Simul Justus et Peccator
۵ سبتمبر ۲۰۲۳الإنسان مُركّب من جسد وروح
۷ سبتمبر ۲۰۲۳الإنسان كصورة الله
ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثاني] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ عقيدة الإنسان ] .
لم يبقَ أفضل جزءٍ من خليقة الله سرًّا لفترة طويلة، إذ نجده في الإصحاح الأوّل من الكتاب المقدّس. ومع ذلك، يبدو أنّ هذا الإصحاح استغلّ كلّ الوقت ليصل إلى الإنسان، الأمر الذي وضعَ عملَ
الله في سياقه لكي نقدّرَه بصدق عندما يحدث. إنّ ظهور حامل صورة الله هو ضربة فرشاة الرسّام الأخيرة على اللوحة الكونيّة:
وَقَالَ ٱللهُ: نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا...
فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ.
عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ.
ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. (تكوين 1: 26-27)
تتحدّث كلمة الله عن خلق الإنسان بشكل صريح وفنّي في الوقت نفسِه. نجد أنفسَنا نقرأ هذه الآيات من خلال العدسة الحَرْفِيّة والعدسة الأدبيّة. يحدث هذا في أماكن أخرى حيث يتأمّل الروح القدس بأعمال الله العجيبة في التاريخ، ويفعل ذلك بأسلوب شعريّ. مثلًا، بعد أنْ عبَر بنو إسرائيل البحر الأحمر، ألّف موسى ترنيمة للاحتفال بخلاصِ شعب الله وتخليد تلك الذكرى. لذلك هنا أيضًا، في أيّام الخلق غير الاعتياديّة، ما يقودنا إلى هذا الاستنتاج الواضح ليس فقط ماذا يقول الكتاب المقدّس، ولكن كيف يقوله: إنّ خلقَ الله للإنسان فريد بشكلٍ مُطلق.
كيف يقول الكتاب المقدّس ذلك
تشير قصّة الخلق إلى مكانة الإنسان الاستثنائيّة في عالم الله الجديد بالطريقة التي تمّ بها ترتيب الإصحاح الأوّل من سفر التكوين. عندما نفهم القصّة في كلّيتها، نجد أنّ بُنيتها هي إحدى سماتِها الواضحة. يُحدَّد الخلقُ في إطار ستّة أيّام. يمرّ كلّ يوم بعد الآخر بتوقّع ظهور خليقة جديدة ستملأ العالم بطريقة ملائمة. يتزايد الزخم بعد أنْ أصبحَ الخلق أكثر تميّزًا، وأكثر تحديدًا، وأكثر تفصيلًا. كلّ شيء يدفع بحماس للأمام نحو اليوم الأخير من الأسبوع. وعندما حلّ أخيرًا اليوم السادس (وفقط بعد أنْ أوجدَ الله كلّ الحياة النباتيّة وكلّ الحيوانات)، بقي عليه أنْ يُقدّم مخلوقًا واحدًا: الإنسان، تاج انتصار كلمة الله المنطوقة. وإنْ فشلَ القارئ في اتّباع النقاط التي تربط هذه الآيات بعضها ببعض، فإنّ الإصحاح الثاني من سفر التكوين يعود من جديد إلى خلق الإنسان، ويشرح مكانة الإنسان الفريدة وامتيازاته ودعوته.
بعد التمعّن في تكوين 1، نلاحظُ لا محالة كيف تمّ إبراز قصّة عمل الله بملامح شعريّة. اللازمات والتكرارات تشقّ طريقَها عبر قصّة الخلق.
وَقَالَ ٱللهُ: لِـيكن...
وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ
وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا...
تخلق هذه العبارات إيقاعًا بينما نقرأ القصّة، بحيث تُروى بتناغم مستسيغ. هذا صحيح على الأقلّ إلى أنْ حان وقت خلق الإنسان، فيتوقّف نمطُ سرد القصّة. لأوّل مرّة، لا يتكلّم الله فحسب ويظهر شيئًا ما بسرعة إلى الوجود. أقانيم اللاهوت يتحدّثون الآن الواحد مع الآخر، وينغمسون في مناجاة حول ذروة كلّ الكائنات الحيّة. يتأمّل المجلس الإلهيّ بصوت مُرتفع في أهميّة هذا المخلوق الجديد الذي سيظهر في ترتيب الخليقة. ولا يتمّ التشاور بأيّ عنصر آخر من عناصر الخلق بهذه الطريقة.
