غرض ونطاق الكفارة - خدمات ليجونير
ما معنى التعويض والاسترضاء؟
۸ أكتوبر ۲۰۱۹
التوليب واللاهوت المُصلَح: مقدمة
۱۸ نوفمبر ۲۰۱۹
ما معنى التعويض والاسترضاء؟
۸ أكتوبر ۲۰۱۹
التوليب واللاهوت المُصلَح: مقدمة
۱۸ نوفمبر ۲۰۱۹

غرض ونطاق الكفارة

في عصر نجد فيه الأرضيَّة اللاهوتيَّة مُشبَّعة بسيلٍ جارف من التفكير الوجودي، تبدو محاولة اللجوء إلى أحد لاهوتي القرن السابع عشر لتناول قضية لاهوتيَّة مُلحة أمرًا انتحاريًّا يشبه مواجهة السيل الجارف والأبواب مفتوحة على مصراعيها راكبًا طوف مصنوع من الخشب. لا يوجد شيء يثير ضجيج المتكبرين الغيورين الذين هم ضد المنطق أكثر من اللجوء إلى حكمة عصر المدرسة الفلسفيَّة البروتستانتيَّة.

"المدرسة الفلسفيَّة" هو تعبير ازدرائي يطلقه من يُسمُّون "بالأرثوذكسيَّة الحديثة"، أو المفكرين المُصلحين "التقدميِّين" الذين يعتنقون "روح" الإصلاح بينما يتجنبون "حرفه"، على مفكري القرن السابع المُصلحين الذين دوَّنوا أفكار من سبقوهم من عظماء القرن السادس عشر.  ينظر متهكمو العصر الحديث إلى المدرسة الفلسفيَّة البروتستانتيَّة على إنها تصوير للأمور المجردة أو توضيح للأشكال الديناميكيَّة وغير الثابتة للأفكار المبكرة للإصلاح. ويُنظر إليها كتشويه للنسخة الحية والنشطة التي أعادت اكتشاف الفكر الكتابي وتحويله لملخص ميت لعصر المنطق، حيث تم اختزال حقائق الفداء النابضة بالحياة إلى مجرد فرضيات منطقية مُغطاة في مجلدات لاهوتيَّة جافة وإقرارات إيمانيَّة قاحلة مثل إقرار إيمان وستمنستر.

كانت الخطية المحدقة لرجال مثل فرانسيس تيريتن (Francis Turretin) وجون أون (John Owen) هي شغفهم لصياغة بيانات لاهوتيَّة دقيقة وواضحة. كما يعلق جاى. أي. باكر في مقدمته لأحد أعمال جون أون الكلاسيكيَّة بعنوان إبادة الموت بموت المسيح (The Death of Death in the Death of Christ):

هؤلاء الذين لا يجدون داعي للدقة العقائديَّة وليس لديهم وقت للمجادلات اللاهوتيَّة والتي تبيِّن الانقسامات بين من يُسمُّون بالإنجيليِّين قد يندمون على ظهورها مرة أخرى... ما يقدمه أون في كتابه هو تحليل بنَّاء، كتابي موسع لقلب رسالة الإنجيل، ويجب أن يُؤخذ بجدية بنفس القدر... ليس لأحد الحق في رفض عقيدة محدوديَّة الكفارة باعتبارها مسخ للمنطق الكالفيني حتى يدحض دليل أون الذي هو جزء من التعليم الكتابي الموحد عن الفداء، يُعلَّم بوضوح في نص صريح تلو الآخر.

إن "المسخ" الذي صنعه المنطق الكالفيني الذي يشير إليه باركر هو عقيدة الكفارة المحدودة. إن ما يُسمى "بكالفينيَّة الخمس نقاط" (والتي نتجت عن جدال مع المحتجين / الأرمينيِّين في هولندا في أوائل القرن السابع عشر) أصبحت معروفة بالاختصار توليب (TULIP)، حيث يمثِّل كل حرف منها أحد النقاط الخمسة، لتكون في النهاية أجمل زهرة في حديقة الله:

الحرف الأول T يمثِّل الفساد الشامل

الحرف الثاني U يمثِّل الاختيار غير المشروط

الحرف الثالث L يمثِّل الكفارة المحدودة

الحرف الرابع I يمثِّل النعمة التي لا تُقاوَم

الحرف الخامس P يمثِّل مثابرة القديسين

إن العديد ممن يتبنُّون وجهة نظر عن سيادة نعمة الله في الاختيار على استعداد لقبوا النقاط الخمسة إن انتُزع منها أحد النقاط. يرغب مَن يطلقون على أنفسهم "كالفينيِّين من أربعة نقاط" في التخلُّص من الحرف الذي يشير إلى الكفارة المحدودة في النقاط الخمسة.

