الوليّ الفادي

يؤكّد وجود محلّات الرهن والإفلاس حقيقة الأزمة الماليّة التي يمرّ بها الناس في أيّامنا هذه. هل سبق أنِ احتجتَ إلى مساعدة ماليّة؟ ربّما طلبت من أحد أفراد أسرتك مساعدتك في سداد فاتورة بطاقتك الائتمانية أو قرض الدراسة أو سداد الرهن العقاريّ. أو ربّما طلب منك أحد أفراد أسرتك المساعدة في سداد دين ما يتوجّب عليه.

الحاجة إلى المساعدة الماليّة هي طريقة مفيدة لشرح فكرة الوليّ الفادي. باختصار، الوليّ الفادي هو قريب يُسدّد ديون شخص آخر. لكن يُشير هذا الموضوع إلى شيء أبعد من الشؤون الماليّة، لأنّ احتياجنا الأكبر ليس أنْ يقومَ شخصٌ ما بسداد ديوننا الماليّة - مهما كانت تلك الحاجة كبيرة – إنّما الحاجة إلى شخص يُخلّصنا من الديون المستحقّة علينا بسبب خطايانا. هذه هي الطريقة التي تؤثّر بها فكرة العهد القديم عن الوليّ الفادي في فهمنا للفداء من خلال ذبيحة يسوع المسيح.

نُظّمت فكرة الوليّ الفادي في شرائع اللاويّين، وقد ظهرت عند رجال مثل بوعز وإرميا، وتمّمها يسوع، الذي دفع ثمن خطايانا بدمه الثمين.

أُعطيت التعليمات الخاصّة بالولي الفادي في لاويين 25، وهي مُرتبطة بشكل وثيق بسنة اليوبيل، عندما تُعفى الديون، وتُعاد أراضي العائلة، ويُطلق سراح السجناء. إن كان أحد بني إسرائيل مديونًا، فقد يُضطرّ إلى بيع أرضِه الموروثة، أو حتّى قد يبيع نفسه عبدًا. إنْ حدثَ هذا، يقوم أحد أقاربه بسداد الدَيْن لاسترداد الأرض و / أو لتحريره من نير العبوديّة (كلّما كانت العلاقة الأسريّة أقرب، زاد التزام القريب بأن يعمل كولي فادي). كان يتمّ حساب تكلفة الفدية بشكل متناسب مع سنة اليوبيل.

في سفر راعوث، تظهر التزامات الولي الفادي في قصّة من الحياة الواقعيّة. مات زوجُ نُعمي وأبناؤها في أرض موآب، وبعد سنوات عديدة، وصلت نُعمي وراعوث إلى بيت لحم. بوعز هو وليّ قريب ويُشرّفه أنْ يُطلبَ منه أنْ يقومَ بدور الوليّ الفادي، لكن يوجد من هو أقرب منه ويتمتّع بالحقّ الأوّل في ممارسة هذا الدور. عندما تراجع القريب الأقرب منه لأنّ تكلفة الفدية والزواج من راعوث ستعرّض ممتلكاته للخطر، قام بوعز، وقد كانت الكلفة كبيرة بالنسبة إليه، بدفع المبلغ المتوجّب لاسترداد الأرض، ثمّ اتّخذ راعوث زوجة له.

يعود هذا الموضوع في الظهور مرّة أخرى في حياة النبيّ إرميا. قال الله ردًّا على شكوى إرميا: "...وَأَفْدِيكَ مِنْ كَفِّ ٱلْعُتَاةِ" (ارميا 15: 21). فيما بعد، أصبح إرميا نفسه مثالًا مُهمًّا آخر للوليّ الفادي عندما دفع ثمن افتداء أرض ابن عمّه (32: 6-15)، مانحًا إيّاه الأمل في المستقبل.

ترسم هذه النظرة العامّة الموجزة من لاويين وراعوث وإرميا الصورة لمساعدتنا على رؤية وإدراك حاجتنا إلى الفداء. بسبب خطايانا، كانت كلفة هذا الفداء باهظة على نحو بارز، لكنّ الربّ يسوع المسيح دفعَ هذا الثمن بالكامل. نرى ذلك بوضوح عندما نقوم بمسح موجز لمقاطع العهد الجديد التالية.

كان يسوع يُعلّم في وقتٍ مُبكّر من خدمته الأرضيّة في مجمع الناصرة. قرأ هذه الكلمات من إشعياء 61: "رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ...  أَرْسَلَنِي لِأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِٱلْعِتْقِ... لِأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ" (لوقا 4: 18-19). كان يسوع يشير إلى سنة اليوبيل وإلى فدائه حين قال: "إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ" (لوقا 4: 21).

أدركَ الرسلُ بشكل صحيح عمل يسوع الخلاصيّ في الفداء. يقول بولس في غلاطية 3: 13، "اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا." بطرس أيضًا يتحدّث عن الفداء الذي تمّمه يسوع، مُشدّدًا على الثمن الباهظ لقاءَه. نقرأ في 1 بطرس 1: 18-19، "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لَا بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلْآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ."

يشدّد العهد الجديد على أنّنا مَدينون روحيًّا. الثمن الوحيد المقبول لتسديد ديون خطايانا هو دم يسوع الثمين. عندما دُفِع هذا الثمن، أُلغي الدَّيْنُ فحُرّر المذنبون. الأمر المُلفت للانتباه هو أنّ يسوع المتجسّد لا يستحي أن يدعونا إخوة وأخوات (عبرانيين 2: 11). إنّه حقًّا وليّنا الفادي. نشكر الله على هذا الفداء العظيم.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.