ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سِفر نشيد الأنشاد - خدمات ليجونير
خمس حقائق يجب أن تعرفها عن عقيدة الثالوث
۵ مارس ۲۰۲۵
خمس حقائق يجب أن تعرفها عن عقيدة الثالوث
۵ مارس ۲۰۲۵

ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سِفر نشيد الأنشاد

سفر نشيد الأنشاد قطعة أدبيّة حكميّة شعريّة ضمن تقليد سليمان (نشيد الأنشاد 1: 1)، مع أسفارٍ أخرى مثل الجامعة والأمثال. يُشير التركيب القواعدي لعنوان النشيد في العبريّة ("نشيد الأنشاد") إلى صيغة تفضيل عُليا، فيكون معنى هذا العنوان "الأغنية الفُضلى،" تمامًا مثل عبارة "ملك الملوك" و"ربّ الأرباب". وهذه التسمية التفضيليّة العُلْيا جذّابة ولافتة بصورة استثنائيّة، وذلك بالنظر إلى حقيقة أنّ عدد الأغاني التي كتبها سليمان ألفًا وخمسًا (1ملوك 4: 32). واضحٌ أنَّ هذه أفضل المجموعة، ولكنّ الكنيسة صارعت في الوصول إلى تقديرٍ تامّ لرسالة نشيد الأنشاد، وذلك بسبب محتواه الحميميّ بل والجنسيّ. وفي ما يلي ثلاثة أمور ينبغي أن تعرفها عن أفضل أغاني سليمان وأناشيده.  

1. يرد مفتاح فهم نشيد سليمان في نهاية السّفر.  

 تظهر هذه السّمة في مؤلَّفات حكمة أخرى في العهد القديم. فمثلًا، في نهاية سفر الجامعة يضع الكاتب أخيرًا كل ما أورده سابقًا في منظوره الصحيح: "فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ" (جامعة 12: 13). وبصورة مشابهة، حين نقرأ الإصحاح الأخير من سفر أيّوب، نصير مؤهَّلين للعودة إلى البداية وفهم سبب كلّ ما حدث. وتنطبق طريقة التعليم هذه نفسها على سفر نشيد الأنشاد.  

تُوجَد الوحدة التعليميّة الرئيسيّة في النشيد في نشيد الأنشاد 8: 6-10. ففي شكلِ تلخيصٍ، يعلِّم هذا النشيد عن ضرورة أن يشتمل عهد الزواج التزامًا وتكريسًا (نشيد الأنشاد 8: 6أ) وحميميّة (نشيد الأنشاد 8: 6ب). فالعلاقة الزوجيّة الملتزِمة بالحفاظ على هاتَين الحقيقتَين ستحتمل الضيق بصورة أفضل (نشيد الأنشاد 8: 7أ)، وتقاوم التجربة (نشيد الأنشاد 8: 7ب)، وتعزِّز الكمال والشفاء (الشالوم) في سياق تلك العلاقة (نشيد الأنشاد 8: 10). يحبّ العالم الجزء المتعلِّق بالحميميّة، ولكنّه كثيرًا ما يرفض ويتجاهل كمال الالتزام الثابت. ومن ناحية أخرى، تؤكِّد الكنيسة بكلّ حماس على الالتزام الثابت طول الحياة، ولكنّها لم تعمل الكثير من أجل تأكيد صلاح الحميميّة الجنسيّة في سياق علاقة الزواج التي يعلِّم تكوين 2 عنها. علينا أن نلتزم بتعزيز هاتَين الناحيتَين في الزواج.  

2. يصف سفر نشيد الأنشاد الزواج وعلاقة الله مع شعبه.  

لا يدور سفر نشيد الأنشاد حول الالتزام والحميميّة في سياق الزواج فقط، بل يتكلَّم أيضًا عن نوع العلاقة التي يرغب الربّ بها مع شعبه. ولكنّها ليست صورة مجازيّة تخيُّليّة تصف العلاقة بين يهوه وإسرائيل أو بين يسوع والكنيسة. إنها نشيد حكمة عن الالتزام والحميميّة في سياق الزواج، وليس من أمرٍ يستدعي الخجل في هذا. ولكنّ الكتاب المُقدَّس يعلِّم أيضاً أن عهد الزواج المذكور في تكوين 2 كان يهدف للإشارة إلى شيءٍ يتجاوزه، إلى الزواج الإسخاتولوچي الذي يعلِّم سفر الرؤيا 19-22 عنه.  

وهذا هو مقصد الرسول بولس في نهاية أفسس 5 حين يقتبس من تكوين 2: "’مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا‘. هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ" (أفسس 5: 31-32). فكلّ الخير والصلاح الذين خلقهما الله في الزواج سيُعظَّمان ويصلان الكمال في السماء الجديدة والأرض الجديدة. وبالإضافة إلى هذا، سيُستأصَل كلُّ حزن وخسارة في العلاقة الزوجيّة اللذين تسبَّبت بهما الخطيّة. الزواج موضوع مهم في الكتاب المُقدَّس. بل ويُمكِننا أن نقول إنّه يمثِّل إطارًا للكتاب المُقدَّس من البداية إلى النهاية. ولذا، لندع عهد الزواج يذكِّرنا بالرجاء الذي ينتظرنا في تلك النهاية.  

