الإنسان مُركّب من جسد وروح - خدمات ليجونير
الإنسان كصورة الله
٦ سبتمبر ۲۰۲۳
الإنسان في علاقة عهد مع الله
۱۳ سبتمبر ۲۰۲۳
الإنسان كصورة الله
٦ سبتمبر ۲۰۲۳
الإنسان في علاقة عهد مع الله
۱۳ سبتمبر ۲۰۲۳

الإنسان مُركّب من جسد وروح

    ملاحظة من المُحرِّر: هذا هو الفصل [الثالث] في سلسلة مجلّة تيبولتوك [ عقيدة الإنسان ] .

أكّدت الكنيسة المسيحيّة، مع وجود استثناءات طفيفة، أنّ الطبيعةَ البشريّة مُركّبة من جسد وروح. خلقَ اللهُ الإنسانَ ليتّحدَ جسدًا وروحًا كشخصٍ يمتلك وعيًا لذاته في وحدة نفسيّة وجسديّة - وهي وُجهة نظرٍ تُعرَف باسم الوحدة السيكوسوماتيّة، أو وحدة الجسد والنَفْس. إنّ القصدَ من هذا المقال هو إجراء مسحٍ للتعاليم الكتابيّة المتعلّقة بالجسد (العنصر الجسديّ/الماديّ للطبيعة البشريّة) والنَفْس (العنصر غير الماديّ الذي يصفه الكتاب المقدّس بعدّة طُرق على أنّه إمّا "نفس" أو "روح"). بعد النظر في الحقائق الكتابيّة، سنتناول تعليمًا شائعًا بعيدًا عن التعاليم الكتابيّة والمعروف باسم التقسيم الثلاثيّ – وهي وجهة نظر تقول إنّ البشرَ مكوّنون من أجسادٍ وأنْفُسٍ وأرواحٍ – وهذا إنكارٌ بأنّ الطبيعةَ البشريّة مُركّبة من جسدٍ وروح.

سنبدأ بوجودِنا الجسديّ. بما أنّ هذا مذكور في قصّة الخلق، أكّد المسيحيّون هذه الحقيقة في وجهِ تحدّيات الفكر غير المسيحيّ والوثنيّ. يُخبرنا الكتاب المقدّس أنّ الوجود الجسديّ أمر ضروريّ للطبيعة البشريّة، وهذا يُخفّف من الميلِ إلى التقليل من قيمة الجسد لأنّه مادّة، كما هو الحال في الفلسفة الأفلاطونيّة (التي تؤكّد خلودَ الروح، وبأنّ الروح عنصرٌ أساسيّ في الطبيعة البشريّة، بينما الجسد ليس كذلك)، أو في التحريفات الغنوصيّة للتعاليم المسيحيّة (التي تؤكّد أنّ طبيعتَنا الروحيّة الإلهيّة تهيمن على الوجود البشريّ). على العكس من ذلك، تُعلّم المسيحيّة أنّ الجسدَ ليس مُجرّد إضافة للروح، وأنّ الروح لا تنتقل إلى أشكال أسمى أو أدنى من الحياة (كما في التقمّص). والجسدُ ليس سجنَ الروح، وهو مفهوم شائع إنّما هو غير كتابيّ. الجسد عنصر أساسيّ في الوجود البشريّ. والجسد ليسَ شرّيرًا لمجرّد أنّه مادّة.

إنّ السببَ وراء الموتِ، وما ينتج عنه من انفصالٍ للجسد عن الروح، يعود إلى أجرة الخطيّة، وتفتّت وحدة الجسد والروح التي أوجدها الله عند الخلق. خلقَ اللهُ الجسدَ البشريّ أوّلًا، وفقط بعد أن فعل ذلك، نفخ الحياةَ في الجسد الذي صنعه من تراب الأرض، والذي صمّمه ليكون موجودًا في العالم الماديّ (تكوين 2: 7). أعلنَ اللهُ أنّ كلّ ما صنعه كان "حسنًا جدًّا" (1: 31)، وهذا يشمل الجسد، كما أكّد عليه مُجددًا في المزمور 139. عودتنا إلى التُراب عند الموت بعد خروج الروح من جسدنا ليست هي التحرّر النهائيّ للروح من المادّة، بل هي النتيجة المُحزنة لخطيئة آدم واللعنة (الموت).

