
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر دانيال
۱۷ يوليو ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة يعقوب
۲٤ يوليو ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر إرميا
سفر إرميا أحد أصعب أسفار الكتاب المُقدَّس، ودراسته مهمّة ليست هيّنة. فمن ناحيةِ عدد كلماته، هو أطول أسفار الكتاب المُقدَّس. وهو يتنقل بين الصور الشعرية والسرد، وغالبًا من دون أي تنبيه مُسبق، ولا يتبع تسلسلًا زمنيًّا. ويتعلَّق معظم محتواه بدينونة كئيبة وخطايا بشعة، مع بعض بريق الرجاء والأمل. وكثيرًا ما يشعر الناس بالحيرة حين يحاولون أن يقرأوه.
ولكنّ الله أعطانا هذا السفر لتشجيعنا (رومية 15: 4). فإنْ تذكَّرنا ثلاث حقائق بينما نقرأ هذا السفر، فسنبدأ في فهم قصد الله ومحبّته في إعطائنا هذا السفر الممتلئ بالتحدّي.
1. موضوع هذا السفر هو الدينونة التي تؤدي للاسترداد.
برغم ما ينطوي عليه سفر إرميا من تعقيد، فإنّه يشرح موضوعين أساسيّين: الدينونة والاسترداد. تشير آية موضوع السفر أو خطّه الفكري إلى هذين الموضوعَين: فالرب أقام إرميا "عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ" (إرميا 1: 10). تتعلَّق الأفعال الأربعة الأولى بالدينونة (القلع، الهدم، الإهلاك، النقض)، بينما يتعلَّق الفعلان الأخيران بالاسترداد (البناء، الغرس).
تُشير مقاطع الدينونة بصورة رئيسيّة إلى سقوط أورشليم بيد البابليّين عام 586 ق.م. الربّ حاسم بشأن تأكيده على أنّ هذا الحدث المرعب كان نتيجة خطيّة يهوذا المريعة. وتُظهِر الإشارات الكثيرة إلى لعنات العهد المذكورة في تثنية 28 أنَّ الربّ ملتزم تجاه ما قال إنّه سيعمله إن خان شعبه العهد. والحقيقة هي أنّه كان عظيم الصبر جدًّا.
وخلال خدمة إرميا، صار سقوط يهوذا حدَثًا محتومًا، ولن يستطيع أيُّ مقدارٍ من التوبة أن يجنِّبهم هذا المصير. ولذا يمنع الربَّ إرميا من أنْ يصلّي لأجل الشعب (إرميا 7: 16؛ 11: 14). ولذا، فإنّ الطريقة الوحيدة للتقدُّم إلى الأمام بالنسبة إلى يهوذا هي بأن يقبلوا الدينونة، التي تشمل سبيهم من أرض الموعد (إرميا 21: 8-10).
ولكنّ الجزء الأكثر إدهاشًا من رسالة إرميا هو أنّ الربّ، الإله نفسه الذي سيأتي بالدينونة عليهم، ينوي أن يعكس اللعنة ويقلبها رأسًا على عقب (إرميا 31: 28)، ويشفي شعبه (إرميا 30: 12-17؛ قارن مع تثنية 32: 39). سيعمل الرب أكثر من مجرَّد إعادة يهوذا إلى ما كانوا عليه قبل السبي. ينوي أن يعطيهم هبةً جديدة: العهد الجديد، الذي به سيتعامل الله مع مشكلة الخطيّة التي قادت إلى السبي في المرّة الأولى. فسيكتب الربّ شريعتَه على قلوب الناس (إرميا 31: 31-34)، ويعطيهم القدرة على أن يثبتوا في الإيمان (إرميا 32: 40)، فلا تعود الخطيّة تنتصر.
ولذا، أُعطيَ سفرُ إرميا ليعطي يهوذا قدرةً على الاستمرار في نهاية قصّتهم الكئيبة هذه. وحتّى باقتلاع أمّتهم على كلّ المستويات (المَلِك، الهيكل، الأرض، العهد)، يُظهِر إرميا أنّ لدى الربّ قصدًا فدائيًا. فقد أزال هذه الهبات، التي ليست سوى ظلال، من أجل تهيئة الطريق للهبات الأخرويّة النهائية التي لن تزول. لن يكون الغضب هو النهاية الحقيقيّة لقصة إسرائيل، إذْ ستكون نهايتها النعمة والمجد.
