
ثلاثة حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة بطرس الثانية
۱۵ مايو ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة كولوسي
۲۲ مايو ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفرناحوم

ليس سفر ناحوم سفرًا سهل القراءة والفهم. ومع أنّ رسالته عن الدينونة على أشور تُظهِر أنَّ الله لن يسمح بانتصار الخطيّة، فإنّه يصعب أن نقدِّر تعبير السفر عن احتفاله وفرحه بسقوط نينوى تقديرًا كافيًا، أو أنْ نفهم كيفيّة ارتباط التركيز الثابت والمستمرّ على الدينونة ببشارة الإنجيل. يمكن فهم هذه المسائل التفسيريّة وغيرها الكثير إنْ احتفظْ القارئ بالنقاط الثلاثة التالية بفكره:
1. تشكِّل بشارة الإنجيل سياق رسالة ناحوم (ناحوم 1: 2-8)
نبرة القسم الرئيسيّ الأوّل، ناحوم 1: 2-8، سلبيّة بصورة جازمة وحازمة. يسلِّم ناحوم بأنَّ كلّ البشر، لا الأشوريّين فقط (الذين لا يُذكَرون في هذا القسم)، يقفون مكشوفين أمام عدالة الله الكاملة (ناحوم 1: 2-3، 5-6، 8). وهكذا، فإنّ حقيقة أنّ الله "حصنٌ في يوم الضّيق" وأنّه يوفِّر "الملجأ" من الدينونة الآتية للذين يثقون به ويسلّمون أنفسهم لرحمته هي بشارة عميقة وعظيمة (ناحوم 1: 7).
وإذْ يرِد هذا القسم بما فيه من بشارة، في بداية السفر، فإنّه يمثِّل المفتاح التفسيريّ لما يتبعه من أقسام بقيّة السفر. خطيّة يهوذا الماضية، وقرار الله بنعمته بأن يُنهي آلام يهوذا وضيقته (ناحوم 1: 12)، وعاصفة الغضب التي تُوشِك أنْ تقع على أشور كلّها نماذج ورموز لعمل الله المزدوج المُؤلَّف من الدينونة والخلاص. وعلاوةً على هذا، على الرغم من إخضاع الأشوريّين، الذي بدا أمرًا لا يمكن إيقافه، للشرق الأدنى القديم، بما في ذلك مملكة إسرائيل الشماليّة قبل أقلّ من قرنٍ من زمان ناحوم، فإنّ تدخُّل الله سيُظهِر أنّ ادّعاءات الإمبراطوريّة الأشوريّة بالسيادة والتفوُّق كانت ادّعاءاتٍ كاذبة، وهذا ينطبق على ادّعاءاتها بأنّ آلهتَها جعلتْ ذلك التفوُّق ممكنًا.
2. ليست أشور عدوَّ الله الأسمى.
مع أنّ ناحوم يدين بشدّة أشور، وخاصّة نينوى عاصمتها، لم يكن معظم الأشوريّين جزءًا من التعدّي والإساءة، كما كان بعض سكّانها من بني إسرائيل الذين هُزِموا وسُبوا إلى أراضي المملكة الأشوريّة. وفي الحقيقة، يركِّز السفر بصورةٍ ثابتةٍ على ملوك أشور (ناحوم 1: 11، 14)، وجيشها المُسلَّح (معظم ناحوم 2)، وآخرين يشاركون في برنامج الاستغلال وتمجيد الذات، ويُعلِن أنَّ دينونة الله ستقع بصورة رئيسية على هؤلاء. وللأباطرة، مثل إسرحدون (حكم في الفترة 681-669 ق.م.)، الذين لقَّبوا أنفسهم "ملك العالم، وسيّد الحكّام،" واعتمدوا على "الآلهة العظيمة،" مثل "مردوك" و"نبو"، يقول الربّ بكلّ بساطة: "صرتَ حقيرًا" (ناحوم 1: 14)، والربُّ من يجعله كذلك. مجازاة الله للإمبراطوريّة الأشوريّة عيّنة لدينونته الآتية على "بابل" في سفر الرؤيا، التي تمثِّل لا روما فقط، بل وبابل ونينوى قبلها، وكلّ القوى البشريّة بعدها، التي تتّصف بالعنف والتكريس للمادّيّة، وتحدّي الله وتمجيد الذات (رؤيا 17-18).