بالإضافة إلى قصّة الخلق، يوجد اعتبارات أخرى مُهمّة فيما يختصّ بالعنصر الماديّ للطبيعة البشريّة. عند تجسّده، أخذ يسوع، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، طبيعةً بشريّة حقيقيّة (غلاطية 4: 4)، دلالة إلى أنّ وجودَنا الجسديّ كان مُناسبًا لتجسّد المسيح. الاعتبار الثاني هو أنّ جسد يسوع أُقيم من بين الأموات (لوقا 24: 40-43؛ 1 كورنثوس 15: 3-8). توصف القيامة بأنّها باكورة قيامة أجساد الذين هم في المسيح (1 كورنثوس 15: 35-58). على عكس المعتقدات الشائعة، لن نقضي الأبديّة كأرواح بلا جسد، تطفو بلا وزنٍ على الغيوم. بل سوف نُفتدى بأجساد مُقامَة من بين الأموات ومُمجّدة، ونتّحد إلى الأبد بأرواحنا ليُستعادَ شخصُنا بشكلٍ كامل وتامّ. من خلال قيامة يسوع بالجسد وتمجيده، أبطلَ عقوبة الخطيّة – أي فصلَ الجسدَ عن النفسِ عند الموت.

إنّ حقيقة وجود عنصر روحيّ غير ماديّ بالإضافة إلى أجسادنا الماديّة أمر واضح أيضًا في الكتاب المقدّس. يُعرَّف هذا العنصر غير الماديّ بطريقة مختلفة في الكتاب المقدّس على أنّه "نَفْس" (في اليونانية: psych) أو "الروح" (pneuma). تحدّث يسوع عن "النَفْس والجسد" في متى 10: 28، بينما يقارن في متى 26: 41 بين "الجسد" و"الروح". يُستخدم مصطلحا "نَفْس" و "روح" بشكل متبادل. "النَفْس" غير ماديّة (لوقا 24: 39) ومكتوب إنّها فينا (1 كورنثوس 2: 11). يتكلّم بولس في مكان آخر عن التقديس كتطهير من "كل دنس الجسد والروح" (2 كورنثوس 7: 1). ويقول يعقوب إنّ الجسد الذي بلا روح هو "ميت" (يعقوب 2: 26) لأنّ الروحَ تتركُ الجسدَ عند الموت (متى 27: 50؛ أعمال الرسل 7: 59).

تُستخدم كلمة "نَفْس" بطرق مختلفة في عبر كلّ الكتاب المقدّس، ولكنّها تشير بشكل عامّ إلى الحياة التي تتكوّن في الجسد (كما في متى 16: 25-26؛ 20: 28؛ لوقا 14: 26؛ يوحنّا 10: 11-18؛ أعمال الرسل 15: 26؛ 20: 10؛ فيلبي 2: 30؛ 1 يوحنّا 3: 16). غالبًا ما تشير الكلمة الى الشخص بأكمله (مثلًا، لوقا 12: 19؛ أعمال الرسل 2: 41، 43؛ رومية 2: 9؛ 3: 11؛ يعقوب 1: 21؛ 5: 20؛ 1 بطرس 1: 9). ويُمكن أن تُشيرَ "الروح" أيضًا إلى الحياة البشريّة بالمعنى العامّ (كما في متى 27: 50 عندما أسلم يسوع روحَه)، كما يمكن أنْ تشيرَ إلى الجانب الروحيّ للحياة البشريّة مقابل الجسد (باليونانيّة sarx، كما في 1 تسالونيكي 5: 23).

يدّعي أتباع نظريّة التقسيم الثلاثي أنّ الجسدَ هو العنصر الماديّ للطبيعة البشريّة، والنَفْس هي قوّة الحياة، والروح هي العنصر الخالد للوجود الإنسانيّ الذي يرتبط بالله. رفض جميع علماء اللاهوت المسيحيّين تقريبًا نظريّة التقسيم الثلاثي باعتبارها فكرة فلسفيّة يونانيّة تأمّليّة بدلًا من أنْ تكون مفهومًا كتابيًّا. إنّه أمر مُسلّم به أنّ العقيدة ليست بالضرورة خاطئة لمجرّد الأصول التي أتت منها، ولكن من المهمّ أنْ نتذكّرَ أنّ أصلَ العقيدة غالبًا ما يكون دليلًا هامًّا على عواقبها النهائيّة. عند النظر إلى نظريّة التقسيم الثلاثي من منظور التفكير المسيحيّ عبر الزمن، نجد أنّه يوجد لها أصل مشكوك فيه. مع تأصّل جذورها في فَصْلِ أفلاطون الجسد عن الروح، وتقسيم أرسطو للروح إلى عنصرَي "الحيوان" و"العقل"، فإنّ فكرة التقسيم الثلاثي للطبيعة البشريّة هي فكرة وثنيّة بشكل لا لُبْسَ فيه وليست فكرة كتابيّة. 