3. تكثُر اللغة المجازية في نشيد سليمان.  

 يستخدم الشعرُ اللغةَ بأسلوبٍ فنيّ أكثر مما نرى في الروايات القِصَصيّة أو النثر. وقد لا تُقابِل التعبيرات المجازيّة في لغةٍ أخرى ومن ثقافةٍ قديمة التعبيرات المجازيّة الشائعة في سياقنا اللغوي والثقافي بصورة مطابقة. فمثلًا، أنا لا أمدح زوجتي قائلًا: "شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ" (نشيد الأنشاد 4: 1)، أو "خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ" (نشيد الأنشاد 4: 3). ونقرأ في نشيد الأنشاد 4: 2:  

أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ  

الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ،  

اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ،  

وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 

لم أشهد في حياتي مثل هذا الحدث، ولا تجربة كبيرة لديّ مع الغنم، ولذا أحتاج إلى جهدٍ كبير لفهم أنَّ المرأة الموصوفة هنا ذات أسنانٍ بيضاء، ولم تفقد أيًّا منها. وتأمَّل بلغة نشيد الأنشاد 4: 11، حيث تُوصَف المرأة بكونها مرغوبةً من الناحية الرومانسيّة. يقول:  

شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا.  

تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ،  

وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ. 

لا تُستخدَم الكلماتُ "الشهد" و"العسل" و"اللبن" و"رائحة لبنان" لوصف الرغبة في زمننا الحالي، ولكنّنا نستطيع تقدير هذه الأنماط القديمة في التعبير إذْ هي تقابل النبيذ الأحمر أو العطر أو بتلات الورد في سياقنا.  

كما يستخدم نشيد الأنشاد صِيَغًا مجازيّة تصويريّة. فنقرأ مثلًا:  

بَنُو أُمِّي غَضِبُوا عَلَيَّ.  

جَعَلُونِي نَاطُورَةَ الْكُرُومِ.  

أَمَّا كَرْمِي فَلَمْ أَنْطُرْهُ. (نشيد الأنشاد 1: 6) 

فالمرأة توضِّح أن جلد جسمها اسودَّ لأنَّ إخوتها أجبروها على العمل في كروم العائلة، ممّا يعني أنّها لم تحظَ بالوقت للاعتناء بكرمها، أي جسدها. وتظهر هذه التصويرات المجازيّة ثانيةً في نهاية سفر نشيد الأنشاد، حيث تظهر كروم سليمان بجانب كرم المرأة، الذي، مرّةً أخرى، يُشير إلى جسدها (نشيد الأنشاد 8: 11).  

وأخيرًا، يستخدم سفر نشيد الأنشاد أسلوب التلطيف اللغويّ (euphemism) في الحديث عن مواضيع حسّاسة أو تتطلَّب قدرًا من الاحتشام والحياء في التعبير. فمثلًا، يُدعى المحبوب بالقول: "لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ" (نشيد الأنشاد 4: 16)، وهذه دعوة إلى الحميميّة الجنسيّة. ونقرأ كذلك: "قُلْتُ: ’إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا‘" (نشيد الأنشاد 7: 8). وتظهر صيغة تلطيف لغويّ كثيراً ما تكون محلَّ تجاهُلٍ في الإصحاح 3، حيث الحديث عن جبابرة سليمان الستّين حول "تخت" (حمّالة) سليمان، وبأنّهم "قابضون سيوفًا" (نشيد الأنشاد 3: 8). ولكنَّ المعنى الأفضل لما يقوله النصّ العبريّ هو: "هُم مُمسَكون من السيف". وبكلماتٍ أخرى، كان هؤلاء خصيانًا. فاللغة المجازيّة في نشيد الأنشاد هي أحد ما يجعله أفضل الأناشيد حقًّا. وسيجني القرّاء الكثيرَ بتوجيه انتباههم بصورة خاصّة إلى هذه النّاحية في السفر.  

هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها". 


تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

مايلز ڤان بيلت
مايلز ڤان بيلت
الدكتور مايلز ڤ. ڤان بيلت هو بروفيسور آلان هايز بيلشر لمادّة العهد القديم ولغات الكتاب المقدّس، ومدير الكليّة الصيفيّة للغات الكتابيّة في كليّة اللاهوت المصلَحة في مدينة جاكسون في ولاية ميسيسبي. قام بتأليف العديد من الكتب، منها كتاب Basics of Biblical Hebrew and Judges: دراسة لمدّة 12 أسبوعًا.