2. يتغيَّر المتكلِّمون في السفر من دون تمهيدٍ يوضِّح ذلك التغيير.
كثيرًا ما يجاهد القراء لفهم الأقسام الشعريّة في سفر إرميا. وتصير هذه المقاطع الغنيّة مفهومة حين ندرِك أنَّ إرميا يصوِّر النقاشات ما بين الربّ وإرميا والشعب. في بعض الأحيان يصوِّر الناس مُستخدِمًا صورة "السيّدة صهيون" (إرميا 10: 19-20)، إذْ تُصوَّر أورشليم بامرأة.
في هذه الحوارات الدراماتيكيّة يتغيَّر المتكلّم من دون أيّ تمهيدٍ أو تنبيهٍ يُشير إلى هذا التغيير. ففي إرميا 8: 18 – 9: 3، مثلًا، يتغيَّر المتكلِّم خمس مرّات. ولذا، علينا أنْ ننتبه إلى التغيير بالصوت/ المتكلّم بناءً على إشاراتٍ ترد في النصّ. فإن كنتَ تسأل نَفسك: "مَن المتكلّم في هذه الآية؟" وتتوقَّع أنّ المتكلِّم يتغيَّر بصورة متكرِّرة، يمكنك أنْ تفهم النصوص الصعبة. ويمكن للتفاسير، طبعًا، أن تساعدنا كثيرًا في هذا الأمر.
3. يُشير السفر إلى يسوع المسيح والكنيسة.
يُخبِرنا الربّ يسوع، الذي هو الكاتب الأسمى لسفر إرميا (١ بطرس 1: 11)، أنّ السفر يدور حوله (لوقا 24: 25-27). وإن كان سفر إرميا يدور حول يسوع، فإنّه يدور حول كنيسته، المتّحدة به.
حين نقرأ إرميا، علينا أن نتوقَّع مقابلةً تمنح حياة مع يسوع المسيح. ولكنْ علينا أيضًا أن نتوقَّع سماع كلماتٍ مُعطية للحياة تتحدث عنّا. الربُّ يسوع المسيح هو الغصن البارّ الآتي من نسل داود، الذي سيُدعى "الرَّبُّ بِرُّنَا" (إرميا 23: 5-6). ولكنّ الكنيسة أيضًا مدعوّة بالاسم نفسه (إرميا 33: 16). سيغمر برُّ الله لا ملكَه الأبديَّ فحسب، بل وشعبَه أيضًا.
ليست هذه النبوّات المباشرة عن مجيء يسوع سوى البداية. فالدينونة التي وقعَتْ على يهوذا والأمم، وهو ما يدعوه الأنبياء "يوم الربّ،" ليست سوى صورة صغيرة ليوم الدينونة الأسمى والأخير، الذي أشار موت يسوع على الصليب إليه (لاحظ زلزلة الأرض، وظلمة السماء حين مات يسوع، وهي صورة مأخوذة من يوم الربّ؛ متّى 27: 45، 51). وهكذا، حين يتكلَّم إرميا عن دينونة الربّ على يهوذا والأُمَم، يمكننا أن نفهم صليب المسيح بصورة أفضل. وبالمثل، فإنَّ وصف إرميا الغنيّ للردّ (إرميا 30-33) يُشير إلى ملكوت الله الأبديّ، الذي أتى في قيامة يسوع المسيح، وإنْ لم يكن مجيئه هذا قد أتى بصورة كاملة ونهائيّة.
وهكذا، فإنَّ سفر إرميا يشهد لقصّتنا. عند عودة المسيح، ستتحقَّق الدينونة التي تكلَّم إرميا عنها تحقُّقها النهائيّ. وتلك الدينونة للخليقة القديمة ستأتي بنا إلى الاسترداد الأبديّ الذي أنبأ إرميا به. ولذا، يبقى سفر إرميا مفيدًا لقرّائه في كلّ زمان.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

