الهاوية - خدمات ليجونير
الوليّ الفادي
۲۵ يوليو ۲۰۲۳
الزوفا
۱ أغسطس ۲۰۲۳
الوليّ الفادي
۲۵ يوليو ۲۰۲۳
الزوفا
۱ أغسطس ۲۰۲۳

الهاوية

ملاحظة المُحرِّر: المقالة [الرابع] من سلسلة "كلمات وعبارات في الكتاب المقدّس يُساء فهمها"، بمجلة تيبولتوك.

ما هو هذا المكان الذي يسمى الهاوية بالنسبة إلى قدّيسي العهد القديم؟ تُستخدم كلمة "الهاوية" في معظم الأماكن في العهد القديم، لوصف مصير الإنسان. تحوم فوق هذه الكلمة هالة ضبابيّة. غالبًا ما يصف الصدّيقون الهاوية بمكان لا يريد الإنسان أنْ يذهبَ إليه – إنّها "مصير غير مرغوب فيه"، كما هو الحال في مزمور 30: 3. في أكثر الأحيان التي يشير فيها كُتّاب المزامير إلى الهاوية، ليس الموت في حدّ ذاته أكثر ما يُخيفهم، ولا أنْ تهلك أنفسهم في الموت، بل كانوا يخشَوْن فقدان العلاقة مع الله. مثلًا، نقرأ في المزمور 6: 5، "لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ٱلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي ٱلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟" عدد الكلمات المُستخدمة في الكتاب المقدّس للإشارة إلى هذا المكان كبير جدًّا: "الهاوية"، "الحفرة"، "القبر"، "الأعماق"، "مكان الهلاك"، "أرض النسيان"، "أَبَدُّونَ."

غالبًا ما كان يُنظر إلى الهاوية كمكان للعقاب الإلهيّ، وهو المصير الذي غالبًا ما يتمنّاه الناس للأشرار. غالبًا ما يتحدّث كاتب المزامير بطريقة مجازيّة عن الهاوية. تُستخدم كلمة "الهاوية" أحيانًا مجازيًّا لوصف شدّة بليّة شخص ليس موجودًا فيها بالمعنى الحرفيّ للكلمة. مثلًا، في المزمور 88، لا يُمكن أن يكونَ كاتب المزمور موجودًا في الهاوية، لأنّه من الواضح أنّه لا يزال حيًّا يُرزق؛ لذلك، هو يستخدم لغة مجازيّة لوصف وجوده كما لو كان بالفعل في عالم الذين يعيشون في الهاوية. تُستخدم كلمة "الهاوية" أحيانًا لوصف ألم التواجد في السبي. وتُستخدم أحيانًا كلمة "الظلام" كاستعارة لوصف حالة شبيهة بالهاوية، كما في مزمور 143: 3 "لِأَنَّ ٱلْعَدُوَّ قَدِ ٱضْطَهَدَ نَفْسِي. سَحَقَ إِلَى ٱلْأَرْضِ حَيَاتِي. أَجْلَسَنِي فِي ٱلظُّلُمَاتِ مِثْلَ ٱلْمَوْتَى مُنْذُ ٱلدَّهْر."

عندما كان قدّيس العهد القديم يذكر كلمة "الهاوية" أو أحد مرادفاتها، كان أكثر ما يخشاه هو فقدان بركة الله، لأنّ الإنسان لا يستطيع أنْ يغيبَ عن الله بشكل كامل. يؤكّد مزمور 139: 7-8 أنّ الله كليّ الوجود كان موجودًا أيضًا هناك في الهاوية.

يُقال عن المزمور 16 بالعادة إنّه مزمور التوكّل أو الثقة. يُقتبَس المزمور 16 في أعمال الرسل 2: 25-28، 31 و 13:35. وبشكل خاصّ، يبدو أنّ المزمور 16: 10 - "لِأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا" أنّه إشارة إلى الخلود والقيامة والحياة الآخرة. يُثار الموضوع نفسه في المزامير 17، 49، 73. من الشائع أنْ نجدَ في كُتب التفسير ادّعاء بأنّ سفر المزامير لا يحتوي على نقاش مهمّ حول المفهوم العبريّ للحياة الآخرة. يفضّل معظم المفسّرين اعتبار الإشارات في نهاية المزمور 16 بأنّ المرنّم يصلّي طالبًا أنْ يحميه الله من الموت المفاجئ. يوجد نظريّة أخرى بأنّ "الحياة" المُشار إليها في الآية 11 هي "الحياة الأبديّة"، وبالتالي هي بيان حول إيمان المرنّم بالخلود، وهذا يُفسّر تطبيق لوقا لها على القيامة. كما اعتبر غيرهاردوس فوس أنّ هذه الكلمات يُمكن تطبيقها بشكل صحيح على قيامة يسوع كما فعل لوقا (انظر أعمال الرسل 2: 25-28).

بموت ربّنا يسوع المسيح وقيامته وصعوده، تغيّر مفهوم الموت والحياة الآخرة بشكل جذريّ عند القدّيسين. من المهمّ هنا أنْ نفهمَ القول السابع لربّنا وهو على الصليب: "يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" (لوقا 23: 46). كانت هذه العبارة الأخيرة بيان عزاء وثقة بنويّة. كانت بالفعل ذبيحة روحه البشريّة إلى أبيه السماويّ (في هذه الأثناء، بقيت طبيعته الإلهيّة متّحدة مع طبيعته البشريّة، حتّى بينما كان راقدًا في القبر؛ انظر الاعتراف البلجيكي 19). من خلال قوله الأخير هذا على الصليب، يُعطينا المسيح تأكيدًا على الحياة غير المنقطعة.

أدركَ استفانوس، الشهيد الأوّل للكنيسة، مغزى ذلك، لأنّه حتّى بينما كان يُرجم، دعا الله طالبًا منه أنْ يكون حارسًا له: "أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ، ٱقْبَلْ رُوحِي" (أعمال الرسل 7: 59). أدرك الرسول بولس أيضًا حقيقة الربّ المُقام والحياة بعد الموت، لأنّه أدرك أنّ هوشع ١٣: ١٤ قد اختبر الآن اكتمالها الحقيقيّ، حين أعلن: "أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (1كورنثوس 15: 55).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

براين إستل
براين إستل
الدكتور براين إستل هو أستاذ العهد القديم بكليَّة وستمنستر للاهوت في ولاية كاليفورنيا. وهو ألَّف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "أصداء الخروج" (Echoes of Exodus).