الإنسانيّة هي أسمى أعمال لله، والله يوقف إيقاع قصّته التي تتكشّف لكي نستطيع أن نقدّر ظهور أسمى مخلوق في الخليقة.
لا يتمّ التأمّل بأيّ شيء آخر عدا الإنسان فيما يتعلّق بواجبه الفريد، ألّا وهو وكالته على الخليقة والتسلّط عليها.
"...فَيَتَسَلَّطُونَ...عَلَى كُلِّ ٱلْأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلدَّبَّابَاتِ ٱلَّتِي تَدِبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ... أَثْمِرُوا وَٱكْثُرُوا وَٱمْلَأُوا ٱلْأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا... عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى ٱلْأَرْضِ." (تكوين 1: 26-28)
لا يتمّ مناقشة أيّ جنس آخر بالتفصيل كذكر وأنثى مُكمّلَيْن بعضهما بعضا.
"فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ.
عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ.
ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تكوين 1: 26-27)
ولا توصف الخليقة بأنّها "حسنة جدًّا" حتّى ظهور الإنسان (تكوين 1: 31). كان الخلق قبل ذلك "حسنًا" - وهو ثناء سامٍ، ولكنّه الآن يحصل على ثناء أسمى.
لا يحصل مخلوق آخر على مثل هذا الوصف التفصيليّ، لأنّه لا يوجد مخلوق آخر يُضاهيه. الإنسانيّة هي أسمى أعمال لله، والله يوقف إيقاع قصّته التي تتكشّف لكي نستطيع أن نقدّر ظهورَ أسمى مخلوق في الخليقة. بُنية النصّ وأسلوبُه يوضِحان هذا. لكنّ النصّ يُخبرنا هذا أيضًا صراحةً عندما يقول إنّ الجنسَ البشريّ وحده هو الذي خُلق على صورة الله.
ماذا يقول الكتاب المقدّس
إنْ كانتْ تُشير الطريقة التي يقدّم بها الكتاب المقدّس خلقَ الإنسان إلى أهمّيّته بالنسبة إلى بقيّة الخليقة، فما يقوله الكتاب المقدّس عن الإنسان يشير إلى جوهره الفريد بالنسبة لخالقه. تجدُ المخلوقاتُ الأخرى مكانَها في الممالك الخاصّة بها. أمّا الإنسان فيجد مكانته النهائيّة في علاقته بإلهه. إنّه الوحيد في كلّ الخليقة الذي يلمس الأرض والسماء. في الواقع، إنّ جوهر الإنسان هو أنّه مخلوق على صورة إله السماء.
"وَقَالَ ٱللهُ: نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا...
فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ.
عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ.
ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تكوين 1: 26-27)
الإنسان كصورة الله، هو أهمّ تأكيد يصرّح به الكتاب المقدّس عن الخلق. هذا يوضِح أنّ أولويّة الإنسان في الخلق وتسلّطه عليه تنبع من جوهره كحامل لصورة الله. يشير هذا إلى الوحدة الأساسيّة للجنس البشريّ، والتي تنطبق على الجنسَيْن البشريَّيْن المُكمّلَين لبعضهما: "نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 1: 26-27). إنّ صُنعَ الله "الإنسانَ" على صورته، يوازي صنعَ الله "لهما" - أي "ذكرًا وأنثى" - على صورته. كلاهما متساويان في هذا. لكلّ من الذكور والإناث شَرِكَة مع الله بشكلٍ متساوٍ. كلاهما أخذَ معرفة إرادة الله الأخلاقيّة بشكل متساوٍ. كلاهما يشتركان بالتساوي في تفويض التسلّط على الأرض عبر رعاية وحراسة الجنّة (تكوين 1: 28). بدون حوّاء، "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ" (تكوين 2: 18). ومع حوّاء، لآدم رفيقة تتوافق معه وتفهمه وتتواصل معه- كشخص مساوٍ له.