ظاهريًّا، يبدو أن عقيدة الكفارة المحدودة من بين "النقاط الخمسة" تقدِّم أكثر الصعوبات. ألا يُعلِّم الكتاب المقدس مرارًا وتكرارًا أن يسوع مات من أجل العالم أجمع؟ ألا يشمل نطاق الكفارة جميع أنحاء العالم؟ إن التصريح الأساسي الذي يقر به الإنجيليُّون هو يوحنا 3: 16: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ ..."

من ناحية أخرى، يبدو لي أن الكفارة المحدودة هي الأسهل في الدفاع عنها من بين النقاط الخمسة.  ولكن يجب أن نبحث فيما وراء الظاهر حتى تتبيَّن سهولة الأمر. يقدم جون أون أعمق حجة وراء هو ظاهر على السطح في هذا الأمر في كتابه إبادة الموت بموت المسيح.

أولًا، لنسأل هل كانت كفارة المسيح كفارة حقيقيَّة؟ هل حقًا أتمَّ المسيح مطالب العدل الإلهي، أم فقط جعل ذلك ممكنًا؟ إن كان المسيح قد قدَّم فدية عن كل البشر وكفَّر عن كل خطاياهم، إذن من الواضح أن كل البشر سوف يخلصون. إن الكفارة الشاملة لجميع البشر، إن كانت حقيقيَّة وليست فقط مُحتملة، تعني الخلاص الشامل لجميع البشر.

ولكن، الأغلبيَّة العظمى من المؤمنين الذين يرفضون الكفارة المحدودة يرفضون أيضًا الخلاص الشامل لجميع البشر. فهم محدَّدون وليسوا شموليِّين. كما إنهم يصرون على عقيدة الخلاص بالإيمان وحده، والتي تعني أن المؤمنون فقط هم المُخلَّصون بواسطة كفارة المسيح.

إذا كان الأمر كذلك، إذن الكفارة بشكل ما يجب أن تكون محدودة، أو قاصرة على مجموعة معينة، أي المؤمنين. إن كان المسيح قد مات من أجل خطايا جميع البشر، فيجب أن يشمل ذلك خطية عدم الإيمان. وإن كان عدل الله قد تم استيفائه من خلال عمل المسيح على الصليب، إذن يترتَّب على ذلك أن يكون الله غير عادل إن عاقب الخاطئ غير التائب لأجل عدم إيمانه وعدم توبته لأن المسيح قد سدد بالفعل ثمن هذه الخطايا.

عادة ما يحاول الناس تفادي هذا الأمر عن طريق ذكر هذه الحقيقة البديهيَّة "كفارة المسيح كافية للجميع، ولكنها فعَّالة فقط للبعض". ماذا يعنى هذا؟ يفسر الكالفيني هذه الحقيقة البديهيَّة على أنها تعني أن قيمة ذبيحة المسيح عالية جدًا، وبركات عمله واسعة وممتدة جدًا، وقيمتها تساوى التكفير عن كل خطايا الجنس البشرى. ولكن بركات الكفارة هي فعَّالة فقط للمؤمنين، أي المختارين. بينما يفسر غير الكالفيني هذه الحقيقة البديهيَّة بشكل مختلف قليلًا فيقول: إن كفارة المسيح كافية أن تخلِّص الجميع، وكان القصد منها هو أن تجعل الخلاص متاحًا للجميع. ولكن هذا القصد يتحقَّق فقط للمؤمنين. فالكفارة فعَّالة (أو "تعمل") فقط للذين يستقبلون بركاتها بالإيمان.

وكما قلت سابقًا، لا يزال هذا التفسير شكلًا من أشكال "الكفارة المحدودة." ففاعليَّتها محدودة باستجابة البشر. وللأسف، هذا النوع من المحدوديَّة يضع حدًا على عمل المسيح الخلاصي أكبر بكثير من أي حدود للكفارة بحسب وجهة نظر اللاهوت المُصلَح.

تكمن المسألة الحقيقيَّة في الغرض، أو الهدف، من خطة الله في وضعه عبء الصليب على ابنه. هل كان هدف الله هو ببساطة جعل الخلاص متاحًا للجميع ولكن غير مؤكد لأي شخص؟ هل يضطر الله للانتظار حتى يرى هل سيتجاوب أحد مع المسيح حتى يجعل كفارته فعَّالة لهذا الشخص؟ هل كان من الممكن نظريًّا أن يموت المسيح "من أجل الجميع" ومع كذلك لا يرى أبدًا من تعب نفسه ويشبع؟

أم كان هدف الله الأزلي والغرض من الصليب هو أن يجعل الخلاص مؤكَّدًا لمختاريه؟ هل كانت هناك دلالة خاصة في موت المسيح من أجل خاصته، من أجل الخراف التي قد أعطاها الآب له؟

هنا يؤثر فهمنا لطبيعة الله بقوة وبشكل حاسم على فهمنا لغرض ونطاق الكفارة. لتناول كل نص كتابي يتعرَّض لهذه الأسئلة، فإن أفضل مصدر أعرفه هو كتاب جون أون إبادة الموت بموت المسيح.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.