3. سيهزم الله كلَّ أعدائه وينجّي شعبه بصورة تامّة.
لو لم يكن الله ملتزِمًا من ذاته وبنعمته بأن يخلِّص الخطاة، لأسلم حُكمه على كلّ أعدائه الجميع إلى الدينونة والموت (رومية 5: 12-14). لكن الأمر المُدهِش أنّ نعمة الله اخترقت عالمًا مكرَّسًا لتحقيق الذات واستقلالها وبطريقة العالم، سواء في طغيانِ وظلمِ أشور قديمًا أو في الاشكالّ الأخرى من التمرُّد على الله في الحاضر.
في ضوء سلطة الخطيّة وقوّتها، تكون الدينونة والخلاص سببًا للفرَح. حين يسقط الشرّ وممارسوه، يفرح ضحاياه، ويكون فرحهم مُبرَّرًا (ناحوم 3: 19؛ رؤيا 19: 1-5). وبالمثل، فإنَّه الذين ينالون خلاص الله بفرح يحتفلون بنعمته ورحمتهم لهم (ناحوم 1: 15)، ويتطلَّعون إلى التحقيق الكامل لمقاصده الخلاصيّة (ناحوم 2: 2).
إذ نعيش في الأيّام الأخيرة، التي لم تكتمل بعدُ، تدعو رسالة ناحوم المؤمنين إلى الحفاظ على ثقتهم بوعود الله، وإلى إعادة صياغة وتفسير التناقضات الكثيرة في العالم بشأن الحقّ الإلهيّ. ومثلما فضح ناحوم طبيعة نينوى الطاغية الظالمة الوثنيّة التي تمجِّد الذات وتدمّرها، ينبغي للمؤمنين أن ينتقدوا الأشكال الكثيرة التي فيها يسلب أفرادٌ ومجموعاتٌ وثقافاتٌ كاملة حقّ الله الحصري في أن يعرِّف الإنسان، إذ تصفه تلك الثقافات والمجموعات بأنّه مستقلّ، ويخلو من أيّة معرفة فطريّة لله، وقادرٌ تمامًا على أنْ يحقّق السعادة الكاملة بنفسه.
كما يدعو ناحوم المؤمنين إلى أن تفكيك مفهوم الخيرات "الأسمى" الزائلة التي يعتبرها البشر الهدف الأسمى، سواء كانت الثروة الماليّة، أو المكانة الاجتماعيّة، أو النقاوة التي ينسبها الإنسان إلى نفسه بإبراز فضيلته، أو بتعزيز قوّته. ليست هذه الأوثان سوى أصنامٍ خلقها البشر، وهي عاجزة عن أن تخلِّص أو تُشبِع، وقد ظهر عجزُها (ناحوم 1: 13). يُظهِر انتقاد ناحوم، المدفوع من بشارة الإنجيل، للطغيان الأشوريّ أمام قرّائه كيف تُحلَّل الثقافة في إطار عمل دينونة الله وخلاصه، وبالتالي يهيِّئ المؤمنين للشهادة الفاعلة. كما أنّه يحمينا من إغواء وعود العالم أو السماح لرجائنا بأنْ يهتزّ في مواجَهة ادّعاءات العالم المستمرّة بأنّه مصدر كلّ ما هو صالح، وهو حقّ يحتفظ به الربّ لنفسه، وحقيقةٌ تخلِّص وتُشبِع الذين يعرفونه (ناحوم 1: 7).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.