إنّ وحدة عرقنا مُتجذّرة في حقيقة أنّ كلّ عضو من أعضاء الجنس البشريّ هو حامل لصورة الله. كلّ شخص نلتقي به، بغضّ النظر عن عِرقه الشخصيّ (أو إنْ كان من أعراق مُختلطة)، يمثّل أفضلَ عملٍ ليدَيْ الله. وهذا يكفي ليُعامَل الإنسان باحترام وكرامة – مهما كان جنسه أو عِرقه أو عُمره، سواء وُلد أو لم يولد بعد، سواء كان مسيحيًّا أم لا. كلّهم يحملون صورة الله. هم من جنسنا. كم هو سخيف أنْ نباركَ الله ثمّ نلعنَ في اللحظة التالية إنسانًا "مخلوقًا على صورة الله" (يعقوب 3: 9). كم هو مستهجن ومُستنكر أنْ يُسفكَ دمُ الإنسان، لأنّ "الله خلق الإنسان على صورته" (تكوين 9: 6).
يمثّل حاملو صورة الله أفضلَ ما خلقه الله. حتّى لو لم يُصرّح الإنسان عن إيمانه بالمسيح كخالق ومُخلّص وربّ، يجب أنْ يُعامَلَ ذلك الإنسان بالكرامة التي يستحقّها كلّ فرد من جنسنا. إنّه إنسان ساقط، لكنّه لا يزال كائنًا بشريًّا. لقد تشوّهت صورة الله كثيرًا في غير المؤمن، لكنّها قابلة للإصلاح. الإنسان الساقط بعيد كلّ البعد عن الإنسان المثالي، لكنّه لا يزال إنسانًا. تلك هي عظمة ومأساة الجنس البشريّ. قال فرانسيس شيفر: "ليس هناك من أشخاصٍ قليلي الشأن." وقال سي أس لويس: "ليس هناك أناس عاديّون." الذين نلتقي بهم كلّ يوم هم أشخاص يمتلكون أرواحًا، ولا يمكن لأيّ شيء آخر في الخليقة أن يتباهى بأنّه يمتلك مثل هذه الروح.
في الخليقة الماديّة، الإنسانُ هو صلة الوصل الروحيّة الوحيدة بين السماء والأرض. هذا هو ما يلامس في النهاية عمق جوهرنا والقصد من حياتنا، أنْ نختبرَ حقائقَ الفرح الروحيّ، والسلام الأبديّ، ومحبّة الله الثابتة، وهذه كلّها أمور تسمو فوق هذه الخليقة. بما أنّنا مخلوقون على صورة الله، فقد خُلِقنا لندخلَ في شَرِكَة مع خالقِنا. حياتُنا الحقيقيّة هي في ما فوق، وليس في الأشياء التي على الأرض. نرفع أعينَنا بالإيمان إلى خالقنا السماويّ وفادينا، فنجد حياتَنا في يسوع المسيح (كولوسي 3: 1-4). لقد "وُلِدَ في شِبْه النَّاسِ" وتألّم آلامًا لا نستطيع تحمّلها، ليحصلَ على ما لا نستطيعُ الحصولَ عليه (فيلبي 2: 7). بواسطة قيامته، رَفَعَنا الله لنسيرَ في جِدّة الحياة حتّى تتجدّدَ صورةُ الله فينا (أفسس 4: 24؛ كولوسي 3: 10). هذا هو الجوهر الحقيقيّ لمن نحن وما كان من المفترض أنْ نكونَ عليه إلى الأبد. إنّه موجود في قصّة الخلق - سواء في الطريقة التي يُخبرنا بها الكتاب المقدّس، أو في ماذا يقوله الكتاب المقدّس. وقد تحقّق في الإنجيل. لقد خُلِقنا من أجل هذا، وقد تمّ تجديدنا من أجل هذا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.