارة تعني أنّنا نستطيع، لا بل يجب علينا أنْ نصلّي طالبين أنْ يُشرقَ الروحُ القدس نفسُه الذي أوحى بالأسفار المقدّسة في قلوبِنا لنعرفَها ونعرفَ الله كما يجب أنْ يُعرفَ: كإلهُنا الأمين، وكمُخَلّص لنا، وكأبّا الآب، وكملكُنا وربُّنا، وكمصدر كلّ فرحنا. وبينما نتوق ونرغب في عبادةٍ أعظمَ وأكملَ لله مع كلّ شعبه في السماء، مُنحنا هنا في هذه الحياة الأسفارَ المقدّسة الكافية ذات السلطان لتدريب وتوجيه وقيادة قلوبنا وعقولنا نحو الله.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

تود م. ريستر
تود م. ريستر
الدكتور تود م. ريستر هو بروفيسور مساعد في مادّة تاريخ الكنيسة في كليّة وستمنستر اللاهوتيّة، وقد قام أيضًا بترجمة كتاب اللاهوت النظري العملي لمؤلّفه بيتروس ڤان ماستريخت.