تمّ الدفاع عن نظرية التقسيم الثلاثي بطرق مُختلفة. تمّ التأكيد في الكتب المسيحيّة الشعبيّة وفي الوعظ على أنّه، بما أنّ الله ثالوث (الآب والابن والروح القدس)، وبما أنّ البشر مخلوقون على صورة الله، فإنّ البشر أيضًا يتكوّنون من ثالوث، من جسد ونَفْس وروح. مثل هذه المقارنات هي استنتاجات غير ضروريّة، وهي غير مُستخلصة بشكل صحيح من الكتاب المقدّس.

غالبًا ما يُشار إلى نصَّيْن من الكتاب المقدّس لإثبات أنّ التقسيم الثلاثي هو تعليم كتابيّ. وجد العديد من الكتّاب المسيحيّين الأوائل تأكيدًا على نظرية التقسيم الثلاثي في كلمات بولس في 1 تسالونيكي 5: 23: "وَإِلَهُ ٱلسَّلَامِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلَا لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ."

ومع هذا، في ضوء المعلومات الكتابيّة التراكميّة، تظهر فكرة أخرى من بولس. لا يقوم الرسول بجدولة العناصر التي تشكّل الطبيعة البشريّة كما لم يفعل يسوع أيضًا في لوقا 10: 27 عندما قال: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ." كما فعل يسوع، استخدم بولس مصطلحات متعدّدة بهدف التأكيد عليها.

النصّ الأكثر استخدامًا لإثبات التقسيم الثلاثي هو عبرانيين 4: 12: "لِأَنَّ كَلِمَةَ ٱللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." يرى أصحاب نظريّة التقسيم الثلاثي أنّه يوجد انقسام بين النفس والروح، ممّا يشير إلى أنّه لا يمكن أنْ يكونا مترادفَيْن. لكنّ فكرة "التقسيم" لا تُستخدم أبدًا في الكتاب المقدس بمعنى التمييز بين شيئَيْن مختلفَيْن، بل يُستخدم دائمًا عند توزيع وتقسيم الجوانب المختلفة للشيء نفسه (متى 27: 35؛ لوقا 11: 17-18؛ يوحنا 19: 24؛ عبرانيّين 2: 4). ليست فكرة الكاتب أنّ الكلمةَ تفصل النَفْسَ عن الروح كما لو كانا عنصرَيْن متميّزَيْن في الطبيعة البشريّة، بل كلمة الله هل التي تقسم النفسَ والروحَ، بمعنى أنّها تخترق أعمقَ أجزائنا.

إنّ الفرقَ بين نظريّة التقسيم الثلاثي والتقسيم الثنائي في الكتاب المقدّس له عواقب مُهمّة تُعلّم حتمًا الفكر المسيحيّ لقصّة الخلق والطبيعة البشريّة الأساسيّة. مثلًا، تقول نظريّة التقسيم الثلاثي إنّ الله لا يفدي الشخصَ بأكمله في هذه الحياة (الجسد والروح)، ولكنّه يضع روحًا متجدّدة (أبديّة) في داخلنا لا تحتاجُ إلى فداء.

لقد خلقَنا الله على صورتِه، وهذا يشتمل على عنصر جسديّ يتناسب مع الوجود الأرضيّ بتصوّر مُسبَق لتجسّد المسيح. يُعطينا الله أنفسًا (أو أرواحًا) تمتلك وعيًا ذاتيًّا ترغب وقادرة على التواصل معه. الموت (عدوّنا الأعظم) هو انفصال ما جَمَعَه الله. إنّها لعنة على جنسٍ ساقط، ولا تحرّرنا ممّا هو ماديّ. في القيامة العامّة في نهاية الزمان، سيقيمنا الله "بأجساد روحيّة" (بأجساد وأرواح مفديّة) لا تفنى، والتي، كما يقول بولس في 1 كورنثوس 15، مُقامة بقوّة، وبالتالي ستكون مؤهّلة للأمجاد الأبديّة في السماء.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

كيم ريدلبارجر
كيم ريدلبارجر
الدكتور كيم ريدلبارجر هو الراعي الرئيسي لكنيسة المسيح المُصلَحة في مدينة أنهايم، بولاية كاليفورنيا، والمذيع الشريك للبرنامج الإذاعي (White Horse Inn). وهو مُؤلِّف كتاب (A Case for Amillennialism) وكتاب (First Corinthians) في سلسلة (Lectio Continua).